تواصلُ سلطات الاحتلال سياستها العنصرية المتمثلة باحتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين، بهدف الضغط المستمر على العائلات الفلسطينية وقهرها؛ إذ تسحب قوات الاحتلال جثث الشهداء الذين تقتلهم في المناطق الفلسطينية أو الذين يستشهدون داخل المعتقلات، وتحتفظ بهم داخل الثلاجات أو في ما يُعرَف بـ”مقابر الأرقام”، وترفض تسليمهم لذويهم لتشييعهم ودفنهم، في سياسةٍ للضغط على الأهالي والمساومة على الجنود المحتجزين لدى فصائل المقاومة الفلسطينية.
“جرح وبدنا نسكره”، هكذا قال والد الشهيدة المحتجز جثمانها مي عفانة، خالد عفانة (56 عامًا) من بلدة أبو ديس.
مي، وهي الأستاذة الجامعية في جامعة الاستقلال، وكانت في المراحل النهائية من إنجاز أطروحة الدكتوراه، استشهدت قرب بلدة حزما شمال القدس في تاريخ 16 يونيو/ حزيران 2021، بزعم محاولة تنفيذ عملية دهس.
تقول والدة الشهيدة خلود عفانة إن طفلة مي ذات الـ 5 سنوات دائمة السؤال عن والدتها، وتتأمّل استرداد جثمان ابنتها بالقريب العاجل، حتى تنال جنازة تليق بها ودفنها في مكان معلوم في مسقط رأسها.
يتابع والد الشهيدة: “هذه سياسة عقابية تتّبعها “إسرائيل”، نحن من لحظة الاستشهاد إلى هذه اللحظة نعيش في دوامة، لا نستطيع فعل شيء سوى الاعتصام والاحتجاج لاسترداد الجثمان”.
تقول والدة الشهيدة خلود عفانة (47 عامًا) إن طفلة مي ذات الـ 5 سنوات دائمة السؤال عن والدتها، تتأمّل استرداد جثمان ابنتها بالقريب العاجل، حتى تنال جنازة تليق بها ودفنها في مكان معلوم في مسقط رأسها.
الحراك الشعبي مستمر في المطالبة باسترداد الجثامين
لم تجد العائلة أمامها سوى الحراك الشعبي للضغط على الاحتلال، فما هو معروف أن سلك الطُّرُق القانونية في مؤسسات الاحتلال بلا أي جدوى، ويوضِّح والد الشهيدة أن العائلة وأهالي أبو ديس مستمرون في تنظيم المسيرات والمظاهرات الاحتجاجية بهدف الضغط على الاحتلال.
يتابع: “لقد جئنا نطالب بتسليم الجثمان. فالاحتلال الإسرائيلي يُضغَط من الحراك الشعبي، ونحن نريد أن نزيد من ضيقهم، لأنه لا يوجد أمامنا أي وسيلة أخرى. لا توجد أية جهة تساعدنا سواء من السلطة أو العالم العربي والإسلامي، ونحن مثل المُضرب عن الطعام في السجون، ليس أمامه سوى الأمعاء ليحارب بها، ونحن لدينا أجسادنا فقط نضعها أمام قوات الاحتلال، وها هم الشبان يضعون أجسادهم أمام تلك القوات”.
تقدّمَ طاقم المحامين بطلب إلى ما يُسمّى بالإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال، لاسترداد جثمان الشهيدة مي عفانة، وتأخّرَ الرد 45 يومًا، ليأتي بالرفض.
عن “الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء”
تبّنت “الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء”، وهي حملة شعبية أطلقها مركز القدس للمساعدة القانونية، قضيةَ الدفاع عن الشهداء المحتجزة جثامينهم، والتي تهدف إلى إلزام “إسرائيل” وسلطات الاحتلال بالإفراج عن جثامين الشهداء الفلسطينيين والعرب المحتجزة في مقابر الأرقام وثلاجات حفظ الموتى، وفي 27 أغسطس/ آب من كل عام، يحيي الفلسطينيون بفعاليات مختلفة “اليوم الوطني لاسترداد جثامين الشهداء الفلسطينيين والعرب”.
تخوض هذه الحملة معارك قانونية ضد سياسات الاحتلال العنصرية، وتسعى إلى توجيه الجهود نحو الهدف الأساسي من إطلاقها، وهو الإسراع في استرداد جثامين الشهداء المحتجزة سواء في مقابر الأرقام أو ثلاجات حفظ الموتى، لأن “إسرائيل” تستخدم هذه الورقة للضغط على الأهالي ونفسيتهم. ففي سبتمبر/ أيلول 2019 أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قرارًا يجيز للقائد العسكري الإسرائيلي احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين ودفنهم مؤقتًا لأغراض استعمالهم كأوراق تفاوض مستقبلية.
