ما زالت الجزائر الغنية بالموارد تعاني من التحديات الاقتصادية والاجتماعية ذاتها التي تواجهها منذ عقد من الزمن، وتأثيرات قضايا فساد النظام السابق، لكن الآن، ازدادت مكانة البلاد الاقتصادية تعقيدًا بفعل جائحة فيروس كورونا المستجد والمستمرة، التي سببت تباطؤًا في الاستثمار والاستهلاك، كما أن الانخفاض في أسعار النفط مؤخرًا، قلص عائدات الصادرات.
وسجلت نسبة البطالة 13% عام 2020، وبلغت 23% عند خريجي الجامعات و27% وسط الشباب العاطلين.
عكست توقعات صندوق النقد الدولي وبياناته في مايو/أيار للعام 2020 صورة قاتمة للاقتصاد الجزائري، فهو بحاجة إلى سعر نفط يبلغ 169.6 دولار للبرميل، أي أكثر من ضعف السعر الحاليّ البالغ 72 دولارًا، من أجل تعديل التوازنات المالية للدولة.
إذ تعتمد الجزائر على صادرات ومبيعات النفط والغاز في تمويل ميزانيتها العامة بنسبة تتجاوز 97% من دخلها، ما أدى إلى الضغط على الموارد المالية الحكومية والحد من قدرتها على تقديم المنح وخلق فرص العمل لسكانها الذين يغلب عليهم الشباب.
فقد فشل صناع القرار العسكري في الجزائر في تنويع الاقتصاد، كما كانت الحكومات المتعاقبة تحرق احتياطات العملات الأجنبية، التي انخفضت من 200 مليار دولار عام 2014 إلى 47 مليار دولار عام 2020.
في ظل الاقتصاد غير المتنوع الذي يعتمد فقط على صادرات النفط والغاز واستنزاف احتياطيات العملات الأجنبية، قد تواجه الجزائر قريبًا كارثة اقتصادية
فما الذي يكمن في قلب المشاكل الراهنة التي تواجه هذه البلاد الغنية بالنفط والغاز؟
الاقتصاد الجزائري قبل جائحة كورونا
قبل الجائحة، كان ما يقرب من ثلث الشباب الجزائري عاطلين عن العمل وكان الكثيرون يأملون في التغيير بعد الاحتجاجات الضخمة التي أدت إلى استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عام 2019.
لكن في ظل الاقتصاد غير المتنوع الذي يعتمد فقط على صادرات النفط والغاز واستنزاف احتياطيات العملات الأجنبية، قد تواجه الجزائر قريبًا كارثة اقتصادية، كما يحذر محللون، فقد صرح مدير شمال إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، ريكاردو فابياني قائلًا: “هناك أزمة سيولة في البنوك والشركات المحلية، وأزمة في قطاع البناء وهو أكبر قطاع بعد النفط، يمكن أن تتجه البلاد نحو كارثة اقتصادية ذات تكلفة اجتماعية باهظة”، كما صرح محللون أنه لا يوجد وضوح بشأن الكيفية التي يخطط بها النظام لاستباق كارثة اقتصادية محتملة.
الخصخصة لتقليل الاعتماد على النفط والغاز
تعتزم الجزائر بيع حصص من الشركات والبنوك الحكومية، ضمن خطط الدولة لإصلاح الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط والغاز.
فقد صرحت الرئاسة الجزائرية، يوم الأحد الموافق 8 من أغسطس/آب 2021، أن الرئيس عبد المجيد تبون أمر حكومته ببيع حصص في الشركات والبنوك الحكومية، في إطار إصلاحات طال انتظارها في الدولة المنتجة للنفط.
وأكدت الرئاسة في بيان بعد اجتماع للحكومة برئاسة تبون أن الخطة تستهدف من وراء قرار الخصخصة “إيجاد حلول ناجعة وفتح رأسمال الشركات العمومية بما فيها البنوك والابتعاد عن التسيير الإداري”.
ولم يقدم تبون تفاصيل عن عدد الشركات والبنوك التي تشملها الخطة أو حجمها، ولدى الجزائر 6 بنوك حكومية، تستحوذ على نحو 95% من مجمل الأصول المصرفية.
لا يوجد وضوح بشأن الكيفية التي يخطط بها النظام لاستباق كارثة اقتصادية محتملة
وسجلت موازنة الجزائر العامة لسنة 2021 عجزًا تاريخيا بلغ نحو 22 مليار دولار، ساهمت فيه أزمة كورونا وتراجعت أسعار النفط في السوق الدولية، التي تمثل مورد البلاد الرئيسي من النقد الأجنبي.
