ترجمة وتحرير: نون بوست
وثقت صحيفة “واشنطن بوست” في سلسلة تقارير تتكون من 6 أجزاء بعنوان “الحرب مع الحقيقة“، وترجمها “نون بوست”، تمادي الإدارة الأمريكية وقياداتها العسكرية في قول الأكاذيب وتضليل الرأي العام طوال الحملة العسكرية التي استمرت 18 سنة في أفغانستان، وذلك عبر اختلاق الأدلة وتحريف الإحصائيات وقمع الانتقادات اللاذعة والشكوك حول الحرب، لجعل الولايات المتحدة تبدو وكأنها تكسب الحرب بينما لم يكن الأمر كذلك على أرض الواقع.
إليك نص الجزء الرابع من هذه السلسلة:
في منتصف الطريق تقريبا إلى الحرب التي دامت 18 سنة، توقّف الأفغان عن إخفاء مدى فساد بلادهم. وفي الواقع، تدفّق المال المظلم في كل مكان أكبر. وغرق أكبر بنك في أفغانستان في دوامة من الاحتيال. من جانبه، حمل المسافرون حقائب محملة بمليون دولار أو أكثر، على متن رحلات غادرت كابول. وارتفعت القصور المعروفة باسم “قصور الخشخاش” من تحت الأنقاض لإيواء كبار تجار الأفيون.
أُعيد انتخاب الرئيس حامد كرزاي بعد أن اشترى المقربون منه الآلاف من الأصوات من صناديق الاقتراع. وفي وقت لاحق، اعترف كرزاي بأن وكالة الاستخبارات المركزية سلمت أكياسا من النقود إلى مكتبه على مدار سنوات، واصفا إياها ذلك بأنه “أمر عادي”. وفي العلن، ومع تصعيد الرئيس باراك أوباما للحرب وموافقة الكونغرس على دعمها بمليارات الدولارات الإضافية، وعد القائد الأعلى والمشرّعون بالقضاء على الفساد ومحاسبة الأفغان الفاسدين.
في الواقع، تراجع المسؤولون الأمريكيون وأفسحُوا المجال للصوص لأن يصبحوا أوسع نفوذا أكثر من أي وقت مضى، وذلك وفقا لصحيفة واشنطن بوست. وخلال المقابلات، قالت شخصيات رئيسية في الحرب إن واشنطن تتسامح مع أسوأ المجرمين، على غرار أمراء الحرب وتجّار المخدرات ومقاولي الدفاع، نظرا لأنهم حلفاء الولايات المتحدة.
في المقابل، قالت الشخصيات الرئيسية إن الحكومة الأمريكية فشلت في مواجهة الواقع الأكثر حزنا الذي يتمثّل في كونها مسؤولة عن تأجيج الفساد، من خلال جمع مبالغ ضخمة من المال دون أخذ العواقب بعين الاعتبار. من جهته، قال مسؤول في وزارة الخارجية رفض الكشف عن اسمه لمُحاورين حكوميين إن المسؤولين الأمريكيين كانوا “يائسين للغاية حيث أرادوا أن تجلس الأطراف على الطاولة، بالتالي ظللنا ندعم الفساد دون أن نأخذ إمكانية أن يقتلهم ذلك بعين الاعتبار“.
كان حجم الفساد نتيجة غير مقصودة لإغراق منطقة الحرب بالمساعدات وعقود الدفاع أكثر بكثير مما يمكن أن تستوعبه أفغانستان الفقيرة. ووفقا لما جاء في المقابلات، كان هناك الكثير من الفائض، بتمويل من دافعي الضرائب الأميركيين، لدرجة أن فرص الرشوة والاحتيال أصبحت متفشيّة بكثرة. في هذا السياق، قال بارنيت روبين، وهو مستشار كبير سابق في وزارة الخارجية وأستاذ في جامعة نيويورك، للمحاورين الحكوميين إن “الافتراض الأساسي كان قائما على أن الفساد مشكلة أفغانية ونحن الحل. في المقابل، هناك عنصرا واحد لا غنى عنه فيما يتعلّق بالفساد، ألا وهو المال، ونحن الذين نملك المال“.
لشراء الولاء والمعلومات، قدّمت وكالة الاستخبارات المركزية أموالا لأمراء الحرب والمحافظين والبرلمانيين وحتى الزعماء الدينيين، وذلك وفقا لما جاء في المقابلات. علاوة على ذلك، حرّض الجيش الأمريكي ووكالات أخرى على الفساد من خلال دفع مبالغ أو عقود لسماسرة السلطة الأفغان التافهين في سعيهم المضلّل لتحقيق الاستقرار.
غفل تقرير الدروس المستفادة حول الفساد أسماء أغلب أولئك الذين أُجريت معهم المقابلات
في شأن ذي صلة، قال دبلوماسي أميركي رفيع المستوى للمحاورين الحكوميين: “كانت لدينا شراكات مع اللاعبين الخطأ. ولا تزال الولايات المتحدة تقف إلى جانب هؤلاء الناس، حتى خلال كل هذه السنوات. إنها مسألة أمنية تتفوّق على كل شيء آخر“. في هذا الصدد، أفاد غيرت بيرتهولد، وهو محاسب جنائي عمل ضمن فرقة عمل عسكرية في أفغانستان خلال ذروة الحرب، من سنة 2010 إلى سنة 2012، أنه ساعد على تحليل حوالي 3000 عقد لوزارة الدفاع بقيمة 106 مليار دولار بغية معرفة المستفيدين. وخلص التحليل إلى أن حوالي 40 بالمئة من الأموال ذهبت إلى جيوب المتمردين أو العصابات الإجرامية أو المسؤولين الأفغان الفاسدين.
