ترجمة وتحرير نون بوست
محمد الحلبي متهم بسرقة أموال الإغاثة وتسليمها لحماس مقابل جهدها في الحرب ضد إسرائيل. لكن بعد مرور خمس سنوات، يبدو أن الأدلة ضده معيبة بشكل خطير.
في حوالي الساعة التاسعة صباحا من يوم 12 تموز/ يوليو 2016، اقتحم العشرات من رجال الأمن الإسرائيليين بوابات مجمع مستشفى أوغستا فيكتوريا في القدس الشرقية. تجاوزوا المستشفى، الذي يقدم خدماته في الغالب إلى السكان الفلسطينيين المحليين، وشقوا طريقهم عبر موقف السيارات الرئيسي إلى مبنى من ثلاثة طوابق حيث توجد مكاتب المنظمة الخيرية العالمية “وورلد فيجن”.
أمر الضباط، الذين كان بعضهم مسلحا بالبنادق، العشرات من موظفي المؤسسة الخيرية بدخول غرفة اجتماعات وصادروا هواتفهم لمنعهم من الاتصال بالعالم الخارجي. وحسب شهود عيان، ظلوا محتجزين هناك لمدة أربع ساعات. وكان رجال الشرطة والمخابرات الإسرائيلية يستدعون من حين لآخر موظفا للخروج من الغرفة لاستجوابه، بينما تجوّل آخرون في المكاتب بحثًا في الملفات.
كانت كوني لينبيرغ، الأسترالية التي كانت حينها رئيسة عمليات الشرق الأوسط في منظمة وورلد فيجن، الوحيدة التي سُمح لها بمغادرة الغرفة وذلك لأنها كبيرة الموظفين. وفقًا للينبيرغ، طالب الضبّاط بلهجة حازمة بمدهم بنسخ من السجلات المالية لمنظمة وورلد فيجن تعود إلى السنوات القليلة الماضية. وفي أحد الممرات، صادفت لينبيرغ عميل استخبارات إسرائيلي يستجوب المدير المالي للمنظمة إثيوبي الأصل حول أنظمة المؤسسة الخيرية لمنع الاحتيال.
تتذكر لينبيرغ: “ظلوا يقولون ‘لقد قلت ذلك للتو ولكنك الآن تقول شيئا مختلفا’. لقد جعلوه مرتبكا تماما. لم يكن لديهم حقًا دليل على ما كانوا يبحثون عنه. كان إحساسنا أنهم لم يفهموا أنظمتنا حقا”. بعد أربع ساعات، غادر الضباط بنفس السرعة التي أتوا بها.
لم يذكر الضبّاط اسمه مطلقًا، لكن الموظفين كانوا يعرفون أن المداهمة مرتبطة باختفاء محمد الحلبي. قبل ذلك بشهر، اعتُقل الحلبي (38 سنة) وهو رئيس مكتب منظمة وورلد فيجن في غزة أثناء عبوره نقطة تفتيش إيريز بين غزة وإسرائيل، ولم يُسمع عنه شيء منذ ذلك الحين. بعد أسابيع قليلة من اعتقال الحلبي، سافرت لينبيرغ إلى القدس للحصول على مزيد من المعلومات من السلطات الإسرائيلية.
في الرابع من آب/ أغسطس، أي بعد ثلاثة أسابيع من عملية الاقتحام، أصدر جهاز المخابرات الإسرائيلي “الشاباك” إعلانًا استثنائيًا. وقال إن الحلبي اعترف بتحويل 7.2 مليون دولار سنويًا على مدى السنوات السبع الماضية إلى جماعة حركة حماس الإسلامية المتشددة التي تسيطر على قطاع غزة. ويُزعم أنه وقع تسليم أكثر من مليون دولار سنويًا نقدا للوحدات القتالية. إجمالًا، اتُهم الحلبي بسرقة ما يصل إلى 50 مليون دولار من المساعدات المخصصة للفلسطينيين اليائسين ومنحها لحماس لشراء صواريخ وبناء أنفاق. وإذا كانت هذه المزاعم صحيحةً، فقد تكون أكبر عملية سرقة لأموال المساعدات في التاريخ.
بالنسبة للحكومة الإسرائيلية كان ذلك ضربة ذكية وناجحة. فلطالما اتُّهمت حماس بتحويل المساعدات الدولية المخصصة لغزة لتمويل حروبها ضد الدولة اليهودية. والآن تدعي أن لديها دليلًا. تقول شارون مارشال، رئيسة الاتصالات في منظمة وورلد فيجن ومقرها كندا: “لقد صدمنا جميعا بحجم المزاعم – لم يوجه لنا الإسرائيليون أي تحذير، بل مجرد إعلان كبير”.
تعد منظمة وورلد فيجن، التي تأسست في الولايات المتحدة الأمريكية في سنة 1950، واحدة من أكبر المؤسسات الخيرية في العالم بميزانية سنوية تزيد عن ملياري دولار. وتنشط هذه المنظمة، التي يقع تمويلها بشكل كبير من قبل الحكومات الغربية والجماعات المسيحية الأمريكية، في أكثر من 80 دولة وتعمل على دعم أكثر من 40 مليون طفلًا فقيرًا في العالم. احتل خبر اعتقال أحد مديريها عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم. وأوقفت الحكومات الأجنبية، بما في ذلك أستراليا وألمانيا، كل التمويلات لمشاريع منظمة وورلد فيجن في غزة.
في 11 آب/ أغسطس 2016، ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو، وهو شعبوي بارع في اغتنام اللحظات السياسية، خطابا خاصًا على قناته الرسمية على يوتيوب وقال بالإنجليزية متوجها مباشرةً إلى الكاميرا بلهجته الأمريكية المتقطعة: “أنا، رئيس وزراء إسرائيل، أهتم بالفلسطينيين أكثر من زعمائهم. قبل أيام قليلة، علم العالم أن حماس، المنظمة الإرهابية التي تحكم غزة، سرقت ملايين الدولارات من المنظمات الإنسانية مثل منظمة وورلد فيجن والأمم المتحدة”. وختم بالقول: “حماس سرقت دعما هاما للأطفال الفلسطينيين حتى يتمكنوا من قتل أطفالنا”.
مع ذلك، سرعان ما بدأت تظهر فجوات في قضية إسرائيل. تزعم إسرائيل أن الحلبي كان ناشطا سريا في حماس تسلل إلى المؤسسة الخيرية وأسكت زملاءه من خلال التخويف، لكن أولئك الذين يعرفون الحلبي يفنّدون هذه الاتهامات ويصفونه بأنه رجل عائلة مخلص كان داعما لزملائه وعارض حماس سياسيًا وكان قبل كل شيء ملتزمًا بتقديم المساعدة لشعبه. وقع تقويض قضية إسرائيل بشكل أكبر من خلال التدقيق الجنائي المستقل لعمليات منظمة وورلد فيجن، الذي أجرته إحدى أكبر شركات المحاسبة في العالم، والتي لم تجد أي أموال مفقودة ولا أي دليل على وجود نشاط إجرامي.
