الأسطورة.. الساحر.. الفهد الأسمر.. جوهرة الجنوب.. أسماء وألقاب منحها الملايين من عشّاق الزمالك المصري للاعب الأكثر شهرة وتأثيرًا لدى جماهير القلعة البيضاء، محمود عبد الرازق، المعروف بـ”شيكابالا”، جعلته في مقدِّمة المتربّعين على عرش قلوب الزملكاوية، إن لم يكن مالكها الأوحد والأكثر حضورًا، وفي الوقت ذاته فهو أحد أزمات الكرة المصرية.
يمتلك شيكا، كما يناديه أنصاره، قصة عشق لا تنتهي مع القلعة البيضاء، وتعتبره الجماهير – رغم إثارته المتكررة للأزمات – تميمة النادي وأيقونته التاريخية، واللاعب الأكثر مهارة في تاريخ الكرة المصرية بحسب شهادات خبراء وشيوخ اللعبة، إذ يمتلك قدمًا يسرى ساحرة، قادرة على التغريد المنفرد داخل شباك المنافسين، فيما تتحول مراوغاته الساحرة لسيمفونية تطربُ الآذان وتأسر القلوب، وتُخرج معها الآهات من صدور الجماهير داخل المدرجات وأمام الشاشات.
تحول اللاعب خلال الساعات الماضية إلى حديث الشارع المصري، بعد قرار اتحاد الكرة المصري إيقافه 8 أشهر وتغريمه 500 ألف جنيه، بدعوى “إثارة الجماهير وسب الاتحاد وعدم احترام مراسم التتويج والتجاوز اللفظي والاحتكاك بمسؤولي النظام”.
العقوبة أحدثت جدلًا كبيرًا في الوسط الرياضي المصري، الذي انقسم إلى قسمين: الأول يدعم تلك القرارات التي تستهدف تقويم سلوكيات اللاعب المثير للجدل، فيما ذهب آخرون إلى أنها ظالمة وانتقامية بعدما نجح اللاعب في قيادة فريقه للتتويج ببطولة الدوري المحلي، بعد ماراثون من المنافسة والصعوبات الإدارية والفنية التي لم يواجهها فريق آخر من قبل.
أسطورة الزملكاوية
تتعامل جماهير الزمالك مع شيكابالا كأسطورة وليس لاعبًا، وهو ما يدفعهم لغض الطرف عن أي أخطاء أو أزمات يكون هو بطلها، ومن ثم أي إخفاق له لا يؤثر على مكانته في قلوب أنصاره، وفي حال التفوق يتحول اللاعب بين غمضة عين وانتباهتها إلى أيقونة للفرح والسعادة، بل إن بعض الجماهير حلمها الوحيد ملاقاة شيكا والتقاط الصور الشخصية معه.
ونتاجًا لهذا العشق الأسطوري، فقد لا تتناسب تلك الشعبية مع ما حققه اللاعب من بطولات لناديه، ومع ذلك تفوق جماهيريته وحضوره الكروي أضعاف ما يمتلكه آخرون حصدوا بطولات ونفعوا أنديتهم أكثر منه، مثل حسام عاشور وأحمد فتحي لاعبي الأهلي السابقين على سبيل المثال.
يؤمن جماهير الأبيض أن شيكابالا مشجِّع قبل أن يكون لاعبًا، ومن ثم أي سلوكيات صادرة عنه تصدر بعفوية وتلقائية بعيدًا عن ذكاء الحيطة والالتزام بدوره كقائد لبطل الدوري المصري، تقع عليه مسؤوليات والتزامات تجبره على التعامل بشكل قد يتعارض مع عاطفة مشجّعي الدرجة الثالثة.
وتحول الفهد الأسمر إلى رمزٍ لنادي الزمالك، فقد ضحى بالكثير من أجل البقاء في النادي الذي يعشقه، ولم يقف يومًا على راتب أو مقابل مادي للتجديد، بل إن كل المرات التي جدد فيها اللاعب كانت توقيعًا على بياض، علمًا بأن لاعبين أقل منه مهارة وشعبية يحصلون على أضعاف ما يتقاضاه جوهرة الجنوب.
كبار اللاعبين المصريين يعتبرون شيكابالا اللاعب الأكثر مهارة في تاريخ الكرة المصرية، وعلى رأسهم لاعب الأهلي السابق ومحلِّل قنوات “بي إن سبورت” الحاليّ، محمد أبو تريكة، كذلك المدير الفني السابق للقلعة الحمراء، مانويل جوزيه، الذي عبّر أكثر من مرة عن أمنيته أن يكون شيكا ضمن الفريق الذي يدرّبه، فيما يرى آخرون أن سر نجوميته في عزفه المستمر على عواطف مشجعي الأبيض وإثارة غرائزهم الكروية.