لماذا الجسد الفلسطيني؟
وفي هذا الخصوص حول إصرار “إسرائيل” اتخاذ هذه الخطوات بحق الجسد الفلسطيني، يوضّح مدير مركز القدس للدراسات الإسرائيلية، علاء الريماوي، أن “احتجاز “إسرائيل” لجثامين الشهداء يعبِّر عن إفلاس سياسي وعسكري إسرائيلي ضد المقاومة الفلسطينية بالدرجة الأولى، أسبابه تعود لدوافع انتقام ضد منفّذي العمليات، وترى “إسرائيل” أن احتجاز جثامين الشهداء سيردّ الاعتبار أمام عائلة الجندي أو المستوطن الذي تعرّض لأذى من الشهيد الفلسطيني”.
كيف يسرق الاحتلال الإسرائيلي أعضاء الشهداء؟
في عام 2008 كشفت الطبيبة الإسرائيلية مئيرة فايس، في كتابها “على جثثهم الميتة”، معلومات تفيد بوجود سرقة أعضاء جثامين الشهداء الفلسطينيين لزراعتها في أجساد المرضى الإسرائيليين، واستخدامها في الجامعات لإجراء الأبحاث عليها، حيث أوردت في كتابها سماحَ معهد التشريح العدلي الرسمي الإسرائيلي “أبو كبير”، استئصال أعضاء من جثث الفلسطينيين وتخزينها في بنك الأعضاء والاستفادة منها بشكل خاص للمرضى الإسرائيليين.
وﺑﻴّﻨﺖ ﻓﺎﻳﺲ ﺃﻥ ﻓﺘﺮﺓ ﺍﻻﻧﺘﻔﺎﺿﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺷﻬﺪﺕ ﺃﻛﺒﺮ ﻋﻤﻠﻴﺎﺕ ﺳﺮﻗﺔ ﺍﻷﻋﻀﺎﺀ، ﻻﻓﺘﺔً ﺇﻟﻰ ﺃن العاملين ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﻬﺪ قاموا بتنفيذها ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺗﻠﻘّﻮﺍ ﺃﻣﺮًﺍ ﻋﺴﻜﺮﻳًّﺎ، ﻭمن دﻭﻥ ﻋﻠﻢ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺸﻬﺪﺍﺀ، ما ﺣﺪﺍ ﺑﺎﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻻﻧﺘﻔﺎﺿﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺇﻟﻰ ﺗﻌﻤُّﺪ أخذ ﺟﺜﺚ ﺍﻟﺸﻬﺪﺍﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻴﺎﺕ ﻭﺩﻓﻨﻬﺎ ﻗﺒﻞ ﻭﺻﻮﻝ ﺟﻨﻮﺩ ﺟﻴﺶ ﺍﻻﺣﺘﻼﻝ، ﺧﻮﻓًﺎ ﻣﻦ ﻨﻘﻞ الجثامين ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻴﺎﺕ ﺍﻹﺳﺮﺍﺋﻴﻠﻴﺔ ﺑﻬﺪﻑ ﺳﺮﻗﺔ ﺍﻷﻋﻀﺎﺀ.
عن مقابر الأرقام
مقابر الأرقام هي مقابر سرّية دأبت سلطات الاحتلال على احتجاز جثامين شهداء فلسطينيين وعرب فيها، لا سيما منفّذي العمليات الفدائية، إلى حين تسليمهم في صفقات تبادل أو غيرها.
وبحسب تقارير فلسطينية، فإن سلطات الاحتلال تقوم بهذا الأمر لهدفَين أساسيَّين: الأول يتمثل في تشكيل رادع للفلسطينيين في محاولة لمنعهم من تنفيذ عمليات فدائية، أما الهدف الثاني فهو استخدام الجثامين كورقة مساومة في أي صفقات تبادل مستقبلية مع حركات المقاومة.
وقد سُمّيت المقابر بـ”مقابر الأرقام“، لأن سلطات الاحتلال تضع أمام كل قبر لافتة حديدية صغيرة تحمل رقمًا يرمز للشهيد من دون اسمه، وتُعتبَر مقابر الأرقام مناطق عسكرية مغلقة، إذ تمنع سلطات الاحتلال الوصول إليها من دون موافقة مسبقة.
جثمان الشهيدة مي عفانة واحد من أصل 80 جثمانًا محتجزًا لدى سلطات الاحتلال منذ عام 2015، إذ أعادت حكومة الاحتلال سياسة احتجاز الجثامين مع الهبّة الشعبية التي اندلعت في ذلك الوقت، وعُرفت بهبّة أو انتفاضة القدس، واحتُجز المئات من الجثامين التي سُلِّم عدد كبير منها بعد مرور أشهر وسنوات، فيما بقيَ العشرات في الاحتجاز، أقدمهم جثمان الشاب عبد الحميد أبو سرور، الذي استشهد في 20 أبريل/ نيسان 2016، يُضاف إليها 253 جثمانًا محتجزًا فيما يُعرف بمقابر الأرقام منذ ما بعد عام 1967.