كنا قد أشرنا في تقرير سابق لنون بوست أن حركة النهضة التونسية مقبلة على مراجعات كبرى حتى تواكب التحولات التي تشهدها البلاد في الفترة الأخيرة، هذه المراجعات يبدو أنها انطلقت فعليًا بخطوة تنفيذية، إذ قرر رئيس الحزب راشد الغنوشي حل المكتب التنفيذي للحركة، على أن يتم إعادة تشكيله بما يستجيب لمقتضيات المرحلة ويحقق النجاعة المطلوبة، وفق بيان للحزب.
إجراءات عاجلة
حل المكتب التنفيذي للحركة، جاء بعد أيام قليلة من دعوة مجموعة كبيرة من أعضاء مجلس شورى النهضة بحل المكتب وتحميل المسؤولية لعدد من القيادات التي قالت إنها قادت الحركة والبلاد إلى هذا الوضع المتأزم الذي استغله الرئيس قيس سعيد للانقلاب على الدستور ومؤسسات الدولة الشرعية.
وطالبت المجموعة أيضًا باستبعاد رئيس مجلس الشورى عبد الكريم الهاروني، في وقت تعيش فيه الحركة التي فازت بأغلبية مقاعد مجلس نواب الشعب في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2019، على وقع خلافات كبيرة تهدد وحدتها، في انتظار مؤتمرها الذي يفترض أن ينعقد نهاية العام الحاليّ.
وفقًا للنظام الداخلي للنهضة، يمكن لرئيس الحركة إعفاء أو قبول استقالة أي عضو من أعضاء المكتب التنفيذي من مهامه، وعليه إخبار مجلس الشورى بذلك، ويمكن للأخير سحب الثقة من كل أعضاء المكتب التنفيذي أو من أحدهم، بنفس الأغلبية المطلوبة لتزكيتهم.
الغنوشي أكد أنه سيدخل تعديلات على الهياكل القيادية بما يناسب ما تم استخلاصه من رسائل الغاضبين ومقتضيات المرحلة الجديدة
ويقترح رئيس الحزب على مجلس الشورى أسماء أعضاء المكتب التنفيذي، بما في ذلك الأمين العام ونائبه أو نوابه، ويكونون من بين الأعضاء الذين تتوافر فيهم الشروط اللازمة.
ويُحمل الكثير من قادة النهضة وقواعدها وحتى من عموم التونسيين، أعضاء المكتب التنفيذي للحركة الذي تم انتخابه في يناير/كانون الثاني الماضي، مسؤولية تراجع شعبية الحركة وتآكل رصيدها الانتخابي، إذ ساهم أعضاء المكتب في تشويه الحركة لاإراديًا من خلال تصريحاتهم ومواقفهم وتحركاتهم غير محسوبة العواقب.
وتعيش النهضة مؤخرًا، أصعب فتراتها، إذ أقدم مواطنون على حرق مقراتها وخرجوا للشارع ضدها مطالبين بإقصائها من الحياة السياسية ومحاسبة قادتها، بعد أن حملوها مسؤولية ما وصلت له البلاد من أزمات عدة تكاد تؤدي إلى انهيار الدولة.
أما داخليًا، فالحركة تعرف حالة من الخلافات الحادة بين قياداتها منذ أشهر عدة، إذ يوجد فريق داعم لتوجهات ومسار رئيس الحركة ورئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي وبقائه على رأس النهضة، فيما رأى فريق آخر أهمية تجديد الدماء وإفساح الفرصة لظهور قيادات أخرى شابة.
وسبق أن أكد رئيس الحركة راشد الغنوشي، أنه سيدخل تعديلات على الهياكل القيادية بما يناسب ما تم استخلاصه من رسائل الغاضبين ومقتضيات المرحلة الجديدة، مجددًا التزامه باحترام النظام الأساسي للحزب الذي حدد الرئاسة بدورتين.
كما دعا المجلس الوطني للشباب في النهضة في وقت سابق إلى تكوين قيادة وطنية للإنقاذ تتضمن كفاءات شبابية، وتكون بداية لمسار التجديد في القيادة التنفيذية للحركة، لإنقاذ المسار السياسي في البلاد.
ارتدادات 25 من يوليو/تموز
هذا الإجراء يعتبر أحد ارتدادات قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد المتعاقبة على البيت الداخلي لحركة النهضة، ومساء أمس أعلن سعيد تمديد التدابير الاستثنائية الخاصة بتعليق عمل البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه حتى إشعار آخر، على أن يتوجه في الأيام القادمة ببيان إلى الشعب التونسي.
