ترجمة وتحرير: نون بوست
وصلت العلاقات المضطربة بين الجارتين المغرب والجزائر مرة أخرى إلى الحضيض بعد اتخاذ الجزائر قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع الرباط. تسبب عدد من القضايا القديمة والحديثة في إحداث شرخ في العلاقات بين الدولتين اللتين تقعان في شمال أفريقيا، بما في ذلك النزاع طويل الأمد على الصحراء الغربية، وتطبيع المغرب العلاقات مع إسرائيل، وتقارير تفيد بأن المغرب ربما تجسس على هواتف مسؤولين جزائريين.
قال وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة إن المغرب لم يتوقف يومًا عن “مناوراته غير الودية والدنيئة والعدوانية ضد بلدنا وذلك منذ استقلال الجزائر”، وذلك إبان الإعلان عن قطع العلاقات يوم الثلاثاء.
ولكن العلاقات بين البلدين لم تكن دائما متوترة. وفيما يلي، نبذة عن تاريخ أكثر العلاقات اضطرابا في شمال أفريقيا:
قبيل الاستقلال
قبل نيل الاستقلال، كانت كل من الجزائر والمغرب خلال منتصف القرن العشرين مستعمرتين فرنسيتين. وفي سنة 1956، دخل المغرب – الذي كان جزء منه مستعمرا من قبل إسبانيا – في مفاوضات الاستقلال عن فرنسا ما أدى إلى إرساء حكم ملكي دستوري، بينما واصلت إسبانيا السيطرة على الصحراء الغربية حتى سنة 1976.
أما الجزائر، التي استعمرتها فرنسا منذ 1830، نالت في نهاية المطاف استقلالها في سنة 1962 بعد نزاع طويل ودموي ضد القوة الاستعمارية. تلقت جبهة التحرير الوطني الجزائرية، التي قاتلت القوات الفرنسية في الجزائر، التمويل والأسلحة والأدوية من المغرب، الذي مثّل أيضًا ملاذا آمنا لقادتها. وفي كفاحها ضد الاستعمار الأوروبي، لم يمثل الاختلاف الأيديولوجي بين جبهة التحرير الوطني وبين المملكة المغربية عائقا أمام التعاون بين الطرفين.
النزاعات الإقليمية
بعيد استقلال الجزائر، بدأت الخلافات بين الدولتين على الأراضي الحدودية. في سنة 1963، اندلعت حرب الرمال على عدد من الأراضي الحدودية بالقرب من الصحراء الغربية، التي كانت في ذلك الوقت تحت سيطرة إسبانيا. وقد كانت نتائج هذا النزاع الذي دام لنحو ثلاثة أشهر وخيمة.
مع أن المغرب تخلى عن المطالبة بالأراضي الحدودية الجزائرية في سنة 1972، إلا أن الخوف من توسع المغرب كان عاملا حاسما في قرار الجزائر دعم استقلال الصحراء الغربية، حيث شعرت أن ذلك من شأنه أن يساعد في كبح مساعي الوحدوية.
النزاع على الصحراء الغربية
مثّل استقلال الصحراء الغربية دون أدنى شك القضية الرئيسية التي هيمنت على العلاقات الجزائرية المغربية طيلة القرنين العشرين والحادي والعشرين. دامت سيطرة إسبانيا على هذا الإقليم حتى سنة 1976. ومع اقتراب ديكتاتورية فرانثيسكو فرانكو من نهايتها، وقّعت البلاد اتفاقيات مدريد مع كل من المغرب وموريتانيا لتترك هذه الأراضي محل نزاع.
دامت حرب الصحراء الغربية حتى سنة 1991، وبما أن الجزائر احتضنت مقر جبهة البوليساريو فإن ذلك حال دون تطبيع العلاقات مع المغرب بأي شكل من الأشكال.
لقد ترك هذا الأمر شعب الصحراء دون دولة أو حكم ذاتي. ومن جهتهم، رفض الجزائريون بمرارة هذه الاتفاقيات التي اعتبروها استمرارا للاستعمار وتهديدا لنفوذ الجزائر في شمال إفريقيا على حد سواء. بعد فترة وجيزة، قطعت الجزائر العلاقات مع المغرب وبدأت في تزويد جبهة البوليساريو، المؤيدة لاستقلال الصحراء الغربية، بالإمدادات والأسلحة وقدمت لها ملاذا آمنا.
