ترجمة وتحرير: نون بوست
في الوقت الذي سيطرت فيه الفوضى على جهود الولايات المتحدة لإجلاء أكثر من 120 ألفا من مواطنيها وحلفائها من أفغانستان الشهر الماضي، ساعدت دولة صغيرة وغنية الكثير من الأمريكيين على مغادرة البلاد.
استقبلت قطر حوالي 60 ألف أمريكي وأفغاني، أي أكثر من أي دولة أخرى ضمن عمليات الإجلاء من أفغانستان خلال الفترة الماضية. بفضل علاقاتها مع كل من الولايات المتحدة، حيث تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، وطالبان، لعبت قطر دورا محوريا في الوساطة بين أفغانستان الجديدة بقيادة طالبان، والدول الغربية.
أصبح هذا البلد الغني بالغاز، والذي لطالما استخدم ثرواته الهائلة لتعزيز مكانته الدولية، محط اهتمام العالم. وفي الوقت الذي قدمت فيه أطنانًا من المساعدات الغذائية والطبية إلى أفغانستان، واستضافت وزيري الدفاع والخارجية الأمريكيين، استحوذت قطر على اهتمام جمهور الرياضة في أنحاء العالم، من خلال توقيع نادي باريس سان جيرمان المملوك للقطريين مع أحد أعظم اللاعبين في تاريخ كرة القدم، الأرجنتيني ليونيل ميسي. كما تستعد الدوحة لاستضافة كأس العالم لكرة القدم العام المقبل.
نالت جهود قطر في مد الجسر الجوي من أفغانستان استحسان الرئيس بايدن، وجاء كل من وزير الخارجية أنطوني بلينكن ووزير الدفاع لويد جيمس أوستن لزيارة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
يقول مايكل ستيفنز، الباحث البارز والخبير بالشؤون الخليجية في معهد أبحاث السياسة الخارجية: “لطالما أرادت قطر أن يكون لها دور عالمي، سواء من خلال استضافة أحداث رياضية ضخمة أو التعاقد مع لاعبين بارزين، أو تقديم نفسها كلاعب إقليمي مهم على الساحة السياسية والدبلوماسية”. ويضيف: “لم يحققوا دائمًا هذه المعادلة بشكل صحيح، ولكن في الوقت الراهن يبدو أنهم اتخذوا القرارات الصحيحة في الوقت المناسب”.
نالت جهود قطر في مد الجسر الجوي من أفغانستان استحسان الرئيس بايدن، وجاء كل من وزير الخارجية أنطوني بلينكن ووزير الدفاع لويد جيمس أوستن لزيارة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وقال أنتوني بلينكن في مؤتمر صحفي بالدوحة يوم الثلاثاء: “لقد قدمت العديد من الدول المساعدة في جهود الإجلاء من أفغانستان، لكن ما من دولة فعلت أكثر مما قامت به قطر”. وأضاف: “لم تكن الشراكة بين قطر والولايات المتحدة أبدا أقوى مما هي عليه الآن”. وقد وصف وزير خارجية قطر، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الولايات المتحدة بأنها “أهم حليف لنا”.
تشكل التطورات الراهنة تحولا جذريا في العلاقات الثنائية مقارنة بالإدارة الأمريكية السابقة، التي دعمت الحصار الرباعي ضد قطر. بدعم من الرئيس السابق دونالد ترامب، اتهمت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين، قطر بدعم الإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية أخرى، وهي اتهامات نفتها الدوحة، لينتهي الحصار مطلع السنة الحالية، قبيل تنصيب بايدن رئيسا جديدا.
أصبحت علاقات قطر الجيدة مع أطراف مثل طالبان وإيران، وهي العلاقات التي ساهمت في اتهامها سابقا بدعم الإرهاب، سببا رئيسيا في جعلها وسيطا للدبلوماسية الوقائية التي لا تقدر بثمن.
وقالت مساعدة وزير الخارجية القطري، لولوة الخاطر، في مقابلة صحفية: “في بعض الأحيان، يسمح لك الحجم الصغير فعلاً بلعب هذا الدور، لأنك لا تخيف أحداً. إننا دولة صغيرة لا تشكل تهديدا لأحد، لن نشن حربا ضد أي دولة”.
حافظت قطر على علاقات جيدة مع عدد من الجماعات والحركات الإسلامية، بما في ذلك حركة المقاومة الإسلامية حماس في قطاع غزة، والإخوان المسلمين في مصر، وطالبان في أفغانستان.
تشترك قطر، التي يبلغ عدد سكانها 300 ألف مواطن، في حقل غاز طبيعي ضخم مع إيران، ويبلغ دخل الفرد أكثر من 90 ألف دولار سنويًا، وهو أحد أعلى المعدلات في العالم وفقًا لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية. استُخدمت هذه الثروات لتمويل رؤية للمنطقة والترويج لها من خلال قناة الجزيرة وشبكة الأقمار الصناعية التي تمتلكها، وملف استضافة كأس العالم 2022.
