في الوقت الذي تستعد فيه ليبيا لإجراء الانتخابات المرتقبة نهاية هذه السنة، عادت الاشتباكات مجددًا في العاصمة طرابلس بين الفصائل العسكرية المسلحة المتمركزة هناك، ما يؤكد هشاشة الاستقرار في هذا البلد العربي.
اشتباكات مسلحة من شأنها، وفق العديد من المتابعين، أن تهدد مستقبل العملية السياسية، في ظل سعي أطراف داخلية وخارجية لعودة العنف والاقتتال في ليبيا تنفيذًا لبرامجها المعادية لتطلعات الشعب الليبي.
الأسوأ منذ سنة
الاشتباكات اندلعت في ساعة مبكرة أمس الجمعة بين اللواء 444 وقوة دعم الاستقرار في منطقة صلاح الدين المكتظة بالسكان، واستمرت حتى طلوع النهار باستخدام أسلحة متوسطة وخفيفة، ويعود سبب الاشتباكات، وفق آمر المنطقة العسكرية في طرابلس اللواء عبد الباسط مروان إلى الرغبة في الحد من أنشطة اللواء 444 وتقويم انحراف هذا اللواء الذي لم يلتزم بالأوامر العسكرية.
لم تبلغ السلطات الليبية عن وقوع إصابات، لكن اللواء 444 أعلن عبر صفحته على فيسبوك مقتل أحد عناصره خلال الاشتباكات، ونقلت وكالة رويترز عن اللواء 444 قوله إنه فوجئ بالهجوم عليه من رجال مسلحين.
وبدأ القتال بين القوتين المسلحتين الرئيسيتين في طرابلس، بعد أن أمر اللواء عبد الباسط مروان، جهاز دعم الاستقرار – الذي أنشأه رئيس الوزراء السابق فايز السراج في يناير/كانون الثاني – بالهحوم على المعسكر بهدف تصحيح مسار اللواء 444 المتمركز في منطقة صلاح الدين حيث معسكر التكبالي.
هناك بعض القوى الداخلية التي تتعاون مع قوى خارجية، لا يروق لها حالة الاستقرار النسبي في ليبيا
عقب ذلك أمر رئيس المجلس الرئاسي والقائد الأعلى للجيش محمد المنفي كل القوات المشاركة في القتال بالتوقف الفوري والعودة إلى مقراتها وثكناتها دون أي تأخير، وتابع في بيان “لن نسمح بتكرار مثل هذه الأحداث”، ملوحًا بـ”توقيع العقوبات القانونية على المخالفين”.
يذكر أن اللواء 444 هو لواء مشاة تأسس على الوحدة 20 20 القتالية التي كانت تتبع جهاز الردع لمكافحة الجريمة والإرهاب حيث أثبتت فاعليتها في أثناء التصدي لهجوم حفتر على طرابلس لتتحول هذه الوحدة إلى قوة عسكرية وتسمى الوحدة 444 ومن ثم اللواء 444 التابع للمنطقة العسكرية طرابلس، واستطاع في فترة وجيزة ضم ضباط من الجيش وفتح باب التجنيد ليتمكن من الانتشار على مساحة المنطقة العسكرية التابع لها.
فيما تم تأسيس جهاز دعم الاستقرار في يناير/كانون الثاني الماضي بقرار من المجلس الرئاسي السابق ليكون تابعًا له خارج إطار وزارتي الداخلية والدفاع وهو مكون أساسًا من كتائب مسلحة لها نفوذها وشاركت بدورها ضد حفتر مثل قوة الدعم المركزي بقياد عبد الغني الككلي وهو رئيس الجهاز وجزء من كتيبة ثوار طرابلس وبعض كتائب مدينة الزاوية، إذ تم ضمها دون أي تأهيل أو تقييم كفاءة.
هدوء نسبي في صلاح الدين بـ #طرابلس مع تواجد الكتائب المسلحة في مواقعها، رغم أنباء عن اتفاق وقف إطلاق النار بعد اشتباكات متقطعة#218NEWS pic.twitter.com/1Nm4aI2ZUs
— 218NEWS (@218news) September 3, 2021
وفق شهود عيان فإن هذه الاشتباكات التي شهدتها العاصمة، تعتبر الأعنف منذ توقف القتال بين قوات حكومة الوفاق المعترف بها دوليًا وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر قبل سنة، وقبل أسبوع شهدت العاصمة اشتباكات أصغر شملت اشتباكًا بالأسلحة النارية في إحدى مؤسسات الدولة.
ونهاية الشهر الماضي، شهدت مدينة الزاوية غرب البلاد اشتباكات عنيفة بين الفرقة الأولى التابعة لمديرية أمن المدينة التي يقودها النقيب محمد بحرون يعطون وجهاز دعم الاستقرار الذي يقوده عبد الغني الككلي الملقبّ التابع للعاصمة طرابلس.
عملية سياسية في خطر
هذه الاشتباكات العنيفة من شأنها تهديد مسار العملية السياسية في البلاد، فهي تؤكد أن الاستقرار هش ويمكن انهياره في أي وقت، خاصة أن الجماعات المسلحة تتحكم في أغلب مفاصل الدولة سواء في غرب البلاد أم شرقها فضلًا عن الجنوب.
