لم تلق مناشدات أهالي درعا أذنًا صاغيةً من الملك الأردني عبد الله الثاني، لا بل يبدو أن طلب الفزعة والمناشدة لم تجد إلى قصر رغدان في عمّان سبيلًا، رغم أن بيان أهل درعا صيغ بأشد عبارات العرب طلبًا للنجدة والفزعة.
أصدرت لجنة أهالي درعا منذ أيام نداءً إلى ملك الأردن عبد الله الثاني بعد اشتداد حملة النظام والميليشيات الإيرانية على المدينة، وجاء في البيان: “نناشدكم يا جلالة الملك أن تتدخلوا لوقف خيارات الموت والإبادة والتهجير التي نتعرض لها من قبل الميليشيات الإيرانية وقوات النظام دون تدخل روسي لمنعها”، “إن لم يمكن وقف ما نتعرض له نناشدكم أن تفتحوا لنا طريقًا آمنًا باتجاه المملكة”، ألقى البيان في حي درعا البلد المحاصر، الشيخ فيصل أبازيد عضو لجنة التفاوض وشيخ عشيرة الأبازيد، وظهر بجانبه أبو علي المحاميد أحد وجهاء المدينة والمحامي عدنان المسالمة الناطق الرسمي باسم لجنة التفاوض.
تعتبر مدينة درعا صلة الوصل بين سوريا والأردن، كما أنها منطقة تجارية وصناعية واقتصادية كبيرة، وأثرّت المعارك فيها منذ 2011، ما كان له تبعات اقتصادية على الأردن الذي كان يستفيد بشكل كبير من منتجات حوران والمنتجات السورية الواصلة عبر أوتستراد درعا دمشق الذي ينتهي عند معبر نصيب من الجهة السورية ويبدأ رحلته من بوابة جابر الحدودية إلى الأردن.
عاد اليوم اسم الأردن إلى واجهة الأحداث خاصة عند السياسيين والنشطاء الثوريين، باعتبار أن المعركة الحالية القائمة في المدينة لا تخص السوريين فحسب، بل قد تمثّل خطرًا على الجارة الأردنية وعلى العمق العربي بشكل عام، ويتمثل هذا الخطر بالتوسع الإيراني الذي يخيم شبحه على الأردن حال سيطرة الميليشيات الشيعية على الحدود الأردنية السورية وليس ذلك ببعيد حسبما يصل من أخبار وتقارير.
تمهيد
لم يكن الأردن في يوم من الأيام بعيدًا عما يحصل في سوريا، وهنا لا نتحدث فقط عن سنوات الثورة السورية التي تفجرت عام 2011، بل يعود تاريخ ارتباط الأحداث بين البلدين إلى عقود مضت، وبالخصوص تلك التوترات التي حصلت إبان الاتهامات الضمنية لحزب البعث في سوريا بمحاولة الإطاحة بالملك الحسين، أضف إلى ذلك ما حصل في أحداث أيلول الأسود ودخول قوات الأسد الأب إلى شمال الأردن بغية “مساعدة الفصائل الفلسطينية” عام 1970.
تحسنت العلاقات بين البلدين نسبيًا إبان حرب أكتوبر/تشرين الأول التي خاضتها سوريا جنبًا إلى جنب مع مصر، وهنا أرسل الأردن كتيبة مدرعة للقتال في الجبهة السورية ضد “إسرائيل”، لكن هذه العلاقات سرعان ما عادت إلى قديم عهدها من توتر، وخلفية هذا التوتر عائدة إلى دخول القوات السورية لبنان.
وهنا راهن الأردن على وقوع الأسد في المستنقع اللبناني دون الخروج منه ناجيًا، إضافة إلى أن عمّان في وقتها حاولت إرسال قوات عسكرية لتكون موجودة بالتوازي مع الوجود السوري لولا أن امتلكت دمشق زمام الأمور في لبنان بغطاء عربي وعالمي.
استمرت التوترات بينما البلدين، فقد اندلعت الحرب العراقية الإيرانية وهنا ما كان من الملك حسين إلا أن وقف بجانب صدام حسين حليفه الأكبر، وهو ضد الموقف الذي اتخذته سوريا الداعمة الكبرى لطهران، ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد إذ استقبل الأردن الكثيرين من جماعة الإخوان المسلمين السوريين الهاربين من بطش النظام بعد مجزرة حماة عام 1982، وللعلم فقد اتهمت سوريا الأردن بتقديم الدعم للإخوان في عملياتهم ضد نظام الأسد الأب.
عادت العلاقات بعد هذا للتحسن النسبي، إذ أعلن الملك حسين أن “الأعمال التخريبية التي كانت تنطلق من بلاده ضد سوريا لم يكن يعلم بها”، وهو ما اعتبر حينها بأنه تقديم اعتذار لحافظ الأسد من أجل تحسين العلاقات وتصفير المشاكل مع الجار البعثي، وخلال أيام هذا التحسن في العلاقات وقع البلدان عددًا من الاتفاقيات الاقتصادية وتم العمل على إنشاء منطقة صناعية مشتركة في محافظة درعا والتوقيع على اتفاق لإقامة سد على نهر اليرموك، لكن كل هذه الاتفاقيات لم تُنجز وتعثرت.
عاد التوتر إلى العلاقة بعد مؤتمر مدريد للسلام، إذ انفرد الأردن بتوقيع اتفاقية وادي عربة التي كانت الاتفاقية الأخطر على سوريا من بين اتفاقيات السلام التي عقدها العرب، حتى إن السعودية حينما تدخلت بين البلدين كوسيط لم تنجح بتحسين العلاقات.
وفي السياق أشار وزير الدولة الأسبق أيمن الصفدي بتصريحات له عام 2006 إلى محاولة الأردن تحسين العلاقة مع سورية بشكل جدي لإنهاء أسباب التوتر التي تتلخص في وقف التهديد الأمني القادم عبر الحدود السورية، واحترام حقوق الأردن المائية”، مضيفًا “نظام البعث رفض الدخول في أي حوار جدي بشأن هذه القضايا، رغم الدعوات الأردنية المتكررة، ومن أعلى المستويات السياسية”.
الأردن والثورة السورية
لم تكن العلاقات الأردنية مع النظام السوري على حال أحسن من سابقاتها بعد انطلاق الثورة السورية، ويمكن تقسيم هذه العلاقات إلى 5 مراحل، أولها موقف الغموض الذي انتهجته الحكومة الأردنية مما يحصل بداية الثورة، واقتصر دوره على استقبال النازحين وتوزيع المساعدات لهم، أما الموقف الشعبي فكان بين مناصر لقضايا الشعب السوري ومتبنٍ لمواقف النظام، ويعتبر الأردن البلد الأقرب إلى سوريا خاصة إلى درعا مهد الانتفاضة، أي أن هذه الثورة بدأت من الحدود وتأثيرها سيكون كبيرًا سلبًا أو إيجابًا على المملكة.
المرحلة الثانية من الموقف الأردني لا يمكن حصرها برفض عمان قطع علاقاتها مع دمشق أو سحب السفراء، فقد كانت تتخذ خطوات حذرة في التعامل مع الوضع، إلا أن الملك الأردني وفي تصريحات صحفية كان من أوائل من نصح بشار الأسد بالتنحي قائلًا: “أعتقد أنني لو كنت مكانه لتنحيت، وعليه أن يهيئ الأجواء لمرحلة سياسية جديدة ويبدأ حقبة جديدة من الحوار السياسي قبل أن يتنحى وذلك لعدم وجود من يخلفه لتغيير الوضع الراهن”.
في العام الثاني للثورة السورية بدأت عمّان بتحويل موقفها إلى مساند وداعم للفصائل العسكرية الموجودة على حدودها، وهو ربما أمر فرضه عليها الواقع والتغيرات الدولية، الجدير بالذكر أن الأردن سمح لكثير من معارضي النظام والمناوئين له بالوجود على أرضه، كما وافق الأردن على هبوط الطيار المنشق حسن مرعي حمادة مع طائرته الحربية، وكانت الأراضي الأردنية طريقًا لانشقاق رئيس الوزراء السابق، رياض حجاب، في أغسطس/آب 2012، وفي يناير/كانون الثاني 2013، اعترف الأردن بالائتلاف السوري ممثلًا شرعيًا للشعب السوري والمفاوض الأساسي عنه.
