في فبراير/ شباط من عام 2010، اعتقلت المخابرات الباكستانية، بالتعاون مع المخابرات الأمريكية، الملا عبد الغني برادر الرجل الثاني في حركة طالبان، في مدينة كراتشي الباكستانية، وجرت العملية حينها بعد أن رأت إسلام آباد أن الملا بردار بدأ المشي خارج الخط المسموح له داخل حدودها.
وأدى اعتقال الرجل الثاني في الحركة إلى توقُّف المفاوضات مع حكومة الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، إذ إن برادر كان المحرِّك الأساسي من قبل الحركة لتلك المفاوضات.
ظلَّ برادر معتقلًا لمدة سنوات عديدة، حتى أتى اليوم الذي خرج من السجن وأصبح كبير مفاوضي حركة طالبان، وأصبح اسمه يتردد في الأوساط الدولية والمحلية، واليوم نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر في حركة طالبان قولها إن رئيس المكتب السياسي للحركة الملا عبد الغني برادر، سيترأّس الحكومة الأفغانية المقبلة.
وأضافت المصادر أيضًا أن الملا محمد يعقوب، نجل الملا عمر مؤسِّس الحركة، سيُسنَد له منصب رفيع في الحكومة، إلى جانب شير محمد عباس ستانيكزاي أحد أبرز قياديي الحركة.. فمن هو عبد الغني برادر؟
الشخصية الثانية
في قرية ويتماك الواقعة بولاية ديهراوود بإقليم أوروزغان الأفغاني، ولد الملا عبد الغني برادر، منحدرًا من قبيلة دوراني، وهي القبيلة ذاتها التي ينتمي إليها حامد كرزاي الرئيس الأفغاني الأسبق.
ويُعتبر الملا عبد الغني أحد المؤسسين الأربعة لحركة طالبان، وكان أيضًا أهم شخصية بعد الملا عمر مؤسِّس الحركة الذي أُعلن عن وفاته عام 2013.
ووفقًا لما يجري تداوله على الوسائل الإعلامية، فإن برادر كان على صلة وثيقة بأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، إضافةً إلى أنه قاتلَ مع المجاهدين ضد القوات الروسية وحلفائها في ثمانينيات القرن الماضي، وكان برادر الصديق الأكثر قربًا من الملا محمد عمر، وهو من أطلق عليه اسم برادر ما يعني الأخ، كما تزيدُ من أواصر القرب بين الملا عمر والملا برادر صلةُ القرابة بينهما، حيث يكون عبد الغني زوج أخت الملا عمر.
ساهم برادر بعد الحرب الأفغانية السوفيتية بإطلاق حركة طالبان، حيث نجحت ببسط سيطرتها على البلاد بعد معارك عنيفة بين الفصائل الأفغانية المختلفة، لتأتي طالبان وتقضي على أمراء الحرب الأفغان وتنجح بالوصول إلى الحكم عام 1996، وهنا بدأ يلمعُ نجم برادر، وأصبح يحظى باحترام كبير من مختلف المكوِّنات في الحركة.
الاعتقال والإقامة الجبرية
بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول، غزت الولايات المتحدة أفغانستان وأطاحت بحكومة طالبان، إذ إن الأخيرة رفضت التعاون مع واشنطن وتسليم أسامة بن لادن، ثم أصبح الملا برادر بعد الغزو الأمريكي شخصية محورية لطالبان، وتذكرُ المصادر أنه كان قائد العمليات في ذلك الوقت.
استمرَّ برادر بقيادة العمليات وتسيير شؤون الحركة إلى جانب الملا عمر، حتى ألقي عليه القبض في فبراير/ شباط من عام 2010 في مدينة كراتشي بباكستان، جرّاء عملية مشتركة بين مخابرات إسلام آباد وواشنطن.
كان اسم برادر بعد اعتقاله على رأس قائمة المسجونين الذين تطالب بهم طالبان خلال المفاوضات، التي كان تُجرى مع الحكومة الأفغانية والقوات الأمريكية، بعد ذلك أعلنت باكستان إطلاق سراح برادرفي 20 سبتمبر/ أيلول 2012، شرط أن يخضع للإقامة الجبرية في باكستان، رغم محاولة الحكومة الأفغانية الضغط على باكستان لتسليمها الملا عبد الغني.
نُقلَ الملا عبد الغني برادر إلى منزل آمن في مدينة بيشاور عام 2013 قرب الحدود الأفغانية، ما شكّل خطوة نحو بدء محادثات سلام مع حركة طالبان، ويبدو أن هذه الخطوة جاءت لاعتقاد واشنطن وكابل أن برادر يملك الحل والعقد في أمور المفاوضات لإنهاء الحرب في أفغانستان، لأن لديه نفوذًا كبيرًا داخل صفوف الحركة، وباستطاعته الضغط على رفقائه من أجل إيقاف القتال.
لم ينقطع برادر خلال مدة إقامته الجبرية عن الاتصال مع صفوف الحركة في أفغانستان، وذلك وفقًا لما صرّحت به المصادر العسكرية الأمريكية حينها، وظلَّ على هذه الحال حتى تم إطلاق سراحه في أكتوبر/ تشرين أول 2018 إثر مفاوضات جرت بوساطة قطرية، ليتولّى برادر بعد ذلك مسؤولية مكتب حركة طالبان في الدوحة، وفي غالب الأوقات كان يديره من باكستان.