إن الحلبي مسجون منذ خمس سنوات وشهرين بينما لا تزال القضية مفتوحة في المحاكم الإسرائيلية، وإذا ثبتت إدانته فإنه يواجه عقودًا في السجن. واعتمد الادعاء بشكل كبير على أدلة سرية، حتى أن فريق الدفاع يقول إن بعضها لم يُسمح لهم بالاطلاع عليها، مما دفع مقررا خاصا للأمم المتحدة إلى إدانة الإجراءات باعتبارها “لا تليق بدولة ديمقراطية”.
مثل غيره من الفلسطينيين الذين اتهمتهم إسرائيل، يقول الحلبي إنه عُرضت عليه سلسلة من صفقات الإقرار بالذنب، لكنه على عكس معظم السجناء من قبله رفضها جميعها. وقد حثه محاميه الأول وحتى قاض إسرائيلي على القبول بها، مع العلم أن الرفض يمكن أن يؤدي إلى فترات سجن أطول. ويدعي محاميه الحالي أن الحلبي تلقى عروضا كان من شأنها أن تؤدي إلى إطلاق سراحه فورا مع الوقت الذي أمضاه في السجن، مما يسمح له بالعودة إلى زوجته وأطفاله في غزة. لكن الحلبي يصر على براءته من الاتهامات ورفض عقد صفقة. وانتهت المرافعات في المحكمة في تموز/ يوليو من هذه السنة، لكن الحلبي لا يزال في السجن في انتظار الحكم المتوقع هذا الخريف.
وقع تحدي النظام القانوني الإسرائيلي واتفاقيات صفقات الإقرار بالذنب التي تدور حولها آليتها من قبل رجل واحد يرفض قبول مصيره. وقال مدير جودة البرامج السابق في منظمة وورلد فيجن، سيمون مانينغ، إن الحلبي الذي عمل معه عن كثب لعدة سنوات رجل “عنيد” يلتزم بمبادئه. ولم يتفاجأ مانينغ عندما سمع أن الحلبي قاوم، وقال: “عندما اعتقلوا محمد، لم يكن لديهم حقا أي فكرة مع من كانوا يتعاملون”.
لطالما شكل العمل في غزة تحديًا لمنظمات الإغاثة، فهي منطقة صغيرة تقع تحت الحصار بين إسرائيل ومصر والبحر الأبيض المتوسط، وهي من بين أفقر المناطق في العالم حيث يعتمد أكثر من ثلثي سكانها على المساعدات الإنسانية، وذلك وفقا للأمم المتحدة. لكن غزة تسيطر عليها وتديرها حماس منذ سنة 2007 وخاضت منذ ذلك الحين أربع حروب مع إسرائيل.
نظرًا لأن معظم الدول الغربية تعتبر حماس منظمة إرهابية، فلا يمكن لوكالات الإغاثة التعامل معها خوفًا من التعرض للعقوبات. وقد نفّذت منظمات الإغاثة الكبيرة عمليات تدقيق صارمة لمحاولة منع الاستيلاء على الأموال أو سرقتها – المعروف في المجال باسم تحويل المساعدات – ولكن السرقة لا تزال تحدث.
وصف إيتاي إبشتين، المستشار الخاص للمجلس النرويجي للاجئين الذي يقدم أيضًا المساعدة في غزة، الآليات الصارمة التي تتبناها المؤسسات الخيرية لمنع تحويل المساعدات. وأوضح: “إنك تكرر المراقبة – فتعود للتحقق عدة مرات من أنك إذا قدمت مضخة مياه أو سرير مستشفى، فإنها لا تزال موجودة وتعمل كما ينبغي. علاوة على ذلك، لديك تدقيق خارجي مستمر ومخطط مسبقا للتحقق من كيفية إنفاق كل دولار”. في غزة، كان هناك تدقيق إضافي حيث أن الحكومة الإسرائيلية وبعض المنظمات التي تراقب بشكل روتيني تقدم مزاعم مبنية على “سوء نية” تفيد بأن حماس تسرق المساعدات. وقال إبشتين: “هذا يستهلك الكثير من وقت الإدارة”.
تضمنت لائحة الاتهام الإسرائيلية 12 تهمة ضد الحلبي. كان من المستحيل تقريبًا فحص معظمها، مثل الادعاء بأنه شارك في مناورة عسكرية لحماس في سنة 2014، دون رؤية الأدلة السرية التي ادعى الإسرائيليون أنهم يمتلكونها. لكن البعض الآخر كان أسهل في التحقيق. اتُّهم الحلبي بالعمل مع شركتين زراعيتين، العطار وأركوما، اللتين يُزعم أنه لهما علاقات مع حماس. وزعمت لائحة الاتهام أن الحلبي، بصفته رئيسًا لمكتب غزة التابع لمنظمة “وورلد فيجن”، قد تلاعب في عملية تقديم العطاءات لضمان فوز الشركتين “بجميع” عقود تقديم المساعدات الغذائية. وتدعي أن الحلبي وهذه الشركات تآمروا على زيادة تكلفة خدمات منظمة وورلد فيجن، وقاموا بتحويل أموال إضافية إلى حماس.
في أواخر شهر آب/ أغسطس 2016، بعد أسابيع قليلة من توجيه الاتهام إلى الحلبي، زرت مقر شركة العطار في غزة، حيث وجدت شاحنة رافعة تكدس البطاطس في شاحنة صغيرة. أدخلني المدير الذي يعرف باسم صقر العطار إلى مكتبه. خلال حديثه، أصر عطار على أنه ليس له علاقات مع حماس وأن جميع العقود مع وورلد فيجن تم التفاوض عليها ليس مع فرع المكتب في غزة وإنما مع مكتب القدس. وقال إنه بالكاد يعرف الحلبي: “أنا أعرفه معرفة سطحية. ربما قلت له صباح الخير ذات مرة”.
شوهد محمد الحلبي هنا في سنة 2016 قبل جلسة استماع في محكمة بئر السبع المركزية.
في وقت لاحق، أكدت منظمة وورلد فيجن أن إجمالي عقودها مع شركة العطار كان يزيد قليلاً عن 30 ألف دولار سنويًا على مدار العقد الماضي. وبلغت قيمة العقود الممنوحة لشركة أركوما، التي نفت أي صلة لها بحماس، نحو 80 ألف دولار في السنة. وقد فازت الشركتان بأقل من 50 في المئة من العطاءات الخاصة بالعقود التي أبرمتها مع منظمة وورلد فيجن، حسب ما ذكرته المنظمة.
يزعم الاتهام الثاني من الاتهامات الاثني عشر أن الحلبي نقل “آلاف الأطنان من الحديد” المخصصة لمشاريع زراعية إلى حماس بغرض استخدامها لبناء أنفاق تحت الحدود الإسرائيلية. ومن جهتها، أوضحت منظمة وورلد فيجن أنها لم تستورد قط الحديد إلى غزة، ولم تشتر أي شيء هناك، وأن إبرامها لأي صفقة بهذا الحجم كان سيشمل بالضرورة مكتب القدس، مما يعني أنه لم يكن لحلبي إمكانية اتخاذ القرار بمفرده.
قدّمت منظمة وورلد فيجن سلسلة من برامج المساعدات في غزة بدءا من برامج التعليم مرورا بالدعم النفسي وصولا إلى الرعاية الصحية. في معظم الأحيان، كانوا يعملون مع منظمات فلسطينية محلية لتنفيذ المشاريع، وكان شركاؤهم يخضعون للفحص والتدقيق الأمني. قرب الحدود الإسرائيلية في بيت لاهيا، كان المزارع أيمن صبوح يعرض ما بقي من محصوله من الفراولة للبيع. كانت أرضه الزراعية بالقرب من قاعدة حماس وتعرضت لضربات شديدة في الهجمات الإسرائيلية خلال الحرب.
