بات من المؤكد بأن يجري الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” تعديلات في الفريق العامل لحسابه من بعد انتخابات الكونجرس التي من المقرر عقدها اليوم، والتي من المرجح أن تسفر عن خسائر لحزبه الديمقراطي، والتي ستزيد من الضغوط عليه لبداية جديدة في انقاذ رئاسته.
وتشير التنبؤات أن الجمهوريين الذين جعلوا من ضعف شعبيته قضية أساسية في الانتخابات، أصبحوا في وضع قوي يؤهلهم للفوز بالمقاعد الستة التي يحتاجون إليها لانتزاع الأغلبية في مجلس الشيوخ من الديمقراطيين، حيث من من المتوقع أيضا أن تزداد الأغلبية التي يتمتعون بها في مجلس النواب.
إلا أن مساعدين في البيت الأبيض يقولون أنه إذا ما ثبتت هذه التوقعات فإن على أوباما أن يحدث تغييراً كبيراً في فريقه الذي عمل معه في العامين السابقين، الأمر الذي يعني تحولاً كبيراً في تغييرات في فريقه الذي شهد تغييرات بطيئة وطفيفة، الأمر الذي وجه اليه انتقادات عديدة بانعزاله وفريقه عن الواقع.
وليس من المعروف بعد إذا ما كانت الدماء الجديدة في فريق الرئيس سوف تكون كفيلة بتغلبه على خصومه في الكونجرس، والأغلبية التي قد يفقدها حزبه على الأغلب، الأمر الذي قد يمنعه بمبادرات جديدة تعزز تركته الرئاسية من بعد مغادرته البيت الأبيض.
بعض المطلعين من داخل الإدارة الأمريكية وخارجها قالوا بأن أوباما المعروف بـ”الحذر”-والذي أصبح يبدو تردداً وخوفاً- قد يمانع في إجراء تغييرات جوهرية في مساره من الربع الأخير من رئاسته في تعاملاته مع اتهامات الانعزال والأزمات المتوالية في الخارج.
وقال “جاي كارني” السكرتير الصحفي السابق لأوباما “ستحدث تغييرات دوما في العاملين هنا وهناك” خاصة بين من خدموا لفترة طويلة، إلا أنه أضاف “ليس من أسلوبه أن يفعل ذلك .. لا أتوقع تغييرا كبيرا”
لكن المؤيدين والمنتقدين يقولون إن العثرات الأخيرة التي حدثت في معالجة أزمة مرض الإيبولا والاستراتيجية الخاصة بتنظيم داعش تؤكد ضرورة إجراء تغييرات كبرى في البيت الأبيض حيث أصبحت القرارات الخاصة بالسياسات مركزة بدرجة تكاد تكون غير مسبوقة.
وقالت “جين هارمان” العضو السابق في الكونجرس عن كاليفورنيا والتي يستشيرها البيت الابيض بانتظام “يجب عليه أن يفكر في إعادة أسلوب ’فريق المنافسين’، وجود ناس لهم آراء مختلفة في الغرفة سيكون مفيدا”.
وفي الوقت الذي اشتهر في أوباما بكونه موالياً للموالين له، فأغلب الذي خرجوا من البيت الأبيض خرجوا طواعية، حيث من المتوقع أن يخرج طواعية كذلك نصف فريقه من بعد الانتخابات، فكثير منهم مرهقون بعد أن ظلوا في أروقة الحكم قرابة الست سنوات.
في الوقت ذاته، ضخ أوباما دماء جديدة في فريقه تمثلت في “رون كلين” كبير الموظفين السابق لدى “جوزيف بايدن” نائب الرئيس، من أجل إدارة جهود الاستجابة إلى وباء الإيبولا، وكذلك الجنرال “جون آر ألن” وهو القائد السابق للقوات الأميركية في أفغانستان، من أجل قيادة قوات التحالف ضد تنظيم داعش.
ثمة سيناريو آخر وإن كان أقل احتمالا، فمع ظهور احتمال تولي الجمهوريين الأغلبية في مجلسي الكونجرس، قال أحد المطلعين من العاملين السابقين في البيت الأبيض إن أوباما الذي انخفضت شعبيته ربما يقرر أنه ليس لديه ما يخسره من خلال إجراء تغييرات كاسحة بفريق العاملين وهو الأمر الذي قد يوحي بأنه جاد في البدء من جديد.
