ما الذي يفسر سرعة انهيار الجيش الأفغاني؟

أغلب التقارير والمحللين كانوا يتوقعون انهيار الحكومة الأفغانية بعد مرور نحو سنة من استكمال الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي سحب كامل قواتهما المتمركزة في أفغانستان، أو يمكن أكثر، لكن الواقع كان عكس التخمينات، فقد انهارت حكومة أشرف غني بسرعة وسيطرت حركة طالبان على البلاد ودخلت القصر الرئاسي بالعاصمة كابل، قبل انتهاء القوات الأجنبية من الانسحاب.
سرعة سقوط كابل في قبضة طالبان، دفعت العديد من المتابعين للتساؤل عن الأسباب والعوامل التي أدت إلى الانهيار السريع للجيش الأفغاني وتسليمه مدن البلاد دون أي قتال، رغم ما صُرف من مال لتجهيز هذا الجيش طيلة السنوات الماضية.
فشل أمريكي في تأسيس جيش
في أبريل/نيسان الماضي، عبر الرئيس الأمريكي جو بايدن عن ثقته في قدرة الجيش الأفغاني على الصمود في وجه طالبان، كان ذلك عند إعلانه قراره بسحب جميع القوات الأمريكية من أفغانستان، لكن يبدو أن ثقة بايدن لم تكن في محلها.
في مدة وجيزة، استولت طالبان على البلاد واستلمت السلطة، وقد كان من المفترض أن تكون قوات الجيش والشرطة الوطنية الأفغانية – التي يبلغ تعدادها نظريًا 350 ألف – رادعًا قويًا لطالبان وفق قوات الحلفاء التي كانت متمركزة هناك.
إلى جانب سيطرتها على عواصم المقاطعات والقواعد العسكرية بسرعة مذهلة، سيطرت طالبان في وقت وجيز على مجموعة من المعدات العسكرية الحديثة – بما في ذلك الطائرات المقاتلة -، فقد اختارت القوات الحكومية الأفغانية في حالات عديدة تسليم مركباتها وأسلحتها بدلًا من القتال.
أغلب هذه المعدات أمريكية الصنع، يمثل السيطرة عليها وانسحاب رجال الجيش من أمام قوات طالبان دليلًا على فشل الولايات المتحدة في إنتاج جيش وشرطة أفغانيين على مدار عقدين، رغم أن تكلفة بناء وتدريب هذا الجيش بلغت 83 مليار دولار.
صرف ميزانية هائلة وإنفاق غير محدود للمال غير كافٍ لبناء جيش قادر على تحقيق أي نجاح ضد حركة طالبان
قالت الولايات المتحدة إنها جهزت الجيش الأفغاني منذ سنة 2001 بطائرات ومروحيات وطائرات مسيرة ومدرعات وصواريخ، إذ لم تتوان وفق مسؤولي البنتاغون عن وضع كل الأجهزة المتطورة تحت تصرف هذا الجيش حتى يعكس صورة واشنطن ويحقق هدف العملية العسكرية في البلاد، لكن لم يكن هناك أي فائدة من الأمر.
يبين هذا الأمر حجم الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة وحلفاؤها خلال 20 عامًا، أي منذ احتلالهم أفغانستان، فصرف ميزانية هائلة وإنفاق غير محدود للمال غير كافٍ لبناء جيش قادر على تحقيق أي نجاح ضد حركة طالبان.
غياب الحقيقة
يقول الأفغان والأمريكان إن عدد الجنود الأفغان يتجاوز 300 ألف جندي، لكن العديد من المتابعين يؤكدون أن هذا الرقم مبالغ فيه قليلًا، وما سرعة خسارتهم أمام طالبان التي لا يتجاوز عدد مقاتليها 70 ألفًا إلا دليل على ذلك.
غالبًا ما كان المسؤولون يغضون الطرف عما كان يحدث داخل الجيش الأفغاني، مدركين تمامًا أن عدد القوى العاملة الحقيقية للقوات الأفغانية كان أقل بكثير مما كان موجودًا في السجلات، الذي تم تشويهه بالفساد والسرية التي قبلوها بهدوء.
يؤكد هذا الأمر ظاهرة “الجنود الأشباح”، التي سبق أن تحدثت عنها تقارير عديدة وحذرت منها مؤسسات عدة، إذ يتم تسجيل جنود وهميين من أجل حصول المسؤولين على أجورهم، ما يكشف حجم الفساد في الجيش الأفغاني.
وفقًا لمركز مكافحة الإرهاب في الأكاديمية العسكرية الأمريكية في “ويست بوينت”، فإن أرقام الجيش الأفغاني كان مبالغًا فيها إلى حد كبير، فمن أصل 300 ألف فرد، 185 ألفًا فقط منهم وضعوا في يوليو/تموز 2020 تحت سلطة وزارة الدفاع الأفغانية (القوات البرية والجوية والخاصة)، أما البقية، فكانوا من رجال الشرطة وعناصر الأجهزة الأمنية.