لهذا السبب، قدّمت منظمة وورلد فيجن آلاف الدولارات لمساعدته. وقال إنهم أجروا عمليات تفتيش منتظمة وصارمة في كثير من الأحيان للسلع والمنتجات التي دفعوا ثمنها للتأكد من إنفاق الأموال في المجال المناسب. في هذا السياق، أكد صبوح “كان شعري يكاد يتحول إلى اللون الأبيض وهم يتفقدون زوايا المزرعة والأغطية البلاستيكية، واحدة تلو الأخرى”.
خلال عدة أيام من التحقيق في غزة، الذي كتبت عنه في ذلك الوقت لوكالة الأنباء الفرنسية، لم أجد شيئًا يدعم المزاعم الإسرائيلية. لكن كانت هناك تهم أخرى لم أتمكن من تقييمها، لأنها كانت قائمة بالأساس على اعترافات الحلبي التي لم تُنشر على الملأ وكذلك على السجلات المالية والأدلة السرية.
في الأيام التي أعقبت إعلان إسرائيل، نظّم قادة وورلد فيجن اجتماعات طارئة. لم يجدوا أي دليل على مخالفات الحلبي المزعومة، لكن الاتهامات الإسرائيلية لم تشكل تهديدا لدعمهم للفلسطينيين فحسب بل لمستقبل المؤسسة الخيرية بالكامل. إذا كانت حماس قد انتهكت بالفعل أنظمة منظمة وورلد فيجن، فهذا يعني أن أنشطتهم كانت عرضة للتلاعب والاستغلال. في غضون أسبوعين من المؤتمر الصحفي لجهاز الأمن العام الإسرائيلي، علّقت ألمانيا وأستراليا تمويلاتها لمشاريع وورلد فيجن في غزة. وهدد الأستراليون بقطع كل تمويل المنظمة على المستوى العالمي، الذي عادل 40 مليون دولار في السنة.
في السادس من آب/ أغسطس، شكل رئيس منظمة وورلد فيجن آنذاك، كيفن جنكينز، فريقًا للأزمات. برئاسة المدير الإداري للمؤسسة الخيرية أندرو مورلي، التقى الفريق في البداية يوميًا عبر تطبيق للفيديو. كان لديه حوالي 10 أعضاء، بعضهم في المنطقة والبعض الآخر في المكتب الرئيسي. كان عليهم التعامل مع المشاعر القوية داخل المنظمة. وقبل عقد من الزمان، ظهرت مزاعم بالفساد ضد عدد من كبار موظفي منظمة وورلد فيجن في ليبيريا. بعد تلقي دليل على إدانتهم، سرحّت المنظمة الموظفين وقدمت أدلة إلى النيابة العامة.
تتذكر لينبيرغ أن البعض في الإدارة العليا فضّل اتباع نهج مشابه ضد الحلبي. كانوا يقولون: “لماذا تنظم السلطات الإسرائيلية مثل هذه الحملة الإعلامية الضخمة إذا لم يكن هناك بعض الحقيقة في ذلك؟” لقد كانت محادثة صعبة للغاية”. جادل آخرون، خاصة أولئك المقيمين في الشرق الأوسط ممن يعرفون الحلبي، بأنه ينبغي أن يُعامل على أنه بريء حتى تثبت إدانته.
فيما بعد، تمكنوا من التوصل إلى حلّ وسط: ستدفع منظمة وورلد فيجن الرسوم القانونية لحلبي ما لم يتم تقديم دليل واضح على إدانته، ويمكن أن تصل هذه الرسوم إلى مئات الآلاف من الدولارات. (وقد رفضت منظمة وورلد فيجن التعليق على التكلفة الدقيقة حتى الآن). خلال الشهر نفسه، كلّفت المنظمة شركة “ديلويت”، إحدى أكبر شركات التدقيق في العالم، وشركة المحاماة الأمريكية “دي أل أي بايبر” بمراجعة جميع نفقاتها التي قال أحد المصادر إنها بلغت 7 ملايين دولار إضافية. (وقد رفضت وورلد فيجن تأكيد ذلك). ومن المحتمل أن النتائج ستكشف عن مشاكل جوهرية في القضية الإسرائيلية.
على غرار معظم الفلسطينيين، وُلد محمد الحلبي لاجئًا. فرّ أجداده من منزلهم في صراع سنة 1948 الذي أدى إلى قيام الكيان الإسرائيلي. أقامت عائلة الحلبي على بعد 15 ميلاً جنوب قريتهم فيما أصبح فيما بعد يُعرف بمخيم جباليا للاجئين. عمل خليل والد الحلبي في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا)، التي تشرف على غالبية المدارس والمرافق الطبية في غزة. أصبح مستشارًا خاصًا لمديرغزة آنذاك، روبرت تورنر، وحضر اجتماعات مع سياسيين غربيين بما في ذلك توني بلير وجون كيري.
في سنة 1978، ولد الحلبي وكان الابن البكر لوالديه. لقد أبلى بلاءً حسنًا في المدرسة، وفي سنوات المراهقة ازداد اهتمامه بالعالم الأوسع. في ذلك الوقت، كانت الوفود الثقافية والسياسية الأجنبية تزور غزة، ويتذكر والده أن الحلبي كان يحضر الاجتماعات من أجل التعرف على شؤون السياسة وممارسة لغته الإنجليزية.
درس الهندسة في الجامعة الإسلامية بغزة. وادعى الادعاء الإسرائيلي في وقت لاحق أن اختيار الجامعة، التي زعموا أن لها صلات بحماس، كان مؤشرا على تعاطفه مع المنظمة. في المقابل، تدعي عائلته أنها كانت أفضل جامعة للهندسة في غزة، مشيرة إلى أنه كان عضوا في حركة فتح بالجامعة، الحزب العلماني المعارض لحركة حماس.
كانت عائلة الحلبي بأكملها معارضة بشكل علني لحركة حماس. وخلال إحدى المناسبات في أوائل سنة 2019، حضر شقيق محمد الأصغر حامد لإجراء مقابلة معي وكان يعاني جرحًا في رأسه موضحًا أنه كان يشارك في مظاهرات نادرة في غزة ضد حكم حماس. لهذا السبب، تعرّض للضرب من قبل قوات الأمن واحتجزته لفترة وجيزة.
في بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حشد الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، الذي كان يشعر بالاستياء من فشل اتفاقات السلام، ميليشيا فتح التابعة له لانتفاضة ثانية. لكن سيطرته على الحركة الفلسطينية كانت تتضاءل، وكان نفوذ حماس يتزايد مدفوعًا بافتقار كوادر عرفات العلمانية لحماسها منذ فترة طويلة. شجع قادة حماس المجندين الشباب على تنفيذ عمليات فدائية في حافلات إسرائيلية، مما أسفر عن مقتل العشرات من المدنيين. وخلال الحملة العسكرية الإسرائيلية التي تلت ذلك، تعرض الفلسطينيون لمداهمات ليلية وحظر تجول، وغالبًا ما ظلت العائلات محاصرة في منازلها لأسابيع.
