ترجمة حفصة جودة
بعد عقود من الحروب والاحتلال الغربي، أصبحت أفغانستان اليوم دولة مدمرة، ونظرًا للدور الفعال الذي لعبته الدول الأوروبية في هذه التدخلات العسكري، فإن المرء يعتقد أن مصير المدنيين الأفغان سيكون أحد الانشغالات الأساسية للمجتمع الأوروبي وسياسيه، لقد كانت لقطات الأفغان اليائسين المتشبثين بطائرتين تقلعان من مطار كابل صادمة للأوروبيين.
لكن سياسيي أوروبا لم يفعلوا إلا القليل لمساعدة الأفغان من منطلق مسؤوليتهم الأخلاقية عن محنتهم، فلم تقدم فرنسا والمملكة المتحدة سوى عرض بإنشاء منطقة آمنة تديرها الأمم المتحدة في كابل لهؤلاء الذين يرغبون في الفرار من حكم طالبان، بينما قالت أورسولا فون رئيس المفوضية الأوروبية إن أعمال الإخلاء والمساعدات الإنسانية الفورية والمساعدات التنموية طويلة المدى قد نُوقشت في اجتماع مجموعة السبع.
لكن بالنسبة لدولة مثل أفغانستان تواجه كارثة إنسانية وشيكة وهروبًا جماعيًا للمواطنين طلبًا للجوء فما يحدث ليس كافيًا، الأسوأ من ذلك أن بعض السياسيين الأوروبيين بدأوا في استخدام الأزمة الأفغانية كفرصة لتحقيق مكاسب سياسية.
فالزعيم اليميني المتطرف نايجل فاراغ في بريطانيا – التي خاضت 3 حروب ضد أفغانستان قبل أن تنضم للرابعة في 2001 – سارع بالحديث السطحي عن موجة إسلامية، فقال: “يمكنك أن ترى الآن موجة من الناس الذين يغادرون أفغانستان، لدينا بالفعل عدد منهم ولا يمكننا التعامل مع المزيد، كيف لنا أن نعلم أن طالبان والجماعات المتطرفة الأخرى لا تستغل هذا الطريق لإدخال عملائها في البلاد”.
أما ماتيو سالفيني زعيم اليمين المتطرف ووزير الداخلية الإيطالي السابق فقد ردد ما قاله فاراج في تغريدة يوم 18 من أغسطس/آب وقال: “بالطبع يمكننا أن نوفر ممرات إنسانية للنساء والأطفال المعرضين للخطر، أما أن نفتح الأبواب أمام آلاف الرجال الذين قد يضمون إرهابيين محتملين فقطعًا لا”.
هذه الاقتراحات بإضفاء الطابع الخارجي على إدارة الهجرة والحماية الإنسانية من خلال إنشاء مناطق عازلة أو مراكز استقبال خارجية ليست جديدة
لم يسيس اليمين المتطرف فقط ما ينبغي أن يكون استجابةً بسيطةً لكارثة إنسانية، فقد توصل اليمين الوسطي في أوروبا إلى عبارات تشكيكية مشابهة، متأثرين باليمين المعادي للإسلام واليمين القومي في تبنيهم لخطاب أكثر عدائية ومناهض للمهاجرين.
قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في بيان له يوم 17 من أغسطس/آب إنه على فرنسا أن تستبق الأمور وتحمي نفسها من موجة مهاجرين من أفغانستان، أما المستشار النمساوي سباستيان كورتس فقد ذهب لأبعد من ذلك حين قال إنه ينبغي على أوروبا أن تُبقي اللاجئين الأفغان المتجهين إليها في دول العالم الثالث، فقد قال يوم 22 من أغسطس/آب: “يجب أن يحصل الشعب الأفغاني على مساعدات من الدول المجاورة له”.
أعرب وزراء الشؤون الداخلية في الاتحاد الأوروبي عن مخاوف مماثلة في أثناء اجتماعهم الاستثنائي بخصوص الوضع في أفغانستان يوم 31 من أغسطس/آب، وقد أوضحوا تمامًا أن أولويتهم الرئيسية منع الهجرة غير القانونية.
في بيان نُشر بعد الاجتماع أعلنوا أن الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء عازمين على حماية حدود الاتحاد الأوروبي بفاعلية ومنع أي دخول غير مصرح به، كما أضافوا أن الاتحاد سيعزز من دعمه للدول المجاورة لأفغانستان لضمان حماية من يحتاجون لذلك بشكل أساسي في المنطقة.
إن موقف الاتحاد الأوروبي من الوضع في أفغانستان ومحنة الشعب الأفغاني تبدو مماثلة تمامًا لموقف اليمين المتطرف، في الحقيقية قالت جورجيا ميلوني من جماعة “الإخوة الفاشيين الجدد” في إيطاليا إن زرع الاعتقاد في ملايين الأفغان بأنه بإمكانهم جميعًا الانتقال إلى الغرب “تهكم ساخر” ويجب أن تركز أوروبا بدلًا من ذلك على مساعدة الدول المجاورة لأفغانستان لاستضافة اللاجئين.
هذه الاقتراحات بإضفاء الطابع الخارجي على إدارة الهجرة والحماية الإنسانية من خلال إنشاء مناطق عازلة أو مراكز استقبال خارجية ليست جديدة.
في 2016 وقع الاتحاد الأوروبي اتفاقية مع تركيا وافقت فيها أنقرة على منع اللاجئين من دخول الاتحاد الأوروبي وإعادة جميع اللاجئين الذين لا يحتاجون إلى حماية دولية ممن عبروا بالفعل من تركيا إلى اليونان، وذلك مقابل الحصول على تمويل مخصص للتعامل مع ملايين اللاجئين لديها وفوائد أخرى.
