ترجمة وتحرير: نون بوست
استضافت روسيا الأسبوع الماضي المنتدى العسكري التقني الدولي السابع “جيش 2021″، الذي يهدف إلى تعزيز صادرات الأسلحة الروسية وتعزيز التعاون العسكري مع الشركاء في جميع أنحاء العالم.
استقطب المنتدى هذا العام حوالي 1500 متعاقد محلي وأجنبي، بالإضافة إلى أكثر من 800 مشارك يمثلون 35 دولة. وقد ترأس وزراء الدفاع أو نوابهم نصف الوفود الوطنية. وتعتبر دول الشرق الأوسط بمثابة ضيوف دوريين في المنتدى، حيث أنها توقع باستمرار صفقات عسكرية مع روسيا.
خلال الأسبوع الماضي، وقّعت كل من مصر والمملكة العربية السعودية اتفاقيات تعاون عسكري مع روسيا. وما فتئت روسيا تسعى لتوسيع تعاونها العسكري مع دول الشرق الأوسط، لا سيما السعودية التي تمتلك ما يكفي من الأموال لشراء الأسلحة، ومصر – حليف روسيا القديم – حيث تربط الدولتين علاقات وديّة طويلة الأمد ويعود تاريخ التعاون العسكري الفني إلى عهد جمال عبد الناصر.
من المرجح أن الاتفاق الذي تم توقيعه الأسبوع الماضي كان مجرد استمرار للمحادثات السابقة بين الطرفين للتوصل إلى شروط مقبولة لتعزيز التعاون في المجال العسكري التقني.
تعد الشراكة العسكرية الروسية مع المملكة العربية السعودية أكثر حداثة، حيث بدأت قبل حوالي خمس سنوات. وقد دارت محادثات بين الرئيس الروسي وكل من الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان حول التعاون العسكري في عدة مناسبات. ووفقا لوزارة الدفاع الروسية، عملت موسكو والرياض بنشاط على مدار السنوات الثلاث الماضية على تعزيز التعاون العسكري التقني، حيث أعرب الجانب السعودي عن رغبته في شراء الأسلحة الروسية الأكثر تقدمًا.
على الرغم من المحادثات الجارية بين موسكو والرياض، لم تُبرم حتى الآن صفقات بمليارات الدولارات. ومن المرجح أن الاتفاق الذي تم توقيعه الأسبوع الماضي كان مجرد استمرار للمحادثات السابقة بين الطرفين للتوصل إلى شروط مقبولة لتعزيز التعاون في المجال العسكري التقني.
تعاون محدود
أولا، نظرا للعلاقات الاستراتيجية التي تربط المملكة العربية السعودية مع الولايات المتحدة، فإنه من غير المرجح أن تتعاون الرياض عسكريا مع موسكو بدرجة تضاهي التعاون مع الأمريكيين في أي وقت قريب.
كانت مصر والسعودية حليفتان مقربتان منذ زمن طويل للولايات المتحدة وتعتمدان على المساعدات التكنولوجية والمالية الأمريكية. وتشتري المملكة العربية السعودية 79 بالمئة من أسلحتها من الولايات المتحدة، بينما تنفق مصر حوالي 1.3 مليار دولار سنويًا على شراء الأسلحة الأمريكية.
مع أن مصر استوردت 14 بالمئة فقط من أسلحتها من الولايات المتحدة بين سنة 2015 و2020 و31 بالمئة من روسيا بين سنة 2009 و2018، إلا أن المساعدات الأمريكية بقيمة 1.3 مليار دولار تمثل 34 بالمئة من الميزانية العسكرية السنوية لمصر البالغة 3.8 مليار دولار. بالإضافة إلى ذلك، قامت مصر بتنويع إنفاقها العسكري، فعلى امتداد السنوات الخمس الماضية، تلقت حوالي 28 بالمئة من الواردات العسكرية من فرنسا.
ثانيا، تعرضت روسيا لفترة من الوقت لضغوط جراء العقوبات الأمريكية، مما يعيق قدرة موسكو على توقيع عقود أسلحة جديدة وتنفيذ العقود القائمة. وفي شهر آب/ أغسطس 2017، وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات، والذي يهدف إلى معاقبة موسكو على ما تعتبره الولايات المتحدة أفعالا خبيثة.
بموجب هذا القانون، واجهت الدول التي تتعامل مع قطاعي الدفاع والاستخبارات في روسيا عقوبات ثانوية. فقد فرضت واشنطن بالفعل عقوبات ثانوية على بكين بسبب شرائها مقاتلات روسية من طراز إس يو-35 وأنظمة صواريخ إس-400، كما تضغط على تركيا ومصر من أجل تعاونهما العسكري مع موسكو.
يعرض قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات العديد من البلدان الأخرى لخطر التعرض لعقوبات ثانوية، بما في ذلك شركاء موسكو القدامى مثل الهند والجزائر، وكذلك البلدان التي بدأت مؤخرًا في تطوير علاقات عسكرية تقنية معهم على غرار فيتنام وباكستان وقطر وإندونيسيا والكويت والسعودية والإمارات.
لكن موسكو ليست لديها الرغبة ولا القدرة على تعويض واشنطن باعتبارها حليفا رئيسيا للقاهرة والرياض، بل تحاول استغلال الوضع من أجل تعزيز صفقات الأسلحة في المنطقة، مما سيزيد من تدفق العملة الصعبة. ولكن هذا لن يؤدي إلى إعادة التوجيه الاستراتيجي للمملكة العربية السعودية ومصر من الولايات المتحدة إلى روسيا. إذا ما الذي يشجع دفعة المبيعات الروسية؟
أسواق الأسلحة المحتملة
باعتبارها ثاني أكبر منتج ومصدر للأسلحة في العالم بعد الولايات المتحدة، فإن روسيا تمتلك مصلحة راسخة في تعزيز حصتها في السوق. ووفقا للتقرير السنوي لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري)، منذ سنة 2016، كانت المملكة العربية السعودية ومصر من بين أكبر ثلاث دول مستوردة للأسلحة في العالم، بنسبة 11 بالمئة و5.8 بالمئة من واردات الأسلحة العالمية على التوالي.