خلال حديثه مع المحاورين الحكوميين، قال بيرتهولد: “غالبا ما كانت النسبة المئوية أعلى“. لقد تحدثنا مع العديد من الوزراء [الأفغان] السابقين، وأخبرونا أننا نستهين كثيرا بذلك“. وتابع بيرتهولد حديثه قائلا إن الأدلة كانت دامغة لدرجة أن عددا قليلا فقط من المسؤولين الأمريكيين أرادوا أن يسمعوا عنها. وأضاف بيرتهولد قائلا: “لم يكن أحد يريد المساءلة. وإذا ما كان أحد ما ينوي مكافحة الفساد، فينبغي عليه تحمّل المسؤولية. ومما لاحظته، لا أحد على استعداد لتحمّلها“.
أجرى مكتب المفتش العام الخاص بإعادة إعمار أفغانستان المقابلات، أو ما يُعرف بسيغار، خلال الفترة الممتدة بين سنة 2014 و2018. وأنشأ الكونغرس هذه الوكالة للتحقيق في عمليات الاحتيال والهدر. في المقابل، استخدمت الوكالة المقابلات لمشروع خاص يحمل عنوان “الدروس المستفادة”، لتشخيص إخفاقات السياسة خلال الحرب. وفي أيلول/سبتمبر سنة 2016، نشرت سيغار تقريرا يضمّ 164 صفحة، حيث يؤرخ كيفية إضرار الفساد بالبعثة الأمريكية في أفغانستان ويقدّم توصيات لمعالجة المشكلة.
وجاء في التقرير أنه “ينبغي على الحكومة الأمريكية أن تأخذ بعين الاعتبار حجم المساعدات التي يمكن أن تستوعبها الدولة المضيفة، كما ينبغي على الوكالات تحسين قدرتها على رصد هذه المساعدة بفعالية”. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تدمج الاستراتيجيات والخطط الأمريكية أهداف مكافحة الفساد ضمن أهداف الأمن والاستقرار، بدلا من اعتبار أن مكافحة الفساد تفرض مقايضات على تلك الأهداف”.
في المقابل، أغفل تقرير الدروس المستفادة حول الفساد أسماء أغلب أولئك الذين أُجريت معهم المقابلات، فضلا عن الانتقادات الواضحة التي تكشف الخطأ الذي ارتكبته واشنطن. وتجدر الإشارة إلى أن صحيفة واشنطن بوست رفعت، مرتين، دعوى قضائية ضد سيغار في المحكمة الاتحادية لإجبارها على نشر سجلات المقابلات بموجب قانون حرية المعلومات الأمريكي.
توضّح الوثائق أن بذور الفساد المتفشّي زُرعت في بداية الحرب. ووفقا للمقابلات، استخدمت وكالة المخابرات المركزية والجيش الأمريكي ووزارة الخارجية بالإضافة إلى وكالات أخرى أموالا وعقودا مربحة لكسب ولاء أمراء الحرب الأفغان في الحرب ضد القاعدة وطالبان. وانتهت هذه الممارسة، التي كانت تهدف إلى أن تكون تكتيكا قصير الأجل، إلى فرض بعض الشخصيات الأكثر شهرة في البلاد على الولايات المتحدة على مدار سنوات.
كان من بينهم محمد قاسم فهيم خان، وهو قائد ميليشيا طاجيكية. ولعب فهيم خان، بصفته زعيما للتحالف الشمالي، دورا حاسما في مساعدة الولايات المتحدة على الإطاحة بحركة طالبان في سنة 2001. وفي الحقيقة، شغل فهيم خان منصب وزير الدفاع الأفغاني خلال الفترة الممتدة من سنة 2001 إلى سنة 2004، ثم شغل منصب النائب الأول لرئيس البلاد، على الرغم من أنه كان يُعرف بالوحشية والكسب غير المشروع.
خلال مقابلة أُجريت ضمن مشروع “الدروس المستفادة”، قال ريان كروكر، الذي شغل مرتين منصب كبير الدبلوماسيين الأمريكيين في كابول، إنه يعلم حقيقة فهيم خان. وتذكّر كروكر اللقاء المشحون الذي جمعه بوزير الدفاع في أوائل سنة 2002 عندما أبلغه فهيم خان بعدم اكتراث أنه وقع اغتيال وزير آخر في الحكومة الأفغانية. وتابع كروكر حديثه قائلا: “لقد كان يضحك حينما أعلمني بذلك. وفي وقت لاحق، وعلى الرغم من عدم معرفتي ما إذا وقع التحقق من ذلك، اتضح أن خان نفسه قتل الوزير. في المقابل، خرجت بالتأكيد مع شعور بأنني كنت، حتى وفقا للمعايير الأفغانية، صحبة شخص شرير تماما“.
توفّي فهيم خان لأسباب طبيعية سنة 2014. في المقابل، قال السفير إن ذكريات أمير الحرب لا تزال تطارده. من جهته، صرح كروكر للمحاورين قائلا: “أتحقق من الأمر كل يومين تقريبا، وبحسب ما أعلم، لا يزال ميتا”. مع ذلك، تعاملت إدارة بوش مع فهيم خان باعتباره شخصية مهمة ورحبت به ذات مرة في البنتاغون بشريط شرف.
