ترجمة حفصة جودة
يبدو أن انتخابات العراق القادمة تجعل الطبقة السياسية الحاكمة التي تدير البلاد فعليًا في حالة من التوتر الشديد، فرغم أن قائمة المرشحين في اقتراع أكتوبر/تشرين الأول لا تضم أي منافسين جادين ذوي خطط متماسكة لإصلاح الأوضاع أو ليحلوا محل الأحزاب الحاكمة، فإن الأكثر احتمالية مع حضور الناخبين بشكل مرتفع نوعًا ما، أن هذه الأحزاب لن يُجدد لها في قاعات البرلمان لفترة أخرى مدتها 4 سنوات.
لهذا السبب قال اللاعب السياسي الرئيسي مقتدى الصدر الشهر الماضي إنه لن يشارك في التصويت بحجة الفساد وفشل الإصلاحات ومكر الطبقة السياسية التي تضحي بمصالح العراق، التحجج بتلك الأسباب هو الأمر المعتاد لجذب الانتباه في السياسة العراقية.
لكن الحقيقة في مكان آخر: إدراك أتباع الصدر أنهم سينجحون بنسبة ضعيفة في الانتخابات، في الواقع؛ تتحدث بعض المصادر المقربة من الصدر عن حصول الحركة على نحو نصف عدد مقاعد البرلمان التي حصلوا عليها في الانتخابات البرلمانية 2018، عندما كانوا أعلى الفائزين بحصولهم على 52 مقعدًا.
انسحاب الصدر يختلف تمامًا عن التصريحات المتفائلة والواثقة التي أطلقها بعض مساعديه قبل عدة أشهر بادعائهم أن الصدر سيفوز بأغلبية برلمانية بسهولة جدًا، ما يسمح لهم بتشكيل الحكومة القادمة.
لم يكن أغلبية نواب البرلمان العراقي هناك بسبب الأصوات التي فازوا بها، بل بسبب الأصوات التي منحها لهم قادة أحزابهم
في الحقيقة أكد الصدر بنفسه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي نيته المشاركة إذا اتضح أن الانتخابات ستؤدي إلى حصوله على أغلبيه في البرلمان، وأن رئيس الوزراء سيكون من أفراد حركته.
قلق الأحزاب الحاكمة
لكن الصدر ليس وحده في مقاطعة تلك الانتخابات، فقد أعلن إياد علاوي رئيس الوزراء السابق ورئيس “الجبهة الوطنية” انسحابه أيضًا، بينما قالت جبهة الحوار الوطني التي يرأسها نائب رئيس الوزراء السابق صالح المطلك إنها لن تشارك في الانتخابات كذلك.
استجابت الحكومة لذلك بتشكيل لجنة لإقناع الأحزاب المقاطعة والقادة لتغيير موقفهم، بينما تحاول الأحزاب السياسية الأخرى – في الخفاء – تأجيل الانتخابات لموعدها المعتاد في أبريل/نيسان 2022، لكن ما الذي قد يتغير في 6 أشهر؟ لا شيء.
هناك سببان يفسران قلق الأحزاب الحاكمة من انتخابات أكتوبر/تشرين الأول، الأول هو قانون الانتخابات الجديد الذي صدر في ديسمبر/كانون الأول العام الماضي تحت ضغط المتظاهرين، هذا القانون الجديد يحرم هذه الأحزاب من عدة مميزات بارزة من بينها: قدرة قادة الحزب – الذين يحصلون عادة على الكثير من الأصوات – على توزيع أصواتهم الزائدة على مرشحي الحزب الذين حصلوا على أصوات أقل.
هذا الأمر يسمح لهؤلاء المرشحين بالفوز بمقاعد في البرلمان، بينما لا تحصل الأحزاب الصغيرة والمنافسون المستقلون – الذين حصلوا بالفعل على أصوات أكثر – على أي فرصة للفوز بمقاعد في البرلمان.