تطورت المواقف الأردنية خلال عامي 2013 و2014 من الثورة السورية، إذ استضاف على أراضيه الشمالية غرفة “الموك” الاستخبارية وهي غرفة الدعم الدولي التي ضمت عدّة دول لدعم الفصائل العسكرية جنوبي سوريا وبالتحديد في محافظة درعا وريفها، كما طردت عمان السفير السوري لديها، بهجت سليمان، في مايو/أيار 2014، بسبب تصريحاته المثيرة للجدل وقيامه بتحركات خارجة عن الأعراف الدبلوماسية.
بدوره صرح رئيس النظام السوري بأن “لديه معلومات عن وجود خطط لدى الأردن، لإرسال قوات إلى جنوب سوريا بالتنسيق مع أمريكا”، متوعدًا: “في حال دخولها لا نناقشها كدولة، بل كأرض”. ردت عمّان على الأسد بوصف تصريحاته بأنها “منسلخة عن الواقع”، وذكر مسؤولون أردنيون أن “حديث الأسد منسلخ تمامًا عن الواقع، ويدل على حجم التقدير الخطير الخاطئ لواقع الأزمة السورية بأبسط حقائقها”.
المرحلة الخامسة
عقب سيطرة قوات الأسد على جنوب سوريا، في يوليو/تموز عام 2018، يبدو أن الأردن رضح لسياسة الأمر الواقع وبدأ بالحديث الجاد عن عودة العلاقات بين البلدين وتم فتح معبر نصيب الحدودي لحركة التجارة، فيما عادت الزيارات الحكومية والنقابية المتبادلة بين البلدين بغرض تفعيل العلاقات التجارية بين دمشق وعمان، وتنشيط الحركة التجارية على المعابر المشتركة بين سوريا والأردن.
بعد تحسن العلاقات بعد 2018 وسيرها نحو التحسن بين الأردن ونظام الأسد، انتقل الأردن إلى التكلم بنبرة عالية خلال الشهور الأخيرة، إذ إن الملك عبد الله الثاني وخلال زيارته لواشنطن، اعتبر أن رئيس النظام السوري بشار الأسد ونظامه “سيبقيان في سوريا لأمد طويل”، ودعا الثاني “إلى حوار منسق مع السلطات في دمشق”.
مصرحًا “بشار سيبقى لأمد طويل. عندما تنبأ الناس أن هذا (الإطاحة بسلطته) سيحدث خلال أشهر معدودة، أنا قلت إن ذلك سيتطلب سنوات كثيرة، هذا إن كان سيحصل بالفعل. وها هو النظام موجود هناك”.
وتابع “علينا أن نكون ناضجين في تفكيرنا، هل يجب تحقيق تغيير للنظام أم تغيير للسلوك؟ إذا كانت الإجابة تغيير السلوك، فماذا علينا أن نفعل للتلاقي بشأن كيفية التحاور مع النظام، لأن الجميع الآخرين يقومون بذلك، لكن ليست هناك خطة حتى الآن”.
لهجة عبد الله الثاني هذه تعتبر أقوى نقلة بالعلاقات بين البلدين خلال 10 سنوات، فقد كان من الأوائل في هذا الطرح كما أنه كان من الأوائل الذين دعوا الأسد للتنحي من أجل بلده عام 2011 كما ذكرنا الأمر في بداية التقرير، وهذا ما يدلل على أن الأردن يسير وفق سياسة التعامل مع الأمر الواقع دون وضع اعتبارات لحقوق الإنسان، على ما يرى ناشطون سوريون.
