حسين أمير عبد اللهيان، وزير الخارجية الإيراني الجديد، يمكن وصفه بأنه الأسم الأبرز في التشكيلة الحكومية للرئيس إبراهيم رئيسي، قدّمَ برنامجه الوزاري أمام مجلس الشورى الإيراني، دون أن تكون هناك معارضة برلمانية له، على عكس الوزراء الآخرين الذين خضعت أسماؤهم للفحص والتدقيق.
يمكن اعتبار عبد اللهيان بأنه الشخصية الأبرز من الجيل الثاني للثورة، دبلوماسي متمرِّس، يحظى بثقة المرشد الأعلى والحرس الثوري، وله شبكة علاقات عامة قوية مع جميع وكلاء إيران في الشرق الأوسط، بل يمكن اعتباره “قاسم سليماني” الخارجية الإيرانية، لما له من نفوذ وتأثير.
برز اسم عبد اللهيان كدبلوماسي إيراني منذ تسعينيات القرن الماضي، حيث تدرّجَ في العديد من المناصب داخل الخارجية الإيرانية، تارةً كمسؤول للملف العراقي والخليجي، وتارةً كدبلوماسي في السفارات الإيرانية في الخارج، وتارةً ثالثة كمستشار للشؤون الدولية.
لكن الدور الأبرز له كدبلوماسي كان في العراق، حيث أصبح مساعدًا خاصًّا لوزير الخارجية الإيراني للشؤون العراقية بين عامَي 2003 و2006، ومن ثم عمل في السفارة الإيرانية في بغداد بين عامَي 2006 و2007.
حظي عبد اللهيان برعاية خاصة من المرشد الأعلى علي خامنئي، وذلك يتّضح عبر محاولة توظيفه في مراكز دبلوماسية عديدة، حتى في خضمّ خلافه مع وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، فضلًا عن أنه أبرز شخصية دبلوماسية تكتبُ باستمرار العديد من المقالات في الموقع الإلكتروني للمرشد الأعلى، حيث لا تستطيع أي شخصية إيرانية الكتابة في هذا الموقع دون موافقة خامنئي شخصيًّا.
ولعلّ ثقة خامنئي به جاءت بعد سلسلة من المواقف السياسية التي عبّر عنها، والتي هي عادةً ما تكون متطابِقة مع رؤية ومواقف خامنئي، ومن أبرزها النظرة المعادية للغرب وتحديدًا الولايات المتحدة، وتأكيده على تعزيز التقارُب مع روسيا والصين، فضلًا عن قناعته التامّة بأهمية دعم وكلاء إيران في المنطقة وتقوية ركائز محور المقاومة.
ورغم الخشية الكبيرة التي تنتابُ القوى الغربية، وتحديدًا الولايات المتحدة، بعد وصول عبد اللهيان على رأس الخارجية الإيرانية، خصوصًا فيما يتعلق بمستقبل المحادثات النووية في فيينا، إلا إن هذه الخشية يقابلها ارتياح هذه القوى حول سرعة إنجاز أي صفقة فيما لو تمّ التوافق بشأنها مع إيران.
حيث في ظلّ التوافق الأيديولوجي الذي يربط مواقف المرشد الأعلى مع رئيس الجمهورية ووزير الخارجية، فأن الاعتراض المستمرّ من قبل التيار المحافظ على سياسات وسلوكيات الرئيس ووزير الخارجية، لم يعد موجودًا كما كان عليه الحال في حكومة الرئيس السابق حسن روحاني.
قاسم سليماني مثالهُ الأعلى
يمكنُ اعتبار عبد اللهيان أبرز شخصية دبلوماسية إيرانية تمتلكُ علاقات وثيقة مع الحرس الثوري وذراعه الخارجية “فيلق القدس”، حيث تشكّلت خيوط هذه العلاقة الوثيقة خلال الفترة التي عملَ بها في منصب نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية، إلى جانب عمله كمسؤول للملفّ العراقي في الخارجية الإيرانية، حيث بدأ يعمل بشكل وثيق مع أجهزة الحرس الثوري في العراق.
وخلال هذه الفترة توثّقت علاقته أكثر بقائد فيلق القدس السابق، قاسم سليماني، وبدأت تتشكل الشخصية السياسية له، حتى أصبح يؤمن بفكرة “تطويع الدبلوماسية في خدمة الميدان”، إلى الدرجة التي جعلته يؤمن بأن دور الخارجية الإيرانية الرئيسي هو تمهيد الطريق ليكون سالكًا أمام الحرس الثوري.
عبد اللهيان أكثر شخصية إيرانية بعد سليماني لديها علاقات عامة وثيقة مع قيادات الفصائل المسلحة الموالية لإيران، إلى جانب علاقاته الوثيقة مع رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي.