وكان “دينيس ماكدونو” رئيس هيئة العاملين في البيت الأبيض قد طلب سراً من كبار مساعديه إبلاغه بما إذا كانوا ينوون البقاء ضمن فريق أوباما في السنتين الاخيرتين من رئاسته.
وبقاء ماكدونو نفسه الذي يعمل مع أوباما منذ مدة طويلة موضع تكهنات متنامية، فإذا ما رحل فإن ذلك سيوحي بأن أوباما يجري تعديلات تتجاوز التغييرات السطحية، حيث يقول مقربون من الرئيس إن ماكدونو أوضح أنه يفضل البقاء وإن الرئيس لن يغيره، إلا أنه لا أحد يستبعد أن يقرر ماكدونو نفسه الرحيل.
تكهنات أخرى تحدثت على أن أوباما الذي عيّن “رون كلين” مؤخراً مسؤولاً عن إدارة أزمة إيبولا قد يكون مؤهلا لخلافة ماكدونو، لكن كلين الذي له تاريخ طويل مع الإدارة لن يمثل أي تغيير حقيقي عن أسلوب الرئيس الذي يقوم على تفضيل ترقية من يثق فيهم من المقربين.
وربما يتذكر أوباما ما حدث في المرة السابقة عندما غير بعض العاملين في البيت الأبيض بعد الانتخابات النصفية عام 2010 إذ كانت النتائج غير مبهرة، فقد جاء المصرفي السابق “بيل دالي” لكي ينهج نهجا أكثر دعما لقطاع الأعمال لكنه لم يتمكن قط من اختراق الدائرة المقربة من أوباما واضطر لترك منصب رئيس هيئة العاملين بعد ما يزيد قليلا على السنة.
ومن المرشحين للرحيل المستشار “دان فايفر” ونائب مستشار الأمن القومي “بن رودز” وكلاهما يعملان مع أوباما منذ الحملة الانتخابية عام 2008. وقد لعبا أدوارا رئيسية في توجيه رسائل البيت الأبيض التي تعتبر على نحو متزايد نقطة ضعف في رئاسة أوباما.
وقال مسؤول سابق بالإدارة إن فايفر ينوي الرحيل بعد خطاب حالة الاتحاد الذي يلقيه الرئيس أوائل العام المقبل.
وتتضمن القائمة المستشار القانوني للبيت الأبيض “جون بودستا” ومديرة الاتصالات “جينيفر بالميري” وهما من الأعضاء السابقين في إدارة “بيل كلينتون” وربما يتم اقتناصهما لحملة “هيلاري كلينتون” إذا قررت خوض انتخابات الرئاسة عام 2016.
وبخلاف التكهنات لا يرى المساعدون السابقون والحاليون سببا يذكر لتوقع تغيير شامل مثل التغيير الذي أجراه الرئيس “جورج دبليو بوش” عقب هزيمه حزبه الجمهوري في الانتخابات النصفية عام 2006، فبعد ساعات من إعلان النتائج عزل بوش وزير دفاعه “دونالد رامسفيلد” بسبب إدارته لحرب العراق.
ما يتوقعه بعض المقربين من أوباما الآن هو نزوح بطيء يمكن أن يحدث على مدى شهور لكنه يتجنب إلقاء اللوم صراحة على أحد في المشاكل التي واجهتها الإدارة، ربما يتمثل أحد المؤشرات على مدى اهتمام أوباما بالفكر الجديد في اختياره لمن يخلف وزير العدل “إيريك هولدر”، حيث يقول بعض المطلعين إن “لوريتا لينش” رئيسة مكتب الادعاء الاتحادي في بروكلين ربما تكون أبرز المرشحين لخلافته.
ومن الأسئلة المطروحة أيضا ما إذا كان أوباما سيطرح نفسه في صورة جديدة، فقد استجاب “بيل كلينتون” للخسائر التي مني بها حزبه في الانتخابات النصفية عام 1994 لا بتعديل فريق العاملين معه فحسب بل بتغيير صورته من خلال تبني حلول وسط في قضايا تشريعية، وفي فترة رئاسته الثانية قاد حربا في كوسوفو وعمق العلاقات التجارية مع الصين.