لا يختلف أحد على مهارة هذا اللاعب، الذي نجحَ في خطف أنظار كل من شاهده، لكن من باب “الحلو ما يكلمش” فإن تلك المهارة الأسطورية لم يُكتَبْ لها النجاح بالشكل الكامل، ولو كانت الأمور تسير بشكلها الطبيعي، لكان شيكابالا ضمن قائمة اللاعبين الأشهر والأغلى في العالم.. ليدفع اللاعب ثمن عصبيته وسلوكياته التي كانت الجدار الحائل بينه وبين حلم العالمية.
وجه إنساني
لا ينكر منصفٌ ما يتمتّع به شيكابالا من روح إنسانية رغم عصبيته الواضحة، قادرة على العطاء والمنح دون مقابل، فهو قائد لزملائه في الملعب، أخ أكبر لهم خارج المستطيل الأخضر، داعم لجماهير النادي وأنصاره، محفِّز لصغار اللاعبين ومحتضن لهم، أب عاشق لابنه، فنّان من الطراز الأول، ولعلّ ولعه بأغاني المطرب محمد منير أحد السمات الملتصقة بشخصيته.
العديد من المواقف طيلة مسيرته الكروية أثبتت صفاء سريرته ونقاء روحه، أبرزها حادثة بورسعيد المروِّعة عام 2013 التي راح ضحيتها 74 مشجِّعًا أهلاويًّا، كذلك أحداث الدفاع الجوي عام 2015 التي سقطَ فيها 22 من مشجّعي الأبيض، هذا بخلاف الأزمات التي تعرّض لها بعض اللاعبين كرمضان صبحي وعبد الله السعيد ومؤمن زكريا؛ كلها كانت كفيلة للكشف عن الوجه الإنساني الأبيض للاعب ذي البشرة السمراء.
منذ الوهلة الأولى تشعر أن شيكابالا مشجّع درجة ثالثة، وليس قائدًا للفريق الملكي، بينه وبين الجماهير كيمياء غير مسبوقة مع أي لاعب آخر، بحركة واحدة منه يُشعل المدرّجات وبأخرى يُسكنها.. حُبّ أنصار الأبيض له رأس ماله الأغلى، وسيرته الذاتية الأبقى بعد رحيله عن الملاعب.
لكن في المقابل يهوى شيكابالا الدخول في معارك جانبية مع جماهير الأهلي، وبصرف النظر عن أسباب تلك المعارك ودوافع كل طرف في دخولها، إلا أنها أثرت بشكل كبير على مكانة اللاعب لدى قطاع كبير من مشجعي الأحمر، هذا بخلاف فقدانه التركيز في كثير من الأحيان داخل المستطيل الأخضر، ما انعكس على أدائه العام.
الأكثر إثارة للجدل
لم يُحسن شيكابالا إدارة ولا توجيه مهارته الكروية التي لا نظير لها، فأحدث عدة شروخات بها بإثارته للأزمات بين الحين والآخر، وبصرف النظر عن مسؤوليته عن تلك الأزمات المثارة، إلا أنه طرف أساسي فيها، وأحد ألسنة النيران التي تشعلها وإن لم يكن بارودها الأول.
تلقائيته وسجيته، إذ يمتلك “قلب طفل” كما يقول عشّاقه، وضعتاه في الكثير من المواقف التي أسفرت عن أزمات، لا سيما مع جماهير المنافس التقليدي، النادي الأهلي، إذ خاضَ معهم عشرات المعارك الكلامية وتبادل السباب، وصلت إلى تجرّؤهم عليه في عرضه وسمعته، وهو ما كان له ردّه القاسي من اللاعب، ما أوقعه ضحية العقوبات المستمرة.
تاريخ اللاعب حافل بالعقوبات التي وقعت عليه بسبب عشرات الأزمات التي تسبّب فيها، ولم تكن عقوبة الاتحاد الأخيرة بإيقافه 8 أشهر وتغريمه نصف مليون جنيه مصري هي الأولى في مسيرته، فالبداية تعود لعام 2003 حين عُوقب بالوقف لمدة عام ومنعه من تمثيل منتخب بلاده، بسبب السلوكيات الصادرة عنه بحقّ مدرِّب منتخب الناشئين المصري، الراحل فاروق السيد.
تكرّر الأمر عام 2004 حين قررت لجنة المسابقات إيقافه 3 مباريات وتغريمه 30 ألف جنيه، بسبب ما بدر منه تجاه جماهير الأهلي في مباراة الفريقين معًا ببطولة الدوري، وفي العام التالي مباشرة تعرّض لقرار قاسٍ من الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بإيقافه 6 أشهر وتغريمه 990 ألف يورو، لتركه نادي باوك اليوناني، وهو القرار الذي أيدته المحكمة الرياضية الدولية.
