قبل أقل من أسبوع على موعد الانتخابات المغربية المرتقبة، برزَ على الساحة مصطلح “المال السياسي”، إذ تخشى عدة أحزاب مغربية من هذه الظاهرة لضرب نزاهة الانتخابات في بلادها.. فهل يربك المال السياسي انتخابات المغرب؟
مخاوف كثيرة
بدت مخاوف الأحزاب السياسية جدية، فقد أشارت ثلاثة منها إلى وجود استخدام غير مشروع للمال في الحملة الانتخابية، على رأس هذه الأحزاب العدالة والتنمية (إسلامي)، إذ أكدت إدارة الحملة الانتخابية للحزب، في بيان لها “مرة أخرى تنديدها بالاستعمال الفاحش للأموال في استمالة الناخبين وبعض المشرفين على مكاتب التصويت”، مضيفةً أنها تجدِد التساؤل عن مصدرها، دون تسمية أي طرف.
وفي آخر انتخابات تشريعية عرفتها البلاد، حصل العدالة والتنمية، الذي يقود الائتلاف الحكومي للولاية الثانية، على 125 مقعدًا في البرلمان من أصل 395، وقد اختار لحملته الانتخابية الحاليّة شعار “المصداقية والديمقراطية والتنمية”، ويقول الحزب إن برنامجه يهدف إلى تعزيز الحكامة ومواصلة الإصلاحات الهيكلية المرتبطة بها.
ثاني الأحزاب التي نددت بظاهرة المال السياسي هو “الأصالة والمعاصرة”، إذ ندد الأمين العام للحزب، عبد اللطيف وهبي، بهذه الظاهرة، وقال في حديثه مع مرشحات ومرشحي الحزب بإقليم بركان: “الذين يوزعون الأموال في الانتخابات بشكل كبير ومفرط، يدمرون التجربة الديمقراطية المغربية، ويدمرون حرية التعبير ويسيئون إلى مصداقية العمل السياسي ويمسون بنزاهة الانتخابات”.
هذه المخاوف دفعت الجمعية المغربية لحماية المال العام، إلى تقديم شكوى ضد مجهول لرئاسة النيابة العامة
أكد وهبي أن “الإمبراطوريات الاقتصادية عبر تاريخ الإنسانية، دمرت السياسة والديمقراطية، وكانت دائمًا مصدر خطر على الاستقرار السياسي والاقتصادي”، مشددًا على أن “هذه الإمبراطوريات المالية أصبحت مخيفة وتهدِد الدستور والقانون، ما يفرض العمل على التصدي لها وللمال السياسي ومواجهته”.
يُعتبر حزب الأصالة والمعاصرة (يمين) أكبر أحزاب المعارضة، وسبق أن أعلن الأمين العام للحزب أن لحزبه حظوظًا كبيرةً للفوز بالمرتبة الأولى بالانتخابات، وفي آخر انتخابات تشريعية حصل الحزب على المرتبة الثانية، بعدد مقاعد وصل إلى 102.
ويعود تأسيس الحزب إلى عام 2008، وهو امتداد لـ”حركة لكل الديمقراطيين”، وقامت بنيته على المزج بين نُخَب سياسية واقتصادية حداثية من المشهدَين الليبرالي واليساري، وشريحة من الأعيان ذوي النفوذ المحلي.
أما ثالث هذه الأحزاب هو “التقدم والاشتراكية” المعارض، فقد انتقد أمينه العام، محمد نبيل بنعبد الله، استعمال المال في الانتخابات، لافتًا إلى أن حزبه يعوِل على تصويت المواطنين لمعاكسة “الاستعمال البشع للمال والفساد بشكل لم يسبق له مثيل”.
يطمح هذا الحزب الذي يشارك حاليًا في الائتلاف الحاكم، في حصد أكبر عدد من مقاعد البرلمان، ويُعتبَر الاتحاد الاشتراكي أكبر أحزاب اليسار في المملكة، وينتمي إليه مفكرون كبار ووزراء ومسؤولون، مثل السياسي البارز عبد الرحمن اليوسفي.
المسألة عند القضاء
دفعت هذه المخاوف الجمعية المغربية لحماية المال العام، إلى تقديم شكوى ضد مجهول لرئاسة النيابة العامة، مطالبةً بفتح تحقيق معمَق في تلك الاتهامات، بناء على تصريحات صحفية منسوبة إلى رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، أكد خلالها أن الأموال توزَع بشكل كبير خلال هذه الانتخابات.
كما استندت الرسالة إلى تصريحات ممثلي بعض الأحزاب السياسية الأخرى التي تنحو المنحى نفسه، وقالت جمعية حماية المال العام إن مثل تلك التصريحات تشكل مساسًا بنزاهة الانتخابات وصدقيتها، وتمس بالمبادئ الدستورية ذات الصلة بالشفافية والتنافس والمساواة.