طُرد ما لا يقل عن 45 ألف مغربي من الجزائر، التي بدأت في سنة 1976 بقبول أعداد كبيرة من اللاجئين الصحراويين الفارين من موطنهم. وفي سنة 1976، اعترفت الجزائر بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، التي أعلنت جبهة البوليساريو في تلك السنة أنها السلطة الشرعية الوحيدة في الصحراء الغربية.
دامت حرب الصحراء الغربية حتى سنة 1991، وبما أن الجزائر احتضنت مقر جبهة البوليساريو فإن ذلك حال دون تطبيع العلاقات مع المغرب بأي شكل من الأشكال. وقد انهار اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه في سنة 1991، في سنة 2020 بعد حوالي ثلاثين عاما.
الحرب الأهلية الجزائرية
انتهت الحرب الأهلية في الجزائر، التي اندلعت في سنة 1992 بعد انقلاب أطاح بالإسلاميين الذين ربحوا الانتخابات، بتعميق الهوة في العلاقات بين البلدين. فقد اتهمت الجزائر المغرب بتمويل الجماعة الإسلامية المسلحة التي أطلقت انتفاضة مسلحة ردا على الانقلاب.
في سنة 1994، انفجرت قنبلة في نزل في مراكش ما أسفر عن مقتل سائحين إسبانيين. وقد لام المغرب الجزائر على الهجوم على الرغم من أن الأدلة التي تدعم مزاعمه قليلة. وقد أدى تراشق التهم بين الطرفين إلى إغلاق الحدود بين الدولتين في سنة 1994، وهي وضعية لا تزال قائمة حتى يومنا هذا.
التطورات الأخيرة
في سنة 2004، أعفى المغرب المواطنين الجزائريين من تأشيرة الدخول في خطوة أتت الجزائر بمثلها في سنة 2006. ولكن رغم هذه الإيماءات التي تبدو في ظاهرها وديّة، تأزمت العلاقات بين البلدين مجددا في السنوات الأخيرة.
ذكرت الحكومة الجزائرية أن الانفصاليين تلقوا “الدعم والمساعدة من جهات أجنبية، وعلى وجه الخصوص من المغرب والكيان الصهيوني” في مسألة الحرائق التي اجتاحت البلاد
اندلع النزاع مجددا مع جبهة البوليساريو في سنة 2020 الذي تزامن بالصدفة مع تطبيع المغرب العلاقات مع إسرائيل، والتي حاز المغرب مقابلها بموافقة الولايات المتحدة على السيادة المغربية على الصحراء الغربية. تسببت كل هذه التحركات في إثارة غضب الجزائر، لسببين أولهما دعمها لجبهة البوليساريو وثانيهما عداوتها لإسرائيل.
تسببت التقارير المتعلقة بتسريبات برمجية التجسس بيغاسوس في تعقيد الأزمة. فوفقا لبيانات كشفت عنها منظمة قصص محرّمة ومنظمة العفو الدولية لصحيفة “لوموند” الفرنسية، كانت الرباط واحدة من بين “أبرز مستخدمي برمجية التجسس، التي استخدمتها ضد السلطات الجزائرية”.
في آب/ أغسطس، اجتاحت حرائق الغابات الجزائر وتسببت في سقوط العشرات. وخلال الأسبوع الماضي، وجّهت الحكومة الجزائرية أصابع الاتهام إلى الانفصاليين في منطقة القبائل بشأن إشعال النيران عمدا التي تسببت في حرائق الغابات. وذكرت الحكومة أن الانفصاليين تلقوا “الدعم والمساعدة من جهات أجنبية، وعلى وجه الخصوص من المغرب والكيان الصهيوني”، في إشارة إلى إسرائيل.
في وقت مبكر من هذا الشهر، أعرب دبلوماسي مغربي عن دعمه لحق شعب منطقة القبائل الذين يتحدثون الأمازيغية في إقرار المصير. ويبدو أن هذه التصريحات الأخيرة كانت القشة التي قسمت ظهر البعير.
المصدر: ميدل إيست آي