لا تزال التفاصيل الدقيقة لحجم الأموال التي تحصل عليها رفقة أمراء الحرب الآخرين من الولايات المتحدة، سرية. في المقابل، تُظهر الوثائق السرية أن المدفوعات وقعت مناقشتها على أعلى المستويات الحكومية. وفي نيسان/أبريل سنة 2002، أملى وزير الدفاع دونالد رامسفيلد مذكرة سرية للغاية أمر خلالها اثنين من كبار مساعديه بالعمل مع وكالات أمريكية أخرى لوضع “خطة لكيفية تعاملنا مع كل من أمراء الحرب، من سيحصل على المال ومن سيدفعه وعلى أي أساس ومقابل ماذا؟ وماذا ستكون المقايضة؟ إلى غير ذلك”. ونصح رامسفيلد قائلا: “دعونا نبدأ في ذلك“.
بعد مرور شهرين، أرسل رامسفيلد مذكرة متابعة إلى دوغ فايث، مسؤول السياسة في البنتاغون، جاء فيها: “هل تقدم وزارة الدفاع أي طعام أو أسلحة أو أموال لأي من أمراء الحرب أو لكرزاي؟ هل تفعل وكالة المخابرات المركزية ذلك؟ هل تفعل الدولة ذلك؟ نحن بحاجة إلى فهم هذا التوازن”.
أصدر البنتاغون مذكرات رامسفيلد ردّا على دعوى قضائية بموجب قانون حرية المعلومات رفعت سنة 2017 من قبل أرشيف الأمن القومي، وهو معهد أبحاث غير ربحي في جامعة جورج واشنطن. لقد كانت من بين مئات الصفحات من المذكرات، المعروفة باسم “رقاقات الثلج”، التي أملاها رامسفيلد بشأن الحرب الأفغانية خلال الفترة الممتدة بين سنة 2001 و2005.
كان أمير حرب آخر المستفيد الرئيسي من سخاء الولايات المتحدة، وهو عبد الرشيد دوستم، رجل أوزبكي قوي من شمال أفغانستان يعمل في الوقت الراهن كواحد من نواب رئيس البلاد. حارب دوستم جنبا إلى جنب مع عملاء وكالة المخابرات المركزية وقوات العمليات الخاصة الأمريكية بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر. واتُهم بارتكاب جرائم حرب بعد أن قامت ميليشياته بخنق مئات من سجناء طالبان في تشرين الثاني/نوفمبر سنة 2001 بحبسهم في حاويات شحن محكمة الإغلاق.
وفقا لمذكرات رامسفيلد، تقبلت إدارة بوش مثلها مثل فهيم خان، دوستم. وبعد مرور أسابيع قليلة على وفاة سجناء طالبان المحتجزين لديه اختناقا، أخذ دوستم الوقت الكافي لإرسال رسالة عطلة إلى القائد العام للولايات المتحدة. وكتب دوستم في مذكرة وقع إرسالها عبر البريد العسكري الأمريكي: “عزيزي رئيس الولايات المتحدة، جورج بوش الابن، أرجو أن تتقبل تحياتي الأساسية في يوم رأس السنة الجديدة! إن الشعب الأفغاني، الذي يعيش السلام بعد فترة طويلة من المعاناة، ممتن لجهودكم في هذا الصدد”. وأضاف دوستم قائلا: “أتمنى لسعادتكم الصحة الجيدة والنجاحات الكبيرة وأفضل التوفيق”.
بدلا من اعتراض رسالة أمير الحرب، بذل البنتاغون جهودا غير عادية لتسليمها. أرسل الجنرال في الجيش تومي فرانكس، رئيس القيادة المركزية الأمريكية، الرسالة بالفاكس مباشرة إلى رامسفيلد، الذي أمر بدوره طاقمه بالتأكد من وصولها إلى مكتب بوش. وكتب أحد مساعدي رامسفيلد في مذكرة: “دوستم هو أحد قادة التحالف الشمالي. اتضح أنه كان مقاتلا مبهرا – وعملت قواتنا معه بشكل جيد للغاية“.
طالت المزيد من المزاعم عن الفظائع، الاغتصاب والتعذيب والقتل، دوستم على مر السنين. لم يكن دائما يحظى بقبول واشنطن. في المقابل، لم يتمكّن المسؤولون الأمريكيون أبدا من إقناع أنفسهم بقطع العلاقات معه. وفي سنة 2014، ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” أن دوستم كان يتلقى حوالي 70 ألف دولار شهريا من أموال وكالة المخابرات المركزية التي وقع توجيهها عبر القصر الرئاسي الأفغاني.
خلال المقابلة التي حملت عنوان “الدروس المستفادة” والتي أجريت سنة 2015، أشار مسؤول في الأمم المتحدة لم يذكر اسمه إلى أن المبلغ كان أعلى في الواقع، زاعما أن الولايات المتحدة ومصادر أخرى كانت تمنح دوستم 100 ألف دولار شهريا “حتى لا يُسبّب مشاكل“. ولم يذكر المسؤول مزيدا من التفاصيل. وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة واشنطن بوست سنة 2014، نفى دوستم تلقّي مثل هذه المدفوعات، بالإضافة إلى مزاعم أخرى ضده. وأفاد دوستم: “لو كنت خطرا، لكنت فعلت شيئا خلال الثلاثة عشر سنة الماضية”. وتابع دوستم حديثه قائلا: “هذه مجرد دعاية ضدي”.
بالنسبة للعديد من الأفغان، كان أمراء الحرب طغاة قاسيين حيث ساهم سوء حكمهم في تدمير البلاد. لذلك، لم يكن في صالح الأمريكيين أن يُنظر إليهم على أنهم حلفاء أمراء الحرب. وفي المقابلات التي أجريت ضمن إطار مشروع “الدروس المستفادة”، أقر العديد من كبار المسؤولين الأمريكيين بأن أمراء الحرب كانوا بغيضين وفاسدين. لكنهم وصفوهم بأنهم الحصن الفعال الوحيد ضد طالبان وقالوا إنه من الأفضل أن يدفعوا لهم ليكونوا أصدقاء بدلا من التشابك كأعداء.
