ترجمة وتحرير: نون بوست
لماذا وكيف اكتسبت أحداث “الحادي عشر من سبتمبر” كل تلك الرمزية على مستوى عالمي؟ تُحيي الولايات المتحدة اليوم الذكرى السنوية العشرين لهذا الحدث. لقد توقف الزمن يوم 11 أيلول/ سبتمبر، وأصبح ذلك علامة فارقة، مثل الصليب للمسيحيين، وإشارة المرور الحمراء لسائقي السيارات، وشعار الدولار للاقتصاد العالمي، والمطرقة والمنجل للشيوعيين، وشعار حملة أنصار ترامب “اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”.
في مواجهة تداعيات أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، كل ما يمكننا أن نتطلع إليه هو إيداع ذكريات ذلك اليوم في متحف مناسب بواشنطن، بينما يتعين على بقية دول العالم أن تتعلم كيف توظّفه كعلامة فاصلة بعد انتهاء عقدين دمويين من الحرب والفوضى. نحن بحاجة إلى تغيير مسار الأحداث، وتذكر التاريخ وإعادة كتابته وإقصاء أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ولكن هل هذا ممكن؟
ما هو أهم بكثير من التفكير فيما حدث على مدار العشرين سنة الماضية، الحاجة إلى أن نسأل أنفسنا: لماذا أصبح هذا التاريخ بالذات مهيمنا على مخيلة الجميع؟ وما الذي فعله بقدرتنا على التفكير في تاريخ عالمنا قبل وبعد 11 أيلول/ سبتمبر؟
في الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، قامت مجموعة مكونة من 19 شخصا، من بينهم 15 سعوديا، باختطاف أربع طائرات وتفجيرها في البرجين التوأمين بنيويورك، وفي البنتاغون بواشنطن. وقد أُحبطت عملية اختطاف أخرى عندما تغلب الركاب على الخاطفين وتحطمت الطائرة فوق ولاية بنسلفانيا. بلغ إجمالي عدد ضحايا الهجمات التي وقعت في ذلك اليوم حوالي 3000 شخص، وأصيب آلاف آخرون.
مشهد استعراضي
كانت هذه الهجمات عبارة عن مشهد استعراضي جبان مهّد الطريق لغزو واحتلال أفغانستان والعراق. تبنى المسؤولية عن الهجمات تنظيم القاعدة الذي لم يكن معروفا على نطاق واسع آنذاك، ولكن العمليات العسكرية الأمريكية التي أعقبت ذلك قامت على استراتيجيات بعيدة المدى أعادت تعريف الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة بشكل جذري.
أخذت أحداث “الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر” في السنوات العشرين اللاحقة أهمية أكبر بكثير مما تستحقه، وشوهت تاريخنا السياسي بقدر ضخامة العمليات العسكرية التي أعقبتها. كم عدد المباني التي تعرضت للقصف والتدمير قبل وبعد ذلك اليوم المشؤوم حول العالم؟ كم عدد المباني والمدنيين الذين تعرضوا للقصف في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا والصومال وفلسطين وغيرها من الدول؟
ينظر العالم اليوم إلى العراق وأفغانستان باعتبارهما مسرحا للانتقام الأمريكي من هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر. ولكن هذه النظرة عبارة عن مزحة سخيفة تشوش وعينا التاريخي.
