على تخوم درعا البلد ما زالت راجمات النظام ومدفعيته تواصل قصف المدينة وأهلها بالتزامن مع ضرب حصار خانق عليها منذ شهور، وخلال الساعات الماضية لم تتوقف آلة النظام الحربية عن القصف، وسط حالة إنسانية مزرية يعيشها أهالي درعا على كل الأصعدة، بما يشمل عدم توافر المواد الرئيسية والطبية وقلة مواد ونقاط الإسعاف الأولي، بالإضافة إلى استهداف بعض مساجد المدينة بصواريخ أرض أرض وهي السياسة التي ما فتئ النظام يكررها منذ بداية الثورة السورية.
لا شيء يردع النظام عن المحاولات المتكررة لاقتحام درعا إلا أهلها، فقد عزم شبان المنطقة ورجالاتها على قتال النظام وعدم السماح له بدخول المدينة، وهم الآن متروكون وحدهم وسط حالة صمت إقليمي ودولي عما يحصل، فلا يواجه مقاتلو درعا نظام الأسد فقط، فقد تجمعت حول منطقتهم ميلشيات إيرانية وأفغانية وقوات من حزب الله إضافة إلى الإشراف الروسي على سير العمليات.
انهيار الاتفاق وإعلان النفير
“انهارت المفاوضات مع النظام نتيجة التعنت المستمر وطلبات النظام التعجيزية” بهذا الكلام أعلن الناطق باسم اللجنة المركزية في درعا عدنان المسالمة انهيار مفاوضاتهم مع روسيا والنظام، كما طالب المسالمة في بيان، أهل حوران عمومًا بالتحرك لنصرة أهل درعا البلد والفزعة لهم، مشيرًا إلى أن الأهالي المحاصرين في المدينة منذ نحو 65 يومًا “يدافعون عن الجميع، وينتزعون كرامتهم انتزاعًا”.
بدورها نشرت اللجنة المركزية الغربية في درعا، بيانًا تعلن فيه النفير العام في المنطقة “استجابةً ونصرةً لأهالي أحياء درعا البلد المُحاصرة”، وقالت إن “اللجنة وبعد التشاور مع مناطق الجيدور والريف الشرقي، تُعلن الحرب في عموم منطقة حوران، إن لم يتوقف نظام الأسد فورًا عن حملته العسكرية في درعا البلد ويبدأ فك الحصار عنها”.
يرجع سبب انهيار المفاوضات إلى إصراره الأسد على شروطه التعجيزية كما يقول أهل درعا، فالنظام أرسل في الأيام الأخيرة شروطًا جديدة أهمها: دخول الشرطة العسكرية الروسية وعناصر تابعين لفرع الأمن العسكري إلى أحياء درعا البلد وتسليم جميع الأسلحة الفردية وغيرها من الأسلحة الموجودة في حي درعا البلد وتفتيش عدد من المنازل ورفع علم النظام، ووفقًا لتليفزيون سوريا “فإن هذه الشروط تضاف للشروط التي طرحت من قبل، بالإضافة لتهجير قائمة تضم أكثر من 50 شخصًا من أبناء حي درعا البلد باتجاه الشمال السوري وذلك بحضور ضباط من الجانب الروسي”.
كما طالب النظام عن طريق رئيس اللجنة الأمنية بدرعا اللواء حسام لوقا تهجير 50 شابًا لا تشملهم شروط التسوية، وكان المفاوضون باسم درعا البلد قد رفضوا الشروط الـ3 التي قدمها النظام لوقف تصعيده، والشروط هي: الاعتراف بعلَم النظام علمًا لكل سوريا ورفعه على أعلى النقاط في درعا البلد، إضافة إلى الاعتراف بأن جيش النظام هو المسؤول عن أمن سوريا وجميع أراضيها، والاعتراف ببشار الأسد رئيسًا شرعيًا منتخَبًا لكل سوريا، بحسب ما ذكره تليفزيون سوريا.
صاروخ “جولان” يضل الهدف
لم تستثن قوات الأسد شبرًا من درعا البلد إلا وقصفته حتى المساجد، والمقاطع الواردة من هناك تبين حجم الدمار الكبير الذي تخلفه آلة حرب النظام السوري، ولم يكن القصف فقط على درعا البلد بل استهدف مناطق متعددة، حيث استهدف مدينة نوى بريف درعا الغربي، كما قُصف محيط بلدة الشيخ سعد غربي درعا، وقصفت قوات النظام السهول المحيطة ببلدة خربة غزالة.