وأوضحت الجمعية أن السكوت عن مثل تلك التصريحات والادعاءات، الصادرة عن مسؤولين عموميين وسياسيين، والاستنكاف عن التدخُل وعدم اتخاذ أي إجراءات بخصوصها، من شأنه أن يُفهَم على أنه تساهل مع الظاهرة وتشجيع عليها ومحاباة للمرشحين المشتبه بأنهم يوزعون الأموال.
تشكل هذه الادعاءات، إن ثبتت صحتها، مخالفةً صريحة لأحكام القانون، ويعاقب عليها بمقتضى مدونة الانتخابات، وتنص المادة 100 من المدونة على أنه يعاقب بالسجن من سنة إلى 5 سنوات وبغرامة من 50 ألف إلى 100 ألف درهم (من 5600 إلى 11200 دولار) كل من حصل أو حاول الحصول على صوت ناخب أو أصوات عدة ناخبين بفضل هدايا أو تبرعات نقدية أو عينية أو وعد بها، أو بوظائف عامة أو خاصة أو منافع أخرى قصدَ بها التأثير على تصويتهم، سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو بواسطة الغير.
يخشى كثير من المغاربة أن يؤثر المال السياسي على الانتخابات المرتقب إجرائها في الثامن من الشهر الحاليّ
كما يحكم بالعقوبات المذكورة على الأشخاص الذين قبلوا أو التمسوا الهدايا أو التبرعات أو الوعود المشار إليها أعلاه، وكذا الأشخاص الذين توسطوا في تقديمها أو شاركوا في ذلك.
وتنص مدونة الانتخابات أيضًا على أنه يعاقَب بالسجن من سنة إلى 5 سنوات وبغرامة من 50 ألف إلى 100 ألف درهم، كل شخص قام خلال الحملة الانتخابية بتقديم هدايا أو تبرعات أو وعود بها، أو بهبات إدارية إما لمجلس محلي وإما لمجموعة من المواطنين أيًا كانت، بقصد التأثير في تصويتهم، وتُضاعَف العقوبة إذا كان مرتكب الجنحة موظفًا عموميًا أو مأمورًا من مأموري إدارة أو مجلس محلي.
أمام هذا الأمر التمسَت جمعية حماية المال العام من رئيس النيابة العامة، التدخل العاجل وطبقًا للقانون، والأمر بفتح بحث قضائي معمَق حول كل التصريحات والادعاءات الصادرة عن مسؤولين عموميين وسياسيين، بخصوص الاشتباه في استعمال الأموال من طرف بعض المرشحين خلال هذه الانتخابات، وذلك لتحصين العملية الانتخابية من أي شبهة قد تمس بقدسيتها وصدقية النتائج التي ستتمخض عنها.
صديق الملك في قفص الاتهام
أغلب الاتهامات موجهة إلى حزب التجمع الوطني للأحرار، إذ يتَهم الحزب بإغراق الساحة الانتخابية بالمال، وشراء ولاء المرشحين حتى يغيروا الأحزاب التي ترشحوا عنها، فضلًا عن شراء ولاء الناخبين للتصويت له في الانتخابات المرتقبة.
يترأس حزب التجمع الوطني للأحرار رجل الأعمال عزيز أخنوش، وهو وزير الزراعة منذ عام 2007، ويُوصَف أنه “مقرب من القصر الملكي”، وقد لعب دورًا رئيسيًا في عرقلة عمل عبد الإله بنكيران خلال مشاورات تشكيل الحكومة أعقاب الانتخابات الأخيرة، ما أدى إلى استبعاد بنكيران وتكليف سعد الدين العثماني بتشكيل الحكومة قابلًا بشروط أخنوش.
ويعتبر عزيز أخنوش واحدًا من أقوى الرجال في المغرب، فهو يهيمن على مجال البترول في المنطقة، كما يُحكم قبضته على وزارة الفلاحة والصيد البحري في المغرب منذ عام 2007، التي تعد كيانًا رئيسيًا وفاعلًا ضمن أجهزة الدولة.
يعمل رجل الأعمال أخنوش جاهدًا لتصدُر الساحة السياسية المغربية وتهيئة الطريق أمام حزبه، خاصة أنه يحظى بدعم الملك، ويعود دعم المخزن لعزيز أخنوش وحزبه كونه ضامنًا لمصالحهم في الحكم، وأحد الأوراق التي يستعملها القصر الملكي كلما استدعت الحاجة.
يعود تاريخ تأسيس الحزب – الذي حل رابعًا في الانتخابات التشريعية لعام 2016، بعد حصوله على 37 مقعدًا – إلى نحو 42 عامًا، حيث تأسس عام 1977 بقيادة أحمد عصمان، صهر الملك الراحل الحسن الثاني، بإيعاز من القصر الملكي بقصد إحداث نوع من التوازن مع الأحزاب التي ظلت تنازع الملكية الشرعية السياسية في البلاد منذ الاستقلال، حسب مراقبين.
يخشى كثير من المغاربة أن يؤثر المال السياسي على الانتخابات المرتقب إجرائها في الثامن من الشهر الحاليّ في ظروف صحية واجتماعية واقتصادية حرجة تمر بها البلاد، فضلًا عن التوترات الإقليمية التي تشهدها المملكة.