ومن موسكو مجددًا ظهر عبد الله الثاني ليصرح بما هو مثير للجدل أكثر حين قال العاهل الأردني: “الدور الروسي في الشرق الأوسط، لا سيما في الملف السوري، هو الأكثر دعمًا للاستقرار”، ونقل بيان للديوان الملكي عن الثاني قوله، خلال لقاء قمة جمعه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، اعتباره “روسيا تقوم بالدور الأكثر دعمًا للاستقرار فيما يتعلق بالتحديات في سوريا، مثمنًا دورها ودور الرئيس بوتين في منطقة الشرق الأوسط كعنصر استقرار في خضم التحديات التي تواجهها”.
أتت تصريحات الملك الأردني هذه بالتزامن مع حملة عسكرية شرسة لقوات النظام السوري إلى جانب القوات الروسية والإيرانية على مدينة درعا البلد ومخيم اللاجئين الفلسطينيين، وبقيت درعا منذ اتفاق التسوية صيف 2018 ساحة للتحركات من عدة أطراف، أبرزها إيران وحزب الله وروسيا، إضافةً إلى الاستهداف الإسرائيلي المتكرر للقواعد الإيرانية الموجودة بها، عدا عن قوات النظام ومن بقيَ من الأشخاص الذين كانوا ضمن فصائل المعارضة سابقًا، وهي كتلة كبيرة يبدو أن النظام وحلفاءه من الإيرانيين والروس يريدون إنهاء دورها بشتى السبل، ما سيمهِّد لإطباق حصار جديد على المدينة وفرض شروط تسوية جديدة.
ومع انهيار اتفاق عام 2018 بين أهالي درعا وقوات النظام، بدأ النظام وحلفاؤه حملة عسكرية كبيرة من أجل تسليم كل أنواع السلاح وتسليم بعض المطلوبين أو التهجير الكامل من المدينة، وكل ذلك يحصل على حدود الأردن، إلا أن الخطير هنا أنه في حال تم التهجير وسيطرت قوات الأسد على هذه المناطق فإنها ستكون مسرحًا للقوات الشيعية الإيرانية وهو ما سيمثل خطرًا داهمًا على الأردن.
التقارب الشيعي الأردني
لكن تقاربًا إيرانيًا أردنيًا بدأ ينضج في الآونة الأخيرة على ما تشير إليه عدة وقائع، منها: الحديث الذي انتشر في الأردن بعد زيارة الملك الأردني مقامات صحابة من بينها مقام جعفر بن أبي طالب الذي يعتبره الشيعة رمزًا مقدسًا لهم، وبعد ذلك طالب عضو اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية زيد النابلسي في مقال بفتح السياحة الدينية أمام الإيرانيين، كاتبًا تحت عنوان “سياحة دينية.. أين المشكلة؟”، وتسمح السلطات الأردنية لجميع أتباع الديانات بزيارة الأماكن المقدسة، وتستثني المذهب الشيعي لأسباب أمنية وسياسية.
يذكر أن الأردن في عام 2016 رفض طلبات من عدة جهات إيرانية قدمت عبر مسؤولين مؤخرًا بفتح باب السياحة الدينية للإيرانيين بشكل منظم في البلاد، فيما أكد أن الرفض هو رفض مرحلي بسبب الظروف السياسية في المنطقة وبعض المواقف الإيرانية والشيعية التي أسهمت في انتشار الفكر المتطرف.
عاهل الاردن أمام أهالي الكرك أمس:
يجب الاستفادة من #الكرك ميزاتها التصنيعية والزراعية والسياحية خاصة ( السياحة الدينية ).
– يرى بعضهم أنه سيبدأ العمل على فتح المجال أمام الشيعة في العالم لزيارة القبور والمقامات في الكرك كقبر جعفر بن ابي طالب رضي الله عنه مما سينعش الاقتصاد. pic.twitter.com/ao9NPrwgfJ
— كولومبوس (@Columbuos) September 6, 2021
إلى ذلك قال العاهل الأردني: “يجب الاستفادة من الكرك وميزاتها التصنيعية والزراعية والسياحية خاصة السياحة الدينية”، يذكر أن مقام الصحابي جعفر بن أبي طالب يوجد في الكرك، مما يشير إلى ضوء أخضر من الملك لفتح زيارات الشيعة إلى بلاده، وليس بعيدًا عن الزيارات الدينية التقى رئيس مجلس النواب الأردني عبد المنعم العودات والوفد النيابي المرافق بحضور السفير الأردني في بغداد منتصر العقلة، في لقاءين منفصلين برئيس تحالف الفتح في البرلمان العراقي هادي العامري، وبأمين عام حركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، ويعتبر الخزعلي أحد أهم عرابي الميليشيات الشيعية المسلحة والموالية لإيران التي تقاتل في سوريا إلى جانب النظام السوري.
