قبيل موعد الاقتراع بساعات، يكثِّف سماسرة الانتخابات من نشاطهم، ومهمتهم هي توزيع المال على الناخبين من أجل دفعهم للتصويت لصالح مرشّحين معيّنين، اعتادوا ممارسة الأساليب نفسها كل انتخابات، محاولين استمالة ثقة الناس بالوعود المعسولة والخارقة.
أحزاب سياسية دخلت الانتخابات ورأسمالها الوعود، وبعضها سبق وأن كانت في مراكز القرار، إلا أنها لم تفِ بما وعدت سابقًا، كما لو أن هذه الأحزاب امتلكت أخيرًا تلك العصا السحرية، التي ستحلُّ مشاكل المواطنين، وتجعلهم ينعمون في حياة الرفاه.
“ضربة قاضية للفقر”
قال حزب الاستقلال، أعرق حزب بالمغرب، إنه سيعمل على إدماج جميع المعلمين الذين يعملون بموجب عقد في نظام الوظيفة العمومية، وهو المشكلة التي ظلت عالقة ولم تتوصّل وزارة التربية الوطنية إلى حلٍّ يرضي 100 ألف معلم جرى توظيفهم بين عامَي 2016 و2020، ويخوضون مسلسلًا متواصلًا من الاحتجاجات من أجل ترسيمهم أسوة بزملائهم السابقين.
ولا يخفي حزب الاستقلال طموحه في الحصول على المرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية والبلدية والجهوية، التي تجري يوم الأربعاء 8 سبتمبر/ أيلول الحالي، إذا كانت نسبة المشاركة عالية، حيث يعتقد هذا الحزب المحافظ الذي شعاره الميزان، أنه سيسترجع المكانة التي انتزعها منه حزب العدالة والتنمية منذ انتخابات 2011.
وعد انتخابي آخر قطعَهُ حزب الميزان، وهو إنقاذ مليون أسرة من براثين الفقر في أُفُق عام 2026، من خلال مواكبة 200 ألف أسرة خلال كل سنة، بتقديم دعم مالي مباشَر يضمن الحد الأدنى من الدخل، فضلًا عن تعليم أفراد الأسرة مهن قصد إدماجهم في سوق الشغل.
مليون منصب شغل
حزب التجمع الوطني للأحرار، الساعي إلى الإطاحة بالإسلاميين، ذهبَ أبعد من ذلك، وقال إنه قادر على خلق مليون منصب شغل، بالإضافة إلى تمكين كل مواطن في وضع هشّ ويبلغ 65 سنة أو أكثر من الحصول على تغطية صحية بالمجّان، ومدخول مضمون لا يقلّ عن 1000 درهم (نحو 100 دولار) شهريًّا، في أفق عام 2026.
كما وعد المعلمين بأجرة تبتدئ بـ 7500 درهم (نحو 750 دولارًا) منذ العام الأول الذي يشتغلون فيه، ما يعني زيادة صاروخية في الحد الأدنى لأجور المعلمين تقدَّر بـ 50%، فهل هذا معقول؟
لقد أطلق التجمعيون، وشعارهم الحمامة، على برنامجهم الانتخابي اسم “برنامج المعقول” أو “أغاراسْ أغاراسْ” باللفظ الأمازيغي، لأنه حسب زعيم هذا الحزب، رجل الأعمال الشهير عزيز أخنوش، “يتوفر البرنامج على أجوبة وليس وعودًا”، فهو نابع من الإنصات للمواطنين خلال الجولات التي نفّذها الحزب في “100 يوم 100 مدينة”.
شراء الأصوات والمرشحين
منذ بداية الحملة الانتخابية، أشارت أصابع الاتهام مباشرة إلى حزب الحمامة بالاستعمال الفاحش للأموال في استمالة الناخبين وبعض المشرفين على مكاتب التصويت، وبتقديم مبالغ مالية خيالية بشكل واضح لاقتلاع مرشَّحين من أحزابهم.
في ظهوره الأخير، أشعل عبد الإله بنكيران الحملة الانتخابية، حيث وصفَ رئيس الحكومة السابق عن حزب العدالة والتنمية، عزيز أخنوش، بـ”الضعيف سياسيًّا” لأنه لم يستطع الترشح كبرلماني، بل ذهب إلى أكادير ليترشح كرئيس للبلدية، “وبالطبع اللائحة البرلمانية أصعب من المحلية” حسب بنكيران، الذي عابَ على زعيم الحمامة استعمال المال للوصول إلى رئاسة الحكومة.
