يُعتبَر ملف العلاقات الخارجية لحركة حماس، التي تدير شؤون قطاع غزة المحاصر منذ سيطرتها عليه عام 2007، أحد الملفات المثيرة للاستفهام في ظل محاولتها جمع المتناقضات من العلاقات، سواء في علاقتها مع إيران أو دول الخليج إلى جانب دول أخرى في العالم.
وترتبط الحركة التي تأسست عام 1987 بعلاقات مع دول لا يرتبط الكثير منها بعلاقات “إيجابية” مطلقة، مثل إيران وقطر وتركيا مع دولة مثل مصر، إلى جانب علاقات مع دول خليجية أخرى ذات تدخُّل أقل في الملف الفلسطيني كالكويت أو سلطنة عمان، أما السعودية فقد وصلت العلاقات معها حد العداء فيما الإمارات أشد عداءً.
وعند الحديث عن علاقات حماس بهذه الدول، تُطرح عدة أسئلة أبرزها هو الكيفية التي تتعامل بها الحركة مع هذه الدول لضمان عدم تأثر علاقتها بدولة أخرى، تمامًا كما جرى إبّان القطيعة بين القاهرة والدوحة من جهة وبين الأولى وأنقرة من جهة أخرى.
وفقًا لقراءة ملف علاقات حماس الخارجية بالأنظمة والدول العربية أو الإسلامية، فإن هذه العلاقات لا تخضع لأسلوب واحد في التعامل، وتتفاوت بين طرف وآخر بقدر التقارب الفكري والأيديولوجي، أو علاقات تحكمها مصالح السياسة.
إعلاميًّا، تصدر الحركة في خطابها الرسمي عبر رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، أو رؤساء الأقاليم الثلاثة صالح العاروري ويحيى السنوار وخالد مشعل، أنها تبحث عن علاقات طيبة مع الجميع، بشكل يضمن حضورها في كل العواصم دون شروط سياسية مسبقة.
غير أن الواقع وطريقة التعامل من قبل حماس مع ملف علاقتها الخارجية بات محل أسئلة حلفائها ومعارضيها، نظرًا إلى قربها الشديد من محور إيران بعد فترة من الفتور “الشديد” أعقبت خروجها من العاصمة السورية دمشق أعقاب اندلاع الثورة عام 2011.
ووفقًا لقراءة ملف علاقات حماس الخارجية بالأنظمة والدول العربية أو الإسلامية، فإن هذه العلاقات لا تخضع لأسلوب واحد في التعامل، وتتفاوت بين طرف وآخر بقدر التقارب الفكري والأيديولوجي، أو علاقات تحكمها مصالح السياسة كالعلاقة مع مصر بنظامها الحالي.
في السياسة: لا بد من تنازلات
لم تكن حركة حماس بعيدة عن تناقضات السياسة، وإدراكها أن اللاعب السياسي لا بد أن يقدِّمَ تنازلات ليستطيع الوقوف في المعترك الدولي، فلطالما انتقدت ذاتُ اليد التي هلّلَت لصواريخ المقاومة المنطلقة على “إسرائيل”، تسارعَ الحركة إلى أحضان الدعم الإيراني الذي وقف لجانب الديكتاتور السوري بجنده وسلاحه، والانخراط في علاقات دبلوماسية مع دول أعلنت عن تطبيع علاقاتها مع “إسرائيل” مثل المغرب.
ولعلّ من أهم الجدالات الدائمة في العقد الأخير تتمحور حول علاقة حماس بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، خصوصًا في أعقاب الثورة السورية عام 2011، ووقوف إيران إلى جانب نظام بشار الأسد بالعدة والسلاح، وما رافقها من عوامل دفعت التنظيم للإبقاء على علاقته بطهران، رغم الخروج من دمشق وقطع العلاقة مع النظام السوري.
