أقام الانفصالييون الأوكرانيون الموالون لروسيا انتخابات “شكلية” لتأكيد انفصال مناطقهم الواقعة في شرق أوكرانيا وعلى الحدود الروسية الغربية، عن سلطة كييف الموالية للاتحاد الأوروبي والتي أطاحت قبل أشهر بالرئيس يانوكوفيتش (الموالي لروسيا) في ثورة شعبية لم يشارك فيها سوى المواطنون الأوكرانيون المعادون للنفوذ الروسي في أوكرانيا.
وحسب استطلاع رأي أجري أمس الأحد وقام بإعلانه “رومان لياغين” رئيس اللجنة الانتخابية، حصل رئيس حكومة جمهورية دونيتسك المعلنة من طرف واحد “ألكسندر زخارتشنكو” على 81.37 بالمئة من الأصوات؛ مما يرشحه لمنصب رئيس الجمهورية، كما حصل حزبه “جمهورية دونيتسك” على نسبة 65.11 بالمئة من الأصوات في الانتخابات التشريعية؛ مما يجعله الحزب الحاكم في البلاد.
مع العلم أن الحزب ورئيسه هم الحكام الفعليون في الجمهورية المعلنة شرق أوكرانيا، وذلك بفضل الدعم العسكري الذي يتلقونه من روسيا وبفضل معاداة سكان تلك المنطقة للنظام الجديد في كييف، وأن هذه الانتخابات تعتبر شكلية الهدف منها إضفاء الشرعية “الانتخابية الديمقراطية” على السلطة التي فُرضت بقوة السلاح.
موقف العاصمة كييف:
ندد الرئيس الأوكراني “بيترو بوروشينكو” بالانتخابات المقامة ووصفها بأنها غير شرعية، قائلاً: “هذه الانتخابات مسرحية هزلية أُجريت تحت فوهات الدبابات والمدافع الرشاشة”، مشيرًا إلى أنها تمثل “انتهاكًا لسلسة اتفاقيات تُعرف ببروتوكول مينسك، التي رسّخت وقف إطلاق النار في الـ 5 من سبتمبر/ أيلول بين الانفصاليين وكييف”.
وأضاف الرئيس الأوكراني، الذي وصل للحكم بعد فرار الرئيس السابق “يانوكوفيتش” من المتظاهرين الذين اقتحموا المقار الحكومية، قائلاً: “أعول على روسيا في عدم الاعتراف بما يُسمى بالانتخابات، لأنها انتهاك واضح لبروتوكول مينسك في الـ 5 من سبتمبر، الذي وقعه أيضًا ممثل عن روسيا”.
وترفض السلطات في كييف هذه الانتخابات لأنها ستزيد من تعقيد مفاوضات السلام التي تهدف إلى جمع شمل الشعب الأوكراني والأراضي الأوكرانية، وسترسخ تبعية القسم الشرقي لأوكرانيا للجانب الروسي، وفي هذا الإطار أعلنت السلطات في كييف فتح تحقيق جنائي بتهمة “القيام بمحاولات للاستيلاء على السلطة وتغيير النظام الدستوري”.
وفي نفس الوقت الذي توجه خلاله الأوكرانيون في الشرق لصناديق الاقتراع، قال الجيش الأوكراني إن ثلاثة من جنوده قتلوا خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، بينهم اثنان في انفجار استهدف نقطة تفتيش قرب مدينة ماريوبول التي تسيطر عليها الحكومة الأوكرانية.
موقف الانفصاليين:
رد الرئيس الجديد لشرق أوكرانيا ولجمهورية دونيتسك “ألكسندر زخارتشنكو” على موقف العاصمة كييف بالقول إن “أوكرانيا لا تريد السلام وتمارس لعبة مزدوجة”، قائلاً: “أوكرانيا لا تريد السلام مهما قالت .. من الواضح أنها تمارس لعبة مزدوجة”.
موقف العاصمة موسكو:
أصدرت وزارة الخارجية الروسية بيانًا قالت فيه إن روسيا “تحترم إرادة شعب جنوب شرق اوكرانيا”، مضيفة: “الممثلون المنتخبون حصلوا على تفويض لمعالجة المهام العملية المتعلقة باستعادة الحياة العادية في المنطقتين، من المهم للغاية اتخاذ خطوات نشطة لإقامة حوار مستدام بين السلطات المركزية الأوكرانية وممثلي دونباس بما يتماشى مع اتفاقات مينسك”.
وفي المقابل قال المتحدث العسكري الأوكراني “أندري ليسنكو” في مؤتمر صحفي أمس الأحد: “هناك انتشار كثيف للعتاد العسكري وقوات العدو من الأراضي الروسية نحو المنطقة التي يسيطر عليها المتمردون”، مؤكدًا صحة صور الفيديو التي بثتها وسائل إعلام أوكرانية وأظهرت عشرات الشاحنات العسكرية من دون لوحات تسجيل وصفت بأنها “طابور روسي في شوارع دونيتسك”.
