ترجمة حفصة جودة
في بداية هذا العام، اندلع الرعب في قرية فادومو علي محمد حتى إنها قررت أنها لا تملك إلا الرحيل، مشت فادومو من خلال منطقة شبيلي السفلى جنوب الصومال لمسافة 30 كيلومترًا مع أطفالها التسع وفي النهاية حصلت على مساعدة وأوصلتها سيارة إلى العاصمة.
والآن في مقديشيو أصبحت فادومو واحدة من أكثر من 800 ألف نازح داخلي في العاصمة يعيشون في مخيمات ضيقة وعشوائية بوصول محدود جدًا للطعام والماء والرعاية الصحية، لم تحب فادومو أن تتذكر العنف الذي فرت منه.
تقول فادومو: “اندلع القتال بين عشيرتين ولم أتمكن من الذهاب إلى أي مكان لمدة يومين، ماتت عمتي وابنها وسط إطلاق النار، بينما اعترضت الميليشيات المتقاتلة آبار المياه، ولم يجرؤ أحد على الاقتراب منها، لذا قررت الرحيل مع أطفالي”.
لقد مروا بمشاهد صادمة مرعبة حولت حيّهم إلى “قرية أشباح”، تضيف فادومو: “إنه كابوس أكره أن أتذكره، منازل محترقة بينما يموت الضعفاء على جانبي الطريق، إنهم يتقاتلون منذ زمن طويل، لكن الوضع تطور للأسوأ مؤخرًا”.
تسبب الجفاف الطويل وتناقص موارد المياه والافتقار للأراضي الخصبة في تأجيج التوتر بين العشائر، ما خلق موجة نزوح واسعة النطاق عبر الصومال، تهدد مجموعة من الأزمات المتداخلة تلك البلاد الهشة في شرق إفريقيا، مع تسبب أزمة المناخ في تفاقم الصراعات الموجودة بالفعل كما تساهم في صراعات جديدة، بينما يحصد كوفيد-19 الحياة وسبل المعيشة، والتوتر السياسي ليس ببعيد عن ذلك.
تحذر الوكالات الإنسانية من أن نتيجة ذلك كله، الجوع، فقد حذر الاتحاد الدولي للصليب الأحمر وجمعيات الهلال الأحمر مبكرًا هذا الشهر من أن الصومال على شفا كارثة إنسانية، فواحد من كل 4 أشخاص يواجه مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الخطير، ويعاني أكثر من 800 ألف طفل تحت عمر الخامسة من خطر التعرض لسوء تغذية حاد.
يقول محمد مخير المدير الإقليمي للاتحاد الدولي للصليب الأحمر في إفريقيا: “أصبح الصومال من أخطر الأماكن للعيش الآن، فقد تحولت البلاد إلى دليل للكوارث، إذ اندمجت الكوارث المتعلقة بالمناخ والصراعات وكوفيد-19 لتشكل أزمة إنسانية هائلة لملايين الناس، لا يمكننا أن نستمر في الحديث عن ذلك، لا بد من القيام بشيء ما للحد من تلك المعاناة”.
تعيش فادومو مع أطفالها في ملجأ مؤقت صغير، حيث تتمكن من توفير الطعام مرة واحدة في اليوم، تقول فادومو: “كنا نكسب معيشتنا بغسل الملابس للناس في المدينة، لكن عندما بدأت الموجة الثانية من كورونا أغلق الجميع أبوابه، وأصحبت الحياة صعبة للغاية، لم يعد لدينا ما نأكله”.
الحياة في المخيم ليست أفضل بكثير، فلا يوجد طعام كافٍ، هناك الكثير من الضعفاء مثل كبار السن والنساء والأطفال الذي يعيشون بمفردهم، وجميعهم لا يملكون ما يأكلونه
مع اقتصاده الهش المعتمد بشكل كبير على الزراعة، أصبح الصومال أكثر عرضة لأنماط مناخية حادة وغير معروفة، مثل الجفاف المتكرر والفيضانات الموسمية، في السابق كانت المحاصيل تفسد وتموت الماشية بسبب نقص المياه والطعام، أما الآن فإنها تنجرف بعيدًا ببساطة.
مثل بقية دول المنطقة يواجه الصومال هذا العام مثل العام السابق أسراب من الجراد الصحراوي الذي يسهتلك تقريبًا ما يعادل وزنه من الطعام الطازج كل يوم.