مع غياب اليد الحديدية لآخوند زاده، سرعان ما أصبحت المقاطعة نقطة جذب للمعارضة وخرجت مشكلة تهريب المخدرات عن السيطرة
قال دبلوماسي أمريكي خدم في أفغانستان خلال السنوات الأولى من الحرب: “لست متأكدا من أنه كان يجب علينا فعل ذلك بشكل مختلف. إن ‘أمراء الحرب’ هؤلاء يعادلون القوة البرية التي هزمت للتو طالبان والقاعدة” من خلال الشراكة مع القوات الأمريكية. “هؤلاء لم يكونوا مجرد قطاع طرق عشوائيين يركضون في الأرجاء”.
كان شير محمد آخوند زاده، حاكم مقاطعة هلمند خلال الفترة الممتدة من سنة 2001 إلى سنة 2005، أحد أمراء الحرب الذي كان محبوبا ومكروها من المسؤولين الأمريكيين. وأطلق عليه الأمريكيون لقب “إس إم آي”، وقد اشتهر بتطبيق النظام بلا رحمة. في سنة 2005، داهم عملاء المخدرات الأمريكيّون والأفغان مكاتب آخوند زاده وعثروا على مخبأ ضخم، تسعة أطنان، من الأفيون. نفى آخوند زاده ارتكاب أي مخالفات لكن تحت الضغط الدولي، وقعت إقالته من منصب الحاكم.
مع غياب اليد الحديدية لآخوند زاده، سرعان ما أصبحت المقاطعة نقطة جذب للمعارضة وخرجت مشكلة تهريب المخدرات عن السيطرة. أصبح بعض المسؤولين الأمريكيين نادمين على رحيله. وصف دان ماكنيل، وهو جنرال متقاعد بالجيش وقائد عسكري لمرتين في أفغانستان، آخوند زاده بأنه “طاغية بسيط التفكير” لكنه قال إنه كان فعالا كحاكم لأنه “أبعد الأشرار الآخرين“. ووصف إقالة آخوند زاده بأنها “خطأ فادح“.
قال ماكنيل لمحاوري الحكومة: “كان شير محمد آخوند زاده فاسدا لكنه حافظ على الاستقرار لأن الناس كانوا يخافون منه. ولا يعدّ ذلك جيدا، وأنا لا أدافع عن التعامل مع الشيطان، ولكن ربما مع أحد تلاميذه، وهو شير محمد آخوند زاده”. ولم يكن آخوند زاده، الذي أصبح سيناتورا إقليميا، متأسفا من تكتيكاته القاسية. في مقابلة سنة 2009 مع المنفذ الإخباري البريطاني صحيفة التلغراف، قال إنه بعد إقالته من منصبه كحاكم، غيّر ثلاثة آلاف من أتباعه ولاءهم وانضمّوا إلى طالبان “لأنهم فقدوا احترام الحكومة”.
خلال مقابلة أخرى أجراها برنامج “الدروس المستفادة”، عبّر ريتشارد باوتشر، الذي شغل منصب مساعد وزير الخارجية الأمريكية لجنوب آسيا في إدارة بوش، عن وجهة نظر مختلفة بعض الشيء تجاه أمراء الحرب. إذ قال: “[أنا] أكره الفساد وعملت على مكافحة الفساد في جميع أنحاء العالم، ولكن هناك أنواع مختلفة من الفساد“، موضحًا أنه يعتبر الفساد الذي “يوزع الثروات” على من يحتاجون إليها مقبولا، بل ضروريا.
في أفغانستان، لطالما تفشّت المحسوبية في قلب آلية عمل الحكومة والمجتمع. كمثال على ذلك، استشهد باوتشر بإعجاب بأمير الحرب غول آغا شيرازي الذي جمع ثروة عن طريق التهرب من الضرائب والعقود أثناء عمله كحاكم ولاية.
خلال زيارة قام بها في سنة 2006 إلى مدينة جلال آباد شرقي البلاد، سأل باوتشر شيرازي عما إذا كان بحاجة إلى مساعدة في أي مشاريع بناء. وفي هذا الإطار، أفاد باوتشر: “قال لي: “أحتاج خمس مدارس وخمس جامعات وخمسة سدود وخمسة طرق سريعة“. فأجبته قائلا “حسنا، ولكن لماذا خمسة؟” فقال شيرازي: “لدي هذه القبيلة وهذه القبيلة وهذه القبيلة وهذه القبيلة، ولم تتبقّ سوى واحدة لبقية الناس”. حسبت حينها أن ذلك من أكثر الأشياء المضحكة التي سمعتها قط، والآن أعتقد أن ما قاله هو من أذكى ما سمعته على الإطلاق”.
شدد باوتشر على أنه من الأفضل تحويل العقود إلى الأفغان الذين “يُحتمل أن يأخذوا 20 بالمئة للاستخدام الشخصي أو لعائلاتهم الممتدة وأصدقائهم” بدلا من إعطاء المال “لمجموعة من الخبراء الأمريكيين المكلفين” الذين قد يهدرون نسبة تتراوح بين 80 وحتى 90 بالمئة من الأموال على النفقات العامة والأرباح”.
وأردف باوتشر قائلا: “أحبذ أن تختفي في أفغانستان، بدلا من واشنطن لأنه من المحتمل أن تتأكد في النهاية من وصول نسبة أعلى من الأموال لبعض القرويين. أجل، قد تمر من خلال خمس طبقات من المسؤولين الفاسدين، لكنها تصل إلى بعض القرويين على أية حال“.