وقد حافظت قطر على علاقات جيدة مع عدد من الجماعات والحركات الإسلامية، بما في ذلك حركة المقاومة الإسلامية حماس في قطاع غزة، والإخوان المسلمين في مصر، وطالبان في أفغانستان. أثبتت هذه العلاقات أنها مفيدة للغرب، حيث اعتمد على الدوحة للتفاوض بشأن إطلاق سراح رهائن غربيين في دول مثل سوريا. كما استضافت قطر محادثات السلام مع طالبان، والتي فتحت مكتبا لها في الدوحة سنة 2013، بموافقة ضمنية من الولايات المتحدة.
وكانت إدارة ترامب قد وقّعت في الدوحة خلال السنة الماضية اتفاقا مع طالبان يحدد جدولًا زمنيًا للانسحاب الأمريكي. ومنذ إخلاء السفارة الأمريكية في كابول الشهر الماضي، نقلت الولايات المتحدة عملياتها الدبلوماسية الأفغانية إلى الدوحة.
يقول ستيفنز في هذا السياق: “ليس هناك شك في أنهم خططوا بشكل جيد، إنهم يشعرون أن هذا قد جعلهم حليفًا مفيدًا للغرب، وأيضًا لاعبا محوريا في قضايا إقليمية أوسع، وهذا ما أرادوه دائمًا”.
قال مسؤولون قطريون إن الدوحة أرسلت في الأيام الأخيرة 68 طنا من المساعدات الغذائية والطبية إلى أفغانستان. كما سافر مسؤولون وفنيون قطريون إلى كابول للقاء طالبان والعمل مع نظرائهم الأتراك حول كيفية إعادة فتح مطار كابول الدولي.
وأشارت لولوة الخاطر إلى أن قطر تستخدم نفوذها للضغط على طالبان من أجل الوفاء بتعهداتها بأن تكون أكثر اعتدالا، وقالت في هذا السياق: “نحاول تشجيع طالبان على أن تكون لديها حكومة شاملة تمثل الجميع، لكن لسنا متأكدين من موضوع تمثيل المرأة، وإذا حصل ذلك، ستكون الحكومة ناجحة، لكننا على الأقل نشجعهم على ذلك”.
قدمت طالبان وعودا بتنفيذ العفو عن المسؤولين في الحكومة السابقة والجنود النظاميين، وستسمح للنساء بالعمل والدراسة، وهي أنشطة كانت محظورة إلى حد كبير في ظل تجربتها السابقة في الحكم من سنة 1996 إلى 2001، حيث فرضت تفسيرًا صارمًا للشريعة الإسلامية.
يقيم البعض، بما في ذلك عدد من الأفغان في فيلات جديدة تم بناؤها لاستضافة كأس العالم 2022، لكن معظم من تم إجلاؤهم يعيشون في القاعدة العسكرية الأمريكية، ويمثل ارتفاع درجات الحرارة وغياب المرافق الصحية مشكلة رئيسية.
يبقى أن نرى إلى أي مدى ستلتزم حركة طالبان بهذه الوعود، خاصة أنها قمعت بعنف احتجاجات النساء في كابول قبل أيام. في أجزاء أخرى من البلاد، اتُهم مقاتلوها بالذهاب من منزل إلى منزل لتعقب خصومها، ولا تزال قطر تتحمل تبعات عمليات الإجلاء. انتقل ثلثا الأشخاص الذين تم إجلاؤهم إلى دول أخرى، لكن لا يزال حوالي 20 ألف شخص في قطر، وهي توفر لهم الطعام والرعاية الطبية.
يقيم البعض، بما في ذلك عدد من الأفغان الذين عملوا في مؤسسات إعلامية مثل صحيفة “نيويورك تايمز”، في فيلات جديدة تم بناؤها لاستضافة كأس العالم 2022، لكن معظم من تم إجلاؤهم يعيشون في القاعدة العسكرية الأمريكية، ويمثل ارتفاع درجات الحرارة وغياب المرافق الصحية مشكلة رئيسية.
وتقول لولوة الخاطر إن هذه الأمور ستتم معالجتها، وتؤكد أن الحكومة القطرية والجمعيات الخيرية المرتبطة بها شيدت مزيدا من الملاجئ والحمامات والعيادات الميدانية ووفّرت أكثر من 55 ألف وجبة في اليوم.
ويقول ستيفنز إنه من غير الواضح إلى متى ستجني قطر فوائد مساعدتها في معالجة تداعيات الملف الأفغاني، لكنها مثل جميع دول الخليج تبحث عن طرق لتعزيز مكانتها في واشنطن. ويضيف: “إنهم يريدون جميعا أن يتقربوا من بايدن، إذ يعلمون أن هذه الإدارة لا تركز اهتمامها بالكامل على دول الخليج، لذلك فهم يريدون تقديم أنفسهم على أنهم حلفاء وليسوا سببا للمشاكل”.
المصدر: نيويورك تايمز الأمريكية