ترجمة وتحرير نون بوست
في يوم 3 من أغسطس/آب أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نيته رفع ثمن الخبز المدعم، ناكثًا بذلك الوعد الذي قطعه قبل 5 سنوات بأن هذه الزيادة لن تحدث أبدًا، من المتوقع أن تسبب تلك الزيادة ارتفاع معدلات الفقر بنسبة 4 إلى 5%، وفقًا لتوقعات هبة الليثي رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
تصل معدلات الفقر الرسمية في مصر إلى 29.7%، وستؤدي زيادة سعر الخبز المدعم إلى ارتفاع معدلات الفقر بمستويات غير مسبوقة، وستؤثر على 63 مليون مصري يحصلون على المواد الغذائية المدعمة “التموين”، التي تتضمن 5 أرغفة خبز مدعم يوميًا لكل فرد.
هذه الزيادة هي الثانية في أسعار الخبز التي يفرضها السيسي، إذ جاءت الأولى في أغسطس/آب 2020، وكانت على هيئة تناقص حجم الرغيف بنحو 20 غرامًا، هذه الزيادة في سعر الخبز لن تمثل فائدة مالية كبيرة للحكومة، فالإنفاق من ميزانية الدولة على الخبز المدعم في 2021/2022 يصل إلى 44 مليار جنيه مصري، أي 2.4% من إجمالي الإنفاق الحكومي، و9.4% من العجز المتوقع.
يمثل الخبز المدعم أيضًا 4.4% فقط من إجمالي عائدات الضرائب التي تجمعها الدولة، لكي نضع هذا الرقم في سياق، فعلى سبيل المثال تبلغ تكلفة فائدة سداد القروض 579 مليار جنيه مصري، أي أكثر 13 مرة من قيمة الخبز المدعم.
أعلن السيسي نيته التخلص من أي بقايا لهذا العقد الاجتماعي والاستغناء عن التعاون المتبادل، وبدلًا من ذلك خطط لاستخدام أدوات نظامه القسرية والقمعية لإنفاذ الخضوع السياسي
لكن ارتفاع السعر تحركه السياسات وطبيعة الاقتصاد السياسي الذي يهمين عليه الجيش في مصر، الذي يعتمد على الديون بدلًا من استثمار العمالة كمحرك للنمو الاقتصادي.
نهاية العقد الاجتماعي
كسرت الزيادة في الخبز المدعم أمرًا محظورًا في السياسات المصرية، الذي أصبح كذلك منذ ثورة الخبز المميتة في 1977، انطلقت الثورة بعد أن رفع الرئيس المصري الراحل أنور السادات سعر “التموين” بما في ذلك الخبز المدعم، أجبرت التظاهرات السادات على التراجع عن قراره خلال أيام قليلة.
هذه القضية حساسة سياسيًا بشكل كبير، فالأسر المصرية تنفق في المتوسط نحو 37.1% من دخلها على الطعام، بينما ينفق الأكثر فقرًا بنسبة 10% من السكان نحو 49.7% من دخلهم، لذا أي زياد طفيفة في السعر سيكون لها تأثير بارز على مستوى المعيشة.
يعد الخبز المدعم أيضًا أحد الآثار الباقية للعقد الاجتماعي بين الدولة الاستبدادية التي أسسها الرئيس الراجل جمال عبد الناصر وعامة الشعب، فكان متوقعًا من الدولة أن توفر الخدمات الأساسية والأمن الاقتصادي مقابل الخضوع السياسي.
في هذا السياق، أعلن السيسي نيته للتخلص من أي بقايا لهذا العقد الاجتماعي والاستغناء عن التعاون المتبادل، وبدلًا من ذلك خطط لاستخدام أدوات نظامه القسرية والقمعية لإنفاذ الخضوع السياسي.
هذا الفصل بين النمو الاقتصادي والاستهلاك المحلي يحرر الحكومة لإجراء تخفيضات كبيرة في الإنفاق العام
رغم الغضب الشعبي الذي قد يولده ذلك، فهو بالتأكيد يشعر بالثقة والتحصين الكافي لبدء هذا الهجوم على بقايا الرفاهية العامة والدعم، وهو هجوم أشد ضراوة من الجولة السابقة لرفع الدعم.
تصميم النظام على خفض الإنفاق العام والحد من عجز الميزانية يدفعه الاقتصاد المصري الذي يهيمن عليه الجيش، ذلك الجيش الذي ساعد على النمو الاقتصادي من خلال استثمارات ضخمة في العقارات والبنية التحتية والنقل، يتضمن ذلك العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة التي تبلغ تكلفتها 58 مليار دولار، وخط السكة الحديد الجديد بتكلفة 23 مليار دولار، وقناة السويس الجديدة بتكلفة 8 مليارات دولار.