وبالتزامن مع القصف ما زالت الاشتباكات مستمرة بين قوات النظام والميليشيات المرافقة له من طرف وقوات أهل حوران المرابطين على تخوم درعا البلد بأسلحتهم الخفيفة، وتتركز الاشتباكات على محوري الكازية والبحار.
إلى ذلك، يبرز خلال الحملة العسكرية الحاليّة على درعا قصف النظام للمدينة بصواريخ “جولان“، ويبدو أن هذا الصاروخ ضل هدفه، فتسميته تعود لأرض الجولان التي تحتلها “إسرائيل” وهو على بعد بضعة أميال عن درعا، ويمتلك هذا الصاروخ قدرةً تدميريةً عاليةً وتعتمد عليه الفرقة الرابعة المدعومة إيرانيًا بسبب غياب سلاح الطيران إلى الآن عن المعركة، ومنذ عام 2017، تم الترويج لراجمات صاروخ “جولان 1000″، وتعد راجمة “جولان 1000” نسخة مطورة عن “جولان 65″ و”جولان 250″ و”جولان 300″ و”جولان 400″، وتم استخدامها بشكل فعلي في مطلع عام 2017، أي أن أول هجوم لـ”جولان 1000” كان ضد السوريين!
صواريخ راجمات جولان بأوزانها المتعددة 200>>500 كيلو ومداها القصير جدا هي المعادل الأرضي للبراميل المتفجرة. نفس الوزن وشدة الانفجار وعشوائية الهدف. يعتمد عليها النظام في قصف درعا تعويضا لغياب -سببه سياسي وليس تقني- الدعم الجوي لقواته. https://t.co/xtIAqq7Z0O
— Hisham (@Hisham_H_M) August 30, 2021
تحدث النشطاء السوريون عن صاروخ جولان، فيرى الناشط السوري هشام أن هذا الصاروخ هو المعادل للبرميل المتفجر الذي كان يُلقى من الطائرات المروحية: “صواريخ راجمات جولان بأوزانها المتعددة 200>>500 كيلو ومداها القصير جدًا هي المعادل الأرضي للبراميل المتفجرة. نفس الوزن وشدة الانفجار وعشوائية الهدف. يعتمد عليها النظام في قصف درعا تعويضًا لغياب – سببه سياسي وليس تقنيًا – الدعم الجوي لقواته”.
تعاقد نظام الأسد مع الروس لتصميم “راجمات جولان” عام ٢٠١٧ لتدخل الخدمة رسمياً عام ٢٠١٨، وقد اختار لها النظام اسم أرض سورية يحتلها الكيان الصهيوني عام ١٩٦٧
أقرب ما وصلت إليه هذه الراجمة من #الجولان هو مدينة #درعا إلى الجنوب الشرقي منها.. لتقصف أهلها الأحرار وتدمر منازلهم فوق رؤوسهم https://t.co/Zeoo1cp2G8— ward furati (@wardfurati88) August 28, 2021
بدوره يقول الناشط السوري ورد فراتي: “تعاقد نظام الأسد مع الروس لتصميم راجمات جولان عام 2017 لتدخل الخدمة رسميًا عام 2018، وقد اختار لها النظام اسم أرض سورية يحتلها الكيان الصهيوني عام 1967 أقرب ما وصلت إليه هذه الراجمة من الجولان هو مدينة درعا إلى الجنوب الشرقي منها.. لتقصف أهلها الأحرار وتدمر منازلهم فوق رؤوسهم”.
ويضيف فراتي “من المفارقات المؤلمة أن القصف الذي يشنه جيش نظام الأسد ضد أهالي درعا باستخدام “راجمات جولان” يشمل سكان المدينة، إضافة إلى نازحين من أبناء الجولان كانوا قد استوطنوا المدينة بعد احتلال الصهاينة لها”.
روسيا ضامن الموت
لم تكن روسيا بيوم من الأيام إلا محتلًا للبلاد وما القول إنها ضامن إلا إحدى غدرات السياسة التي وقع بفخها البعض، فكيف لمن قتل عشرات الآلاف أن يكون ضامنًا؟ وهنا في درعا اليوم تحاول روسيا بشتى السبل أن تضغط لتحقيق شروط النظام، صحيح أنها إلى الآن لم تتدخل بقوتها الجوية كما هو معتاد لكنها أرسلت أحد الألوية السورية التي أشرفت على تأسيسه وهو “اللواء 16 مشاة”، وانضم اللواء المدعوم روسيًا إلى القتال بجانب “الفرقة الرابعة” والمليشيات الإيرانية.