فر أحمد يارو أحمد – 50 عامًا – إلى مدينة رابدهور جنوب غرب منطقة باكول عندما نفقت ماشيته في 2017 بسبب الجفاف، أصبح أحمد واحدًا من بين 2.9 مليون نازح صومالي، ويعيش منذ ذلك الحين في مخيم للنازحين داخليًا في مدينة بيدوة.
يقول أحمد – أب لتسعة أطفال -: “كنت أملك 70 ماعزًا ومزرعةً وبذلت كل جهدي للحفاظ عليهم، لكنني اضطرت للرحيل عندما انقطع المطر 3 أعوام متتالية حتى نفقت الماشية، هناك أشخاص فقدوا حياتهم جراء ذلك، لكن الحياة في المخيم ليست أفضل بكثير فلا يوجد طعام كافٍ، هناك الكثير من الضعفاء مثل كبار السن والنساء والأطفال الذي يعيشون بمفردهم، وجميعهم لا يملكون ما يأكلونه، الجميع يتشارك القليل الذي يملكه مع الآخرين”.
“لا أمل لدينا بالعودة إلى البيت قريبًا، فقد تغير نمط حياتنا تمامًا، ولم يعد ممكنًا الاعتماد على الأمطار، لقد اعتدنا حياة المدينة، وأتمنى أن يتمكن أطفالي من التعلم والحصول على حياة أفضل”.
في يونيو/حزيران قالت الأمم المتحدة إن الصومال يواجه أسوأ نقص في التمويل منذ 6 سنوات، وفي مناشدة طارئة أطلقها الاتحاد الدولي للصليب الأحمر في يوليو/تموز، قال إنهم يسعون لجمع 7 ملايين جنيه إسترليني لدعم جميعة الهلال الأحمر في الصومال لتوفير المساعدات الإنسانية للناس في أرض الصومال وأرض البنط خلال الـ18 شهرًا القادمة.
وحذر من أن كوفيد-19 سيؤدي إلى تدهور التغذية بين الجماعات المستضعفة ومن بينهم الفقراء في المناطق الحضرية ومخيمات النازحين داخليًا الذين يعيشون في ازدحام وظروف غير صحية.
مزقت الجائحة الاقتصاد الصومالي الذي كان يتعافى ببطء بعد سنوات من الصراع قبل أن يصل كوفيد-19، وفقًا للبنك الدولي فقد تراجع الاقتصاد بنسبة 1.5% في 2020، أما قطاع الثروة الحيوانية الذي يشكل 40% على الأقل من إجمالي الناتج المحلي للبلاد فقد تأثر بشكل خاص.
يقول محمد عوض من مدينة بوساسو الساحلية حيث تُصدّر معظم الماشية: “لقد خسرت نحو 50% من تجارتي منذ بداية الجائحة، فقد ألغت السعودية – التي كانت شريكنا الرئيسي في التصدير – كل واردات الماشية، كما أغلقت بقية الدول في الشرق الأوسط حدودها نتيجة تفشي المرض”.
يضيف عوض “الأمر لا يتعلق بي فقط، إنه يعني أن الكثير من الناس فقدوا سبل معيشتهم ومن بينهم الرعاة والوسطاء، حتى الدخل الحكومي تأثر بذلك”.
لا شيء من ذلك يشكل خبرًا تنتظره فادومو التي تقول: “إننا نأكل مرة واحدة فقط في اليوم، أما المياه فتُباع هنا ولا يمكننا تحمل تكلفتها، يعاني والد أطفالي من المرض ولا يمكنه الحصول على دواء، لذا الحياة صعبة للغاية”.
لم تكن هذه أول مرة تغادر فيها فادومو منزلها في بلد الأمين بشبيلي السفلى، فقد كانت في مقديشيو قبل 4 سنوات عندما كانت البلاد على حافة المجاعة، تقول فادومو: “في 2017 اضطررنا للرحيل، فلا مطر ولا طعام ولا شيء على الإطلاق، كان الجميع يفرون إلى مقديشيو وقد فررت معهم لأنقذ أطفالي”.
في العام الماضي تعرضوا للإجلاء القسري من ملجأهم في مخيم النازحين بمقاطعة كحد في العاصمة، تقول فادومو: “جاء ملاك الأرض وقاموا بإجلائنا من المخيم، ولم يعد لدينا مكان آخر نذهب إليه إلا العودة لقريتنا، لكننا اضطررنا للعودة مرة أخرى بسبب القتال، لقد استسلمت الآن وسأكافح للنجاة هنا بدلًا من مواصلة الركض في كل مكان”.
المصدر: الغارديان