أقل من أسبوعين، تفصل المغاربة عن انتخابات برلمانية ومحلية من شأنها أن تفرز حكومة جديدة بعد انقضاء ولاية الائتلاف الحاليّ، ومن المنتظر أن يشارك في هذه الانتخابات نحو 18 مليون شخص، بزيادة 2.28 مليون، مقارنة بآخر انتخابات شهدتها المملكة، بزيادة بنسبة 14.5%.
في هذه الانتخابات ستتنافس عشرات الأحزاب للفوز بـ395 مقعدًا في الغرفة الأولى للبرلمان، فضلًا عن أكثر من 31 ألف كرسي في مجالس المحافظات والجهات، في هذا التقرير لنون بوست سنرصد أبرز الأحزاب المنافسة في هذا الاستحقاق الانتخابي.
العدالة والتنمية يرنو للصدارة مجددًا
يتصدر حزب العدالة والتنمية (إسلامي)، قائمة الأحزاب المنافسة على الفوز بأغلبية مقاعد البرلمان، ويقود الحزب الائتلاف الحكومي للولاية الثانية، وذلك للمرة الأولى في تاريخ المغرب، إثر فوزه في انتخابات مبكرة أجريت في سياق الربيع العربي العام 2011 وفي انتخابات سنة 2016.
وفي آخر انتخابات تشريعية عرفتها البلاد، حصل الحزب على 125 مقعدًا في البرلمان من أصل 395، إذ اختار لحملته الانتخابية الحاليّة، شعار “المصداقية والديمقراطية والتنمية”، ويقول الحزب إن برنامجه يهدف إلى تعزيز الحكامة ومواصلة الإصلاحات الهيكلية المرتبطة بها.
ويعول الحزب خلال الانتخابات المرتقب إجراؤها في 8 من سبتمبر/أيلول المقبل، على القوة التي يمتلكها، ممثلة في تواصله مع المواطنين وقوته الداخلية في الترابط والتعاضد بين أعضائه لخدمة مشروعه، لكنه يواجه مشكلات عديدة منها استعمال الأحزاب للمال بشكل فظيع لشراء الأصوات والتأثير على أبناء الحزب كما قال أمينه العام سعد الدين العثماني.
إلى جانب ذلك تنذر عدة مؤشرات في المشهد السياسي المغربي بإمكانية عودة العدالة والتنمية إلى المعارضة، خصوصًا بعد توقيع سعد الدين العثماني باعتباره رئيسًا للحكومة المغربية، على اتفاق التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، في ديسمبر/كانون الثاني الماضي.
حصل الأصالة والمعاصرة، على المرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية عام 2016، بعدد مقاعد وصل إلى 102
دون أن ننسى تداعيات إقرار مشروع قانون تقنين القنب الهندي (مخدر الحشيش) في الأغراض الطبية والصناعية على الحزب، فضلًا عن تلقي الحزب في السنوات الأخيرة ضربات موجعة، نتيجة تخليه عن العديد من أفكاره ومبادئه، إذ قدم العديد من التنازلات في المسائل الإستراتيجية المتعلقة بالسيادة، وأيضًا في المواضيع الداخلية كالصحة والتعليم والتشغيل، عكس ما كان عليه الوضع زمن كان الحزب في المعارضة.
أيضًا هادن الحزب الفساد الذي ينخر المجتمع، وغطى على العديد من الفاسدين بدعوى دعم رجال الأعمال وتطوير اقتصاد البلاد، ولم يفشل الحزب في الحكومة فقط، بل فشل أيضًا في الحفاظ على تماسكه الداخلي، إذ أصبحت المشاكل الداخلية السمة البارزة للحزب، تنمو وتتصاعد تباعًا، دون أن ننسى طبعًا اعتماد القاسم الانتخابي (صيغة جديدة في احتساب الأصوات وصوت الحزب ضدها)، وهو ما سيقلل من فرص العدالة والتنمية في تصدر الانتخابات.
الأصالة والمعاصرة.. حزب السلطة
ثاني الأحزاب المنافسة على صدارة الانتخابات المغربية القادمة، هو حزب الأصالة والمعاصرة (أكبر أحزاب المعارضة/ يمين)، وسبق أن أعلن الأمين العام للحزب عبد اللطيف وهبي، أن لحزبه حظوظًا كبيرةً للفوز بالمرتبة الأولى بالانتخابات.
وحصل الأصالة والمعاصرة، على المرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية عام 2016، بعدد مقاعد وصل إلى 102، ويعود تأسيس الحزب إلى سنة 2008، وهو امتداد لـ”حركة لكل الديمقراطيين”، وقامت بنيته على المزج بين نخب سياسية واقتصادية حداثية من المشهدين الليبرالي واليساري، وشريحة من الأعيان ذوي النفوذ المحلي.