في خضم المواجهة خلال سنة 2003، اختارت عائلة الحلبي تزويجه. اجتمع بضع مئات من الأشخاص في فندق يقع في أبو حصيرة على طول ساحل غزة على البحر المتوسط لحضور حفل زفافه على عُلا. بعد ذلك بسنتين، رزق الزوجان بأول أطفالهما الخمسة. وفي سنة 2004، عندما أصبحت الظروف في غزة أكثر قسوة، قرر الحلبي التحول من العمل في مجال الهندسة نحو أعمال الإغاثة. وكان السؤال عن الدافع وراء هذا التحول في صميم التهم الموجهة إليه.
ورد في لائحة الاتهام الإسرائيلية أنه “خلال سنة 2004 أو ما يقرب من ذلك”، تقرّب أحد نشطاء حماس من الحلبي، ويُزعم أنه قائد في خلية صغيرة تضم شقيق الحلبي الذي يُدعى ضياء. (يقول شقيقه حامد إن هذا غير صحيح. وأكدت الأمم المتحدة أن ضياء يعمل ممرضًا في أحد مستشفياتها). ونظرا لأن حلبي يُجيد اللغة الإنجليزية، وهي من المهارات النادرة في غزة، فقد قرر هذا الناشط أن دوره سيكون التسلل إلى وكالة إغاثة والعمل لصالح حماس من هناك.
فلسطينيون يحتجون على سجن الحلبي في مدينة غزة.
بعد مرور سنوات، شرح الحلبي تحركاته بعبارات مختلفة إلى حد ما في مقابلة أُجريت معه في سنة 2014 وصفته فيها الأمم المتحدة بأنه “بطل إنساني”. وأوضح قائلا: “بعد غزو وقع في منطقتي أسفر عن مقتل العشرات وتدمير العديد من المنازل، قررت ترك عملي كمهندس والتوجه إلى العمل الإنساني. أردت أن أكون قادرا على مساعدة المدنيين وخاصة الأطفال”.
في سنة 2005، حصل الحلبي على أول وظيفة له مع منظمة وورلد فيجن، حيث دعم مدير المكتب في مدينة غزة. واقترح الادعاء في وقت لاحق أنه تم تزوير عملية تعيينه في هذه الوظيفة. مع ذلك، قال أحد موظفي منظمة وورلد فيجن في ذلك الوقت، وهو أمريكي لم يرغب في الكشف عن هويته بسبب دوره الرئيسي الحالي في مجال المساعدات، إن الجولة الأولى من عملية التوظيف كانت بمثابة اختبار عشوائي – مما يعني أن جميع تفاصيل المرشحين قد أزيلت.
أجرى فريق مؤلف من عدة موظفين، بمن فيهم رئيس مكتب القدس، مقابلات مع المرشحين الذين اجتازوا ذلك الاختبار. وقال الموظف السابق إن اللجنة وافقت بالإجماع على أن الحلبي هو المرشح الأنسب موضحا “لقد جاء بالعديد من الأفكار الجيدة حقًا، لكنه أراد التعلم من منظمة وورلد فيجن”.
على امتداد عدة سنوات، تشكلت علاقة وثيقة بين الحلبي والموظف الأمريكي السابق، على الصعيد المهني والشخصي. وقال الموظف السابق: “لقد عملت مع موظفين آخرين بصفة مماثلة في القدس والضفة الغربية وغزة، وكان محمد تلميذا لامعا من نواحٍ عديدة”.
ارتقى الحلبي بسرعة، وفي سنة 2014 ترقى إلى منصب رئيس مكتب غزة. وعندما يندلع قتال في غزة، كان يذهب إلى منازل موظفيه ليطمئن على حالهم، على الرغم من المخاطر المحتملة التي قد يواجهها. كان جسده الممتلئ ووجهه المستدير المبتهج محبوبا للغاية. وقالت لينبيرغ “عندما يأتي إلى أي موقع من مواقع مشاريعنا، فإن الأطفال الذين يعرفونه يركضون نحوه. ويبتهج الموظفون عندما يدخل إلى الغرفة”.
قال سيمون مانينغ، الذي انضم إلى منظمة وورلد فيجن في سنة 2014، إن حلبي يمكن أن يكون متعنتا على الصعيد المهني أيضًا. لقد عملوا على نحو وثيق في المشاريع، وكانوا يتنافسون بما في ذلك عند تصميم “مساحات مناسبة للأطفال” الذين أصيبوا بصدمات نفسية جراء الحرب. وأكد مانينغ: “إنه أمر مضحك، إذا نظرنا إلى الوراء، لكنني أردت فقط توفير شيء بسيط للأطفال، لكنه كان مصرا على أنه يجب تقديم ما هو أفضل من ذلك. لقد أمضينا أكثر من سنة نتجادل حول هذا الموضوع”.
في مرة أخرى في نهاية حرب 2014، أراد مانينغ تقديم النقود للعائلات النازحة بدلا من أدوات النظافة والطعام، لكن الحلبي أصر على أن النقود كانت فكرة سيئة لأنه كان يشعر بالقلق من تعرض الأموال للسرقة. وقال مانينغ: “إنه مجرد رجل عنيد – مع كل الإيجابيات والسلبيات التي تأتي مع ذلك”.
تعتقد ميغان ماكغراث، المسؤولة السابقة لمشروع منظمة وورلد فيجن، أن الحلبي أنقذها من محاولة اختطاف. التقى الاثنان في منطقة سيناء المصرية في سنة 2012، حيث كان الموظفون يلتقون لعقد الاجتماعات. وفي يوم عطلة، قررت مجموعة صغيرة منهم الذهاب لركوب الدراجات الرباعية في الصحراء برفقة مرشدين محليين.
تصف ماكغراث، التي كانت الأجنبية الوحيدة في الرحلة، كيف دخل الحلبي في شجار مع المرشدين بعد أن سمعهما يتحدثان عن اختطافها مقابل الحصول على فدية. وكان أحد الخاطفين المحتملين يحمل سكينًا. وقالت ماكغراث: “لقد خاطر بحياته من أجل شخص قابله للتو”.
بعد تلك الحادثة، أصبحت ماكغراث والحلبي صديقين مقربين. وخلال إحدى رحلاتها إلى غزة، في سنة 2013، كانا يتناولان العشاء عندما انقلبت المحادثة العفوية إلى حديث عن السياسة. قالت ماكغراث: “أوضح لي الحلبي أن عددا من أفراد عائلته قد اعتقلوا ويعتقد أن حماس مسؤولة عن ذلك، وأجهش بالبكاء. لقد كان يحتقر فعلا قيادة حماس”.
أضافت لينبيرغ، التي عملت في أفغانستان أثناء صعود حركة طالبان في التسعينات وكذلك في باكستان وجنوب شرق آسيا وغيرها خلال مسيرتها المهنية التي امتدت لثلاثة عقود، أنها لا تمتلك سببا يدفعها لعدم الثقة في الحلبي: “أنا عاملة متمرسة في مجال المساعدات الإنسانية. ويمكنك كشف الموظفين المرتشين انطلاقا من علاقتهم مع الزملاء والمجتمعات التي تكون مختلفة تمامًا. فالخوف واضح، فضلا عن عدم الترابط، والمصلحة الذاتية – ويتضح هذا بسرعة كبيرة. ومحمد ليس كذلك”.