وبسبب الأزمة التي اندلعت بينه وبين المدير الفني الأسبق للزمالك، حسن شحاتة، في أعقاب استبداله في مباراة المغرب الفارسي مع الأبيض بدوري أبطال إفريقيا عام 2011، تمّ إيقاف اللاعب لأجلٍ غير مسمّى، وفي العام الماضي فرضت ضده لجنة الانضباط بالاتحاد عقوبة الإيقاف 8 مباريات وتغريمه 100 ألف جنيه، بسبب الأحداث التي صاحبت لقاء السوبر الماضي في الإمارات بين الأهلي والزمالك.
وفي مايو/أيار الماضي قررت إدارة المسابقات باتحاد الكرة إيقاف أسطورة الزمالك مباراتَين وتغريمه 50 ألف جنيه، بسبب السلوك غير الرياضي في مباراة القمة التي أُقيمت في الدوري، ليختتم اللاعب مسيرته الكروية الجدلية بالإيقاف الأخير المنظور حاليًّا أمام لجنة الاستئناف، بعد تقديم الزمالك تظلُّمًا رسميًّا لتخفيف العقوبة أو إلغائها.
مسيرة حافلة بالإنجازات
استطاع محمود عبد الرازق، المولود في مدينة أسوان الجميلة (جنوب) في 5 من مارس/آذار 1986، أن يثبت نفسه مع الساعات الأولى لدخوله القلعة البيضاء، بعدما لفتت مهاراته – حين كان يلعب لنادي أسوان – أنظار القائمين على لجنة الكرة بالنادي، فكان القرار بضمه للكيان التاريخي العريق الذي يعود للعام 1911.
انضم شيكا لصفوف فريق الناشئين بالزمالك عام 1996، كان عمره وقتها 10 سنوات، ثم تصعيده للفريق الأول رسميًّا عام 2002، ليقضي معه 3 مواسم كان فيها النجم الأبرز في صفوفه، ليخطو بعدها أولى خطواته في مسيرته الاحترافية، عبر بوابة نادي باوك اليوناني.
لم يمضِ اللاعب مع النادي اليوناني سوى عام واحد فقط، كان فيه حديث الشارع الكروي هناك، ليعود إلى القلعة البيضاء مرة أخرى حتى عام 2012، بعدها أُعير إلى نادي الوصل الإماراتي لمدة عام، ثم رحل إلى سبورتنغ لشبونة في موسم 2014-2015.
كانت تجربته البرتغالية غير موفقة بالمرة، فعاد سريعًا، لكن الأجواء لم تكن مهيّأة في الزمالك بعد لاستقباله بسبب خلافات بينه وبين إدارة النادي، الأمر الذي دفعه لقبول عرض نادي الإسماعيلي بإعارة اللاعب لمدة موسم، وكان ذلك عام 2015.
وبعدها من الدراويش بالإسماعيلية إلى بريدة السعودية، حيث نادي الرائد، في موسم 2017-2018، ليختمَ مشواره الاحترافي بالعودة إلى الدوري اليوناني مرة أخرى، لكن هذه المرة عبر نادي أبولون موسم 2018-2019، ليشدَّ الرحال عائدًا إلى بيته الأم وقلعته الشامخة، الزمالك المصري.
حقّق شيكا مع الأبيض 15 بطولة، بطولة دوري أبطال إفريقيا مرة واحدة، ومرة بطولة الكونفدرالية، ومرّتَين كأس السوبر الإفريقي، و3 مرّات بطولة الدوري الممتاز المحلي، و5 مرات بطولة كأس مصر، ومرّتَين كأس السوبر المصري، ومرة البطولة العربية.
ولعب الأسطورة الزملكاوية في مسيرته مع القلعة البيضاء 284 مباراة في مختلف البطولات، سجّل خلالها 55 هدفًا (7 أهداف في دوري أبطال إفريقيا و41 هدفًا في الدوري و6 أهداف في الكأس)، وصنع 73 آخرين، فيما كانت أهدافه في مباريات الأهلي هي الأكثر شعبية وإثارة، نظرًا إلى تفاعل الجماهير معها حتى اليوم.
وفي الأخير، فإن الكمال لا يُمنَح لبشر، وبدلًا من أن يرى المصريون لاعبهم في كبريات أندية العالم، لما يمتلكه من إمكانات تؤهّله لذلك، إذ به يواجه شبح الإقصاء عن الملاعب في ضوء العقوبة الأخيرة، ليدفع اللاعب الأكثر مهارة في تاريخ الكرة المصرية ثمن تلقائيته وسرعة غضبه وتغليب مزاجه الرياضي على مسؤولياته كقائد للفريق، لكنه سيظلّ تميمة النادي وأمير قلوب مشجّعيه، ورمزًا تاريخيًّا للكرة المصرية.