قوبل ميلاد الحزب بمناهضة الأحزاب التقليدية الكبرى التي رأت فيه استمرارًا لموجة “الأحزاب الإدارية” التي صنعها النظام لمحاربة معارضيه في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، وجاء تأسيس الحزب بالدرجة الأولى لكبح تقدم حزب العدالة والتنمية.
شارك الحزب الذي ولد في حضن السلطة في الانتخابات البلدية ليونيو/حزيران 2009، وحصل على المرتبة الأولى بـ6032 مقعدًا، أي بنسبة تفوق 21%، كما تصدر الحزب الانتخابات البلدية التي عقدت في سبتمبر/أيلول 2015، التي تعتبر أول انتخابات بلدية تجري في إطار الدستور الجديد.
حزب أخنوش.. صديق الملك
يبرز أيضًا حزب التجمع الوطني للأحرار (يمين وسط) الذي يقوده رجل الأعمال المقرب للعاهل المغربي عزيز أخنوش، ويشارك الحزب في الائتلاف الحكومي لكنه كان دائمًا ما يصر على عرقلة عمل حكومة العثماني بكل الوسائل المتاحة، بدءًا بمقاطعة اجتماعاتها وعدم الالتزام بمقرراتها، فضلًا عن عدم مرافقة وزراء الحزب للعثماني في جولاته الداخلية، إلى جانب عدم الالتزام بالتضامن الحكومي، فالحزب لا يفوت أي فرصة للتقليل من عمل الحكومة والتهجم على العدالة والتنمية الذي يقودها.
يسعى أخنوش لتصدر الساحة السياسية وتهيئة الطريق أمام حزبه، خاصة أنه يحظى بدعم الملك، وحل الحزب رابعًا في الانتخابات التشريعية لعام 2016، بعد حصوله على 37 مقعدًا، ويرجع تاريخ تأسيس الحزب إلى نحو 42 عامًا، إذ تأسس سنة 1977 بقيادة أحمد عصمان صهر الملك الراحل الحسن الثاني بإيعاز من القصر الملكي بقصد إحداث نوع من التوازن مع الأحزاب التي ظلت تنازع الملكية الشرعية السياسية في البلاد منذ الاستقلال، حسب العديد من المراقبين.
من الأحزاب المنافسة نجد أيضًا الحركة الشعبية (27) المشارك في الحكومة المغربية، التي يقودها أمحند العنصر، ويؤكد العنصر أن هدف حزبه هو “التنمية الشاملة مع التركيز على العالم القروي”
يعود دعم المخزن لعزيز أخنوش وحزبه، كونه ضامن لمصالحهم في الحكم، وأحد الأوراق التي يستعملها القصر الملكي كلّما استدعت الحاجة، ويعتبر أخنوش واحدًا من أقوى الرجال في المغرب، إذ يهيمن على مجال البترول في المنطقة، كما يحكم أخنوش قبضته على وزارة الفلاحة والصيد البحري في المغرب منذ سنة 2007، التي تعد كيانًا رئيسيًا وفاعلًا ضمن أجهزة الدولة.
حزب الاستقلال.. التنافس على الصدارة
يطمح حزب الاستقلال (يساري معارض) لتصدر الانتخابات، وهو ما عبر عنه في أكثر من مناسبة، أمينه العام نزار بركة، وقد حل الحزب ثالثًا في انتخابات 2016 بـ46 مقعدًا، ويأمل الحزب لاستعادة زمام المبادرة السياسية، خاصة بعد خروجه إلى المعارضة منتصف ولاية الحكومة السابقة (2011 – 2016).
ويتوقع عدد من المراقبين أن يخدم القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية حزب الاستقلال، إذ يعتبر الاستقلال من الأحزاب الكبرى، التي لها قواعد وفية في المجال القروي والحضري، ويمكنه المنافسة على الصدارة.
ويأمل الحزب في خلق مفاجأة وتصدر الانتخابات المقبلة، ولا يضع الحزب خطوطًا حمراء في تحالفاته مع الحكومات التي قادها أو شارك فيها، ويعود تأسيس الحزب إلى سنة 1944 على يد عدد من قادة الحركة الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي، وعلى رأسهم الزعيم علال الفاسي، الذي ظل يرأس الحزب حتى وفاته عام 1973.
الحركة الشعبية.. تنمية الأرياف
من الأحزاب المنافسة نجد أيضًا الحركة الشعبية (27 مقعدًا) المشارك في الحكومة المغربية، التي يقودها أمحند العنصر، ويؤكد العنصر أن هدف حزبه هو التنمية الشاملة مع التركيز على العالم القروي (الأرياف).