تحديات الاقتصاد الجزائري
في نهاية يونيو/حزيران 2020، كلف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وزير المالية بالحكومة المستقيلة أيمن بن عبد الرحمن بتشكيل الحكومة الجديدة التي تواجهها عدة تحديات اقتصادية واجتماعية أبرزها ما يلي:
- إيجاد بدائل اقتصادية للريع النفطي الذي أرهق النظام الجزائري منذ الاستقلال.
- رفع فاتورة الصادرات خارج المحروقات إلى أكثر من 5 مليارات دولار.
- الجفاف وندرة المياه، واحتواء الغضب الشعبي من تكرار حوادث انقطاعات الكهرباء.
- كما يؤكد الخبراء، أن أدق مهمة تواجه إدارة عبد الرحمن هي استعادة الأموال المنهوبة والمهربة لرموز نظام بوتفليقة في نحو 13 بلدًا أوروبيًا وآسيويًا.
- كما أن مستقبل اقتصادها الوطني يكمن في بناء صناعة تنافسية وفلاحة متنوعة وقطاع خدماتي متطور، يكون بديلًا حقيقيًا للنفط.
- صرح الخبير الاقتصادي هارون عمر، أن أهم تحدي خلال المرحلة المقبلة هو “البحث عن موارد جديدة للاقتصاد الجزائري، غير الموارد الريعية التي تراجعت إلى حدود 18 مليار دولار، بعد أن كانت تراوح 30 مليار دولار، من خلال سياسة مالية مبتكرة”.
- كما دعا عمر إلى “مراجعة سياسة الدعم الاجتماعي المنتهجة، دون إغفال ضرورة المسارعة في تحسين مناخ الأعمال، الذي تحتل فيه الجزائر المرتبة 157 وفق تقرير “دويينغ بيزنس”.
- مع مراجعة جذرية للمنظومة البنكية والضريبية والجمركية، ليبقى التحدي الأكبر هو رقمنة الاقتصاد الجزائري.
حماية القدرة الشرائية والشركات
رغم التداعيات السلبية لجائحة كورونا وتراجع أسعار النفط التي كبدت الجزائر خسائر بنحو 10 مليارات دولار، وتبخر ملايين الدولارات في قضايا فساد من عهد النظام السابق، فإن الحكومة الجزائرية اتخذت حزمة من الإجراءات التي عدها الخبراء بـ”الجريئة”، كما وصفت بـ”الملاذات الآمنة من شبح الإفلاس”، هدفها حماية القدرة الشرائية للمواطنين ولإنقاذ الشركات من الإفلاس، وإليك أهم هذه الإجراءات:
- إلغاء الضريبة على المداخيل التي تقل أو تساوي 30 ألف دينار ابتداءً من مطلع يونيو/حزيران المقبل.
- رفع الأجر الوطني الأدنى المضمون بزيادة ألفي دينار جزائري (15.64 دولار أمريكي) ليصبح 20 ألف دينار جزائري (220 دولارًا أمريكيًا) ابتداءً من مطلع يونيو/حزيران، وإلغاء نظام التصريح المراقب على المهن الحرة.
- رفع معاشات المتقاعدين بنسبة 7%، ومنح تعويضات مالية لعدد من أصحاب المهن الحرة.
- تجميد دفع ضرائب الشركات بهدف تخفيف آثار إجراءات العزل العام المرتبطة بفيروس كورونا على الشركات العامة والخاصة.
- التوجه نحو السوق الإفريقية بعد مصادقتها على اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية أوائل 2020، ورفع صادراتها خارج قطاع المحروقات إلى 5 مليارات دولار.
- كما باشرت الجزائر في إحصاء احتياطاتها من موارد الطاقة والمعادن غير المستغلة بغرض الاستثمار فيها، للمرة الأولى في تاريخها، من بينها الذهب والفوسفات والنحاس والحديد وغيرها، وفتح المجال أمام شراكات كبرى للمستثمرين الأجانب في معظم مناجم البلاد.
- استغلال منجم الحديد بمنطقة غار جبيلات التابعة لمحافظة تندوف، جنوب غرب، ويعد من أكبر احتياطات العالم من الحديد.
- استرجاع احتياطات الذهب المحلية التي باتت أموالًا مجمدةً على مستوى الجمارك منذ أكثر من 4 عقود في الموانئ والمطارات، وإدراجها كاحتياطات وطنية محلية.
- بالإضافة إلى إعداد خطة لإصلاح النظام المصرفي للبلاد، والتوجه نحو الصيرفة الإسلامية بعد طرح 9 منتجات مالية بهدف جذب رؤوس أموال الجزائريين المودعة خارج البنوك الحكومية.