كبير المفاوضين
يميل برادر إلى التخفّي عن الأنظار والابتعاد عن البيانات الإعلامية والصحفية، حتى تلك المكتوبة منها، لذلك تعدّ المرات التي أطلق فيها خطابات أو بيانات قليلةً جدًّا، ومن أبرزها كانت في يوليو/ تموز 2009، في مراسلات بالبريد الإلكتروني مع مجلة “نيوزويك”.
وذكرَ حينها أن “حركة طالبان تريد إلحاق أكبر قدر من الضرر بالقوات الأمريكية في أفغانستان”، متعهّدًا بـ”الاستمرار في الجهاد حتى يرحل العدو عن أرضنا”، وأضاف برادر حينها أن “الشرط الأساسي هو انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان”.
في السياق، كان برادر من بين قادة طالبان الذين يميلون إلى إجراء مفاوضات مع واشنطن وحكومة كابل، وذكرت وسائل إعلامية أن الرئيس الأفغاني حامد كرزاي كان على تواصُل مع الملا عبد الغني قبل عام 2010، خاصة أن الاثنَين ينتميان إلى القبيلة نفسها.
فرض مجلس الأمن عقوبات ضد الملا برادر، من بينها تجميد أمواله ومنعه من السفر، لكن في فبراير/ شباط 2020، وقّع برادر اتفاق الدوحة الذي تعهّدت فيه الولايات المتحدة بمغادرة أفغانستان، على أساس أن تدخلَ طالبان في ترتيب لتقاسُم السلطة مع حكومة الرئيس أشرف غني في كابل.
ونتيجة للاتفاق وافقت الولايات المتحدة على سحب ما تبقّى من قواتها من أفغانستان، كما قالت طالبان إنها لن تسمح للقاعدة أو أي جماعة متطرِّفة أخرى بالعمل في المناطق التي تسيطر عليها.
اتصالات مع ترامب
خلال مفاوضات الدوحة جرى الاتفاق بين طالبان وأطراف أخرى على إخلاء سبيل 5 آلاف أسير من طالبان، مقابل إخلاء طالبان سبيل 1000 أسير من القوات الأفغانية التابعة لأشرف غني، كما وعدت أيضًا تلك الأطراف الحركة برفع العقوبات عنها.
والجدير بالذكر أن الملا عبد الغني برادر، كان القيادي الوحيد في حركة طالبان الذي تحدّث إلى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لمدة 35 دقيقة، بشأن المفاوضات بين الطرفَين.
تسارعت الأحداث منذ أيار/ مايو 2021 في أفغانستان، حيث أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن بدء الانسحاب من البلاد، وبالتزامن مع هذا الإعلان بدأت حركة طالبان معركتها للاستيلاء على السلطة في البلاد.
لم تَدُم المعارك بين القوات الطالبانية وقوات الجيش الأفغاني أكثر من شهرَين، لتبدأ قوات أشرف غني بالانهيار، وتصل قوات الحركة إلى كابل وتدخلها من دون معارك إثر هروب الرئيس أشرف غني.
بعد يومَين من إعلان حركة طالبان سيطرتها على العاصمة كابل، وصل الملا عبد الغني برادر إلى قندهار، وسط ترقُّب شعبي ودولي للأوضاع في البلاد، بعد ذلك توجّهَ إلى كابل والتقى وليام بيرنز، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، سرًّا.
وقالت مصادر أمريكية عن اللقاء بين الملا عبد الغني وبيزنز، إنه “جاء بتوجيه من الرئيس جو بايدن، ما يعكس وجهة النظر داخل الإدارة بأن الدبلوماسي المخضرم بيرنز هو أحد أكثر الأشخاص ثقة في فريق بايدن”.
وأعلن برادر في كلمة له أن “النصر الذي تمّ تحقيقه لم يكن متوقّعًا، وأن الاختبار الحقيقي لطالبان يبدأ الآن، حيث إنه يتعين عليهم خدمة الشعب الأفغاني وتأمين مستقبل مستقر له”.
استطاع عبد الغني من بناء علاقات مع عدد من الدول، منها روسيا والصين وقطر، خلال الفترة الماضية، حيث ترأّس وفدًا لزيارة الصين في يوليو/ تموز 2021 ولقاء المسؤولين هناك، إضافة إلى زيارته العاصمة الإيرانية طهران لإجراء مباحثات مع جارتهم.
إذن، بعد المراحل التي خاضها عبد الغني برادر، من قتال وقيادة لطالبان ومن ثم المنفى والسجن وعودته لإدارة المفاوضات مع كبرى القوى العالمية، يتجهّز حاليًّا، وفقًا لوسائل الإعلام، لاستلام أرفع المناصب لإدارة البلاد التي تعيش وسط أزمة كبيرة على كافة المستويات، ليكون على عاتقه دورٌ كبير لإثبات قدرة حركته أمام العالم على قيادة البلاد، وانتشال أفغانستان من آفات الفقر والجهل وانعدام الخدمات.