في المقابل، أخبر آخرين المحاورين الحكوميين أن الولايات المتحدة وحلفاءها أقدموا على عمل أحمق من خلال تشجيعهم ممارسات أمراء الحرب الفاسدة وإيجاد الأعذار لها. في هذا السياق، قال مسؤول في الأمم المتحدة لم يذكر اسمه في مقابلة مع “الدروس المستفادة” إن “غول آغا شيرازي كان بارعا في عمله، وكان بإمكانه تحقيق النتائج للناس. في المقابل، لا يعني ذلك أنه كان بريئا. نحن لم نكن صارمين بما فيه الكفاية. في الاجتماعات الخاصة، كان الجميع يحاول التودد لمن حولهم، مما أدى بهم في النهاية لتقديم تنازلات ساعدت في تعزيز قوة بلادهم الخاصة على حساب المهمة، وقد أحب الأفغان ذلك“.
في مقابلة أخرى، سخر نيلز تاكسيل، وهو خبير سويدي في مكافحة الفساد خدم في أفغانستان، من المسؤولين الأجانب لتبريرهم تصرفات شيرازي بأنه “أحمق محب للخير” لأنه “لم يأخذ أو يحتفظ بكل شيء لنفسه، بل ترك القليل للآخرين“.
ظل شيرازي، الملقب “ببلدوزر “، ناشطًا في السياسة الأفغانية. ونفى مرارًا مزاعم ارتكابه أيّة مخالفات عندما ترشح لمنصب الرئاسة سنة 2014 دون جدوى، حيث قال لشبكة “إن بي سي نيوز”: “لا يوجد أي دليل ضدي. إذا كنت متورطًا في الفساد، لكنت سأمتلك مبانٍ شاهقة في دبي وسيكون لدي ملايين الدولارات في بنوك أجنبية!”
مع ذلك، لم يكن أمراء الحرب الهدف الوحيد لرشاوى الولايات المتحدة. خلال سنتي 2002 و2003، عندما اجتمعت المجالس القبلية الأفغانية لكتابة دستور جديد، قدّمت الحكومة الأمريكية “هدايا مميزة” للمندوبين الذين أيدوا الموقف الذي تفضله واشنطن بشأن حقوق الإنسان وحقوق المرأة، وذلك حسبما قاله مسؤول أمريكي خدم في كابول في تلك الفترة.
أضاف المسؤول الذي لم يذكر اسمه في مقابلات الحكومة أن “مفاد التصور الذي بدأ في تلك الفترة هو: إذا كنت ستصوت لصالح موقف تفضله [واشنطن]، فسيكون من الغباء ألا تسعى للحصول على هدية مقابل ذلك“. وبحلول الوقت الذي أجرت فيه أفغانستان الانتخابات البرلمانية في سنة 2005، كان هذا التصور قد تجذر تماما إذ قال المسؤول الأمريكي إن المشرعين أدركوا أن قيمة أصواتهم قد تصل إلى آلاف الدولارات للأمريكيين، حتى بالنسبة للتشريعات التي كانوا سيؤيدونها على أيّة حال.
أشار المسؤول إلى أن “الناس كانوا يخبرون بعضهم البعض بأن فلانا ذهب للتو إلى السفارة الأمريكية وحصل على قدر معين من المال. ثم قال الآخرون “حسنًا لا بد أن نذهب نحن أيضا“. لذلك، كانت تجربتهم مع الديمقراطية منذ البداية متمحورة حول المال بشكل كبير“.
بحلول سنة 2006، كانت الحكومة الأفغانية قد “نظمت نفسها في نظام كليبتوقراطي“، حيث يمكن لأصحاب النفوذ نهب الاقتصاد دون قيود، وذلك حسبما قاله كريستوفر كوليندا، وهو عقيد متقاعد من الجيش كان يقدم الاستشارات للعديد من القادة الأمريكيين خلال الحرب.
قال كوليندا في مقابلته مع الحكومة: “لقد ازدادت قوة الكليبتوقراطية مع مرور الوقت، لدرجة أن أولوية الحكومة الأفغانية لم تعد الحكم الصالح، بل دعم حكم اللصوص الكليبتوقراطي. لقد أدت سذاجتنا، وربما إهمالنا أيضا، للمساهمة في إنشاء هذا النظام“.
بعد أن تولّى أوباما منصبه في سنة 2009، أقنعه مسؤولو البنتاغون بتوسيع نطاق الحرب ونشر 100 ألف جندي أمريكي وتبني استراتيجية لمكافحة التمرد، حيث تمثل هدف ذلك في خنق الدعم الشعبي لطالبان من خلال حماية المدنيين وبناء الثقة في الحكومة الأفغانية.
مع ذلك، رأى العديد من الأفغان أن حكومتهم خبيثة وتفتقر للكفاءة، إذ كان القضاة والشرطة وجميع أصحاب المناصب يُخضعون الناس للابتزاز بشكل روتيني. في المقابل، كثيرا ما رأى الأفغان طالبان كحركة قاسية، إلا أنها فعالة ومخلصة. بصورة متأخرة، أطلق القادة العسكريون الأمريكيون حملة لاستئصال الفساد وتطهير الحكومة الأفغانية. أحبطت الصحوة العديد من المسؤولين المدنيين الأمريكيين الذين شعروا أن الضباط الذين يرتدون الزي العسكري قلّلوا من أهمية تلك المشكلة منذ بداية الحرب.