وقالت وكالة الصحافة الفرنسية إن رتلا من عشرين شاحنة عسكرية، يحمل العديد منها رشاشات مضادة للطيران، متوجه إلى مطار دونيتسك، مركز المعارك الدائرة منذ أشهر بين المتمردين والقوات الأوكرانية.
موقف الاتحاد الأوروبي:
أعلن الاتحاد الأوروبي على لسان الممثلة العليا للشئون الخارجية في الاتحاد، أنه لن يعترف بنتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي جرت أمس الأحد، حيث أشارت “فدريكا موغريني” إلى أن الانتخابات غير شرعية وغير قانونية، وتمثل عائقًا في طريق السلام بالمنطقة، وأن إجراء انتخابات في دونيتسك ولوجانسك، مخالف لاتفاقية مينسك لوقف إطلاق النار.
صفقة غاز خوفًا من الشتاء البارد:
مع استمرار الانفصاليين الأوكرانيين في ترسيخ انفصالهم عن سلطة كييف بشتى السبل العسكرية والديمقراطية، تستمر موسكو في ابتزاز كييف والاتحاد الأوروبي وفي مساومتهم بملفات عدة بغية إجبارهم على القبول بالأمر الواقع، فبالتزامن مع تنظيم الانتخابات شرق أوكرانيا، وقعت أوكرانيا وروسيا والاتحاد الأوروبي اتفاقًا مؤقتًا لاستئناف إمداد الغاز الروسي لكييف أثناء فصل الشتاء ولتأمين عبوره إلى أوروبا.
وينص الاتفاق الذي تم إنجازه بعد أكثر من أربعة أشهر من النزاع، على أن تستأنف شركة الغاز الروسية العملاقة “غازبروم” إمداداتها من الغاز إلى أوكرانيا المعلقة منذ يونيو، وعلى بدء كييف في تسديد ديونها البالغة 3.1 مليار دولار.
وتم الاتفاق على أن يتم تسديد الدين الأوكراني لروسيا والمقدر بمبلغ 3.1 مليار دولار على دفعتين، الأولى تبلغ 1.45 مليار تدفع فورًا والثانية وقيمتها 1.65 مليار دولار ويفترض أن يتم تسديدها قبل نهاية السنة، كما قبلت روسيا بتحديد سعر الغاز طوال فترة الاتفاق المرحلي عند مستوى 385 دولارًا لكل ألف متر مكعب، على أن يدفع المبلغ سلفًا لكل شهر.
وقال رئيس الوزراء الأوكراني إنه “إذا حاولت روسيا رفع السعر من جانب واحد، كما حدث عشر مرات سابقًا، فسنتلقى تعويضًا من شركائنا الأوروبيين للفارق”، محذرًا من أنه “لا يجب الابتهاج سريعًا لأن ملف الغاز لم يحل إلا جزئيًا”، في حين كشف رئيس مجموعة نفتوغاز الأوكرانية أن الدين الأوكراني سيدفع بأموال صندوق النقد الدولي.
روسيا تعمل باستراتيجية طويلة الأمد:
بينما ينشغل الأوكرانيون والأوروبيون بمسائل الغاز وينشغل الانفصاليون بتنظيم الانتخابات وترسيخ سلطتهم في مناطقهم، تعمل روسيا على تنفيذ خطوات استراتيجية طويلة الأمد ترسخ ولاء الجزء الشرقي من أوكرانيا للكرملن الروسي.
فمساء أمس الأحد، كشفت وسائل إعلامية محلية عن وصول خمسة أطنان من الكتب الدراسية إلى منطقة دونيتسك في شكل هبة من الاتحاد الروسي، وفي تعليق على الحدث، قال ناظر المدرسة التي استقبلت الكتب “أندريه أودوفينك”: “تطور علاقتنا مع الاتحاد الروسي والاتحاد الجمركي لا يعني أننا سنستخدم النظام التربوي للاتحاد الروسي، وإنما يعني أن نظامنا التربوي سيتعاون مع النظام التربوي للاتحاد الروسي والاتحاد الجمركي”.
وأكدت المدرسة أن هذه الكتب ستكون المراجع الأساسية للمناهج الدراسية الجديدة بدلاً من المناهج الأوكرانية القديمة، كما قال وزير التربية في دونيتسك “إيغور كوستينوك”: “نشهد احتفالاً باللحظة التي حصلنا فيها على الكتب المدرسية الجديدة والتي تتضمن الكثير من تلك المعايير التي نتحدث عنها اليوم وسيتم استخدامها لتعليم التلاميذ”.