كل حضارة تمرّ من مكان ما تترك فيه آثارها وشواهدها وقِيَمها، وإسطنبول تحتفي بذاكرتها والعظماء الذين مرّوا عليها، وتحمل آثارهم في كل حي وشارع.
تتبُّع هذه الشواهد يحكي الكثير عن الشعوب التي سكنت هذه الأرض، وكثير من الأبنية القديمة تستخدَم اليوم لأغراض متعدِّدة، مثل الحمّامات والأسواق التي أعيد ترتيبها وتنظيمها للاستخدام الحالي، أو منازل الضيافة والخانات التي تستخدَم كمعارض أو مطاعم أو فنادق، أو القلاع المنتشرة على طرفَي البوسفور وعند مدخله الشمالي، الغنيّة بالأسرار الفنية العسكرية، فضلًا عن إطلالاتها الساحرة.
نستعرض فيما يلي بعضًا من شواهد إسطنبول الحية.
السوق المسقوف في البايزيد (Kapalı Çarşı)
يعتبَر السوق المسقوف أشهر الوجهات السياحية في إسطنبول، يقصده آلاف الزوار يوميًّا لمكانته التاريخية والأثرية وللتسوق بالطبع، بُني بعد فتح القسطنطينية وكان مدخلًا للتجارة في عاصمة الدولة العثمانية، يعمل في السوق الحرفيون والتجّار القدماء الذين ورثوا المحلات والمهن عن آبائهم وأجدادهم، وله 21 بابًا وفيه العشرات من الأزقة الفرعية.
يقعُ السوق في منطقة الفاتح في حي البايزيد، وينتهي عند السوق المصري الموجود منذ عام 1664، نجدُ فيه محلات التوابل وبائعي الزيوت النباتية والنكهات العطرية المتنوِّعة والمكسّرات والفاكهة المجفّفة، والعديد من تجّار المجوهرات، وبعدها نصل إلى ساحل الأمينونو.
الموقع: خرائط غوغل.
سوق بائعي الكتب (Sahhaflar Çarşısı)
قبل الدخول إلى السوق المسقوف من باب بايزيد أو باب صدفجيلار، يمكنك المرور بسوق بائعي الكتب العريق، حيث تجدُ الكثير من الكتب المتنوِّعة القديمة والحديثة، إضافة إلى المخطوطات، وقد بُنيَ هذا السوق قريبًا من جامعة إسطنبول حيث كان يؤمِّن للطَّلَبة احتياجاتهم.
عندما تتجول في هذا السوق الصغير، ستشعر كأنك عدت بالزمن مئات السنين، بينما تشاهد اللوحات القديمة والمخطوطات العثمانية.
الموقع: خرائط غوغل.
جسر السلطان سليمان القانوني (Kanuni Sultan Süleyman Köprüsü)
فيما تتركز زيارات السيّاح في مناطق شبه الجزيرة التاريخية، توجد الكثير من المعالم التاريخية المتوزِّعة في أنحاء المدينة الواسعة، مثل الجسر الذي بناه معمار سنان عند المستنقعات المنتشرة بين بحيرة بويوك تشكمجه وبحر مرمرة بأمر من السلطان سليم، الذي سمّاه باسم والده السلطان سليم القانوني.
يتكون الجسر الحجري من 4 أقسام متموِّجة، وكان طريقًا للرحلات من الغرب إلى إسطنبول، ودوّنه المسافرون الأجانب بإعجاب في كُتُب سفرهم.
يوجد بالقرب منه الحديقة الثقافية، فيها تماثيل لمعمار سنان والسلطان سليمان القانوني والشاعر يونس إيمره، كما نجدُ دار الضيافة (كيرفان سراي)، بوابة الإمبراطورية العثمانية نحو العالم، حيث كانت مكانًا مهمًّا للإقامة على طريق التجارة الآسيوية الأوروبية، وتستخدَم اليوم كمكان للأنشطة الثقافية والفنية.
الموقع: خرائط غوغل.
جسر السلطان يافوز سليم على البوسفور (Yavuz Sultan Selim Köprüsü)
هو الجسر الثالث الذي يصلُ بين شطرَي إسطنبول، بُنيَ قريبًا من سواحل البحر الأسود عند نهاية البوسفور عام 2016 (وهو المَعلَم الحديث الوحيد في هذا التقرير)، ضمن خطة الرئيس أردوغان لتوسيع المدينة باتجاه البحر الأسود، ويتميّز بتصميم مختلف عن جسرَي البوسفور الآخرَين.
لا تزال المناطق القريبة منه بعيدة عن ازدحام السيّاح، رغم طبيعتها الساحرة وجمالها البديع، كما أن رسوم العبور فوق الجسر مرتفعة مقارنةً بغيره من الأنفاق والجسور، لذا إذا كنت لا تقصد زيارة الشطر الآخر من إسطنبول، يمكنك زيارة الأماكن المجاورة التي توفِّر إطلالة بديعة على البحر الأسود والجسر، مثل غابة شهداء الخامس عشر من يوليو/ تموز (15 Temmuz Sehitler Ormani Ve Anıtı)، وقلعة Rumeli Feneri Topçu Kalesi، وحديقة Marmaracık Milli Parkı، إضافةً إلى مطاعم الإفطار والسمك والمشاوي المتميزة.
أما على الطرف الآسيوي، فنجدُ سواحل السباحة وقلعة Poyrazköy Kalesi التي توفِّر إطلالة مذهلة، رغم طريقها الوعر.
الموقع: خرائط غوغل .
