انقسم الشارع السوري المعارض للنظام ابّان اعلان الرئيس الأمريكي باراك اوباما عن توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري ما بين مؤيد ومعارض، الاعلان الذي جاء على حدّ قول الادارة الأمريكية رادعآً لاستخدام النظام السوري الأسلحة الكيميائية لم يكن أبداً لوقف القتل المستمر لأكثر من عامين مما زاد في شرخ أكثر في هوة الاختلاف ما بين مؤيدي الضربة كونها ستوقف القتل المستمر وبين المعارضين لها المشككين في شكلها وكونها جاءت متأخرة لن تكون سوى استبدال النظام المهترئ بآخر يواكب تطلعات الغرب.
الشارع السوري الثائر الذي اعتاد الانقسامات المتكررة بدءاً من العسكرة والسلمية أول أيام الثورة مروراً بالذكرى السنوية لثورة الكرامة ما بين الخامس عشر والثامن عشر من آذار، وغيرها في الكثير من الآراء السياسية ما بين تقبّل الحوار مع النظام من عدمه أوالقبول بشخصية سياسية توافقية لقيادة المرحلة الانتقالية، فضلاً عن التخوين والكم الهائل من التعليقات التي طالت رموز المعارضة بكل أشكالها دون تمييز عن ضعفها وحيادها عن مطالب الشارع بعض الأحيان، جاءت الضربة العسكرية لتزيد هوة الاختلاف في الشارع أكثر فأكثر.
أحدهم عبّر على أن سلبيات التدخل بكل ما فيها تهون أمام حجم الدماء “الأسطوري” والدمار الهائل الذي حلّ بسوريا جراء القصف والقتل المتواصل من قبل قوات النظام السوري، والذي سوف يستمر الى أجل غير معلوم مالم يكن هنا رادع يوقفه بأي شكل كون الثوار غير قادرين على حسم المعركة دون تدخّل والسنتين السابقتين من القتال الغير متكافئ تثب ذلك، يؤيده آخر فيضيف : ” مع تقديري للمجاهدين الأبطال لكن النظام على الأرض يتفوق بالمعدات والأسلحة والمال لذا لا يمكن أن يكون الحسم مالم تتدخل قوة خارجية، نعلم ما تريده أمريكا من سوريا وما سينتج عن تدخلها من اتفاقيات ومصالح وإعادة رسم للخارطة السياسية لصالحها لكن الوضع أصبح لا يطاق وبحاجة للحسم، رفض الضربة الأمريكية يعني المزيد من الضحايا والقتل والتشريد والموافقة عليها يعني تسليم سوريا ومستقبلها لأمريكا، نحن أمام حليّن أفضلهما مُر” .
أحد أفراد التشكيلات الاسلامية من الكتائب المقاتلة في سوريا أكدّ في تسجيل مصوّر أنه بعد الانتصارات الأخيرة والكبيرة للكتائب لم يعد هناك داعٍ للتدخل وانه مرفوض بأي شكل كان، فتحرير قرية خناصر وهي المنفذ الوحيد والأخير لقوات النظام السوري الى حلب قطع كل أشكال الامداد عن مدينة حلب فضلاً عن الأسلحة الثقيلة والنوعية التي غنمها الثوار من هناك، وفي ادلب كذلك تم السيطرة على أريحا وبالتالي قطع الامداد عن مدينة ادلب والتقدم باتجاه معاقل النظام الرئيسة على مداخل المدينة، وفي دمشق تتوالى الانتصارات ويواصل الثوار ثباتهم على مداخل دمشق في جوبر مع استمرار سيطرتهم على مناطق شاسعة في الريف الدمشقي جاء آخرها تحرير اللواء 81 وغنيمة كمية ضخمة من الأسلحة الثقيل، بالاضافة الى التقدم في معظم المناطق في عموم سوريا أو الثبات مع الحفاظ على ما تحرر دون أي تقدم يذكر لقوات النظام.
وفي عيّنة عشوائية من مدينة حلب عارض 5 أشخاص من أصل 11 الضربة العسكرية مبررين ذلك بأن على الجيش الحر بعتاده ورجاله اسقاط النظام دون أي تدخل يساهم في فرض أجنداته على الشعب السوري، وأنه لم يعد لدى الجيش الحر سوى القليل لينتهي من مهمته في اسقاط النظام – على حد وصفهم- ، اثنين آخرين أيّدوا الضربة العسكرية بشرط أن تكون عبر الجوّ ودون أيّ تدخل بريّ وأن تستهدف النظام فقط دون أيّ من التشكيلات العسكرية الثورية مهما كان توجهها، الأربعة الآخرين امتنعوا عن الادلاء بآرائهم امّا خوفاً أو لعدم تشكّل صورة كاملة لديهم عمّا سيحدث.
بشكل عام، الشارع السوريّ بعمومه أصابه التخبط من اعلان الرئيس الأمريكي عزمه على توجيه ضربة عسكرية للنظام السوريّ مجهولة الأهداف والشكل، خاصة أن الشارع ذاته كان قد نادى بالتدخل الخارجي وأكثر من مرة من خلال مظاهراته واطلاق الاسم على احدى الجمع، لكن التأخر الذي جاء بهذه الضربة بعد الهجمة الكيميائية الأخيرة – والتي لم تكن الأولى – يؤكد الشكوك التي تحيك في صدور السوريين بأن انتشار الكيماوي بكميات لا تناسب أمريكا يعدّ خطراً وتجاوزاً للخط الأحمر، أكثر من الأحمر الذي يمشي في عروقهم والذي سال على مدى 30 شهر .
هذا التخبط لم يصب الشارع السوري فقط، بل حتى الادارة الأمريكية ذاتها، الاعلام الأمريكي الذي يضغط يوماً بعد آخر على الادارة الأمريكية في اجراء عقابي و رادع للنظام السوري ليس في هذا الوقت فقط بل منذ بدايات الأزمة لم يساهم الشيء الكثير في تشجيع الادارة الأمريكية المترددة في اتخاذ موقف حاسم من الأزمة السورية، حتى اوباما في خطابه الأخير لمّا أعلن اجراء ضربة عسكرية غير معلومة التوقيت والشكل قال أنه سينتظر الكونغرس حتى يصوّت على القرار بالرغم من أن لديه من الصلاحيات ما يكفيه لتنفيذ الضربة دون الرجوع للكونجرس، فضلاً على أن المتحدث باسم البيت الأبيض كان قد قال قبل خطاب اوباما بقليل بأن الرئيس لن يعلن في خطابه عن ضربة عسكرية.
ومن الجدير ذكره أن الشارع السوري الثائر بعمومه والذي لم يسلم من اتهامه بالعمالة والانقياد وراء سياسيات الخليج وأمريكا واسرائيل لقيامه بثورة على النظام السوري” الممانع والمقاوم” من الشارع القومي واليساريّ العربي على حدّ سواء، والذي كان قد تراجع صوته بعض الشيء مع استمرار القتل من قبل النظام السوري وتخطيه لكل أشكال الخيال البشري، الآن عادت هذه الأصوات لتطفوا على السطح لتتهم الشارع السوري بقبوله بالتدخل الأمريكي واصفاً اياه بالاحتلال.