لهذا السبب – منذ 2005 – لم يكن أغلبية نواب البرلمان العراقي هناك بسبب الأصوات التي فازوا بها، بل بسبب الأصوات التي منحها لهم قادة أحزابهم، هذا النظام يكافئ الأحزاب الكبيرة بشكل أساسي ويربط النواب بقادة الأحزاب، بدلًا من هؤلاء الذين من المفترض أن يمثلوا مصالحهم.
السبب الثاني نابع من السبب الأول، فالقانون الجديد يُلزم بإدخال التصويت المحلي على مستوى المقاطعات بحيث يصبح الحاصلون على أعلى الأصوات نوابًا في البرلمان، ما يجعل من الصعب على العديد من الأحزاب الكبرى العثور على قادة محليين أو نشطاء لهم فرص عالية للفوز في الانتخابات، بمعنى آخر؛ أن يحبهم الناخبون المحليون وتثق بهم الأحزاب الكبرى.
ارتياب عميق
نظرًا للارتياب العميق والغضب تجاه الأحزاب الكبرى الذي يشعر به جمهور الناخبين كما كان واضحًا بشدة في حركة احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول والدعم الوطني الواسع الذي اكتسبته، فإن الأحزاب الكبرى – باستثناء بسيط – ستعاني من بعض الخسارة في الانتخابات القادمة إذا كان هناك إقبال أعلى من نسبة 18% التي شاركت في اقتراع 2018.
لكن الأداء الانتخابي الضعيف للأحزاب الكبرى لن يُترجم بالضرورة إلى إصلاحات مستقبلية جادة أو برلمان أفضل، على الأقل ليس على المدى القريب، أحد الأسباب الرئيسية لذلك غياب أحزاب ذات مصداقية وطنية واسعة في الانتخابات، فمعظم الحركة الاحتجاجية وأحزابها الناشئة قرروا مقاطعة الانتخابات.
قوة هذه الأحزاب هائلة ومنتشرة في فروع الحكومة المختلفة خاصة التنفيذية
إذا أجُريت انتخابات شفافة في أكتوبر/تشرين الأول بحضور عالٍ نسبيًا، فإن البرلمان القادم من المحتمل أن يضم وجوهًا مستقلةً جديدةً وأحزابًا صغيرةً ونسبةً قليلةً من أيدولوجيي الحرس القديم، لكن حتى البرلمان الذي يضم عددًا من الأعضاء الجدد والجيدين لن يكون قادرًا على تغيير الوضع الراهن.
تملك الأحزاب الكبرى خبرة كبيرة في المناورات والسياسات البرلمانية وتحصل على تمويل جيد، ربما يواجهون أوقاتًا عصيبة مع البرلمان الجديد، لكنهم على الأغلب سيتمكنون من ترويضه باستخدام طريقة العصا والجزر المعتادة.
من دون كتلة إصلاحية كبيرة ومتماسكة في البرلمان، يمكن للأحزاب الموجودة أن تعطل جهود الرقابة ووضع قوانين جيدة، بالإضافة إلى ذلك؛ فإن قوة هذه الأحزاب هائلة ومنتشرة في فروع الحكومة المختلفة خاصة التنفيذية.
من خلال تلك القوة ستواصل هذه الأحزاب وصولها لموارد الدولة وقد تستطيع الحفاظ على نظام المحسوبية الحاليّ الذي عرقل لسنوات إصلاحات جادة.
في ظل غياب احتجاجات الشارع الواسعة والمستمرة لمنع هذه الأحزاب من مصادر قوتها غير الشرعية وتشجيع القوى السياسية الناشئة – التي تنضج ببطء للأسف – فإن العراق سيواصل مسيرته الحاليّة من أزمة إلى أخرى دون حلول حقيقية، أما الأسباب المتجذرة للمشاكل فلم يتم حتى المساس بها.
المصدر: ميدل إيست آي