لكن على النقيض من كلينتون لم يبد أوباما اهتماما يذكر بالتواصل مع أعضاء الكونجرس حتى من حزبه.
وفي كتاب نشر حديثا انتقد “ليون بانيتا” وزير الدفاع السابق أوباما بسبب “تحفظه المحبط فيما يتعلق بالتواصل مع خصومه.”
ويرى “دينيس روس” كبير مستشاري أوباما سابقا في الشرق الأوسط الأمر على نحو مختلف، فقد قال إن الرئيس لن يكون أمامه خيار يذكر سوى التواصل مع أعضاء الكونجرس إذا تفاوضت إدارته على صفقة نووية مع إيران واحتاجت لموافقة الكونجرس على رفع العقوبات.
كذلك ربما يجد أوباما أرضية مشتركة في صفقة تجارية عبر المحيط الهادي والتمويل اللازم للتصدي لتنظيم داعش إذا أراد الجمهوريون الظهور بمظهر من يمكنهم إنجاز المطلوب في الكونجرس، غير أنه من المتوقع أن يلجأ أوباما للقرارات الرئاسية في قضيتي الهجرة والتغيرات المناخية.
وكانت مستشارة الأمن القومي في إدارة أوباما “سوزان رايس” قد دعت مجموعة من خبراء السياسة الخارجية إلى غرفة العمليات في البيت الأبيض للاستماع إلى آرائهم حول تقييم أداء الإدارة الأميركية، في وقت سابق من هذا الشهر.
رايس تلقت وابلاً من الانتقادات حول سياسة أوباما إزاء العديد من القضايا، كان أهمها سوريا والصين، فضلا عن مماطلات البيت الأبيض المتكررة في إصدار استراتيجية الأمن القومي الأميركية، وهي وثيقة لازمة الإصدار بموجب الكونغرس الأميركي وتحدد أهداف السياسة الخارجية الأميركية.
صحيفة نيويورك تايمز نقلت عن السيناتور “ريتشارد بلومنتال” عن ولاية كونيتيكت وعضو في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ أن “تلك نقطة انعطاف تجدها في كل فترة رئاسية، وإنها نقطة منطقية بكل تأكيد، إذا ما شعر الرئيس بأنه من الأفضل أن يجري بعض التعديلات في فريقه الرئاسي”. وفي حين أن بلومنتال يقول إن الإدارة الحالية قد صمدت بصورة جيدة في وجه الظروف الراهنة، فإن معيار ومدى تعقد المشاكل، على نحو ما أضاف “سوف يضفي المزيد من الأضرار، ويبعث الكثير من الخسائر الشخصية والمهنية بين أي مجموعة كانت”.
وبشكل أو بآخر، فإن أوباما يعتمد أكثر من ذي قبل على دائرته الخاصة من مساعدي البيت الأبيض، والذين عملوا على صياغة علاقاتهم معه خلال حملة عام 2008 الرئاسية والتحرك بحرية أكبر داخل الإدارة من دون وجود أصوات لها ثقلها مثل “روبرت إم غيتس” وزير الدفاع الأسبق، أو “هيلاري رودهام كلينتون” وزيرة الخارجية السابقة.
ويتجه اليوم الناخبون الأمريكون لاختيار ممثليهم في مجلس النواب الذي يضم 435 عضواً عن 50 ولاية أمريكية، حيث يطلق على هذه الاتتخابات اسم ( انتخابات التجديد النصفي)، إذ تجري هذه العملية مرة كل عامين.
وكذلك ينتخب الأمريكيون 36 من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، الذي يضم 100 عضو، حيث يمثل كل ولاية عضوان لدورة تستمر لـ 6 سنوات، إذ يتم انتخاب ثلث أعضاء المجلس مرة كل سنتين.
ويحتفظ الحزب الجمهوري بالأغلبية في مجلس النواب بـ 233 مقابل 199عضو ديمقراطي، بينما يحتفظ الديمقراطيون بأغلبية 55 مقابل 45 للجمهوريين، في الوقت الذي تشير فيه الاستطلاعات إلى خسارة الديمقراطيين للأغلبية لصالح الجمهوريين في مجلس الشيوخ مع حفاظهم على الأغلبية في مجلس النواب.