في مقابلته مع “الدروس المستفادة”، قال موظف بالبيت الأبيض لم يذكر اسمه إن “الأمر بدا كما لو أنهم اكتشفوا شيئًا جديدًا للتو حول الآثار الضارة للفساد“. وأضاف المسؤول أنه على مدى سنوات، “كان العاملون في الميدان يشتكون ويئنّون من التنازلات التي قدمها الجيش بشأن العمل مع الجهات الفاسدة، إلا أنهم تعرضوا للإسكات دوما“. وبغض النظر، بدأ قادة الولايات المتحدة في اتخاذ موقف أكثر تشددًا ضد الفساد في الأماكن العامة، وأصروا على حاجة الأفغان لتغيير أساليبهم.
في شهر آذار/ مارس سنة 2009، صرح أوباما قائلا: “أريد أن أكون واضحا، لا يمكننا أن نغض الطرف عن الفساد الذي يدفع الأفغان إلى فقدان الثقة في قادتهم”. بعد أيام قليلة، قالت وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، إن “الفساد يشكل خطورة على النجاح على المدى الطويل بقدر الخطورة التي تشكلها حركة طالبان أو تنظيم القاعدة”.
في شهر آب/ أغسطس سنة 2009، حذّر القائد العام في الجيش الأمريكي، ستانلي ماكريستال، الذي كان يشغل منصب القائد الأعلى للقوات الأمريكية في أفغانستان في ذلك الوقت، من أن “الأعمال الخبيثة لأصحاب النفوذ والفساد المستشري وإساءة استخدام السلطة، لم يعطوا الأفغان سببًا يذكر لدعم حكومتهم”. ومن أجل تعزيز رسالتها، حشدت واشنطن مجموعة صغيرة من محاميي مكافحة الفساد والمستشارين والمحققين والمحاسبين للذهاب إلى كابول ومساعدة الحكومة الأفغانية. وعلى الرغم من كل ذلك، سرعان الفساد ما ازداد سوءا.
في 20 آب/ أغسطس سنة 2009، توجّه الأفغان إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيسهم القادم، وكانت تلك اللحظات حرجة. وكان أوباما يفكر فيما إذا كان سيرسل عشرات الآلاف من القوات الأمريكية الإضافية إلى منطقة الحرب. لقد كان بحاجة إلى حليف موثوق به يتمتع بمصداقية في كابول. وعلى الفور، ظهرت تقارير تفيد بتزوير في الانتخابات على نطاق واسع، التصويت الوهمي وسوء احتساب الأصوات الرسمية وشراء الأصوات بالإضافة إلى العنف والترهيب في صناديق الاقتراع.
أظهرت النتائج الأولية فوز كرزاي. في المقابل، اتّهم خصومه والعديد من المراقبين المستقلين القائمين على حملته الانتخابية بمحاولة تزوير الانتخابات. وفتحت لجنة مدعومة من الأمم المتحدة تحقيقا في الغرض وخلصت إلى أن كرزاي تحصّل على نحو مليون صوت بشكل غير قانوني، أي ربع الأصوات التي جمعها.
قيّدت هذه النتيجة مسؤولي إدارة أوباما، الذين قالوا إن الفساد أمر لا يطاق لكنهم وعدوا أيضا باحترام السيادة الأفغانية وعدم التدخل في الانتخابات. علاوة على ذلك، لم يرغبوا في عزل كرزاي تماما. وفي حال قُرر تنظيم انتخابات أخرى، فقد رأى الكثيرون أنه سيكون الفائز المحتمل على أي حال.
في نهاية المطاف، توسّطت إدارة أوباما في صفقة أُعلن فيها فوز كرزاي بعد أن وافق على تقاسم بعض السلطة مع منافسه الرئيسي. في المقابل، قال العديد من المسؤولين الأمريكيين في مقابلات “الدروس المستفادة”، إن النتيجة الفوضوية للانتخابات دمرت مصداقية الولايات المتحدة. وقالت سارة تشايس، التي عملت مستشارة مدنية للجيش الأمريكي في ذلك الوقت، إن “ما حدث في الانتخابات كان مدمرا للغاية لمبدأ سيادة القانون. لقد كان الأمر محبطا لأننا كنا على استعداد لإصلاح الانتخابات. وبينما أتيحت لنا الفرصة للقول إن الفساد مهم، صدرت تعليمات صريحة بأنه ليس كذلك“.
أُقيل بيتر جالبرايث، أحد منتقدي كرزاي الذي شغل منصب نائب مبعوث الأمم المتحدة إلى أفغانستان سنة 2009، من منصبه بعد أن اشتكى من أن الأمم المتحدة تساعد على التستر على عملية التزوير الانتخابي في أفغانستان. وأخبر الأمريكي جالبريث المحاورين الحكوميين أن الحكومة الأمريكية ساندت كرزاي أيضا عندما عيّن بعضا من أعوانه في مجالس الانتخابات ومناصب مكافحة الفساد. وقال جالبرايث: “كان هناك تأثير أوسع، بسبب ثقافة التضليل. ولا يمكنك فصل الاحتيال الإداري عن فساد النظام“. في المقابل، بدأت الفوضى التي خلّفتها الانتخابات في الانحسار عندما انفجرت فضيحة أخرى في كابول.
في شهر كانون الثاني/ يناير سنة 2010، داهم عملاء مكافحة الفساد الأفغان الذين دربتهم الولايات المتحدة المقر الرئيسي لشركة “الأنصاري للصرافة”، إحدى أكبر المؤسسات المالية في البلاد، واستولوا على عشرات الآلاف من الوثائق. ويشتبه المسؤولون الأمريكيون في أن الشركة، التي تمتلك علاقات سياسية، كانت تقوم بتبييض الأموال لصالح تجار المخدرات والمتمردين عن طريق نقل مليارات الدولارات إلى دبي ووجهات أجنبية أخرى. ووفقا لمايكل فلين، الذي تقلّد منصب مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس ترامب، لعبت القوات الأمريكية دورا محوريا في العملية وأخذت تبحث في الوثائق والبيانات المُصادرة.