تأتي هذه التطورات الأمنية، في وقت بدأ فيه الأمل يداعب الليبيين بشأن حلحلة الوضع المتدني على المستويات كافة، التزامًا باتفاق برلين ومخرجات جنيف، وما تمخض عنه من اختيار مجلس أعلى للدولة وحكومة انتقالية، تمهيدًا لإجراء انتخابات عامة نهاية العام الحاليّ.
ويأمل الليبيون أن تنتظم الانتخابات في موعدها في ديسمبر/كانون الأول المقبل، وفق ما جاء في خريطة الطريق التي أقرّها ملتقى الحوار السياسي الليبي في وقت سابق، ووفق ما ورد في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2570 لعام 2021، لكن يبدو أن بعض الأطراف لا يُعجبها ذلك وتصر على عرقلة هذه الانتخابات أو إنجازها وفق شروطها التي تخدم مصالحها.
أغلب هذه المجموعات المسلحة، سواء في الشرق أم الغرب، يمكنها أن تغيّر ولاءها في أي لحظة
يؤكد المحلل السياسي الليبي بدر شنيبة أن “هذه الاشتباكات بطبيعة الحال سوف تنعكس على الانتخابات، فالعملية الانتخابية تحتاج إلى وضع أمني مستقر لإنجازها، كذلك سيطرة بعض التشكيلات المسلحة على المناطق خاصة المهمة منها التي تحوي مؤسسات صنع القرار تمكنها من التأثير على القرارات الحكومية من جهة وعلى الانتخابات من حيث نتائجها والمرشحين لها من جهة أخرى”.
يتابع شنيبة في حديثه لنون بوست “كذلك يمكن أن تفتح هذه الاشتباكات الباب أمام المطالبة بنقل مقر المفوضية العليا للانتخابات من العاصمة كونها تظهرها على أنها غير آمنة، وهذا ما تسعى إليه بعض القوى مثل تيار الكرامة بقيادة حفتر في الشرق”.
يتضح من هنا أن هناك بعض القوى الداخلية التي تتعاون مع قوى خارجية، لا يروق لها حالة الاستقرار النسبي في ليبيا، وهي غير راضية عن العملية السياسية التي تشهدها البلاد، لما تحمله من إجهاض لأجندتها، لذلك تسعى جاهدة للتشويش والعرقلة بشتى الطرق.
الجماعات المسلحة.. أبرز المعضلات
وفق بدر شنيبة تأتي “هذه الاشتباكات الأخيرة ضمن سلسلة حروب النفوذ الدائمة بين التشكيلات المسلحة في ليبيا على المناطق ومؤسسات صنع القرار، كما تظهر هذه الاشتباكات الفشل المستمر للحكومات المتعاقبة منذ سقوط القذافي في إعادة بناء المؤسسات العسكرية والشرطية في ليبيا”.
يتابع محدثنا “لطالما شهدت مناطق البلاد اشتباكات من هذه النوعية وذلك لغياب خطط واضحة وفعالة لتفكيك التشكيلات المسلحة والتحالفات بينها وضم أفرادها بآلية واضحة تضمن اندماجهم في تلك المؤسسات، كذلك تأثرت هذه الخطط بالانقسام والتجاذبات السياسية، فأصبحت تلك التشكيلات في بعض الأحيان أدوات للضغط السياسي لبعض الأطراف”.
وتعتبر الجماعات المسلحة المتمركزة في أغلب مناطق ليبيا، أبرز المعضلات التي تواجه الاستقرار في هذا البلد العربي الغني بالنفط، إذ تسعى كل مجموعة للسيطرة على الأراضي وعلى مؤسسات الدولة، وتتنافس فيما بينها للحصول على امتيازات أكثر.
اشتباكات في طرابلس. تزامنا مع عقد هذا الثنائي لقاء لم يخطيء بورويطة عندما قال ان الموتمرات لاتحل مشكل ليبيا. هي الموامرات pic.twitter.com/SsmtTfWEvE
— Abah (@bah9378825) September 3, 2021
توجد في الشرق العديد من الميليشيات الدينية والقَبَلية التي تبحث عن المحافظة على امتيازاتها الكثيرة والحصول على امتيازات أخرى مقابل اصطفافها إلى جانب اللواء المتقاعد خليفة حفتر، في حربه ضد الكيانات الشرعية للدولة الليبية.
في الغرب أيضًا توجد تشكيلات عسكرية مختلفة التوجُّهات، وأغلب هذه التشكيلات تكونت إبان ثورة فبراير ضد نظام معمر القذافي، وانحازت إلى الحكومة المنتخَبة كثمرة من ثمرات الثورة، وقاتلت ضد حفتر ومخططاته الانقلابية.
أغلب هذه المجموعات المسلحة، سواء في الشرق أم الغرب، يمكنها أن تغيّر ولاءها في أي لحظة، فبعضها كان متحالفًا مع حفتر وغيّر ولاءه للغرب والعكس صحيح، وذلك حسب الامتيازات والحرية التي تُمنَح لها.
هذا ما يؤكد أنها أحد أبرز المعضلات أمام الاستقرار في ليبيا، فالفوضى تمنحها مساحة أكبر للحركة، ذلك أن فيها مجموعات تسيطر على الهجرة غير النظامية وتقود عمليات الإتجار بالبشر وإرسال آلاف المهاجرين من الشواطئ الليبية إلى القارة الأوروبية، وفيها من يتخصص في الإتجار بالسلاح وأيضًا بالمخدرات، وهي تعمل لحسابها الخاص أو لحساب بعض الشخصيات والأطراف في الداخل والخارج.