في انطلاق حملته الانتخابية شدد الحزب الأمازيغي على أن الهدف الأول والأساسي له لم يتغير، وهو التنمية الشاملة وإدماج الفئات الهشة والعالم القروي، ويرتكز نشاط الحزب خاصة في الأرياف حيث يستمد قوته من هناك.
يعود تأسيس الحزب إلى سنة 1959 على يد زعيم القبيلة الأمازيغية محجوبي أحرضان بمساعدة عبد الكريم الخطيب، كان في البداية حزبًا ريفيًا ذا توجه محافظ وقبلي، يدعم النظام الملكي دون قيد أو شرط، وعمل في البداية على مواجهة “هيمنة الحزب الواحد” متمثلًا في احتكار حزب الاستقلال القومي للمشهد السياسي المغربي قبل ذلك.
التقدم والاشتراكية
بدرجة أقل نجد حزب التقدم والاشتراكية (12 مقعدًا)، فيطمح هو الآخر في حصد أكبر عدد من مقاعد البرلمان، ويشارك الحزب حاليًّا في الائتلاف الحاكم الذي يقوده حزب العدالة والتنمية منذ سنة 2017 التي فاز فيها بأغلبية مقاعد البرلمان.
يعتبر الاتحاد الاشتراكي أكبر أحزاب اليسار في المملكة، وينتمي له مفكرون كبار ووزراء ومسؤولون، مثل السياسي البارز عبد الرحمن اليوسفي
يصنف حزب التقدم والاشتراكية ضمن اليسار الديمقراطي، ويقول إن هويته تنبني على قيم العدالة الاجتماعية والتقدم والحداثة، وتم الاعتراف به حكوميًا يوم 23 من أغسطس/آب 1974، وقبل ترخيصه كان يسمى حزب التحرر والاشتراكية، وهو وريث الحزب الشيوعي المغربي الذي أسس عام 1943.
الاتحاد الدستوري
يسعى حزب الاتحاد الدستوري (23 مقعدًا) المشارك في الائتلاف الحاكم حاليًّا، المحافظة على موقعه وتدعيمه، في ظل تغيير القانون الانتخابي وتراجع مكانة الأحزاب الكبرى في الشارع المغربي في السنوات الأخيرة.
يعود تأسيس الحزب إلى سنة 1983، على يد المعطي بوعبيد، أحد قياديي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية المعارض، وظلت المعارضة آنذاك تصفه بـ”الحزب الإداري”، المدعوم من السلطات لمواجهة الأحزاب المعارضة.
شارك الحزب في كل الانتخابات والحكومات منذ تأسسيه حتى عام 1998، وعين رئيسه وزيرًا أولًا في 1984، بعد وصول المعارضة إلى الحكومة سنة 1998، بقيادة عبد الرحمان اليوسفي، وانتقل الحزب بعد ذلك إلى صفوف المعارضة، ثم عاد للمشاركة في الحكومة.
الاتحاد الاشتراكي
نجد حزب الاتحاد الاشتراكي (20 مقعدًا)، الشريك في الائتلاف الحكومي، الذي يطمح هو الآخر في حصد أكبر عدد من مقاعد البرلمان رغم صعوبة ذلك، إذ أثرت مواقف عديدة اتخذها الحزب في الآونة الأخيرة، كثيرًا في رصيده.
يعتبر الاتحاد الاشتراكي أكبر أحزاب اليسار في المملكة، وينتمي له مفكرون كبار ووزراء ومسؤولون، مثل السياسي البارز عبد الرحمن اليوسفي، وقاد اليوسفي الحزب وشارك في الانتخابات البرلمانية عام 1997، حين تصدر الانتخابات، ثم قاد الحكومة بين 1998 و2002.
وفي 2002 احتل الحزب المرتبة الأولى في الانتخابات، لكن العاهل المغربي عين وزير داخليته السابق إدريس جطو، غير المنتمي لأي حزب، على رأس الحكومة، فاعتبر اليوسفي أن المغرب حاد عن المنهجية الديمقراطية، واعتزل العمل السياسي.
يرجع تأسيس الحزب إلى عام 1959، وظل في المعارضة، وتعرض بعض أعضائه للاعتقال والقمع خلال ما عُرفت بسنوات “الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان” في المغرب، قبل أن يقود الحكومة بزعامة اليوسفي، عقب تغيير الدستور عام 1996.
هذه الأحزاب السياسية من المنتظر أن تتنافس على نحو 400 مقعد في البرلمان المغربي، في فترة تشهد فيها البلاد توترات اجتماعية واقتصادية حادة، فضلًا عن توتر علاقات المملكة بجارتها الشرقية الجزائر، فأي الأحزاب ستكون لها الغلبة؟