ووفقًا لـ”العربي الجديد” فإن “100 آلية عسكرية تابعة للواء 16 ضمت عشرين دبابة من طرز مختلفة، وخمس عربات شيلكا مجنزرة، وسبعة مدافع ميدانية بعيارات مختلفة، بالإضافة لسيارات دفع رباعي مزودة برشاشات متوسطة، رافقها 400 عنصر من اللواء، خرجت من أطراف مدينتي منبج والباب شرق محافظة حلب، باتجاه أطراف درعا البلد للمشاركة إلى جانب الفرقة الرابعة والمليشيات الإيرانية في حصار ومعارك درعا ضد شبان درعا”.
إلى ذلك خرجت مظاهرات في عدة مناطق من درعا تطالب بإيقاف الحصار على درعا، كما رفعوا لافتات ذكروا بها أن “روسيا ضامن الموت” كما حصل في مدينة مزيريب بريف درعا، وفي السياق يقول الناشط عمر الحريري: “في كل اتفاقيات التسوية وروسيا تحاول أن تلعب دور الضامن، رغم أنها في الواقع ليست ضامن أبدًا، هي طرف في المعركة وهي الطرف الأقوى والأكثر إجرامًا. لا أنتظر ممن يقتل أهلنا في إدلب وممن قتلنا سابقًا في درعا والغوطة وحمص وغيرها أن يتحول فجأة إلى ملاك ويصبح ضامن للسلام”.
مضيفًا: “دعونا نتفق على هذا أولًا ثم دعونا نحترم دماء أهلنا في إدلب وهم ينظرون إلينا يوجه بعضنا كلامًا معسولًا إلى الروس”.
الدور الأردني
سحبت قوات النظام عناصر حرس الحدود من مخافر جنوب مدينة درعا في المنطقة المواجهة لمنطقة الأكيدر الأردنية، وجرى نشر عناصر من ميليشيات الرسول الأعظم وميليشيات فاطميون وزينبيون الموالون لإيران والممولون منها، فلطالما كان الأردن يخشى من الخطر الإيراني على حدوده حيث سيفتح هذا الوجود المجال لطهران بالتدخل أكثر في الأردن الدولة التي تعتبر في سلام وجوار هادئ مع “إسرائيل”.
الأوضاع في درعا تؤثر بشكل كبير على عدّة ملفات في الأردن من بينها الأمني والاقتصادي وغيره، وبالتزامن مع معركة درعا يحاول الملك عبد الله الثاني أن يكون مبادرًا بالتطبيع مع النظام السوري، فقد قال مؤخرًا من واشنطن إن “الرئيس السوري بشار الأسد لديه استمرارية (باق لوقت طويل)، وعلينا أن نكون ناضجين في تفكيرنا، هل نريد تغييرًا في النظام أم تغييرًا في السلوك؟”، مضيفًا “إذا كانت الإجابة تغييرًا في السلوك، فماذا علينا أن نفعل للتلاقي حول كيفية التحاور مع النظام، لأن الجميع يقوم بذلك، لكن ليست هناك خطة واضحة إزاء الحوار حتى اللحظة”.
في سياق متصل استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، في موسكو، وفي بيان له اعتبر الملك عبد الله أن روسيا “تقوم بالدور الأكثر دعمًا للاستقرار فيما يتعلق بالتحديات بسوريا”، مثمنًا دورها ودور بوتين في منطقة الشرق الأوسط “كعنصر استقرار في خضم التحديات التي تواجهها”.
ويبدو أن العامل الاقتصادي في الأردن يدفع باتجاه إعادة العلاقات مع النظام السوري، خاصة أن معركة درعا أدت لإغلاق معبر نصيب عدة مرات وهو ما لا يريد الأردن حدوثه، فالمعبر من الممرات الحيوية المهمة للأردن، كما أن عمّان من أكثر المتضررين من تبعات قانون العقوبات الأمريكي قيصر.
وفي السياق قال نائب رئيس الوزراء الأردني الأسبق ممدوح العبادي، إن من مصلحة الأردن الانفتاح على سوريا، مشيرًا إلى إغلاق معبر نصيب بقوله، “موقفنا السابق أضر بالأردن على الصعيد الاقتصادي، من خلال إغلاق الحدود واستيراد المواد والبضائع بتكلفة أعلى”.