يعتبر الشرق الأوسط بمثابة سوق الأسلحة الأسرع نموا في العالم، والأكثر جذبا وربحا لمصنعي الأسلحة مثل روسيا. فقد استوردت دول الشرق الأوسط 33 بالمئة من جميع الأسلحة المباعة في جميع أنحاء العالم بين سنتي 2016 و2020، واحتكرت مصر والمملكة العربية السعودية حوالي نصف هذه الحصة. لهذا السبب، لا عجب أن تكون المنافسة بين الدول المصنعة للأسلحة شرسة للغاية.
في نفس الفترة، زادت روسيا مبيعاتها من الأسلحة إلى 13 بالمئة من واردات المنطقة. ومن الواضح أن موسكو تريد مواصلة هذا الاتجاه في زيادة المبيعات، وهو ما يفسر محاولاتها لتعزيز التعاون مع المصريين والسعوديين.
خلق التوازن
على امتداد العقد الماضي، خلقت الأحداث في المنطقة وفي الولايات المتحدة ظروفًا جعلت موسكو شريكًا أكثر جاذبية. فقد بدأت دول الشرق الأوسط في الحد من المراهنة على الولايات المتحدة. وفي هذا السياق، تساعد روسيا في موازنة علاقات العديد من دول الشرق الأوسط التي كانت حصرية في السابق مع الولايات المتحدة. وأصبحت موسكو وسيلة مساومة مناسبة لدول المنطقة في محادثاتها مع الولايات المتحدة.
بدأت المواقف المتغيرة في المنطقة تجاه القوى العالمية في التحول مع اندلاع انتفاضات الربيع العربي اعتبارًا من سنة 2010، عندما بدأت دول مثل مصر والمملكة العربية السعودية في التعامل مع الولايات المتحدة بمزيد من الحذر. وفي ذلك الوقت، فشلت واشنطن في دعم حلفائها القدامى الرئيس المصري حسني مبارك، والزعيم التونسي زين العابدين بن علي. ولكنها في الواقع خانتهم.
نتيجة لذلك، بدأت النخب السياسية في هذه الدول ونخب الحلفاء الإقليميين الآخرين للولايات المتحدة – المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، وما إلى ذلك – في التشكيك في مدى التزام الولايات المتحدة بأمنها.
وفي سنة 2015، أُبرم الاتفاق النووي الإيراني. وأضافت سياسة التواصل التي انتهجها الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، مع إيران المزيد من الشكوك في نفوس السعوديين والإماراتيين. نشرت روسيا جيشها في سوريا في شهر أيلول/ سبتمبر من سنة 2015. وقد أدى انخراطها في الصراع السوري إلى تغيير مجرى الحرب وأجبرت الجهات الفاعلة الإقليمية، التي سعت للإطاحة بحكومة الرئيس السوري بشار الأسد، على تعديل سياساتها مع مراعاة الدور الجديد الذي تلعبه موسكو.
يعد التعاون العسكري التقني الروسي المصري أكثر تقدما وشمولا بكثير من التعاون بين روسيا والمملكة العربية السعودية، لأنه يتجاوز مبيعات الأسلحة ويشمل ذلك التعاون في مكافحة الإرهاب والتدريبات العسكرية السنوية المشتركة.
أخيرا، أدت ثورة النفط الصخري في الولايات المتحدة في مطلع سنة 2010 إلى تعزيز إنتاج النفط المحلي بشكل حاد. وبين 2008 و2019، ارتفع إنتاج الولايات المتحدة من النفط بنسبة 140 بالمئة، من خمسة آلاف برميل في اليوم إلى 12 ألف برميل في اليوم، بينما انخفضت واردات النفط بنسبة 24 بالمئة، من 13 ألف برميل في اليوم إلى 7800 برميل في اليوم. وتراجعت واردات النفط من منطقة الخليج ثلاث مرات خلال هذه الفترة، مما قلل بشكل واضح من أهميتها الاستراتيجية لواشنطن.
أدى هذا التغيير في واردات الولايات المتحدة من النفط والانخفاض الحاد في أسعار النفط في سنة 2014 إلى تقرب موسكو والرياض من بعضهما البعض، كما أدى إلى ظهورتحالف أوبك + لتنسيق إنتاج وتصدير النفط في البلدين. كما ساهمت في تنويع شراكات البلدان الإقليمية التي ركزت حصريًا لعقود عديدة على الولايات المتحدة. ولكن يجب ألا يُنظر إلى الاتفاقيات العسكرية بين روسيا ومصر والمملكة العربية السعودية باعتبارها تحولا كبيرا في خارطة الولاءات السياسية.
يعد التعاون العسكري التقني الروسي المصري أكثر تقدما وشمولا بكثير من التعاون بين روسيا والمملكة العربية السعودية، لأنه يتجاوز مبيعات الأسلحة ويشمل ذلك التعاون في مكافحة الإرهاب والتدريبات العسكرية السنوية المشتركة. ورغم تباطؤ تطور الشراكة بين موسكو والرياض، إلا أن التفاؤل بشأن نجاحها المحتمل ضئيل، حيث لا توجد عوامل أساسية قادرة على دفعها إلى المستوى التالي مما يجعل روسيا واحدة من بين العديد من الشركاء الرئيسيين للمملكة العربية السعودية.
المصدر: ميدل إيست آي