وفق محللي “ويست بوينت” فإن 60% فقط من قوات الجيش الأفغاني كانوا مقاتلين مدربين، بينما باقي القوة العسكرية كانت مشكلة من المقاتلين، وخلصوا إلى أنه إذا استثنينا 8 آلاف عنصر من القوات الجوية، فإن قدرة الجيش الأفغاني لا تتجاوز 96 ألف فرد.
ويعتبر الفرار من الخدمة العسكرية أحد أبرز مشاكل الجيش الأفغاني، إذ اضطر الجيش عام 2020 إلى استبدال 25% من قوته، بسبب الفرار من الخدمة، ويرجع الفرار من الخدمة العسكرية إلى أسباب عديدة.
جنود أميون
ركز الأفغان والأمريكان على شراء الأسلحة الحديثة وتسليح الجيش، لكن تجاهلوا حقيقة أن غالبية الجنود الأفغان أميون، إذ أظهرت العديد من التقارير أن أكثر من نصف الجنود الذين يخدمون في صفوف قوات الأمن الأفغانية لا يعرفون القراءة والكتابة رغم الاستثمارات الضخمة الموجهة إلى محو الأمية.
ارتفاع الأمية لدى الجنود الأفغان، يبين أن الجنود لا يعرفون الأسلحة التي بين أيديهم ولا كيفية تشغيلها ولا صيانتها
وُضعت العديد من البرامج الأساسية لمحو الأمية ومساعدة الجنود على تعلم كتابة جميع الأحرف الأبجدية والأرقام من واحد إلى ألف، لكن أغلب الجنود ما زالوا لا يستطيعون كتابة الأحرف الأولى من أسمائهم، وتشير إحصاءات وزارة التربية والتعليم الأفغانية إلى أن ثلث الأفغان فقط يجيدون القراءة والكتابة.
وسبق أن أطلقت الولايات المتحدة برنامجًا لمحو الأمية في الجيش الأفغاني بتكلفة 200 مليون دولار استهدف تحقيق جميع الأفراد للمعايير الأساسية للتعليم بحلول عام 2014، إلا أن هذا الهدف لم يتحقق وغير قابل للتحقق حتى في الوقت الحاليّ.
يعود ارتفاع نسبة الأمية بين صفوف الجيش الأفغاني في جزء منه إلى ترك الكثير من الجنود للخدمة بعد فترات قصيرة، فما إن يكملوا التدريب على القراءة والكتابة حتى يتركوا الخدمة، ويبحثوا عن عمل آخر أقل تعبًا وأكثر مالًا.
ارتفاع الأمية لدى الجنود الأفغان، يبين أن الجنود لا يعرفون الأسلحة التي بين أيديهم ولا كيفية تشغيلها ولا صيانتها، فهم لا يعرفون كتابة أسمائها ولا قراءتها، فما بالك بالتعامل مع سلاح ناري متطور يتطلب دراية كبرى، ما يعني أن الأسلحة التي بحوزتهم تتجاوز قدراتهم.
غياب العقيدة القتالية
يُقاتل مقاتلو طالبان من أجل إعادة السيطرة على البلاد وتنفيذ برنامج حكمهم هناك، لكن على ماذا يُقاتل الجنود الأفغان؟ أغلبهم دخل الخدمة العسكرية من أجل ربح بعض المال في ظل ارتفاع نسبة البطالة التي تجاوزت 40%.
يهتم قادة الجيش وكبار المسؤولين الأفغان بالعتاد العسكري أكثر من اهتمامهم بالجنود الذين يستعمولنه، لذلك كانوا لا يهتمون بتدريباتهم أو إطعامهم، ما جعل اعتقاد أغلب الجنود الذين يقاتلون في صفوف الجيش الأفغاني بأن القتال في الجيش من أجل حكومة الرئيس أشرف غني لا جدوى منه، فالرئيس غني لا يستحق الموت من أجله، إذ غادر في أول طائرة للخارج هربًا من طالبان.
ويرى العديد من الجنود الأفغان أن حكومة بلادهم لا تتمتع بالكفاءة التامة ولا الوطنية المطلوبة حتى يتم التضحية من أجلها، وهو ما يفسر اليأس ومشاعر الخوف التي انتابت الجنود أول ما بدأت قوات طالبان تتقدم نحو كابل وتستعيد السيطرة على المدن الأفغانية.
بينت الأشهر الأخيرة أن القوات الأفغانية كانت جوفاء، ومجهزة بأسلحة متفوقة لكنها تفتقر إلى حد كبير للمكون الأساسي للدافع القتالي، وهو نفس الشيء بالنسبة للقوات العراقية التي انهارت مباشرة في وجه تنظيم داعش سنة 2016، ما يعني فشل الولايات المتحدة في الهدف الذي جاءت من أجله في كلا البلدين.