يبدو أن الأردن لم يعد مهتمًا بأرواح الناس والمدنيين الذين يقتلون يوميًا في مدن درعا بقدر ما يهمه تفعيل الاقتصاد بينه وبين سوريا بأي تكلفة كانت، حتى لو كلفت بوجود ميلشيات إيرانية على الحدود الشمالية له، وهنا يقول رئيس الوزراء الأردني، بشر الخصاونة: “النغمة التي تتحدث عن إسقاط النظام السوري صارت تميل إلى الواقعية أكثر بالتركيز على “تغيير سلوك النظام السوري، بدل الاستمرار في وهم العمل على إسقاطه”.
ما موقف دروز السويداء؟
لم تأخذ مدينة السويداء موقفًا واضحًا بالكلية مما يحدث في جارتها درعا، فقد صدرت تصريحات ضبابية وأخرى منددة بالنظام، إذ أعلن الشيخ حكمت الهجري، الممثل عن الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز في السويداء، الوقوف بجانب ما وصفها “الإرادة الشعبية” في حوران.
وتحدث الهجري في بيان له منتصف أغسطس/آب فيما يخص درعا “لا ننسى أن نشير الى التناغم ورسوخ الأصالة والتآخي الصادق بيننا وبين أهلنا الصادقين الأوفياء في سهل حوران، ونحن نقف أيضًا بجانب الإرادة الشعبية الأهلية الاجتماعية الأصيلة لهم ضد كل مظاهر وظواهر الفساد والقتل والأذى، فجراحنا واحدة وآلامنا واحدة، ونحن وإياهم تحت ظل القانون والعادات والأصول التي توافقنا عليها كما سنها الأجداد والأصلاء”.
الشيخ الهجري لم يعط تصورًا واضحًا بل كان ذا موقف ضبابي مما يحدث على عكس الهيئة الاجتماعية للعمل الوطني في السويداء التي أدانت أفعال النظام السوري في درعا، وقال بيان الهيئة: “نحن القوى الوطنية في السويداء كنا وما زلنا حماةً للهوية الوطنية وحَمَلَتَها، وجزءًا لا يتجزأ من الشعب السوري العظيم، نُدين هذه السلطة التي ما زالت تتنكر لمطالب شعبها في الحرية والكرامة، وتفرض عليهم الذل والخنوع بقوة السلاح، على الرغم من عجزها ورفضها تقديم أدنى مطالب الحياة الأولية لهم”.
أضاف البيان: “من هنا فإننا نرى أن ما يجري الآن في درعا البلد هو نموذج عما يجري في كل الأرض السورية الجريحة، من شمالها إلى جنوبها، ونؤكد دعمنا الكامل لخيار السوريين بشكلٍ عام في الحرية والكرامة، وبشكلٍ خاص لأهالي سهل حوران الأبي في موقفهم الرافض للظلم والاستبداد، فالشعب الذي لا يقبل الذل والمهانة، هو الذي يعبِّر عنا، والسلطة التي تتنكر لحق الشعب في حريته هي خصمنا، ومن هنا جاء رفضنا وإدانتنا لهذه الآلة العسكرية الجهنمية، التي يستعملها النظام وداعميه في إرغام الناس على الطاعة بقوة السلاح”.
يذكر أن القائد الدرزي البارز ليث البلعوس قائد قوات “شيخ الكرامة”، قال في تصريحات متلفزة حديثة له، إن “ممارسات إيران وحزب الله في المنطقة الفاعل الأساسي في إشعال فتيل الأزمة بين أبناء محافظة السويداء وجارتها درعا وأبناء البدو في القرى المحيطة، وذلك على أساس طائفي، وهو ما لم تنله، مع تنبه أهالي المحافظتين لتلك اللعبة المفضوحة وتحكيم العقل والمنطق”، وأشار البلعوس إلى “دور الشر الذي تلعبه إيران مدعومة بمليشيات حزب الله في المنطقة”.
ما زالت التضحيات في درعا مستمرة منذ 2011، وعلى الرغم من اتفاق التسوية، فإن أهل درعا لم يرضوا الذل والعودة للحياة تحت البسطار، وها هم اليوم يدفعون فاتورة التمسك بالمبادئ ويواجهون روسيا والنظام وإيران، مع خذلان من الجيران والأشقاء والجيران.