في الأثناء، وسط موجة الانتقاد الكبير من أبناء الحركة، خصوصًا لنظام الأسد ودور طهران وحزب الله اللبناني في سوريا وقتل المدنيين، تصاعدَ الجدل الحاصل بعد الإعلان عن “محور المقاومة”، وتكامل هذه المحاور بين فلسطين المحتلة ممثّلةً بالفصائل والأذرع العسكرية في غزة، إلى جانب تنظيم حزب الله اللبناني، والفصائل العراقية، وإيران، والنظام السوري وبعض الفصائل المحسوبة عليه.
في الدفاع عن نفسها، تعزي قيادات الحركة هذه العلاقة بأنها جاءت نتيجة للحرب التي تقودها الأنظمة العربية عليها، وعلى فصائل المقاومة خصوصًا، مثل الإمارات والسعودية وحتى مصر التي تلعب دور الوساطة بينها وبين الاحتلال، حيث ترى الحركة أن العلاقات مع هذا المحور جاءت كنتيجة لغياب الدعم العربي لها، ورغبتها في تطوير قدراتها العسكرية، والوصول بالمقاومة لمستوى متقدِّم، فيما تصرُّ على أن هذه العلاقة بلا ثمن سياسي أو مواقف مقابلها لصالح النظام الإيراني.
الخليج العربي: “شعرة معاوية”
رغم اعتقال النظام السعودي مدير مكتبها محمد الخضري، حرصت حماس على نوع من الدبلوماسية السياسية مع النظام السعودي، بإصدار بيانات تمتاز بلغة الاعتدال و”العشم” في النظام السعودي القائم، في محاولة لإبقاء المجال متاحًا لأي صلح قادم.
وفي الوقت التي تدين فيه الحركة أي تطبيع تقوم به الدول، إلا أن الحركة تتغاضى بشكل براغماتي عن تطبيع خفي تقوم به دولة قطر مع حرص الأخيرة على تأكيد الحق الفلسطيني والقضية الفلسطينية، دون إبداء أية اتصالات مباشرة بين حكومتها ودولة الاحتلال.
وتبدو هذه العلاقة بين الحركة وقطر في انفتاح مستمر رغم الانتقاد الذي يوجَّه للدور القطري في غزة تحت مسمّى “تعزيز الانقسام”، عبر استمرار تقديم الدعم المالي سواء عبر تنفيذ مشاريع بنية تحتية وإعمار، أو تقديم منح مالية لصالح الموظفين المحسوبين على حكومة غزة التابعة لحركة حماس والأسر الفقيرة.
نلحظ من تصريحات دحلان الأخيرة فيما يخص السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس وهجومه عليها، نوعًا من خروج حماس عن المقتضيات والضروريات السياسية، واستغلال القيادي المفصول من فتح في إطار مناكفات الحركة مع سلطة عباس في رام الله.
وفي سياق تنازلات سياسية تمارسها الحركة، خاصة فيما يخص مصلحة القطاع، نجد أن حماس تفتح خطوط اتصال مع القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان المقيم في الإمارات، وعرّاب الانقلاب في تركيا، ومدبّر الحصار الخليجي على قطر، أهم حاضنتَين لحماس في المنطقة، ويبرّر أنصار الحركة اتصالاتها مع دحلان في سبيل الدعم الكبير الذي يقدِّمه لعدد من أبناء القطاع.
وفي الوقت ذاته، قد نلحظ من تصريحات دحلان الأخيرة فيما يخص السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس وهجومه عليها، نوعًا من خروج حماس عن المقتضيات والضروريات السياسية، واستغلال القيادي المفصول من فتح في إطار مناكفات الحركة مع سلطة عباس في رام الله.
القاهرة: براغماتية بحتة
تُعتبَر علاقة حركة حماس، المحسوبة تاريخيًّا أنها جزء من أجزاء جماعة الإخوان المسلمين المحظورة مصريًّا؛ بالنظام المصري الحالي أحد عوامل اتّهامها بالتلوُّن السياسي، خصوصًا بعدما أصدرت وثيقتها السياسية عام 2017 التي حذفت فيها أي ارتباط بالإخوان المسلمين، واكتفت بالإشارة لنفسها على أنها تنظيم إسلامي فلسطيني.