مواصلة الاتحاد الأوروبي اتباع إستراتيجية فاشلة لتمكين خفر السواحل الليبية لاعتراض اللاجئين والمهاجرين وإعادتهم إلى ليبيا؛ يجعله مشاركًا في تلك الانتهاكات
ومع ذلك لم تؤد الاتفاقية إلى عثور هؤلاء اللاجئين والمهاجرين على الأمان والاستقرار في تركيا، واتهمت أنقرة أوروبا كثيرًا بعدم الالتزام بوعودها وهددت بإرسال جميع اللاجئين إلى أوروبا إذا لم تحصل على مزيد من الدعم، ونتيجة لذلك وجد ملايين المستضعفين وطالبي اللجوء أنفسهم في غياهب النسيان ومستقبل مجهول.
أوضح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بالفعل أن بلاده لن توافق على اتفاقية كارثية مشابهة في أعقاب الخروج الأمريكي من أفغانستان، حيث قال يوم 1 من سبتمبر/أيلول: “فيما يخص قضية المهاجرين الأفغان، فلن يكون هناك تعاون مماثل إذا كانت منهجية الاتحاد الأوروبي قائمة على نعطيكم المال ويظلوا عندكم”.
لسنوات طويلة؛ قدم الاتحاد الأوروبي الدعم أيضًا لخفر السواحل الليبية لتمكينهم من اعتراض اللاجئين والمهاجرين بحرًا نحو أوروبا وإعادتهم إلى ليبيا وهو ما تسبب في عواقب وخيمة، فالمهاجرون واللاجئون الذين اعترضهم خفر السواحل اقتيدوا لمراكز اعتقال في ليبيا حيث يواجهون ظروفًا غير إنسانية مهينة ومعرضين للتعذيب والانتهاك الجنسي والابتزاز والعمالة القسرية.
أوضحت هيومن رايتس ووتش والعديد من المنظمات الدولية غير الحكومية والنشطاء أن المعاملة المهينة غير الإنسانية التي يتعرض لها اللاجئون والمهاجرون في مراكز الاعتقال الليبية تنتهك القانون الدولي.
ومع أن السلطات الليبية مسؤولة بلا شك عن هذه الانتهاكات، فإن الاتحاد الأوروبي الذي يواصل اتباع إستراتيجية فاشلة لتمكين خفر السواحل الليبية لاعتراض اللاجئين والمهاجرين وإعادتهم إلى ليبيا؛ مشارك في تلك الانتهاكات.
إن محاولات بناء “أوروبا محصنة” لن يجعل الاتحاد الأوروبي آمنًا ومزدهرًا، لكنه بدلًا من ذلك سيغذي النزعة العرقية والكراهية داخل حدود الاتحاد
يجب على أوروبا ألا تكرر تلك الأخطاء في استجابتها لأزمة أفغانستان الحاليّة، فالعديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي شاركوا في حرب أفغانستان منذ 2001، وغادروا البلاد فقط مع أمريكا، إنهم مسؤولون تمامًا عن حالة الطوارئ الإنسانية الحاليّة في البلاد، لا يمكنهم فقط نفض أيديهم عن معاناة ملايين الأفغان قائلين إنها مسؤولية واشنطن وحدها.
هناك العديد من الطرق التي يستطيع بها الاتحاد الأوروبي أداء مسؤوليته الأخلاقية تجاه الشعب الأفغاني سريعًا وبفاعلية، أحد هذه الطرق من خلال “توجيهات الحماية المؤقتة” للاتحاد الأوروبي، وهو إجراء استثنائي صدر في 2001 بهدف توفير حماية فورية ومؤقتة للنازحين من الدول غير الأوروبية وغير القادرين على العودة إلى بلادهم عندما كان نظام اللجوء يكافح للتعامل مع الطلب الناجم عن التدفق الجماعي.
نصوص هذه التوجيهات – التي تقوم على التضامن بين دول الاتحاد الأوروبي – لم تُفعّل مطلقًا في الـ20 عامًا الماضية، بتفعيل هذه النصوص لمواجهة الأزمة في أفغانستان، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يُظهر للعالم أنه لا يهرب من مسؤوليته وأن الدول الأعضاء يعملون بالفعل معًا لدعم القيم الجوهرية المعلنة للكتلة: الكرامة الإنسانية والحرية والديمقراطية والمساواة وسلطة القانون وحقوق الإنسان.
ربما يساهم تصدير أزمة اللاجئين إلى دول العالم الثالث وتبني خطاب معادي للاجئين في تقديم مكاسب سياسية سريعة للقادة الأوروبيين، لكن مثل هذه الإستراتيجيات – كما رأينا عدة مرات في الماضي القريب – لن تؤتي أكلها على المدى الطويل.
إن محاولات بناء “أوروبا محصنة” لن يجعل الاتحاد الأوروبي آمنًا ومزدهرًا، لكنه بدلًا من ذلك سيغذي النزعة العرقية والكراهية داخل حدود الاتحاد، والأكثر من ذلك أنه سيعزل أوروبا عن بقية العالم.
حان الوقت لتنفذ أوروبا سياسة هجرة مسؤولة تعالج مسؤولياتها الأخلاقية تجاه الأشخاص الذين تضرروا بشكل بالغ من قرارات سياستها الخارجية وتعكس قيمها الجوهرية، قد تكون الأزمة الأفغانية فرصةً كبيرةً لبدء بناء اتحاد أوروبي جديد يهتم بإخلاص بحقوق كل البشر.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية