أدّت الحرب السورية إلى تقسيم البلاد عمليًّا لعدة مناطق، تحت سيطرة قوى محلية مختلفة مدعومة من قبل دول خارجية، وفي ظلِّ الهدوء النسبي لحدّة المعارك، يبدو أن التقسيم الحالي قد يستمرّ حتى التوصُّل لتسوية شاملة للقضية السورية.
والأسئلة المهمة الآن: هل الثقل الاقتصادي لبعض المناطق كمناطق سيطرة ما يعرف بقوات سوريا الديمقراطية “قسد” على سبيل المثال، سيؤثِّر على مستقبل الحل السياسي في سوريا؟ وما أبرز عوامل القوة الاقتصادية لمناطق “قسد”؟ وما تأثيرها على مستقبل الحل السياسي؟
لماذا تهتمّ الولايات المتحدة بـ”قسد” وتدعمها؟
في الواقع، ومنذ تأسيس “قسد” عام 2015، تصاعدت المخاوف من تقسيم سوريا، لا سيما أن “قسد” تعتمد في تشكيلاتها العسكرية والسياسية على الأكراد بشكل شبه كامل، ورغم كونها تحاول تسويق أن المكوِّن العربي جزء رئيسي منها، إلا أن الواقع على الأرض يشير إلى نقيض هذا الأمر.
سعت “قسد” ومنذ تأسيسها لبناء علاقات خارجية مع الغرب، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية، التي دعمتها سياسيًّا وعسكريًّا مقابل ضمان “قسد” مصالح الولايات المتحدة في مناطق سيطرتها، وكذلك مقابل منح جزء كبير من النفط للشركات الأميركية.
من جهة أخرى، إن أحد أسباب دعم الولايات المتحدة لـ”قسد” هو غنى المناطق التي تسيطر عليها بالنفط وجودة إنتاجها الزراعي، وكونها تشكّل عنصرًا ضاغطًا على تركيا، يمكن للولايات المتحدة استخدام ورقة “قسد” في الضغط على تركيا.
ما حقيقة موقف “قسد” من السياسة والاقتصاد؟
تدرك “قسد” جيدًا أن اهتمام الولايات المتحدة بها ورعايتها لها يرتكز على النفط وعلى الضغط على تركيا، ولذلك هي تعي جيدًا أن التفريط بالثروة النفطية يعني حكمًا زوال أهميتها بالنسبة إلى أميركا، ما يعني المقايضة عليها ضمن أي صفقة إقليمية أو دولية.
تنكر “قسد” وجود أي نية انفصالية لها، وفي المقابل تطالب بنظام فيدرالي لسوريا، يسمح لها بالاحتفاظ بحقّها في استثمار الثروات الواقعة في مناطق سيطرتها، مقابل تولّي حكومة دمشق الملف السياسي الخارجي، وهذا الأمر من المستبعد أن تقبل به حكومة دمشق أو الدول الإقليمية.
بصفة عامة، لن تسمح الولايات المتحدة بأي حلٍّ سياسي في سوريا يسمح بإعادة النفط إلى النظام السوري، فهي تسعى إلى حلٍّ يسمح للنفط بالبقاء في جعبة “قسد” وبالتالي استفادة الولايات المتحدة منه، ما يعني حكمًا إطالة أمد الحرب السورية وتهديد وحدة الأراضي السورية.
ما تأثير النفط على مستقبل الحل السياسي في سوريا؟
تدرك “قسد” جيدًا أن علاقة الولايات المتحدة بها تقوم على مصالح الأخيرة فقط، دون أي اعتبار لمصالح “قسد” والأكراد، ولهذا فإن تقديم أي عرض للولايات المتحدة يفوق عرض “قسد”، يعني التخلي عنها مباشرة، ولذلك تسعى لعدم قطع الاتصال بشكل تام مع حكومة النظام ومع الروس، فهي تحاول البقاء في منتصف المسافة.
في الحقيقة، تغفل “قسد” عن أن سوريا ليست القضية الوحيدة في العالم، وأن المصالح الإقليمية والدولية متشابكة للغاية بدءًا من سوريا مرورًا بغاز شرق المتوسط فليبيا والقوقاز وأفغانستان وغيرها، وكل هذه القضايا متشابكة بشكل مباشر أو غير مباشر، وأي من اللاعبين الدوليين أو الإقليميين قد يقدِّم تنازلًا هنا مقابل مكسب هناك.
أي فريق سياسي يدّعي الوطنية عليه أن يقدّم أدلة تدلّ على حرصه على مستقبل الدولة السورية، وأن تظهر براهين من أفعاله تؤكد رغبته في تحقيق وحدة السوريين وترابطهم، وليس حرصه على مصالح فريقه فقط.
قد يتم مستقبلًا حلّ القضية السورية بناءً على تفاهمات القوى الكبرى، وبالتأكيد حينها لن تراعى مصالح الحلفاء الصغار كـ”قسد”، وعندها سيتمّ التضحية بها من دون أي تردد، ولحين حدوث هذا التفاهم سيبقى للنفط السوري الكلمة الفصل في أي تسوية سياسية.
في النهاية إن أي جهد سياسي داخلي أو خارجي، لا بد أن ينظر إلى الثروات الطبيعية السورية على أنها ملك للدولة السورية وللسوريين بالكامل، وفي حال تجاهل ذلك يمكن لهذه الثروات أن تصبح قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، وتؤدي إلى تقسيم الدولة السورية.
بالإضافة إلى ذلك، على أي فريق سياسي يدّعي الوطنية أن يقدّم أدلة تدلُّ على حرصه على مستقبل الدولة السورية، وأن تظهر براهين من أفعاله تؤكّد رغبته في تحقيق وحدة السوريين وترابطهم، وليس حرصه على مصالح فريقه فقط.