بحلول شهر آذار/ مارس 2017، كان الحلبي قد قضى تسعة أشهر في السجن. توقفت وسائل الإعلام منذ فترة طويلة عن تناقل قصته، حيث استحوذت أشهر الفوضى الأولى لدونالد ترامب في البيت الأبيض على الاهتمام العالمي. وفي ذلك الشهر، أكملت الحكومة الأسترالية مراجعة تمويلها لمنظمة وورلد فيجن في غزة – فقد منحتها 8.1 مليون دولار لمشاريع غزة بين سنتي 2014 و2016، أي أكثر من 25 بالمئة من ميزانية منظمة وورلد فيجن بالكامل لغزة، وذلك وفق ما صرحت به المؤسسة الخيرية.
وخلصت الحكومة الأسترالية إلى عدم وجود دليل على تحويل أي أموال. وبعد أربعة أشهر، انتهت منظمة وورلد فيجن من مراجعتها أيضا، من خلال تكليف مؤسسة “دي إل إيه بايبر” ومراجعي شركة “ديلويت“. ولكن تقاريرها ظلت سرية حتى يومنا هذا.
أجرت الشركتان تحقيقًا استمر سنة كاملة عمل عليه ما بين 20 و30 موظفًا بدوام كامل، حيث قاموا بمراجعة عمليات منظمة وورلد فيجن لمدة خمس سنوات قبل اعتقال الحلبي. وقد أخبرني الشريك الإداري في مؤسسة “دي إل إيه بايبر”، بريت إنجرمان، “لقد أجرينا عددا من التحقيقات الأخرى، سواء في الشركات أو المنظمات غير الحكومية، حيث وجدنا أدلة على ارتكاب مخالفات. نحن نعلم ما نبحث عنه، ونعرف الطرق التي يعمل بها الأشخاص الذين يحاولون تحويل الأموال بشكل عام”.
واجه المحققون عقبات حيث لم يتمكنوا من الوصول إلى الحلبي في السجن، ورفضت الحكومة الإسرائيلية تقديم أي وثائق أو أدلة بحوزتها، كما عرقلت حماس تحقيقاتهم. وفي إحدى المناسبات في سنة 2016، عندما ذهب الموظفون إلى مكاتب المنظمة في غزة لاستعادة الوثائق، اكتشفت سلطات حماس ذلك الأمر وأغلقت المكتب في حركة مثيرة للريبة.
قال إنجرمان إن بحوزتهم “مستندات كافية” لاستكمال تحقيقهم. فقد أجرى الفريق أكثر من 70 مقابلة، بما في ذلك مع موظفين سابقين وحاليين في المنظمة، وراجع 280 ألف رسالة بريد إلكتروني. بالإضافة إلى ذلك، راجعت شركة “ديلويت” كل مدفوعات المنظمة على مدار خمس سنوات. كانت منظمة وورلد فيجن تدفع مقابل التحقيق، لكن إنجرمان أصر على عدم وجود أي تدخل. وقال: “لقد منحتنا منظمة وورلد فيجن تفويضا مطلقا لإجراء تحقيقنا ومتابعة الأدلة أينما قادتنا”.
لم يعثر الفريق على أي دليل على فقدان أي أموال، ولم يكن هناك أي دليل على أن الحلبي كان يعمل لصالح حماس – في الواقع، أفاد الفريق بأن الحلبي كان يسعى باستمرار لإبعاد الحركة عنهم. ووجدوا أن الحلبي ارتكب بعض المخالفات من خلال تجاوز السلطة المخولة إليه بضع مرات – على سبيل المثال، التوقيع على فاتورة تزيد ببضع مئات من الدولارات عن قيمتها البالغة 15 ألف دولار.
لكنهم لم يجدوا شيئا يمكن أن يبرر أي من الادعاءات الإسرائيلية. وخلصوا بشكل حاسم إلى أن أنظمة المراقبة والتقييم التابعة لمنظمة وورلد فيجن كانت قوية. وقال إنجرمان “أنا أجري تحقيقات مع المنظمات غير الحكومية في أجزاء صعبة من العالم. ولم ألاحظ شيئا غير عادي هنا من منظور الرقابة”.
قد توفر عملية التدقيق نظرة عن كثب حول السبب الذي جعل الإسرائيليين يرتابون بشأن الحلبي. يُذكر أن أحد الموظفين السابقين في منظمة الرؤية العالمية قد غادر في ظروف غامضة، حيث كان يعتقد أن الحلبي مسؤول عن الصعوبات التي يواجهها مع المنظمة. والجدير بالذكر أن “كامل”، الذي تم تغيير اسمه تفاديا لوقوع عائلته التي لا تزال في غزة في المشاكل، قد عمل في منظمة وورلد فيجن في قطاع غزة حتى سنة 2015.
في أواخر شهر أيار/ مايو من تلك السنة، اعتقلته حركة حماس، التي استجوبته حول وضعه الوظيفي. لقد أيقن أن الحلبي، الذي اشتبك معه عدة مرات في العمل، هو المسؤول عن اعتقاله، وأنه كان يحاول إجباره على مغادرة المنظمة. وفي مطلع شهر حزيران/ يونيو، أرسل كامل رسالة إلكترونية تحتوي على سلسلة من الادعاءات ضد الحلبي إلى مدير الموارد البشرية بالمنظمة في القدس.
في رسالة البريد الإلكتروني، التي اطلعت صحيفة الغارديان على نسخة منها، يكتب كامل للحلبي متهما إياه بالفساد لتحقيق مكاسب شخصية، وزاعمًا بأن له صلات بحركة حماس. وجاء في نص الرسالة أن “عدم وجود أدلة لا يعني أن شيئًا ما لم يحدث، بل يعني أن الشخص المتورط في الفساد يتّسم بالذكاء”.
فلسطينيون يجمعون المساعدات الغذائية في مركز توزيع تديره الأونروا في مدينة غزة، بتاريخ تموز/ يوليو 2021
ترك كامل منظمة “وورلد فيجن” وغادر غزة في سنة 2016، قبل شهرين من اعتقال الحلبي. وفي حديثه معي عبر البريد الإلكتروني، قال كامل إن مزاعمه لم تُرسل سوى للموارد البشرية فحسب، مؤكدا أنه لم يتواصل مع الإسرائيليين بأي شكل من الأشكال. وأضاف أن خلافاته مع الحلبي “انتهت باستقالتي، وبمجرد اعتقاله من قبل الاحتلال (الإسرائيلي). وهو الآن في موقف يستحق الدعم”.
والآن، تقرّ منظمة “وورلد فيجن” بأنها لم تتعامل مع المزاعم بقدر كاف من الجدية، مع أن لينبيرغ قالت إنها حققت في مزاعم كامل بعد مغادرته المنظمة، إذ قامت بجولة في مشاريع غزة والتقت بالمنظمات الشريكة، لكنها لم تجد أي دليل على تصرفات غير مشروعة. وأشارت لينبيرغ إلى أن كامل لم يقدم وثائق مالية لدعم مزاعمه، وقالت: “إذا كنت تتهمه بسرقة النقود، دلّني أين ذلك والمبلغ. لكنه لم يستطع تزويدي بأي دليل يذكر”.