وفي أعقاب الوثيقة السياسية التي أصدرتها الحركة، شهدت العلاقات الثنائية قفزات نوعية لم تكن سائدة حتى في عهد الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، إذ عزّزت القاهرة من انفتاحها على غزة وفتحت معبر رفح البرّي، وسمحت بمرور البضائع عبر بوابة صلاح الدين، عدا عن زيارات متتالية قام بها مسؤولون بارزون كان أبرزها لرئيس جهاز المخابرات عباس كامل المعروف بقربه من السيسي.
ومرّت العلاقة بين القاهرة ممثّلةً بالنظام الذي يرأسه عبد الفتاح السيسي وبين غزة ممثّلةً بحركة حماس، بمراحل كانت فيها العلاقة قد وصلت إلى حد العداء، واتخاذ إجراءات سياسية وأمنية كان أبرزها العملية العسكرية عام 2014 لهدم أنفاق غزة على طول الشريط الحدودي مع مصر، مرورًا بوسم الحركة بالإرهاب عبر قرار صادر عن محكمة مصرية في فبراير/ شباط 2015 قبل أن تلغي محكمة أخرى القرار في العام نفسه.
اللعب على التناقضات
شكّلت تجربة الحركة في الحكم وما رافقها من رفض العالم التعامل معها بالنسبة إليها صدمة كبرى، دفعتها لتبنّي حدّ أدنى من القيود في الحوار مع الدول والأنظمة، إذ لا تضع أي فيتو في علاقتها مع الدول بما في ذلك الولايات المتحدة، وتستثني من ذلك الاحتلال الذي تشترط التفاوض غير المباشر معه لتثبيت التهدئة أو الوصول لاتفاقيات الإعمار وتبادل الأسرى.
فعلى سبيل المثال، يطلق بعض أنصار الحركة وصف “المضطر” على العلاقة بينها وبين النظام المصري الحالي، لاعتبارات الجغرافيا وضرورة تقديم تنازلات سياسية من أجل استمرار مرور المسافرين وعودتهم من وإلى قطاع غزة المحاصر عبر معبر رفح المرتبط بمصر.
في الوقت ذاته يخشى البعض الآخر أن تدفع الحركة ثمن انفتاحها على دول ترتبط بالاحتلال، ليكون ذلك مقدمة للتفاوض المباشر مع الاحتلال الإسرائيلي وتكرار التجربة ذاتها التي خاضتها منظمة التحرير قبل عقود حينما اعترفت بالاحتلال وأسَّست جسم السلطة.
في أعقاب معركة “سيف القدس” الأخيرة، سعت الحركة لتنظيم أكبر جولة خارجية عبر زيارة دول مثل المغرب، إلى جانب محاولات تجري الآن لزيارة الجزائر وجنوب إفريقيا، وهو ما ترى فيه قيادات السلطة الفلسطينية محاولة لنزع وحدوية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية.
إلا أنه رغم كل التبريرات التي تقدمها الحركة عن انفتاحها على أنظمة لا تربطها بها نقاط التقاء أيديولوجي، وسعيها لعلاقات مع دول ترتبط باتفاقيات تطبيع مع دولة الاحتلال، فإنها تعتبر أن وظيفتها التحاور مع الشعوب والأنظمة لعدم العيش في عزلة تامة يستفيد منها الاحتلال.
وفي أعقاب معركة “سيف القدس” الأخيرة، التي انتهت في 22 مايو/ أيار، سعت الحركة لتنظيم أكبر جولة خارجية عبر زيارة دول مثل المغرب، إلى جانب محاولات تجري الآن لزيارة الجزائر وجنوب إفريقيا، وهو ما ترى فيه قيادات السلطة الفلسطينية وحركة فتح محاولة لنزع وحدوية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية.
وهنا يمكن القول إن حركة حماس تسعى لاتّباع استراتيجية جديدة تتمثّل في الانفتاح على الدول والأنظمة كافة، بغضّ النظر عن إقامتها علاقات بالاحتلال الإسرائيلي من عدمه، تحت شعار الحوار مع الجميع لوقف العزلة السياسية ومنع الاستفراد بها مستقبلًا ومحاولة كسب شرعية ثورية.