وفقًا لما قاله السيسي في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، فإن هذا الاستثمار تجاوز 200 مليار دولار، هذا الإنفاق الحكومي تموله مستويات عالية من الديون خاصة الدين الأجنبي الذي وصل إلى 36% من الناتج الإجمالي المحلي للسنة المالية 2021/2022، الذي يبلغ نحو 134.8 مليار دولار بزيادة ضخمة عن 14.4% من الناتج الإجمالي المحلي لعام 2015.
اقتصاد غير رسمي ضخم
وصلت نسبة إجمالي الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي 90% في 2002، ما يشكل ضغطًا هائلًا على ميزانية الدولة، فتكلفة فوائد القروض ستستهلك 31.5% من إنفاق الدولة في 2021/2022، يشكل ذلك ضغطًا كبيرًا على إدارة السيسي للحد من الإنفاق العام من أجل تلبية التزامات الديون والحفاظ على الجدارة الائتمانية من أجل مواصل الاقتراض.
يتعقد الموقف نتيجة الأداء الضعيف للقطاع الخاص غير النفطي، الذي انكمش خلال الخمس سنوات الماضية نتيجة ضعف الطلب المحلي وطلبات التصدير، أضعف ذلك قاعدة ضرائب الدولة وأدى إلى زيادة الضغط للحد من الإنفاق العام.
وصلت نسبة الضرائب إلى الناتج الإجمالي المحلي في 2018، 16.7% (تلك النسبة تقيس عائدات ضرائب الدولة بالنسبة لحجم اقتصادها) وهي نسبة أقل بكثير من 34.3% متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية “OECD” وأقل من جيرانها تونس والمغرب، إذ وصلا إلى 32.1% و27.8% على التوالي.
يسبب الاقتصاد غير الرسمي الكبير كل هذا التعقيد، الذي يُقدر بتشكيل نحو 30 إلى 40% من الناتج الإجمالي المحلي – وهي نسبة أعلى من بقية الاقتصادات الإقليمية – لكن الطبيعة الرجعية لنظام الضرائب المصري وزيادة الإعفاءات الضريبية المقدمة لشركات كبيرة مملوكة للجيش يجعل من الصعب رفع الضرائب بشكل عادل اجتماعيًا.
تخفيضات كبيرة في الإنفاق العام
هذا الاقتصاد القائم على الديون والمدفوع بنمو يسيطر عليه الجيش يعني أن الاقتصاد بشكل عام لا يتأثر بانخفاض مستويات الطلب المحلي الذي يتبع بشكل ثابت زيادة في معدلات الفقر، فعلى سبيل المثال – من 2015 وحتى 2018 – انخفض مستوى الاستهلاك لكل أسرة في مصر بمتوسط 9.7%، بينما ازداد نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.5%، هذا الفصل بين النمو الاقتصادي والاستهلاك المحلي يحرر الحكومة لإجراء تخفيضات كبيرة في الإنفاق العام.
هذا الضعف في الطلب المحلي لا يعوض عنه أيضًا الزيادة في قطاع التصدير، الذي كان أداؤه ضعيفًا رغم تعويم العملة الضخم في 2016.
في النهاية، فإن النشاط الاقتصادي الذي يركز عليه نظام السيسي – مثل المشاريع الإنشائية الضخمة كثيفة العمالة بدلًا من القطاع التكنولوجي – لا يتطلب قوة عاملة ماهرة، مع استثمارها المتناسب في التعليم والتنمية البشرية.
أهم الإحصاءات المعبرة عن ذلك: مستوى البطالة بين القوى العاملة الأمية الذي وصل إلى 2.2% في 2019 مقارنة بنسبة 16.7% بين خريجي الجامعات.
في هذا السياق، لم يعد الاستثمار في التعليم والرعاية الصحية والدعم الغذائي لزيادة جودة القوى العاملة شرطًا أساسيًا للنمو الاقتصادي، بمعنى آخر، اعتماد النظام على الديون والمشاريع الكبرى يخلق دافعًا لعدم الاستثمار في تحسين جودة القوى العاملة، فالقوى العاملة الماهرة ليست مطلوبة لهذا النوع من الأنشطة الاقتصادية التي يروج لها النظام.
هذا النوع من النمو سيتسبب فقط في زيادة الفقر وتقلص الطبقة المتوسطة وإضعاف القطاع الخاص، مع إثراء النخبة العسكرية، سيستمر انتقال الثروة من الطبقة المتوسطة والعاملة المصرية إلى حاملي الديون من خلال دفع الفوائد، فالنخبة العسكرية تحصن نفسها داخل أجهزة الدولة وتعتمد على القمع لسحق التظاهرات.
هذا الوضع يجعل النظام المالي العالمي ودائني النظام شركاء مباشرين في إفقار المواطنين المصريين ومسؤولين بشكل مباشر عن أي اضطراب محتمل في المستقبل.
المصدر: ميدل إيست آي