بدأ التدقيق الجنائي الذي أجرته شركتا “دي أل أي بايبر” و”ديلويت” بالتحقيق في مزاعم كامل، حيث قال إنجرمان إنهم لم يعثروا على دليل يدعم أي من الادعاءات. تم إرسال نتائج التدقيق إلى إدارة “وورلد فيجن” في تموز/ يوليو 2017، والتي أرسلتها بدورها لمانحين دوليين رئيسيين، بالإضافة إلى فريق الحلبي القانوني. وقالت المنظمة إن النتائج عُرضت أيضًا على السلطات الإسرائيلية، لكنها رفضت الاطلاع عليها. وخلال الأشهر اللاحقة لذلك، أعاد المانحون، بما في ذلك أستراليا وألمانيا، تقديم التمويل بهدوء، على أساس نتائج التقرير. وانتظرت منظمة “وورلد فيجن” أن تسقط المحكمة الإسرائيلية الاتهامات الموجهة ضد الحلبي.
نادرًا ما يتم تبرئة الفلسطينيين في المحاكم الإسرائيلية، مما يعني أنه بالنسبة للمتهمين يمثل الذهاب إلى المحاكمة خطرًا حقيقيًا بعقوبة السجن. لتجنب ذلك، يدخل العديد من المتهمين في صفقات إقرار بالذنب يقبلون بموجبها بعض التهم أو كلها مقابل عقوبة مخففة. يجادل مؤيدو نظام الاعتراف بأنه يمكّن من معالجة القضايا بشكل أسرع، بينما يقول نقاده إنه يجبر الفلسطينيين على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها.
أخبرني مايكل لينك، وهو المقرر الأممي الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أنه “في بعض الحالات، يدرك [المتهمون] أن فرص تبرئتهم ضئيلة للغاية، وأنه من المستبعد أن يتلقوا محاكمة عادلة. لذلك، وفي سبيل تقليل مدة الحبس وإضفاء قدر من اليقين فيما يتعلق بموعد الإفراج عنهم، يقبلون صفقة الإقرار بالذنب، على الرغم من أنهم قد لا يكونون مذنبين”.
أكد مايكل سفارد، المحامي الإسرائيلي البارز الذي مثّل العديد من الفلسطينيين، أن النظام القانوني الإسرائيلي قائم على هذه الصفقات، حيث قال: “إذا أعلن المتهمون الفلسطينيون أنهم سيمتنعون عن إبرام صفقات الإقرار بالذنب، فإن النظام سينهار في اليوم التالي”.
تسير العديد من صفقات الإقرار بالذنب بشكل مماثل لصفقة الموظف السابق في الأمم المتحدة وحيد بورش. بعد أسبوع من اتهام الحلبي، أي في أوائل آب/ أغسطس 2016، اتهمت إسرائيل بورش بالعمل لصالح حماس. على وجه التحديد، اتُهم بورش، الذي كان يعمل في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بنقل 300 طن من الأنقاض – مما تبقى في أعقاب القصف الإسرائيلي خلال حرب 2014 – إلى موقع محدد بالقرب من ساحل غزة، علما منه بأن حماس ستدفعها للبحر بعد ذلك في سبيل بناء مرسى لصالح الجناح العسكري للحركة.
في سنة 2016، قمت بزيارة الموقع ووجدت مرسى جديد المظهر يقدر عرضه بحوالي 10 أقدام ويمتد 50 مترًا في البحر، وكان يحرس مدخله مقاتلون مسلحون من حماس. وقد أقر مسؤولو برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سرًا بأن الركام الذي خلّفه أحد المشاريع لربما تم استخدامه في بناء المرسى، لكنهم نفوا أي تواطؤ مع حماس. ومن جهته، أكد بورش أن موقع إلقاء الأنقاض لم يكن قراره الشخصي.
عيّن بورش المحامية ليا تسيميل، وهي يهودية إسرائيلية مثلت مئات الفلسطينيين على مدى أربعة عقود. لكونها ناشطة قوية من أجل حقوق الفلسطينيين، أصبحت المحامية شخصية مكروهة لدى اليمين الإسرائيلي. وفي سنة 2019، فاز فيلم وثائقي بعنوان “ناشطة“، والذي يدور حول أعمالها، بجوائز في العديد من المهرجانات الدولية.
تتسم تسيميل بالواقعية، لذا سرعان ما باشرت العمل على إعداد صفقة لبورش. في كانون الثاني/ يناير 2017، تم إسقاط أخطر التهم الموجهة إلى موكلها. في المقابل، اعترف بورش “بتقديم خدمات لمنظمة غير مشروعة عن غير عمد”. حُكم عليه بالسجن لمدة سبعة أشهر، ولكن أُطلق سراحه على الفور مراعاة للفترة الزمنية التي سبق أن قضاها في الاعتقال.
لقد كانت صفقة اعتراف تقليدية، بمعنى أن جميع الأطراف قد فازت بشيء ما: كان لا يزال بإمكان الإسرائيليين القول إن أحد موظفي الأمم المتحدة قد أدين بمساعدة حماس، بينما تمكن بورش من العودة إلى عائلته في غزة – رغم أن إدانته تعني أنه لم يعد من المسموح له العودة للعمل لدى الأمم المتحدة.
في مكالمة هاتفية قصيرة من منزله في غزة، أخبرني بورش: “لقد أقروا بأني [لم أفعل أي شيء عن قصد] لكنهم استغرقوا وقتًا طويلاً”. ولم يرغب في مناقشة القضية بمزيد من التفصيل، قائلا: “يكفي ما حدث لي”.
وحيد البورش، موظف في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في غزة الذي اتُهم بمساعدة حماس، يتحدث إلى محاميه في المحكمة المركزية في بئر السبع في سنة 2016.
بالمثل، عيّن الحلبي تسيميل محامية له بعد اعتقاله في سنة 2016. لقد قمتُ بزيارة مكتبها بعد فترة وجيزة من ذلك، لكنها أخبرتني أن القيود القانونية المفروضة على القضية تعني أنها غير قادرة على مناقشة العديد من جوانبها. كانت تسيميل تخشى أن إحالة القضية إلى المحكمة سيكون محفوفًا بالمخاطر – حيث يتم تشديد العقوبات إذا كان يُنظر إليك على أنك أهدرت وقت المحكمة – لذلك شجعت المحامية وكيلها بسرية على عقد صفقة إذا عُرض عليه ذلك.
في آذار/ مارس 2017، قيل للحلبي من قبل قاض إسرائيلي أمام المحكمة أن “فرصته ضئيلة” في تجنب الإدانة. ووفقا لتقرير من شبكة “إيه بي سي” الأسترالية، قال القاضي ناصر أبو طه للحلبي في المحكمة: “لا بد أنك مطلع على الأرقام والإحصاءات [المتعلقة بالإدانات الفلسطينية]”.
