ترجمة وتحرير: نون بوست
يبدو أن الاستثمار في الذهب باعتباره أصلا وقائيًا بدأ يفقد جاذبيته بعد استمرار انخفاض سعره في البورصات منذ سنة. ويقترح الخبراء الابتعاد عن الطريقة التقليدية لحماية الأصول من الأزمات الاقتصادية والتضخم التي تتمثل في شراء الذهب، لأنه من غير المستبعد انخفاض أسعاره بشكل لافت في السنة المقبلة.
في حين انخفضت قيمة معظم الأصول في سوق الأسهم بشكل كبير في الربيع الماضي (باستثناء المستفيدين الرئيسيين من الوباء وهي أسهم شركات التكنولوجيا)، ارتفعت أسعار الذهب بسرعة لتسجل أعلى مستوى تاريخي لها مع بلوغ سعر الأوقية 2056 دولارا في بورصة لندن للمعادن في 6 أغسطس/ آب 2020. وبتاريخ 31 كانون الأول/ ديسمبر من السنة الماضية انخفضت قيمة هذا المعدن الثمين إلى 1894 دولارًا للأوقية. ووفقًا لأحدث بيانات التداول، وصل سعر أوقية الذهب 1785 دولارًا حتى 19 أغسطس/ آب من السنة الجارية.
يقول محلل الاستثمار في شركة “أريكابيتال مانجمنت” سيرغي سوفيروف إن “سعر الذهب آخذ في الانخفاض منذ سنة، وهذه فترة زمنية كافية للتفكير في عيوب هذا الأصل”. من جهته، يرى المحلل الاقتصادي ميخائيل فاسيليف أن الذهب له علاقة عكسية مع العائدات الحقيقية للسندات الحكومية الأمريكية والدولار.
يضيف فاسيليف: “وصل الذهب إلى أعلى مستوى له على الإطلاق في أغسطس/ آب الماضي، في الوقت الذي وصل فيه العائد على السندات الحكومية الأمريكية لأجل 10 سنوات أدنى مستوى له على الإطلاق عند حدود 0.51 في المئة. منذ ذلك الحين، بدأت أسعار الفائدة في الارتفاع مقابل انخفاض سعر الذهب”.
الموثوقية
من الناحية النظرية، يجب أن يستمر سعر الذهب باعتباره أصلا وقائيًا في الارتفاع، لا سيما في ظل عدم القضاء تمامًا على الوباء وبالتالي تواصل الأزمة الاقتصادية. ضُخت مليارات الدولارات واليوروهات في الاقتصاد العالمي، وانخفض مؤشر الدولار مقابل ست عملات رئيسية في الآونة الأخيرة، وفي مثل هذه الحالة من المتوقع ميل المستثمرون إلى شراء الذهب لحماية أصولهم بشكل أكبر.
حسب سوفيروف “يُنظر إلى الذهب تقليديًا على أنه أصل مضاد للأزمة، حتى أنه يطلق عليه لقب “عملة الخوف”. عدا ذلك، أدّت الآمال في حملة التطعيم الشامل وانتعاش الاقتصاد العالمي، الذي ظهرت بوادره في أغسطس/آب الماضي، إلى انخفاض بطيء ولكن مؤكد في أسعار الذهب”.
التقلبات في أسعار الذهب هذه السنة مرتبطة بشكل أساسي بالتغيرات في الطلب على الاستثمار، الذي يتأثر بدوره بشكل كبير بالتغيير في سياسة نظام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي
يعتقد كبير المحللين في “أربات كابيتال” فيتالي جرومادين أنه “من الممكن توقع نمو سعر المعدن الثمين ليصل إلى 2000 دولار للأوقية. مع ذلك، تظهر ديناميكيات أحجام تخزين الذهب في الصناديق الاستثمارية المتداولة تراجع اهتمام مستثمري التجزئة بالذهب”.
تعتقد كبيرة المحللين الاقتصاديين في شركة فينام للوساطة المالية بموسكو، أولغا بيلينكايا، أن التقلبات في أسعار الذهب هذه السنة مرتبطة بشكل أساسي بالتغيرات في الطلب على الاستثمار، الذي يتأثر بدوره بشكل كبير بالتغيير في سياسة نظام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
توضح بيلينكايا أن “محضر اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي في تموز/يوليو الذي نُشر أمس يظهر أن غالبية قادة البنك المركزي الأمريكي يرون أنه من المناسب البدء في تخفيض التيسير الكمي، وهي سياسة تشتري بموجبها الجهة التنظيمية أو تأخذ الأصول المالية كضمان مقابل ضخ أموال إضافية في الاقتصاد حتى نهاية السنة، إذا استمر الاقتصاد في التحسن حسب التوقعات. وتشير التوقعات إلى حدوث انخفاض في حجم السيولة التي يضخها نظام الاحتياطي الفيدرالي في الاقتصاد، وربما زيادة مبكرة في أسعار الفائدة، إلى جانب تعزيز الدولار وزيادة تكلفة امتلاك الذهب، مما يجعله أقل جاذبية للمستثمرين مقارنة بالأوراق المالية الحكومية”.