وفرضت المتغيرات التي تشهدها البلاد منذ 25 من يوليو/تموز، على النهضة إجراء تحولات كبرى داخل جسمها حتى تواكب ما يحصل، ولا تكون بمعزل عما يحصل، ذلك أن الشارع أو جزءًا مهمًا منه غير راضٍ على عمل الحزب الأبرز في البلاد.
التوجه نحو التغيير في قيادات حركة النهضة كان ضمن مسار الإعداد للمؤتمر القادم للحركة، لكن الأحداث التي شهدتها البلاد مؤخرًا عجلت الأمر
وعقب قرارات الرئيس قيس سعيد أقر مجلس شورى النهضة بضرورة قيام الحركة بنقد ذاتي معمق لسياساتها خلال المرحلة الماضية والقيام بالمراجعات الضرورية والتجديد في برامجها وإطاراتها، في أفق مؤتمرها الـ11 المقرر لنهاية هذه السنة.
وكانت النهضة قد شكلت قبل أيام لجنة لإدارة الأزمة السياسية، يرأسها عضو المكتب التنفيذي محمد القوماني، وتم منح اللجنة تفويض حصري لإدارة ملف الأزمة، ومهمتها البحث عن حلول وتفاهمات تجنب البلاد الأسوأ وتعيدها إلى الوضع المؤسساتي الطبيعي.
يذكر أن التوجه نحو التغيير في قيادات حركة النهضة كان ضمن مسار الإعداد للمؤتمر القادم للحركة، لكن الأحداث التي شهدتها البلاد مؤخرًا عجلت الأمر وجعلت هذه المسألة أكثر إلحاحًا، في ظل تحميل الحركة مسؤولية الأزمة في البلاد.
بداية المراجعة؟
يُفهم من قرار الغنوشي حل المكتب التنفيذي للحركة، بداية المراجعة في النهضة بعد انتظار دام طويلًا، خاصة أن هذه المراجعات مطلب جدي داخل كوادر النهضة نفسها، فضلًا عن كونها مطلبًا ملحًا من هياكل الحركة ومنخرطيها وحتى أنصارها.
وسبق أن أكد رئيس لجنة الأزمة وعضو المكتب التنفيذي لحزب حركة النهضة، محمد القوماني، في حوار مع نون بوست أن النهضة ارتكبت أخطاءً ليست بالقليلة بعد الثورة، منها ما يخص الفترة التأسيسية وكتابة الدستور.
وتظهر الأخطاء أيضًا وفق القوماني في تعامل النهضة مع الحكومات التي كانت تساندها ولم تكن طرفًا محددًا فيها على التي لم تجن منها النهضة إلا الصورة السلبية وكانت نتائجه كارثية على تونس خاصة من الناحية الاقتصادية واستمرار الفساد، وأيضًا مسألة التحالفات التي لم تبن على مراجعات صريحة وعميقة من الحركة، واعتماد ما يسمى سياسة “الأيادي المرتعشة”، إذ لم تكن الحركة صارمة في التعبير عن خياراتها.
من أبرز المراجعات المرتقبة، عدم التمديد لراشد الغنوشي على رأس الحركة لولاية ثالثة، وتصعيد الشباب
ومن المنتظر أن يُعقد المؤتمر الـ11 نهاية هذه السنة بعد أن تم تأجيل موعده الذي كان مقررًا السنة الماضية نتيجة الوضع الصحي في البلاد وبعض المشاكل داخل الحركة، ومن المتوقع أن يقف المؤتمر على أخطاء النهضة ويصوب البوصلة، وفق قياديي الحركة.
هذا المؤتمر المنتظر سيكون محطة فارقة في تاريخ النهضة، إذ سيمس كل شيء دون استثناء ودون أي خطوط حمراء، في علاقة بالإدارة الداخلية للحزب والديمقراطية الداخلية، وأيضًا في علاقة بتحالفات النهضة ورؤيتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
من أبرز المراجعات المرتقبة، عدم التمديد لراشد الغنوشي على رأس الحركة لولاية ثالثة، احترامًا للنظام الداخلي للحزب وتصعيد الشباب لمراكز مهمة في الحركة وصياغة هوية واضحة للنهضة ترتكز على التنمية حتى تصبح حزبًا سياسيًا مناسبًا للمرحلة الجديدة وليس حزبًا يعيش من ريع عقود من النضال والسمعة الإيجابية التي جنتها من نضالها ضد أنظمة الاستبداد قبل الثورة.