يبدو أن قدر جمهورية غينيا (كوناكري) مرتبط بالانقلابات منذ أن نالت استقلالها عن فرنسا عام 1958، فلا تمر فترة قصيرة حتى نشهد انقلابًا جديدًا في هذا البلد الإفريقي الواقع على الساحل الغربي للقارة السمراء.
انقلاب جديد
أحدث انقلاب عرفته غينيا، مساء أمس الأحد، إذ أعلنت القوات الخاصة التابعة للجيش الغيني حل الحكومة وتعطيل الدستور وإغلاق الحدود البرية والجوية للدولة، بعد إلقاء القبض على رئيسها ألفا كوندي.
قائد القوات الخاصة العقيد مامادي دومبويا، أعلن في مقطع انتشر عبر منصات مواقع التواصل وهو إلى جانب الانقلابيين الذين كانوا يرتدون بزات عسكرية ويحملون السلاح، تنحية الرئيس ألفا كوندي، وقال في تصريحٍ توجّه فيه إلى المواطنين: “قررنا حل المؤسسات والحكومة وإقفال الحدود البرية والجوية، ونتوجه إلى من يهمه الأمر إلى إكمال عملهم بشكل طبيعي”.
يعد هذا الانقلاب العسكري خطوةً جديدةً إلى الخلف بالنسبة لديمقراطيات دول غرب إفريقيا
من المنتظر أن يعقد المجلس العسكري الذي استولى على السلطة، اليوم الإثنين، اجتماعًا بوزراء حكومة كوندي ومسؤولين كبار آخرين في العاصمة كوناكري، وقبل ذلك تم فرض حظر التجوال في جميع أنحاء البلاد، حتى إشعار آخر، وكذلك استبدال المحافظين برجال الجيش واعتقال مسؤولين حكوميين كبار.
وظهر الرئيس ألفا كوندي، في مقطع فيديو بثه الانقلابيون – الذين أطلقوا على أنفسهم اسم “اللجنة الوطنية للتجمع والتنمية” – وهو جالس على أريكة ويرتدي بنطال جينز وقميصًا، وحوله عدد من الجنود، ويرفض الإجابة حين سئل إن كان قد تعرّض لسوء معاملة.
ولاية كوندي الثالثة تفجر الوضع
الأوضاع في غينيا عادة لا تعرف الاستقرار، لكن منذ اعلان كوندي الترشح لولاية رئاسية ثالثة وتعديل الدستور واستغلال جائحة كورونا لتمرير الأمر، زادت الأوضاع سوءًا، فمنذ أشهر، تشهد الدولة الواقعة في غرب إفريقيا التي تعد بين الأفقر في العالم رغم مواردها المعدنية والمائية الكبرى، أزمة سياسية حادة.
ترشح كوندي لولاية ثالثة عام 2020 تسبب بتوتر استمر لأشهر وخلف عشرات القتلى في بلد معتاد على المواجهات السياسية الدامية، غالبية الذين ماتوا سقطوا برصاص الشرطة وفق “الجبهة الوطنية للدفاع عن الدستور” (تحالف لأحزاب معارضة ونقابات وجمعيات من المجتمع المدني)، فيما تم اعتقال المئات ووضع العشرات من قادة المعارضة تحت الإقامة الجبرية.
استغلت كوندي انتشار وباء كورونا في البلاد، وسارع إلى تنظيم انتخابات أفرزت حصول مشروع الدستور الجديد الذي يريده الرئيس، على نسبة تأييد كبيرة بلغت أكثر من 90%، وفق اللجنة الانتخابية الغينية، وهو ما يسمح لكوندي بالترشح لولاية ثالثة تستمر ست سنوات.
#يحدث_الآن
-انقلاب عسكري في غينيا??
أطاح الجيش بالرئيس “ألفا كوندي” إثر إطلاق نار اندلع صباح اليوم الأحد في العاصمة، داخل القصر الرئاسي.
ويحكم الرئيس كوندي البالغ من العمر 83عامًا منذ 2010 وأعيد انتخابه 2015 لولاية رئاسية ثانية، ثم في 2020 لولاية رئاسية ثالثة وصف بغير الدستوري. pic.twitter.com/eCbQuldYRL
— Idriss C. Ayat ?? (@AyatIdrissa) September 5, 2021
الولاية الثالثة لكوندي بدأت في ديسمبر/كانون الأول 2020 رغم طعون من منافسه الرئيسي، سيلو دالين ديالو، وثلاثة مرشحين آخرين نددوا “بحشو صناديق” وتجاوزات من كل الأنواع، وتتهم المعارضة، ألفا كوندي باستخدام “ثلاث أدوات لتحقيق غاياته، وهي: العنف والقمع والفساد.