تابع فلين، الذي كان يشغل في ذلك الوقت منصب رئيس المخابرات العسكرية الأمريكية في أفغانستان، في المقابلات الحكومية، حديثه قائلا: “لقد ذهبنا إلى هناك حرفيا وحاصرنا البنك وتواجهنا، وأخذنا جميع البيانات. لقد كانت ضخمة. لهذا السبب، اعتقدت أننا حققنا نجاحا باهرا، فقد نفذنا تلك المداهمة واكتشفنا في غضون ثلاثة أيام الكثير من الأمور. لقد جلبنا حوالي 45 شخصا من جميع أنحاء البلاد بهدوء تام“.
أوضح فلين قائلا “لقد تبيّن أن الفساد متفشي في شركة “الأنصاري للصرافة” بشكل لا يصدق. كانت تحتوي على كتب مزدوجة وكان الناس يسرقوننا دون أن ندرك ذلك“. وعلى الرغم من وجود عدد كبير من أدلة الإدانة، سرعان ما وصل التحقيق الجنائي إلى طريق مسدود. وأضاف فلين: “هل خضع أي شخص للمساءلة؟ لا، لم يحاسب أحد“.
اتضح أن الدليل الأكبر كان يقبع داخل جدران القصر الرئاسي في أفغانستان. فبعد أشهر من المداهمة، قام المحققون بالتنصت على محادثة زُعم فيها أن أحد كبار مساعدي كرزاي وافق على منع فتح تحقيق في شركة “الأنصاري للصرافة” مقابل الحصول على رشوة.
في تموز/ يوليو سنة 2010، اعتقل ضباط إنفاذ القانون الأفغان المساعد، محمد ضياء صالحي. وفي غضون ساعات، تدخل كرزاي شخصيا وأمر بإطلاق سراح صالحي من السجن، معلنا أن المحققين تجاوزوا سلطتهم. وكان بعض المسؤولين الأمريكيين غاضبين وقالوا إن الوقت حان للحساب، بينما جادل آخرون أن الأمر الأكثر أهمية هو تهدئة كرزاي والاحتفاظ بدعمه للحرب. ومما زاد الأمور تعقيدا تقرير صحيفة “نيويورك تايمز” الذي أفاد أن مساعد كرزاي كان عميلا لدى وكالة المخابرات المركزية لسنوات.
مرة أخرى، تراجعت إدارة أوباما، وفقدت حملة مكافحة الفساد المستلهمة من الولايات المتحدة المزيد من زخمها. وقال مسؤول بوزارة العدل لم يذكر اسمه ومقره كابول في ذلك الوقت، إن “النقطة المحورية كانت تتمثل في قضية صالحي. وأخبر المحاورين الحكوميين أن عملية الاعتقال أثارت “رد فعل تحسسي” من جانب القصر الرئاسي، الذي أمر عملاء إنفاذ القانون الأفغان بالتوقف عن التعاون بصورة وثيقة مع المسؤولين الأمريكيين.
وأضاف غيرت برتولد، المحاسب الجنائي الذي خدم في أفغانستان في فترة ما بين سنة 2010 و2012، أن “الاهتمام والحماس فُقدا بعد اعتقال صالحي“. وبعد مرور أقل من شهرين على اعتقال صالحي وإطلاق سراحه، ظهرت فضيحة أكبر لاختبار تصميم إدارة أوباما. وكاد بنك كابول، وهو أكبر بنك في البلاد، أن ينهار تحت وطأة القروض الاحتيالية التي تبلغ قيمتها مليار دولار، وهو مبلغ يعادل 1/12 من إجمالي الناتج الاقتصادي للبلاد في السنة السابقة. وعلى إثر ذلك، أعدت الحكومة الأفغانية خطة إنقاذ طارئة لوقف التهافت على البنك مع اصطفاف الجماهير الغاضبة لسحب مدخراتهم.
سرعان ما تأكد المحققون من أن بنك كابول زوّر دفاتره لإخفاء مئات الملايين من الدولارات في شكل قروض غير مضمونة لمديري الأعمال المرتبطين بالسياسة، على غرار شقيق الرئيس، محمود كرزاي، وعائلة فهيم خان، أمير الحرب الذي شغل آنذاك منصب النائب الأول لرئيس الدولة.
صرّح أحد مسؤولي وزارة الخزانة الأمريكيّة، الذي لم يذكر اسمه وكان قد أُرسل إلى كابول كمستشار للحكومة الأفغانية، في مقابلته مع المحاورين أنه “على مقياس من 1 إلى 10، كان الوضع هناك بدرجة 20، فقد كانت هناك عناصر يمكنك وضعها في رواية تجسس، إلى جانب الصلات التي تجمع بين الأشخاص الذين يملكون بنك كابول وأولئك الذين يديرون البلاد”.
لقد كنا نحاول إنجاز مليون مهمة، لكنها تعتمد جميعها على أن يكون نظام كرزاي شريكا فعالا
لقد بذل المسؤولون الأمريكيون قصارى جهدهم لمساعدة الحكومة الأفغانية على إنشاء قطاع مالي قابل للحياة، وهي الآن معرضة لخطر الفشل التام. علاوة على ذلك، جاءت الكثير من الأموال المنهوبة جاءت من الخزانة التي دعمت رواتب الجنود الأفغان والشرطة وموظفي الخدمة المدنية الذين يمثّلون أغلبية المودعين في بنك كابول.