لكن الحلبي أبى إبرام أي صفقة. قالت مصادر متعددة مقربة من منظمة “وورلد فيجن” والحلبي إن التوترات بينه وبين تسيميل تصاعدت خلال سنته الأولى في السجن. جادلته تسيميل بأنه من غير المرجح أن يحصل على محاكمة عادلة وحثته على عقد صفقة. لكن الحلبي رد بأنه مستعد لدفع أي ثمن كان عوضًا عن الاعتراف بذنب لم يقترفه. في النهاية، تخلى الحلبي عن خدمات تسيميل في صيف 2017، واستبدلها بماهر حنا، وهو محامي عربي إسرائيلي من الناصرة.
على خلفية ذلك، أكدت المحامية أنه لم تكن هناك أي ضغينة، بل مجرد اختلاف في الآراء: “طلب مني ترك القضية لأنه شعر أن بإمكانه الفوز (دون صفقة الإقرار بالذنب). قلت له حسنا، قم بذلك. كان واثقًا من نفسه لدرجة أنه اتبع هذا (النهج). أكنّ الكثير من الاحترام لأي شخص يشعر بأنه يستطيع شن هذه الحرب ضد قوة كبيرة وشديدة جدًا في أجهزة الأمن والشرطة. يعتمد الكثير على مدى ثقتنا بالمحاكم، ومدى ثقتنا في الأجهزة الأمنية للشهادة بالحقيقة”.
أوضح حنا أن مذكرته بعد توليه القضية تمثلت بمبدأ بسيط مفاده “كافح حتى النهاية”. في سنة 2018، أخبرني حنا أن “[الادعاء] حاول التفاوض بشأن الوقت [مدة العقوبة] لكن لم يكن لذلك أهمية تذكر – فالخلاف يدور حول لائحة الاتهام. وموقف محمد شديد الوضوح في ذلك. إنه غير مستعد لتقبل أي صفقة تتهمه بأي شيء له علاقة بالإرهاب. إنه يخاطر بأن يُحكم عليه – لا سمح الله – بفترة حبس أطول بكثير”.
عُقدت محاكمة الحلبي في المحكمة المركزية في بئر السبع. تبدو هذه المدينة التي تقع في عمق صحراء النقب، والتي يبلغ عدد سكانها حوالي 200 ألف نسمة، كما لو أنها محاصرة في عاصفة رملية لا نهاية لها، حيث تصل درجات الحرارة في الصيف إلى 45 درجة مئوية. في الجلسة العامة الأولى في 12 كانون الثاني/ يناير 2017، احتشد المصورون لالتقاط صورة لحلبى. كان يرافقه اثنان من الحراس عندما سأله مراسل باللغة العربية إذا كان لديه أي رسالة يوجهها لعائلته. التف الحلبي لينظر مباشرة في عيني الصحفي، وقال: “أريد أن أخبرهم بأني بخير، وأنني بريء من جميع هذه التهم. لطالما كانت أهداف عملنا إنسانية بحتة”.
جلس ثلاثة قضاة أمام العلم الإسرائيلي، وكان كبير القضاة ناتان زلوتشوفر محاطًا بكلّ من القاضي يائيل راز ليفي وشلومو فريدلاندر. وفي جلسات مناقشة الأدلة الأكثر حساسيّة، كان يجلس ضابط من أجهزة االإسرائيليّة “الشاباك” في الزاوية الخلفية لغرفة المحكمة لحراسة الصناديق التي تحفظ فيها جميع الأدلّة. وكان يطلب منه، في بعض الأحيان، إحضار مستند ليقوم الدفاع بدراسته دون السماح له بأخذ أيّ نسخ.
في الخلف جلس بعض المراقبين، الذين سُمح لهم بالحضور وكان بينهم بعض من مراقبي الأمم المتحدة. وقد أرسلت منظمة وورلد فيجن بعضا من أعضائها إلى كل جلسات المحكمة المفتوحة للجمهور، مع أن جميع جلسات الاستماع المتعلقة بالنظر في أدلّة الادعاء دارت خلف أبواب مغلقة. في بعض الأحيان، كان يبدو أن تطوّرات المحاكمة تسير ببطء. ففي المتوسط، كانت تُعقد جلسة أو جلستان في الشهر، ولكن كان من المألوف أن يمرّ شهران دون انعقاد أيّ جلسات.
أحيانا، كانت هذه الثغرات ناتجة عن طعن النيابة العامّة أو الدفاع في مسألة معينة، وفي حالات أخرى تعود لعدم قدرة القضاة الثلاثة التوفيق بين جداولهم. كما طالب فريق الحلبي القانوني بأن تكون جلسات القضيّة، المتعلّقة بمعالجة الأدلّة الحساسة، مفتوحة للعموم؛ بينما طالبت النيابة وأجهزة الأمن بأن تدور هذه الجلسات خلف الأبواب المغلقة. وفي هذه الحالة، عادة ما يُستجاب لمطالب ممثّلي الدولة.
دارت معظم جلسات استماع الحلبي، بما في ذلك تسعة أيام متتالية من الاستجواب بين حزيران/ يونيو وتشرين الثاني/ نوفمبر 2018، في محاكمات مغلقة ولم يتم إصدار أيّ محاضر بشأنها. يُعتبر هذا الأمر استثنائيًا، لكنه مألوف في المحاكم الإسرائيلي عندما يتعلّق الأمر بالقضايا الأمنية. وتقول إسرائيل إن الدول الأخرى، بما في ذلك المملكة المتحدة، لديها قوانين مماثلة في ما يتعلّق بقضايا الإرهاب.
أفراد عائلة الحلبي في منزلهم بغزّة.
كلّ يوم، قبل وقت قصير من بدء المحاكمة، كان حلبي يدخل محاطًا باثنين من ضبّاط السجن، وكانت السلاسل التي تكبّل قدميه تحدث أصواتا عالية بينما يتوجه إلى مقعده خلف الحاجز الزجاجي. كان يجلس لساعات مُنصتا للمناقشات التي كانت تدور باللغة العبرية المترجمة للعربية لكن بجودة رديئة في أغلب الأحيان. وكان الحلبي يلوّح لتحية أي من موظفي منظمة وورلد فيجن الذين أتوا لتقديم الدعم.
في إحدى المرات خلال سنة 2018، عندما كنت في المحكمة، رأيته يتحدّث إلى موظفين من المنظمة لفترة وجيزة قبل جلسة المحاكمة، قائلاً: “يجب أن أتحلى بالصبر”. كما أخبرهم أنه كان يقضي وقته في السجن في تدريس اللغة الإنجليزية لبعض السجناء وفي السعي لإقناع البعض من الذين تعاطفوا مع تنظيم الدولة الإسلامية بترك التطرّف والاعتدال، وقال: “من بين أربعة، أقنعت ثلاثة”.
طالت مدّة النظر في القضيّة. وفي عدّة مرّات، اتهم رئيس المحكمة العليا زلوتشوفر، كلّا من الدفاع والنيابة العامّة بعدم القيام بالعمل المطلوب. وكانت القاضية راز ليفي، غالبا ما تجلس ورأسها بين يديها والملل باد عليها. وكان مستوى أحد المترجمين العبريّين إلى العربيّة الذين عيّنتهم المحكمة ضعيفا جدّا حتى أنّه كان غير قادر على ترجمة الإجراءات لأحد الشاهدين من الدفاع الفلسطيني.