قلعة روملي حصار (Rumeli Hisarı)
بناها السلطان محمد الفاتح عند أضيق نقطة في البوسفور على الجانب الأوروبي خلال 4 أشهر تقريبًا، أثناء حصار القسطنطينية تمهيدًا لفتحها، حيث مُنع وصول الإمدادات للمدينة المحاصرة.
تتميز بأبراجها وأسوارها العالية، وفيها مسجد صغير جميل أُعيد بناؤه، يمكن الجلوس على أحد المقاعد أو على المسرح الحجري ومراقبة السفن العابرة للبوسفور، ويمكن كذلك إكمال الجولة بتناول السمك في المطاعم الكثيرة المحيطة بالقلعة والسير على الساحل، كما يقوم البعض أيضًا بزيارة حديقة أميرغان القريبة.
لا يُنصح بزيارتها مع عربات الأطفال، كما أنها قد تكون غير آمنة للأطفال الصغار، لكنها مليئة بالأسرار الفنية العسكرية، لهذا هي مناسبة للزيارة مع اليافعين والأطفال الأكبر سنًّا.
الموقع: خرائط غوغل.
خان الوالدة (Büyük Valide Han)
تتركّز الخانات في إسطنبول في أحياء بايزيد والأمينونو وبي أوغلو، أي قريبًا من مركز التجارة الأساسي في المدينة (الغراند بازار)، وكما يتحدث مقال نُشر مسبقًا في “نون بوست“، فقد “بنيت الخانات لاحتواء المحلات التجارية وورشات الصنع اليدوية، إضافة إلى توفير السكن والنُّزل للتجّار والباعة القادمين من خارج المدينة والذين يحتاجون مكانًا يبيتون فيه، ولذلك فكلّ خان كان عبارة عن عدة طوابق يكون أحدها مخصَّصًا للمحلات والورشات، وآخر مخصَّص لغرف المبيت”.
ويكمل المقال: “يوجد لكلّ خان ساحة كبيرة، بحيث تتّسع لقوافل البضائع القادمة، أو تكون مناسبة لإقامة الحيوانات القادمة معها من جِمال وخيول وبغال وغيرها. كما حرصَ العثمانيون على تخصيص جوامع تابعة لكلّ خان، بحيث يستطيع التجّار أداء عباداتهم دون قطع مسافاتٍ كبيرة للجوامع الرئيسية في المدينة”.
وأحد أكبر الخانات في إسطنبول هو خان السلطانة كوسم، الذي أوقفته لخدمة المحتاجين وخدمة مسجد والدة خان، استُخدِم الخان بشكل رئيسي لتخزين البضائع القادمة عبر القرن الذهبي، واكتسب شهرته اليوم من أسقفه المرتفعة ذات الإطلالة البانورامية على برج غلاطة ومضيق البوسفور وجزء من القرن الذهبي.
الموقع: خرائط غوغل.
زنجرلي خان (Zincirli Han)
فناء صغير فيه نافورة وشجرة عمرها قرن، تحيط به محلات مجوهرات، وخصِّصت الطوابق الأرضية منه للمبيعات والطوابق العليا للورشات.
كما يعتبَر جزءًا من السوق المغطّى، لكن عندما تدخل من الباب ستجد نفسك بعيدًا عن ازدحام وضجيج السوق، حيث الأجواء مختلفة تمامًا، والألوان الزاهية وأوراق الأشجار تجعله مكانًا جميلًا لشرب فنجان من القهوة والتقاط الكثير من الصور، إضافة إلى الاستماع لقصص أصحاب الحِرَف الذين ورثوها عبر أجيال ممتدّة.
يقصدُ الشباب خان الوالدة كثيرًا، حيث يعتبَر سرًّا من أسرار إسطنبول، لالتقاط الصور التذكارية من فوق أسقفه، كما تمّ افتتاح استديوهات تصوير نظرًا إلى إطلالاته الساحرة.
صهريج البازيليك (Yerebatan Sarnıcı)
يبلغ عدد التعليقات على المكان على خرائط غوغل أكثر من 30 ألف تعليق، وهذا يدلّ على شهرته الواسعة بين سيّاح إسطنبول، كما تروى حوله الكثير من الأساطير، وهو أحد الأماكن التي تدور فيها أحداث الروايات والأفلام، منها رواية “الجحيم” لدان براون.
يقع بالقرب من آيا صوفيا، وهو أكبر الخزّانات المائية الموجودة تحت إسطنبول، وأحد الآثار البيزنطية فيها حيث بناه الإمبراطور لتغطية احتياجات القصر من المياه، وبعد دخول العثمانيين استُخدِم لتوفير المياه لحديقة قصر التوب كابي.
يتحدّث الزوار عادةً عن جمال عشرات الأعمدة الطويلة في هذا المكان المغمور، وسحر انعكاسها على الماء، إضافة إلى تفاصيل نقوشها وزخارفها.
الموقع: خرائط غوغل.
برج الفتاة (Kız Kulesi)
تحكي الأسطورة أن ملكًا رأى في منامه أن ابنته الوحيدة ستموت، فبنى لها قلعة في جزيرة وسط البحر لحمايتها، وفي إحدى المرّات تسلّلَت أفعى في سلة عنب، وتسبّبت في موت الأميرة، لكن القلعة بقيت رمزًا من رموز إسطنبول التي لا يُملّ منها.
يقضي الناس سهراتهم على شاطئ أسكودار قبالة القلعة، حيث تظهر إسطنبول القديمة من خلف برج الفتاة، ويفضِّل البعض زيارة القلعة مرة على الأقل عبر القوارب الصغيرة، حيث يوجد فيها اليوم مطعم صغير ومتحف بسيط ونقوش وتماثيل على الجدارن تروي أسطورة القلعة، إضافة إلى متجر صغير.
الموقع: خرائط غوغل