“لا يهم ما لون جلدك، لا يهم ما اللغة التي تتحدثها، لا يهم ما الدين الذي تؤمن به، ما يهم حقًا هو أننا يجب أن نرى بعضنا كبشر متماثلين”.
بالكلمات السابقة توجت “ملالة يوسفزاي” خطاب تلقيها لجائزة نوبل – الغالية على حد قولها – للسلام، وإذ استكملت ملالة حديثها بلغة إنجليزية سليمة بدى على الحضور الفهم الكامل والتأثر الشديد بما تقوله هذه الفتاة ذات الحجاب، وتوالت التغطيات الصحفية لإعلان فوزها متحدثة عن عدم استحالة الحديث مع هذا الجزء من العالم؛ وأن أمل التواصل مع سكان هذه المناطق المنكوبة بالحرب والتخلف ما زال ممكنًا وعلى أساس مجموعة من القيم الإنسانية المشتركة الغير مختلف عليها، فكيف يمكن الاختلاف على أشياء كالمساواة والحق في التعلم والحرية في التفكير.
***
في إحدى القرى النائية في شمال جبال وزيرستان احتل الآذان طنين معتاد؛ إنها إحدى الطائرات الأمريكية بدون طيار، فهذا النوع من الطائرات لا يتوقف عن الحوم فوق الرؤوس؛ لذلك لم تعر تلك الجدة المنهمكة في قطف ثمار البامية اهتمامًا، فقد كانت منشغلة بتعليم أحفادها الطريقة الأمثل للقطف، ولكن ما زاد على الطنين هذه المرة كان صوت طقطقة خافت وسريع، في لحظة لم تعد الجدة ولا حقول البامية هناك، أصيب سبعة من الأطفال جراء الانفجار وماتت الجدة أمام أعين نبيلة.
***
لم يبد على ملالة أي نوع من أنواع الشك في بداهة ما تدافع عنه من حقوق الفتيات في أي من لقاءاتها المتلفزة أو المؤتمرات التي كانت ضيف شرف بها، وبالتأكيد يتفق الكثير من القراء (بل والكاتب أيضًا) على هذه البداهة، فعندما تحدثت ملالة أمام الأمم المتحدة احتفالاً بعيد ميلادها، أكدت على حق الفتيات في المناطق النائية في الحصول على التعليم من أجل مستقبل أفضل، وبالتأكيد لم يكن من الممكن أن يختلف أي من الحضور على مثل هذا المبدأ الواضح والبسيط، وأوضحت الخطب التي تبعت حديثها تعليقًا عليه توافق تام على هذا الحق والتزام شديد بضرورة تفعيله بكافة الصور الممكنة.
بالنظر لملخصات الكثير من لقاءات ملالة سنجد أنها تدور في فلك عدد من المبادئ التي أرساها فكر عصر التنوير الأوروبي ورسخ لها كمجموعة من الحقوق والمبادئ الكونية، أي من حق كل أفراد الجنس البشري عمومًا، فمن حق كل دولة أن تسعى إلى التقدم والتنمية اللانهائيين عن طريق التعليم والتقدم في التصنيع والبحث العلمي واحترام الحقوق الشخصية.
مثل هذا الخطاب يحتل موقع القلب من مجموعة المقولات المؤسسة للنظام الدولي الحالي والرؤية الأوروبية لذاتها والآخرين (وهذا لا يعني ارتباطه بالواقع والممارسات بالضرورة)، وبالتالي لا تشعر ملالة الطالبة بمدرسة عريقة ببريمنجهام بأي صعوبة في تواصلها وتفاهمها مع مستمعيها.
***
في قاعة بمبنى الكابيتول بواشنطون العاصمة جلست نبيلة ذات التسعة أعوام بجانب أبيها ومترجم ما، جلس أمامهم خمسة من أصل 430 عضو بالكونجرس كان المفترض أن يحضروا جلسة شهادتها على وفاة جدتها، وبينما استمر المترجم الذي خانته دموعه في نقل شهادة نبيلة وأبيها على الحادث، لم يبد على الأعضاء الحاضرين الكثير من الاهتمام أو الفهم لما حدث.
***
يبدو أن الشكوك في جدوى حملات محاربة الإرهاب وتحرير الشعوب قد أصبحت تستدعي أن يرى العالم الغربي نتائج لما يزيد على ثلاثة عشر عامًا من الجهود، ويبدو أيضًا أن تشبع ملالة بهيكل القيم التنويري وانطلاقها محاولة نشرها في بلدها والعالم قد سمح للعالم أن يرى بأن جهوده تفلح وبأن المستقبل قد أصبح أكثر إشراقًا؛ فهناك ألف ملالة تشرق في أنحاء المستعمرات القديمة ناجحة فيما فشل فيه أمثال اللورد كرومر (أو ممثلة قمة نجاحهم من منظور آخر)؛ ولذلك فلتطمئن أوروبا بأن مليارات الدولارات وعشرات القتلى لم يذهبوا سدى.
***
“لماذا ماتت جدتي؟… عندما أسمع أن أمريكا تسعى لمعاقبة من أضروها، أتساءل .. ما الذي يمكن أن تكون جدتي قد أضرت أمريكا به؟ فأنا لم أفعل ما يضرهم أبدًا!” نبيلة رحمان
الكابيتول/ واشنطون
***
من الواضح أن بنفس القدر الذي يسمع به المجتمع الدولي ملالة عندما تتحدث؛ فإنه يعجز عن تقديم جواب شافٍ أو حتى أن يتفهم تساؤل نبيلة، فبينما كانت نبيلة تطرح هذا السؤال كان الرئيس الأمريكي في اجتماع مغلق مع السيدة “مارلين هيوسن” رئيسة مجلس إدارة شركة لوكهيد مارتن أو الشركة المصنعة للقاذفات بدون طيار من طراز (إم كيو-1 المفترس) التي استخدمت في قتل جدة نبيلة.
***
“لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه” .. المادة الثالثة من الإعلان الدولي لحقوق الإنسان.