إن الحلبي قادر على رفض أيّ صفقة للإقرار بالذنب، ليس فقط بسبب قناعته الأخلاقية وإنما أيضًا لتمتّعه بالدعم المالي للقيام بذلك، إذ أن منظّمة وورلد فيجن تغطّي جميع التكاليف القانونية الخاصة به. وقلة قليلة من الفلسطينيين قادرون على تحمل مثل هذا التصميم المبدئي. لكن الخسائر الشخصية ستكون عالية.
عاش أطفال الحلبي الخمسة معظم حياتهم دون والدهم، أمّا ابنه الأصغر فارس، المولود في سنة 2016 فبالكاد يعرفه. قال حامد، شقيق الحلبي، إن أطفال الحلبي يعانون من غياب والدهم. وأضاف: “شهر رمضان هو الأصعب بالنسبة لهم، إنّه الوقت الذي يجب أن تكون فيه الأسرة مجتمعة. ولم يكن والدهم إلى جانبهم خلال شهر رمضان لمدّة ست سنوات”.
اعتراف الحلبي المزعوم يقع في صلب القضية المرفوعة ضدّه. في آب/أغسطس 2016، أعلنت أجهزة الاستخبارات الإسرائيليّة أن الحلبي اعترف بسرقته لأموال الإغاثة وتزويد حماس بها، لكنّهم لم يقدموا سوى القليل من التفاصيل لذلك لا تزال الحقيقة بعيدة المنال. ولعدة أسابيع بعد اعتقاله، مُنع الحلبي من مقابلة محاميه. صرّح فريقه القانوني بأنه خلال هذه الفترة، وقع استجوبه من طرف ضباط إسرائيليين، ونفى الحلبي كل اتهامات الموجّهة له. وُضع الحلبي بعد ذلك في زنزانة مع سجناء فلسطينيين آخرين، حيث يُطلق أحدهم على نفسه اسم أبو إبراهيم.
ينتمي أبو إبراهيم لحركة حماس، لكن الحلبي نفى هذا الأمر وأخبر محاميه بأنه أحد الجواسيس الذين تزرعهم إسرائيل في جميع السجون ويُلقبون بالعربية باسم “العصافير”. وأبلغ أبو إبراهيم السلطات الإسرائيلية أن حلبي اعترف له في السجن. يعتمد الكثيرون على رواية هذا الرجل بالرّغم من أن شهادته سُمعت خلال جلسات مغلقة.
صرّحت الدولة الإسرئيليّة أن اعتراف الحلبي لأبي إبراهيم يعتبر دليلاً دامغاً. وأضاف ممثّلو الدولة أنه عندما وُضع الحلبي في السجن مع شخص يعتقده حليفا لحماس، تباهى بدوره. إذا كانت إسرائيل قد بالغت في حجم المبالغ التي اتهمت الحلبي بسرقتها، فذلك يعني أنه هو الذي بالغ. لم تكن الأرقام مهمة، فالأهمّ هو الاعتراف. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية إيمانويل نحشون في تصريح له لشبكة آي بي سي نيوز الأستراليّة في سنة 2016 بأن “الأمر يبدو كما لو قُبض على قاتل متسلسل، وبالتالي فإن مسألة ما إذا كان قد قتل 50 أو 25 شخصًا ليست ذات أهميّة، أليس كذلك؟”.
صرّح مصدر مقرب من النيابة بأن الاعتراف لم يكن الأساس الوحيد للقضيّة، وأن أدلّة ماديّة واضحة كانت قد قُدمت إلى المحكمة خلال الجلسات المغلقة. وأضاف المصدر أن النيابة توقّفت عن العمل لفترة خلال شهر حزيران/ يونيو 2018. وقالت وزارة العدل الإسرائيلية في بيان إن “النيابة وافقت على طلبات الحلبي المستمرة للتمديد … مما أدى إلى تأجيل الإجراءات”. ورفض المحامي حنا هذه التصريحات المتعلّقة بما حدث.
يصرّ الحلبي على أنه تعرض للضرب على أيدي محققين إسرائيليين قبل أن يوضع في الزنزانة مع أبو إبراهيم، حيث مكث أكثر من أسبوع. وحسب حنا: “في المرّة الوحيدة التي تمكّنت فيه من محادثته لفترة وجيزة في المحكمة، أخبرني الحلبي بأنه كان يعاني من مشاكل في السمع بسبب تعرضه لكدمات في الرأس”. في المقابل، تنفي أجهزة الأمن الإسرائيلية ارتكاب أي مخالفات. كما حذرت هيئة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، التي أرسلت محامياً لحضور معظم الجلسات العلنية، من أن ترتقي معاملته أثناء الاستجواب “إلى مستوى التعذيب”.
أضاف محاميه حنا أن الحلبي أخبره بأنه لم يستطع الصمود لعدّة أيام بعد حبسه في غرفة مع أبو إبراهيم، وأنه اعترف بكل ما يريده العميل الإسرائيلي أن يعترف به. قال حنا إن الحلبي يعتقد أن الاعتراف كان جامحًا للغاية، والتفاصيل لا تصدق بشكل واضح لدرجة أن القضية ستنهار في المحكمة. وأضاف حنا: “يقول إنه يعرف أن أبو إبراهيم كان عميلا. منذ لحظة دخول المحقق للغرفة، قال ‘كل ما قلته أجبرني أبو إبراهيم على قوله. كل هذا خطأ، يمكنك التحقق منه”.
جادل حنا بأن الاعتراف انتزع منه تحت التعذيب، وبالتالي لا يمكن استخدامه كدليل ضدّ الحلبي في المحكمة. بعد ستة أشهر من الاستجوابات قضت المحكمة المحليّة، في حزيران/ يونيو 2020 بأن الاعتراف مقبول وبذلك تلاشت آمال الحلبي في الحرية.
في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، وبعد محاكمة استمرت لأربع سنوات ونصف، أصدر مايكل لينك وزملاؤه – المقررون الخاصون للأمم المتحدة المعنيون بالتعذيب والإعدام التعسفي واستقلال القضاء – بيانًا يدينون فيه محاكمة الحلبي ورد فيه ما يلي: “ما يحدث لـ [الحلبي] لا علاقة له بمعايير المحاكمة التي نتوقعها من الديمقراطيات. إن الاعتماد على ادعاء قائم على اعترافات يُزعم أنه تم الحصول عليها بالقوة أثناء حرمانه من الاتصال بمحام، وبناء على شهادة من مخبرين سريين أمر مزعج”. وقالت وزارة العدل الإسرائيلية إن الحلبي حصل طوال محاكمته على “حقوقه القانونية الكاملة، بما في ذلك الحق في محاكمة عادلة والتمثيل والاستئناف أمام المحكمة العليا”.
في تموز/ يوليو 2021، لخّص الدفاع والادعاء القضايا وأغلقت الجلسات تمامًا للعموم. ومن المتوقع أن يستغرق القضاة ثلاثة أشهر على الأقل للتداول. غامر محمد الحلبي عندما تخيّل أنه بإمكانه الفوز في قضية تستخدم فيها لغة لا يتحدثها، وفي بلد حيث يعتبره الكثيرون عدواً لهم. قال حنا: “إذا كانت هناك أي قيمة للحقائق، سيتم تبرئته. ولكن إذا لم تكن الحقائق مهمة، سيسجن. علينا أن نؤمن بأن الحقائق مهمة”.
المصدر: الغارديان