إن مدى اهتمام المستثمرين بالذهب أو الدولار سيتضح في الأسابيع المقبلة، حيث ينتظر السوق إشارات واضحة من الاحتياطي الفيدرالي بعد اجتماع جاكسون هول المقرر عقده يومي 26 و28 أغسطس/ آب، وفي الاجتماع التالي للجنة التنظيمية المقرر عقده يومي 21 و22 أيلول/ سبتمبر القادم.
يرى فاسيليف أن البنك المركزي الأوروبي سينسج على خطى بنك الاحتياطي الفيدرالي، ويبدأ في تحضير الأسواق تدريجيًا لتخفيض التيسير الكمي. ونتيجة لذلك، سترتفع أسعار الفائدة باليورو مقابل انخفاض جاذبية الذهب كأصل وقائيّ.
اتجاه هبوطي
يفسّر فاسيليف انخفاض الطلب على الاستثمار في الذهب بظهور لقاحات فعالة ضد كوفيد-19 وتراجع حالة عدم اليقين المرتبطة بالوباء. وحسب فاسيليف “انخفض الطلب على الأصول الوقائية بفضل التطعيم السريع ضد فيروس كورونا والتحفيز النقدي والمالي الهائل. في الربع الثاني من السنة الجارية، ومع انتهاء الموجة الثالثة من كوفيد-19 في العالم، أظهرت البيانات الاقتصادية مكاسب قياسية وضعف الاهتمام بالذهب”.
يعتقد فاسيليف أن جزءًا من السيولة العالمية، الذي كان من الممكن استخدامه سابقًا للاستثمار في الذهب، يتم تحويله في الوقت الراهن إلى الاستثمار في العملات المشفرة. ويضيف فاسيليف أن “الاستثمارات في البيتكوين والإيثر والعملات المشفرة الأخرى تحظى بشعبية كبيرة بين صفوف المستثمرين الشباب الذين يرون في الأصول المشفرة بديلًا للأصول التقليدية والعملات الورقية والذهب. ولأول مرة منذ إنشائها، جذبت العملات المشفرة انتباه صناديق الاستثمار الكبيرة التي كانت تشتريها مؤخرًا بنشاط كأصل وقائي”.
يستمر الاقتصاد العالمي في 2022 في التعافي من تبعات أزمة فيروس كورونا، وسيعود التضخم تدريجيًا إلى مؤشرات البنوك المركزية
يذكر المحلل في شركة “تيلاي ترايد” لبيرت بوشكاريف أن أصول التشفير لا تهم سوى جزء محدود جدا من المتداولين الذين يحبون حماية أنفسهم من المخاطر. ويوضح بوشكاريف “لا تزال العملات المشفرة تُستخدم في قطاع سوق الظل غير المحمي بشكل كافٍ. وهذا يعني أن شراء البيتكوين والإيثيريوم أقرب إلى المضاربة من الاستثمار”.
رأي آخر
رغم توقع العديد من الخبراء انخفاضًا إضافيًا في الاهتمام بالذهب، إلا أن البعض واثق من أن المعدن سيحتفظ بوظائفه الوقائية. يقول الخبير الاقتصادي وكبير الاقتصاديين في الصندوق الأوروبي الآسيوي للاستقرار والتنمية، يفغيني فينوكوروف، إنه لا يستشعر خيبة أمل المستثمرين في الذهب. ويضيف فينوكوروف “لا يزال يُنظر إلى الذهب على أنه مخزن للقيمة وأصل يحتفظ بقيمته، أي أن الأصل ليس للمضاربة بل يحمي من التضخم ومن مخاطر المكونات الأخرى لمحفظة الاستثمار الموزعة”.
يتضمن السيناريو الأساسي لتوقعات بنك التنمية الأوروبي الآسيوي ديناميكيات سلبية ضعيفة على مدى السنوات الخمس المقبلة، إذ أنه من المتوقع وصول سعر أوقية الذهب إلى 1850 دولارًا السنة المقبلة، مقابل تسجيل هبوط إضافي في سنة 2026 ليصل السعر إلى حدود 1680 دولارًا.
يتوقع فاسيليف أن “يستمر الاقتصاد العالمي في 2022 في التعافي من تبعات أزمة فيروس كورونا، وسيعود التضخم تدريجيًا إلى مؤشرات البنوك المركزية. إلى جانب ذلك، من المتوقع أن يؤدي التشديد المتوقع للسياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي في سنة 2022 وتعافي الاقتصاد الأمريكي إلى زيادة أسعار الفائدة. على خلفية ذلك، من المتوقع استمرار هبوط أسعار الذهب. وتشير التقديرات إلى أن سعره قد يتراوح بين 1600 و1800 دولار للأوقية الواحدة في السنة القادمة”.
المصدر: غازيتا