وفي 20 من يوليو/تموز الماضي، اعتقلت السلطات عشرات العسكريين بينهم قادة كبار مقربون من رئيس النظام الانتقالي السابق الجنرال سكوبا كوناتي، ومن رئيس المجلس العسكري السابق موسى كامارا.
رغم قتاله لعقود عدة من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلاده، وعقابه بالنفي والسجن خلال معركته من أجل غينيا حرة وديمقراطية، فإنه أبى أن يخرج بطريقة ديمقراطية، وأعطى الحجة للانقلابيين حتى ينقلبوا عليه، وفق العديد من المتابعين.
يذكر أن ألفا كوندي يعد أول رئيس منتخب لهذه المستعمرة الفرنسية السابقة في غرب إفريقيا التي كانت تحكمها في السابق سلطات استبدادية وحتى ديكتاتورية، وكان ذلك سنة 2010، وأعيد انتخابه سنة 2015، إثر حصوله على نحو 2.3 مليون صوت، أي ما يعادل 57.85% من أصوات الناخبين من الجولة الأولى.
خطوة إلى الخلف
يعد هذا الانقلاب العسكري خطوة جديدة إلى الخلف بالنسبة لديمقراطيات دول غرب إفريقيا، ذلك أنه سيعيد شبح الانقلابات إلى البلاد والمنطقة، لكن ذلك لا يعني أن ما قام به كوندي أيضًا نهاية السنة الماضية من تعديل للدستور وترشح لولاية رئاسية ثالثة عمل ديمقراطي.
من شأن الانقلاب العسكري الأخير، أن يعيد شبح الاضطرابات السياسية بين العسكريين والمدنيين إلى الواجهة في غينيا كونكري
كوندي كان يأمل أن يبقى في الحكم لأطول فترة زمانية ممكنة أو ربما إلى مدى الحياة، إذا ما علمنا أن عمره 83 سنة، والدستور الجديد يسمح له بالبقاء في منصبه حتى عام 2032، ما يعني أن البلاد ستضع حدًا للانتقال الديمقراطي.
وعرفت غينيا – أكبر دولة مصدرة لبوكسيت الألومنيوم – سنوات طويلة من الديكتاتورية والانقلابات العسكرية قبل عودة الديمقراطية لها سنة 2010، إلا أن الانقلاب الأخيرة وتحركات كوندي وجماعته، ستكون نقطة عودة حكم العسكر الذي أثبت فشله في تسيير البلاد في العديد من المرات.
تنديد دولي
مباشرة عقب إعلان الانقلابيين تنحية الرئيس ألفا كوندي وتولي الحكم، توالت مواقف التنديد على العاصمة كونكري، فقد ندد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش “بشدة” في تغريدة بـ”أي استيلاء على السلطة بقوة السلاح” في غينيا، ودعا غوتيريش إلى الإفراج الفوري عن الرئيس ألفا كوندي، موضحًا أنه يراقب عن كثب الوضع في هذا البلد.
بدوره، ندد الاتحاد الإفريقي باستيلاء الجيش على السلطة في غينيا، وطالب بإطلاق سراح الرئيس ألفا كوندي على الفور، كما طالبت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) بعودة النظام الدستوري في غينيا، وهددت بفرض عقوبات ما لم يتم الإفراج عن الرئيس فورًا.
نفس الشيء بالنسبة للمستعمر السابق فرنسا، فقد نددت باريس بـ”محاولة الاستيلاء على السلطة بالقوة” في غينيا، داعية إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن الرئيس ألفا كوندي، بحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية الفرنسية.
رويترز : اعتقال رئيس غينيا خلال انقلاب عسكري في البلاد. pic.twitter.com/EQm7prLn1Q
— الأحداث الأمريكية?? (@election2020P) September 5, 2021
من جهتها، حثت الخارجية الأمريكية الأطراف في غينيا على احترام الدستور والتخلي عن العنف والالتزام بسيادة القانون، فيما دعا رئيس الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسيكيدي، وهو الرئيس الدوري للاتحاد الإفريقي، مجلس الأمن والسلم التابع للاتحاد إلى اجتماع فوري لبحث الوضع في غينيا.
كما أدانت تركيا محاولة الانقلاب في غينيا واحتجاز الرئيس ألفا كوندي، أعربت عن قلقها البالغ حيال ما يجري في هذا البلد، وفق بلاغ صادر عن الخارجية التركية، كما أدانت دولة قطر الانقلاب واعتقال الرئيس ودعت الأطراف كافة إلى تجنب التصعيد وتغليب صوت الحكمة وانتهاج الحوار لتجاوز الأزمة في البلاد.
من شأن الانقلاب العسكري الأخير، أن يعيد شبح الاضطرابات السياسية بين العسكريين والمدنيين إلى الواجهة في غينيا كوناكري التي يأمل شعبها في ترسيخ قيم الديمقراطية في بلادهم والابتعاد عن الأنظمة العسكرية أو الأنظمة المدنية الاستبدادية.