ما أن انتهت عطلة نهاية الأسبوع في إيران، حتى بدأ الإعلام الإيراني، وعبر تصريحات مسؤولين إيرانيين على مختلف المستويات الرسمية وغير الرسمية، في إظهار ردود أفعال متباينة من مخرجات قمة بغداد للتعاون والشراكة، التي عُقدت في اليومَين الماضيَين.
وكان واضحًا منذ بداية التحضير لهذه القمة، أن هناك رغبة إيرانية في عدم التفاعل معها، سواءً عبر رفض إيران الدعوة الموجّهة إليها لحضور القمة في البداية، أو حتى في سلوكيات وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان، الذي وقع في مطبّات دبلوماسية كبيرة قبل وأثناء القمة، وهذا ما يشير إلى وجود خشية إيرانية واضحة من مخرجاتها، وتحديدًا مسألة تحييد الواقع العراقي عن تأثير إيران وحلفائها في المرحلة المقبلة.
لا يخفى على أحد أن إيران حرصت طيلة الفترة الماضية على التعاطي مع الحالة العراقية كحالة خاصة، بل حرصت على قطع الطريق أمام أي محاولات إقليمية ودولية لإنهاء نفوذها في العراق، لأنها ترى أن الملف العراقي هو ملف إيراني بالأساس، ولا يحق للقوى الأخرى أن تنازعها هذا الملف، وهذا ما أثبتته السلوكيات والتصريحات الإيرانية.
كما أن ذلك ما أكّده عبد اللهيان أثناء كلمته في القمة، عندما تحدّثَ باللغة العربية، أو عند حديثه عن حجم التبادل التجاري، أو حتى عندما انتقد الحكومة العراقية لعدم دعوة سوريا لحضور القمة، ومن ثم حاولت إيران جاهدة عبر حضور وزير خارجيتها، أن تعرقل عملية خروج القمة بأي مخرج قد يُعطي للعراق فرصة الفكاك من الكمّاشة الإيرانية.
تصريحات إيرانية مرتبكة
مع انتهاء أعمال القمة في بغداد، ومغادرة أغلب الوفود المشاركة، بدأت التصريحات الإيرانية تخرج تباعًا حول القمة ومخرجاتها، حيث أشار المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة، في المؤتمر الصحفي الأسبوعي الذي عُقد صباح الاثنين 30 أغسطس/ آب 2021، والذي نشرت “وكالة فارس” المقرّبة من الحرس الثوري نسخة منه؛ إلى أن “التضحيات التي قدّمتها إيران والمقاومة، مكّنت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من التجول في مدينة الموصل العراقية”.
واعتبر أن زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى العراق كانت ناجحة في تحقيق أهدافها، وأضاف أنه “لم يكن هناك أي لقاء بين إيران والسعودية غير اللقاءات السابقة، ولم تشهد بغداد مفاوضات جديدة”.
في حين أشار السفير الإيراني السابق في العراق، حسن دنائي فر، في مقالة له نشرتها صحيفة “اعتماد” الإيرانية، أن مستوى التمثيل الإيراني في مؤتمر بغداد كان ينبغي أن يكون بمستوى السفير، مقارنًا إياه بالمستويَين الأميركي والروسي.
واعتبر أن المؤتمر كان فاقدًا لآلية عمليّة تمكّنه من الوصول إلى الأهداف المنشودة، مؤكّدًا أن “اجتماع مسؤولين من المستويات المختلفة من الملك إلى السفير، لا يمكن أن يكون مؤثِّرًا، فحسب تقديري لا يمكن أن يحقِّق المؤتمر أهدافه المرجوة لأنه لم يكن هناك هدف معلن، ولم يكن هناك انسجام في مستوى التمثيل”.
وأضاف أن مستوى التمثيل الإيراني يجب أن يعيَّن حسب مستوى تمثيل الدول الأخرى، وحسب تأثير وفاعلية المؤتمر، “ومجرد الاجتماع لا فائدة منه، كما نرى في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة السنوية”.
إيران حرصت على قطع الطريق أمام أي محاولات إقليمية ودولية لإنهاء نفوذها في العراق، لأنها ترى أن الملف العراقي هو ملف إيراني بالأساس
في حين رأى المحلِّل السياسي الإيراني رحيم نعمتي، أن مؤتمر بغداد الذي عُقد في 28 أغسطس/ آب 2021، لم يأتِ بنتائج ملموسة للعراق، وأرجع ذلك إلى مستوى مشاركة إيران وتركيا والسعودية، معتبرًا في مقالة نُشرت له في صحيفة “جوان” الأصولية، أن هذه الدول الثلاثة “أهم” من الدول التي شاركت بمستوى القادة.
وأضاف أن غياب سوريا عن مؤتمر بغداد دليل على “الدور الضعيف” للمؤتمر، مؤكدًا أنه لا يمكن حلحلة قضايا الإرهاب في المنطقة من غير بحثها مع سوريا، وأشار إلى أن مؤتمر بغداد حملَ مصالح سياسية لصالح رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.
ولفتَ إلى أن الكاظمي استعرضَ قواه بجعل العراق في مكانة مهمة في المنطقة، وباستطاعته جمع الدول شبه المتخاصمة، إلا أنه في الحقيقة يتظاهر فقط بالقوة، واستدلَّ على ذلك بـ”استسلامه لأميركا وعدم دعوة سوريا”.
أما صحيفة “كيهان” المقرّبة من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، أشارت إلى أن استقرار العراق وتجاوزه مرحلة الإرهاب والأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية، ليس مطلب بغداد وحسب، بل هو مطلب يحرص على تحقيقه أصدقاء العراق المخلصون وتحديدًا إيران، الذين يقدّرون دور هذا البلد عبر التاريخ، ولا سيما نجاحه في حماية الأمة من انتشار المدّ التكفيري، الذي حظيَ بدعم الدوائر الاستكبارية والقوى الظلامية في المنطقة خلال العقد الماضي.
وفي حديثه لوكالة “أنباء الطلبة” الإيرانية، قال الخبير في الشؤون الإقليمية رحمن قهرمانبور، في إشارة إلى مؤتمر بغداد ونتائجه للعراق والمنطقة؛ إن الاجتماع جاء في إطار جاهزية دول المنطقة والقوى العظمى للوجود العسكري بعد الولايات المتحدة في العراق، وأضاف أنه لم يخرج أي شيء إيجابي من مؤتمر بغداد.
تدركُ إيران قيمة العراق الجيوسياسية، ولهذا تنظر إلى أي تحرك إقليمي أو دولي لدعم واقعه السياسي، على أنه محاولة لتحييد السياسة الإيرانية في المنطقة.
كما أشارت صحيفة “روزنامه شرق” الإصلاحية إلى الأهداف المتناقضة لقمة بغداد، واعتبرت أن التقارب الإقليمي في الشرق الأوسط شبه مستحيل، وفي الحالة الأكثر تفاؤلًا يمكن تخفيف التوترات في العلاقات بين دول المنطقة، خاصة بين إيران والمملكة العربية السعودية، كخطوة للأمام لتحقيق التقارب.
واعتبرت أن نجاح رئيس الوزراء العراقي سيعتمد على قبول بعض الحقائق من قبل البلدَين، مثل الخلافات حول هيكل الأمن الإقليمي، والطبيعة المختلفة للسياسة الخارجية للبلدَين، والاختلافات في الأنظمة السياسية فيهما، والحدّ من الخصومات الإقليمية.
إجمالًا؛ تدركُ إيران قيمة العراق الجيوسياسية، ولهذا تنظر إلى أي تحرك إقليمي أو دولي لدعم واقعه السياسي، على أنه محاولة لتحييد السياسة الإيرانية في المنطقة، ولعلّ هذا ما رسّخ فكرة واضحة في العقلية السياسية الإيرانية، من أن العراق حالة مركزية في النفوذ الإيراني، ولا بد من عدم التعاطي مع أي حراك سياسي نحو العراق، إلا بالقدر الذي يخدمُ المصالح الإيرانية نفسها.
فحضور دولٍ كتركيا والسعودية إلى المؤتمر، جعلَ إيران أمام مواجهة مباشرة مع خصوم مؤثّرين في الساحة العراقية، ولم تكن قادرة على تقبُّل فكرة مناقشة الواقع العراقي معهم، وبالتالي إن هذا الواقع هو ما دفع بالمسؤولين والمواقع الإيرانية على التعاطي بسلبية وخشية كبيرة من مخرجات قمة بغداد، وتحديدًا مدى تعلُّقها بمستقبل الدور الإيراني في العراق.