في البداية، اعتمدت إدارة أوباما، علنا وسرا، على كرزاي لإجراء تحقيق كامل حول فضيحة بنك كابول، ليس فقط لاستعادة الأموال المسروقة ولكن أيضا ليثبت للشعب الأفغاني ألا أحد فوق القانون. ووفقا لمقابلات الدروس المستفادة، تمثّل هذه المرحلة لحظة محورية، ليس فقط في حملة مكافحة الفساد، وإنما في الحرب أيضا.
أفاد مسؤول أميركي كبير لم يذكر اسمه للمحاورين الحكوميين: “لقد كنا نحاول إنجاز مليون مهمة، لكنها تعتمد جميعها على أن يكون نظام كرزاي شريكا فعالا. لكن إذا سُمح باستمرار [فضيحة بنك كابول]، فهل ستكون بقيّة المواضيع محل نقاش من هذا النوع أيضا؟ كان هناك الكثير من الغضب الشخصي والاشمئزاز، وشعور بأننا لا نستطيع تحقيق ما نرغب فيه”.
علاوة على ذلك، سببت هذه الفضيحة الإحراج للحكومة الأمريكيّة، التي نشرت مجموعات كبيرة من المستشارين الماليين والمراقبين الماليين في كابول لكنها لم تتفطن لمخطط بونزي العملاق الذي يتبلور أمامها. وقال مسؤول ثان في وزارة الخزانة مجهول الهوية للمحاورين إنه بعد وقت قصير من وصوله إلى أفغانستان في صيف 2010، التقى بأمريكي كان متعاقدا كمستشار للبنك المركزي الأفغاني لمدة ثلاث سنوات على الأقل. وأراد المسؤول الأمريكي معرفة المزيد عن بنك كابول، الذي لم يكن أي منهما على دراية بأنه على وشك الانهيار.
مع ذلك، قال مسؤول أمريكي مهم آخر مجهول الهوية للمحاورين، إن وكالات التجسس الأمريكيّة كانت على علم بالمشاكل التي يعاني منها بنك كابول قبل عام من الانهيار. وأضاف المسؤول أن مسؤولي المخابرات كانوا يتتبعون تدفقات الأموال غير المشروعة من البنك إلى طالبان والمتمردين الآخرين، كما تبادلوا المعلومات مع نظرائهم في المخابرات الأفغانية، وأشار إلى أن وكالات المخابرات لم تنبه سلطات إنفاذ القانون، “لأن ذلك لم يكن ضمن صلاحياتهم“.
قال ثلاثة مسؤولين سابقين للمحاورين التابعين للحكومة إنه بعد مرور سنة تقريبا على انتشار الفضيحة على العلن، جعلت السفارة الأمريكية في كابول، بقيادة السفير آنذاك كارل إيكنبيري، القضية على رأس أولوياتها وضغطت على كرزاي لاتخاذ إجراء بهذا الشأن. لكنهم أضافوا أن السفارة تراجعت بعد أن حل رايان كروكر محل إيكنبري في تموز/يوليو 2011.
قال المسؤول الثاني بوزارة الخزانة: “لقد كانت هناك دراسة حالة عن مدى هشاشة وعدم استقرار السياسة الأمريكيّة، لكن سياستنا تغيّرت بالكامل بين عشية وضحاها“. وأضاف المسؤول أن كروكر “كان يحاول إخفاء هذه المشكلة، وإسكات أي أصوات داخل السفارة تسعى لتسليط الضوء على ما يحصل”. وذكر هذا المسؤول وأطراف آخرون أن كروكر والقادة العسكريون الأمريكيون وغيرهم في واشنطن لم يرغبوا في المخاطرة بعزل كرزاي، لأنهم كانوا بحاجة إلى دعمه مع وصول عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين الإضافيين إلى منطقة الحرب.
علاوة على ذلك، أشاروا إلى أن كروكر وحلفائه لا يريدون أن يستخدم الكونغرس أو المانحين الدوليين فضيحة البنك كذريعة لقطع المساعدات عن كابول. وأخبر مسؤول سابق في صندوق النقد الدولي مجهول الهوية المحاورين أن “الولايات المتحدة بدأت في تخفيف ضغوطها بسبب تغيُّر القيادة في السفارة. لقد رأيت كيف تحوّل المد عندما أصبحت الأمور صعبة“.
أخبر كروكر المحاورين الحكوميين أنه يوافق على أن الفساد هو مشكلة كبيرة أدت إلى تخريب المجهود الحربي. ومع حلول الوقت الذي اُكتشفت فيه فضيحة بنك كابول، كان الأوان قد فات. وأضاف كروكر قائلا: “كان الفساد متجذّرا بشكل كبير ويمثّل جزءا كبيرا من أسلوب حياة المؤسسة، كما تعلمون، لدرجة أنني لم أر أي احتمال كبير” للتغيير، “بل فقط مجرد إحساس بالفشل“.
علاوة على ذلك، قال كروكر إنه متعاطف مع الحجة العكسيّة التي قدّمها الرئيس الأفغاني، الذي نشر اللوم على نطاق أوسع. وأضاف كروكر قائلا: “لقد أدهشني كلام قاله كرزاي وكرره عدة مرات خلال فترة ولايتي، وهو أنه من وجهة نظره الواضحة، يتحمل الغرب بقيادة الولايات المتحدة مسؤولية كبيرة لتبنيه قضية الفساد برمتها”. وقال كروكر: “لطالما اعتقدت أن كرزاي لديه وجهة نظر مفادها أنه لا يمكنك وضع هذه المبالغ من الأموال في دولة ومجتمع هشّ للغاية، دون أن تغذي الفساد. لا يمكنك ذلك ببساطة”.
المصدر: واشنطن بوست