الجدير بالذكر أن العاهل الأردني كشف تعرض بلاده لهجوم بمسيّرات إيرانية، العام الماضي، من جهة أخرى قال: “أود أن أوضح هنا أنني عندما تحدثت عن الهلال الشيعي، قصدت الهلال الإيراني من وجهة نظر سياسية”، في إشارة إلى إطلاقه مصطلح “الهلال الشيعي” عام 2004.
كل هذه الوقائع والأخطار الإيرانية المحيطة بالأردن والعبث بأمنه، لم يحرك عمّان للحفاظ على حدودها الشمالية، إذ إنها تبدو بكامل التسليم لما يحدث، حتى إنه لم تصدر أي تصريحات رسمية بخصوص ما يحصل في درعا المنكوبة من هجوم النظام والميلشيات الإيرانية، ويبدو أن ما يعني الأردن في هذه الآونة هو الموضوع الاقتصادي والعمل على خط الغاز المصري الذي سيمر من أراضي المملكة إلى سوريا ثم لبنان.
الأردن ينظر بإيجابية للعمليات العسكرية
معارك درعا الأخيرة والحملة العسكرية من النظام على المدينة كشفت الموقف الأردني الذي يبدو أنه ينتظر سيطرة النظام على المنطقة، وفي سياق الموقف الأردني السلبي حيال ما يحصل في درعا والتوجه الرسمي للتطبيع مع نظام الأسد توجهنا في “نون بوست” لنناقش الأمر مع الأستاذ الجامعي والباحث المتخصص في الحركات الدينية الدكتور عبد الرحمن الحاج، الذي يقول بخصوص سيطرة الميليشيات الإيرانية على درعا والحدود الأردنية: “توجد مشكلة بالنسبة للأردن حيث يعتبر الأردن أول دولة حذرت من التمدد الشيعي في المنطقة، أما الآن أصبحت حدوده الشمالية واقعة بالكامل تحت نفوذ إيراني، والإيرانيون أصبحوا قادرين على أن يؤثروا بالأحداث الأردنية، وهنا لا ننسى أن الحدود الشرقية للمملكة خاضعة أيضًا للتأثير الإيراني من جهة العراق، بمعنى آخر أن الأردن ليس لديه إمكانية لتجاوز النفوذ الإيراني في حال أراد لعب دور في المنطقة”.
يضيف الدكتور الحاج أن العاهل عبد الله “أعاد حساباته خصوصًا بعد محاولة الانقلاب من الأمير حمزة على الملك والتغييرات التي حصلت في الإدارة الأمريكية وانتقالها من يد ترامب ليد بايدن التي أدت إلى تغيير علاقة الملك بواشنطن، بالإضافة إلى تغيير موقعه بالمنطقة الذي أحدثه ترامب خلال فترته، حيث همش الملك عبد الله وأخرج الملف الفلسطيني من يده من خلال عمليات التطبيع بين البلدان العربية و”إسرائيل” وأيضًا ازدياد النفوذ الإيراني في المنطقة مع وجود إشكالية لدى عبد الله من تصور موقع الأردن القديم في المنطقة، للأسباب السابقة كلها بدأ عبد الله بالتفكير بمصلحة بلاده وتغيير التفكير التقليدي على اعتبار أن الوجود الإيراني أصبح حقيقة بالنسبة له وأنه من الصعب في المدى المنظور إحداث تغيير جذري، لهذا السبب سيتعامل مع هذا الواقع الذي يكرهه في الأساس وبالأصل حذر منه عام 2004″.