وعن درجة تأثُّره الكبير بشخصية سليماني، كتبَ عبد اللهيان في إحدى مقالاته على موقع خامنئي الإلكتروني بتاريخ 23 مايو/ أيار 2020: “إن جنود سليماني يتسلّلون بسهولة إلى غُرف مسؤولي الكيان الصهيوني، وهم قادرون على فعل ذلك في أي مرة ووقت يُريدونه”.
كما تحدّث مرارًا عن علاقته الشخصية بسليماني، وأنه كان شديد النصح له، بل إنه عادةً ما يستشير سليماني في أي خطوة يقوم بها، والأكثر من ذلك تحدّث عبد اللهيان عن أن سليماني علّمهُ طريقة التحدُّث مع المسؤولين الأميركيين في العراق، عندما عُيّن كأحد أعضاء الوفد الإيراني إلى العراق للحوار معهم بخصوص أمن العراق في 25 مايو/ أيار 2007، ومن ثم ترأّس عبد اللهيان الوفد الإيراني في الجولات اللاحقة من هذه الحوارات.
الدفاع عن محور المقاومة
في كلمته أمام مجلس الشورى الإيراني، أشار عبد اللهيان إلى أن “دول محور المقاومة توفِّر أمن المنطقة”، مشدّدًا على أن “إيران ستدافع عن محور المقاومة بقوة، وبلادنا توفِّر الأمن في المنطقة، وهذا ما يدركه أصدقاؤنا جيدًا”.
وتابع: “نمدّ يد الصداقة إلى كل دول المنطقة، وخصوصًا دول الجوار، وندرك جيدًا أننا قادرون على توفير أمن المنطقة من خلال التعاون”، وأضاف أن “تعاون إيران مع السعودية يصبّ في مصلحة المنطقة”، مطالبًا “بوقف فوري للحرب في اليمن”.
بسبب مواقفه المتشدِّدة والداعمة لمحور المقاومة، إلى جانب مواقفه الإقليمية والدولية، دخلَ عبد اللهيان في خلافات مستمرة مع ظريف، أثناء عمله كنائب لوزير الخارجية.
وفي هذا الإطار، ارتبط عبد اللهيان بعلاقات وثيقة مع وكلاء إيران في المنطقة، وتحديدًا الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، إذ عادةً ما يتحدّث عن علاقته الوثيقة بنصر الله، إلى الدرجة التي أشار فيها أنه يلتقي به كل شهر تقريبًا، سواء بصورة رسمية أو غير رسمية.
وعلاقته الوثيقة مع نصر الله جاءت بسبب تطابُق المواقف بينهما من “إسرائيل”، إلى الدرجة التي دفعت عبد اللهيان للقول إن “زوال “إسرائيل” هو ضرورة للأمن القومي الإيراني”، كما أن زوالها يمثّل الحل الوحيد للقضية الفلسطينية.
أمّا في العراق؛ فيمكن القول إنه أكثر شخصية إيرانية بعد سليماني، لديها علاقات عامة وثيقة مع قيادات الفصائل المسلّحة الموالية لإيران، إلى جانب علاقاته الوثيقة مع رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي.
ومن المتوقع أن يستخدِمَ هذه العلاقات بالإطار الذي يدعم جهود الحرس الثوري في العراق أولًا، ويوازن فشل قائد فيلق القدس إسماعيل قآني في ملء فراغ سليماني ثانيًا، بالإطار الذي يعيدُ الحياة للدور الإيراني في العراق، إذ إن اختيار عبد اللهيان لتولّي حقيبة الخارجية الإيرانية، يُشير إلى مدى قناعة خامنئي وجنرالات الحرس الثوري بأهمية ترتيب الأوراق الإيرانية المبعثرة في العراق، والتي يمكن لعبد اللهيان إعادة ترتيبها بما يمتلكه من تأثير ونفوذ.
أما عن علاقته بالحوثيين، وحركة حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيَّين، فهي علاقات لم تشهَدْ ذلك الانغماس الكبير، كما هو عليه الحال في العراق ولبنان، إلا أنها عادة ما تكون حاضرةً في خطاباته ولقاءاته، كما يأتي الحديث عنها ضمن سياق الحديث عن محور المقاومة بصورة عامة، وهو محور يشمل علاقته مع النظام السوري أيضًا.
وبسبب مواقفه المتشدِّدة والداعمة لمحور المقاومة، إلى جانب مواقفه الإقليمية والدولية، دخلَ عبد اللهيان في خلافات مستمرة مع ظريف، أثناء عمله كنائب لوزير الخارجية اعتبارًا من عام 2011، وأدّى ذلك في النهاية إلى إقالته من المنصب في عام 2016.
ورغم إنه عُيّن سفيرًا جديدًا لإيران في سلطنة عُمان، إلا أنه رفض قبول المنصب، وشهدت إقالته تنديدًا كبيرًا من قبل التيار المحافظ في مجلس الشورى الإيراني، حيث اعتبرَ التيارُ إقالة عبد اللهيان أنها خطوة تهدف إلى إضعاف وكلاء إيران في المنطقة، والذين يُشار إليهم في وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية بـ”محور المقاومة”.