الغاز الجزائري نعمة أم نقمة؟
خلال شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز للعام 2020، أنهت الجزائر خلافاتها الغازية مع إسبانيا وإيطاليا بعد سنتين من الخلافات والمفاوضات بشأن قضية تتعلق بمدة عقد تصدير الغاز الطبيعي عبر “حل وسط” يضمن مصلحة جميع الأطراف.
عادت الجزائر لموقعها كمزود أول بالغاز الطبيعي لإسبانيا، وهو وضع جاء بعد اتفاق مراجعة الأسعار بين مسؤولي البلدين قبل أسابيع، الذي تضمن خفض أسعار الغاز في مقابل مرونة أكبر في الكميات المصدرة، مع تمديد فترة العقد الموقع بين الطرفين، وفق ما كشفته هيئة تسيير ومراقبة مخزونات الطاقة الإسبانية.
إذ وقعت شركتا سوناطراك الجزائرية وناتيرجي الإسبانية اتفاقية جديدة لتصدير الغاز الجزائري إلى السوق الإسبانية لمدة 10 أعوام، قدرت كميتها بـ8 مليارات متر مكعب سنويًا.
وبحسب ما تضمنته بيانات الهيئة الإسبانية، فإن نيجيريا حلت في الصف الثاني بين موردي الغاز إلى إسبانيا بعد الجزائر وروسيا، ما يعني أن الموردين المنافسين للجزائر خلال الأشهر السابقة، أي الولايات المتحدة وقطر، غادرا المراتب الثلاثة الأولى.
أوضح الرئيس الجزائري أنه تم توقيف 22 مشتبهًا به بالتسبب في إشعال الحرائق، مبينًا أن العدالة ستأخذ مجراها في قضية الشاب الذي قتل في ولاية تيزي وزو
وثلاث اتفاقيات مع شركة إيني الإيطالية لتجديد عقد تصدير الغاز الجزائري إلى السوق الإيطالية حتى عام 2049، لتوريد 1.5 مليار متر مكعب على مدار 29 عامًا من 3 حقول غازية، وكذلك بين الشركة الجزائرية وتوتال الفرنسية لتوريد الغاز الجزائري المسال بكمية تقدر بمليوني طن سنويًا، لمدة 3 أعوام.
حصيلة حرائق الجزائر
قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في خطابه الأخير إن جزءًا من الحرائق التي اندلعت في البلاد تسببت فيها حرارة الطقس المرتفعة، مشددًا على أن أغلبها كانت بفعل أيادٍ إجرامية.
وأضاف تبون أن استجابة الدول الأوروبية لطلبات بلاده بخصوص شراء طائرات إطفاء لم تكن فورية، إذ صرح بأن الدول الأوروبية لم تستجب لطلباتهم لأنها كانت متمركزة في اليونان وتركيا لإطفاء الحرائق في تلك الدول.
وأكد الرئيس تبون أنهم جندوا كل الإمكانات المادية والبشرية لإخماد الحرائق، مشيرًا إلى أن طائرتين من إسبانيا وصلا الجزائر، كما صرح بأنه من المنتظر أن تدعم جهود تطويق الحرائق بطائرتين من سويسرا.
وأوضح الرئيس الجزائري أنه تم توقيف 22 مشتبهًا به بالتسبب في إشعال الحرائق، مبينًا أن العدالة ستأخذ مجراها في قضية الشاب الذي قتل في ولاية تيزي وزو.
كما أن غابات المناطق المتضررة ليست مجرد غابات فهي آهلة بالسكان، فالجيش الوطني سخر 6 مروحيات للمساهمة في إخماد الحرائق، كما أن الأماكن التي اشتعلت فيها النيران صعبة التضاريس وفيها سكان، والجنود الذين استشهدوا كانوا ينقذون النساء والأطفال والشيوخ.
ارتفعت حصيلة الضحايا جراء حرائق الغابات فى الجزائر إلى 65 شخصًا منهم 37 مدنيًا و28 عسكريًا، بالإضافة إلى إصابة 12 عسكريًا وصفت حالتهم بالحرجة.
إنقاذ ما يمكن إنقاذه
ومن أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه واستغلالًا لفرصة ترؤسها منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”، وعلاقتها الجيدة مع باقي الأعضاء، حصلت الجزائر على موافقة من روسيا من أجل تمديد اتفاق خفض الإنتاج خلال 2021 لمواجهة الوضع العام السائد في السوق النفطية مع استمرار تداعيات فيروس كورونا، إذ يأتي التأييد الجزائري لفكرة تأجيل الزيادة المزمعة في إنتاج “أوبك+” اعتبارًا من يناير/كانون الثاني 2021، متوافقًا مع إثارة وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك احتمال استمرار الاقتطاع في الإنتاج بالتنسيق مع شركات النفط في البلاد، لتجنب انهيار آخر في أسعار النفط.