يشير الحاج إلى الوضع الاقتصادي الصعب للمملكة حيث يعيش الأردن تحت ضغط كبير ومشاكل إدارية في هياكل الحكومة كل هذا “انعكس على الشارع وبدأ الشارع يفقد شيئًا فشيئًا الشعور بهيبة السلطة وتصاعد الانتقادات تجاهها وهذا كله أدى بنهاية الأمر إلى تحرك الملك لتحسين الوضع الداخلي بالدرجة الأولى وتحسين الوضع الاقتصادي، وهذا يتطلب منه فتح قنوات الأردن على المستوى التجاري مع الدول المحيطة وبشكل رئيسي مع سوريا، خاصة أن الأردن يعتبر خط ترانزيت بين الشمال والجنوب”.
وبالحديث عن خط الغاز المصري الذي سيمر إلى لبنان عن طريق الأردن وسوريا يقول الحاج: “خط الغاز المصري سيؤدي بالتأكيد إلى مصالح أردنية، وعمان حريصة على الموضوع وما يهم الأردن حاليًا هو عدم وجود حالة من عدم الاستقرار على طريق خط الغاز، لأن كل التوترات تؤدي إلى عدم إمكانية سريان الفوائد الاقتصادية للأردن من دول الجوار، ومن هنا توجد مصلحة كبيرة للمملكة أن تنتهي الأمور في درعا لمصلحة سياسية وليس مهمًا بالنسبة للأردن إن كانت درعا تحت سيطرة إيرانية أو تحت قبضة قوات النظام”.
بخصوص العملية العسكرية في درعا يقول الحاج: “الأردن ينظر بإيجابية للعمليات العسكرية التي يقوم بها النظام السوري في درعا وليس لديه أي تحفظات لأن هذا يساعد في الانفتاح الاقتصادي وفتح البوابة الاقتصادية، والمشكلة الحقيقية تتعلق بالإسرائيليين وقانون قيصر الذي من الممكن أن يحد من العمليات الاقتصادية، والواضح أنه يوجد شكل من أشكال الاستثناءات التي استطاع الحصول عليها ملك الأردن من الأمريكان لأن الأردن يقع في أزمة اقتصادية كبيرة وتريد واشنطن أن لا يقع بأزمة اقتصادية خاصة أنه على الحدود مع “إسرائيل” ولا يريدون أن تتطور الأمور إلى أزمة أخرى وتبقى المنطقة كلها ملتهبة حول “إسرائيل””.
وعن التدخل الأردني في معركة درعا بشكل مباشر يشير الحاج إلى أنه من الصعب حسم ما إذا كان هناك تدخل أردني مباشر في الجنوب، لكن يرى الحاج أن هناك مصلحة واضحة للأردن في حسم معركة الجنوب لطرف واحد يفرض الاستقرار.
وعن زيارة العاهل الأردني إلى موسكو ومشاوراته بخصوص سوريا يرى الدكتور عبد الرحمن أن “زيارة العاهل الأردني إلى موسكو مرتبطة بالوجود الإيراني في الجنوب وترتبط بكون الروس ضامنون للنظام”.
وفي توصيفه للواقع السوري يتحدث الحاج عن أن “روسيا تسيطر في سوريا على ما هو خارج الحدود في حين أن السياسات الداخلية لسوريا مرتبطة بشكل كبير بإيران، وبما أن السياسة الخارجية مرتبطة بموسكو فإن الروس يرحبون بأي انفتاح جديد على النظام”.
بالمحصلة، يبدو الأردن أكثر براغماتية وأقل إنسانية وشهامة في تعامله اليوم مع الملف السوري، يبحث عن مصالحه بصرف النظر عن أي معطيات بما فيها المعايير الإنسانية والقيمية وحسن الجيرة، وعلى الرغم من أنه أول العرب تنبهًا لخطر “الهلال الشيعي”، إلا أنه بات أقل اكتراثًا بهذا الهلال الذي شرع يطوّق حدوده، بل فتح له الباب لاختراقه من الداخل حتى.