وقال بنكيران: “من العيب والعار أن يصل رئيس حكومة لهذا المنصب بالمال.. هذه سابقة في تاريخ المغرب”، معتبرًا أن أخنوش رجل أعمال تحوط به شبهات، ولا يملك شيئًا غير المال، وتعوزه الثقافة والأيديولوجيا والتاريخ السياسي.
وكشف رئيس الحكومة السابق أن أخنوش الذي تولى منصب وزير الفلاحة، اشترط أثناء مشاورات تشكيل الحكومة عدم تقديم دعم مالي مباشر للمغاربة، والآن يأتي ليعدَ بالدعم المباشر وبرفع أجور المعلمين، “من أين ستأتي بالمال لتنفّذ هذه الوعود؟” يتساءل بنكيران.
وكان زعيم حزب التجمع الوطني للأحرار قد تشبّث عام 2016 بشروط رفضها عبد الإله بنكيران في أزمة استمرّت عدة أشهر، وانتهت بإعفاء الأخير وتكليف الرجل الثاني في حزب العدالة والتنمية، سعد الدين العثماني، بتشكيل الحكومة قابلًا بشروط أخنوش.
“البحر سيأتي إليكم”
من بين الوعود الخارقة والمثيرة للدهشة، عودة مرشح جبهة القوى الديمقراطية، حميد شباط، ليعدَ الناس بجلب البحر إلى مدينة فاس في حال فوزه بمعمودية المدينة.
وظهر هذا المرشح في فيديو دعائي وخلفه مسبح كبير بأمواج، يمثِّل ما وعد به منذ عام 2009، حين كان عمدة المدينة بإنجاز مشروع “بحر فاس الاصطناعي”، لكنه بقيَ حبرًا على ورق، كما أنه سبق أن أنجز ما سمّاه “برج إيفل فاس”، لكن السلطات هدمته.
وأزيح حميد شباط، عندما كان أمينًا عامًّا لحزب الاستقلال، عن معمودية مدينة فاس التي ذهبت إلى حزب العدالة والتنمية، لكنه عاد ليترشّح باسم جبهة القوى الديمقراطية، بعدما رفضت الأمانة العامة لحزب الاستقلال تزكيته، لأنه لا يمكن لأمين عام سابق أن يدخل في صراع انتخابي، حسب أعراف الاستقلاليين.
وعود للإغراء فقط
وفي سياق سعيه لاستقطاب الناخبين، وعدَ حزب العدالة والتنمية، الذي ترأّس الحكومة 10 سنوات، باستحداث أكثر من 160 ألف منصب شغل سنويًّا، والوصول إلى نصف مليون مقاول ذاتي؛ وهو نظام تمَّ تطويره للحدّ من البطالة، ويعني الشخص الذي يمارس بشكل فردي حرفة أو صناعة أو تجارة أو تقديم الخدمات، كما تعهّد الإسلاميون بمواكبة انتقال 125 ألف وحدة من الاقتصاد غير المهيكَل (غير النظامي) إلى المهيكل.
العروض السياسية التي تضمّنتها البرامج الانتخابية، لن تخرج إلى الوجود، ولن تتبعها أي محاسبة أو تقييم.
أما الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهو حزب مشارك في الحكومة، فقد ركّز في وعوده على دعم وتقوية الطبقة الوسطى، وتعزيز السِّلم الاجتماعي، ومحاربة الهشاشة، واعتماد نظام جبائي عادل ومنصف.
وأطلق حزب الحركة الشعبية، المشارك في الحكومة وعودًا بتنمية المناطق الريفية، وتقديم الدعم المباشر للمزارعين الصغار، وتبسيط إجراءات حصول الشباب على القروض الصغرى، وتشجيع إحداث التعاونيات، من أجل إرساء العدالة المجالية، وتقليص الفوارق الاجتماعية.
العروض السياسية التي تضمّنتها البرامج الانتخابية، لن تخرج إلى الوجود، ولن تتبعها أي محاسبة أو تقييم، فالأحزاب تطلق الوعود لإغراء الناخبين ودفعهم إلى الذهاب إلى صناديق الاقتراع، التي ستفرز الحكومة الجديدة، لتقوم الأحزاب المشكِّلة لها بصياغة برنامج حكومي واحد.