لكن القضية الأساسية لا تتعلق بالسبب الذي جعل هذه الحادثة تحظى بأكبر قدر من الاهتمام على حساب كل الفظائع الأخرى، إنما يتركز السؤال المحوري حول ما فعله الاهتمام المفرط بأحداث 11 أيلول/ سبتمبر بوعينا التاريخي؟ لقد أدت الأحداث إلى أمركة وعينا بالعالم، وكأن كل شيء بدأ وانتهى في الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر. لقد توقف الزمن عند مفهوم الإمبراطورية الأمريكية، لكن هل يمكننا إعادة ترتيب الأمور والتفكير في تاريخ عالمنا بعيدا عن تأثير تلك الهجمات؟
استغلت الولايات المتحدة أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر لاستعراض قوتها العسكرية، وقامت بغزو أفغانستان واحتلتها في السابع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر سنة 2001. ولكن هل سبق لك أن تذكرت تاريخ السابع من تشرين الأول أكتوبر باعتباره علامة فارقة؟ قامت الولايات المتحدة بعد ذلك بغزو واحتلال العراق في 20 آذار/ مارس سنة 2003. ولكن هل سبق لك أن نظرت إلى هذا التاريخ كعلامة فارقة في التاريخ؟
تعتبر أفغانستان جزءا لا يتجزأ من حضارة فارسية قديمة وواسعة، بينما يعتبر العراق مهد تاريخنا البشري. ولكن العالم ينظر إليهما اليوم باعتبارهما مسرحا للانتقام الأمريكي من هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر. ولكن هذه النظرة عبارة عن مزحة سخيفة تشوش وعينا التاريخي.
أحداث حاسمة طمستها الهجمات
لقد طغت رمزية أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، على التاريخ البشري في جميع أنحاء العالم، وخاصة في أفغانستان والعراق والدول المجاورة لها. كانت أحداث مثل الغزو السوفيتي لأفغانستان والثورة الإيرانية والحرب الإيرانية العراقية أكثر أهمية بكثير إقليميا قبل أن تطغى أحداث 11 أيلول/ سبتمبر على جميع الأحداث الأخرى.
في الواقع، كانت أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر علامة رمزية على الرؤية الإمبريالية للعالم. بالنسبة لتاريخ الولايات المتحدة، أصبح هذا التاريخ معلما بارزا مشابها لما حدث في ميناء بيرل هاربور خلال الحرب العالمية الثانية. وبالنسبة للعالم بأسره، طغت أحداث “الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر” على كل حدث مهم آخر قبلها وبعدها.
تتلخص مهمتنا حاليا في العمل على استعادة الوعي التاريخي الذي يضع أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر في إطارها المناسب. لقد كان للغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق عواقب وخيمة، لكن يجب دمجها في الإطار الأكبر لتاريخ المنطقة والعالم.
لقد زعزعت الثورة الإيرانية سنة 1979 الركائز السياسية للمنطقة بأكملها قبل أن يستغل إسلاميون متشددون أزمة الرهائن ما بين 1979 و1981، والحرب الطاحنة بين إيران والعراق في الفترة ما بين 1980 و1988، لتحويل مسار الثورة إلى حكم ثيوقراطي استبدادي. وأتاح الغزو السوفيتي لأفغانستان واحتلالها من 1979 إلى 1989، للولايات المتحدة فرصة للمساعدة في إنشاء حركة طالبان لأداء مهمة مزدوجة، أي محاربة السوفييت وتشكيل جبهة سنية ضد الثورة الإيرانية.
كما تم تسليح صدام حسين وتشجيعه على غزو إيران لأداء المهمة ذاتها، وقد ساهمت حرب صدام على إيران تحت راية القومية العربية في تحويل الثورة الإيرانية إلى تهديد فارسي. وفي غضون ذلك، منح الغزو الإسرائيلي للبنان سنة 1982 للنظام الحاكم في إيران موطئ قدم في لبنان وأدى إلى ظهور حزب الله.
بعد ذلك، أحيت الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987-1993) النضال الوطني الفلسطيني ومُنحت إيران دورا رئيسيا من خلال التحالف مع حماس والجهاد الإسلامي. لاحقا، طمست أحداث “الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر” كل هذه الحقائق الحاسمة في المنطقة، ونحن بحاجة الآن إلى استعادتها.
مخططات المحافظين الجدد
كان الغزو الأمريكي لأفغانستان سنة 2001، والعراق سنة 2003، في ظاهره ردا على أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، ولكنه كان في الواقع تنفيذا لمخططات المحافظين الجدد التي بدأت قبل فترة من تولي جورج بوش الابن رئاسة الولايات المتحدة.
فما فعله والده، الرئيس السابق جورج بوش الأب، في العراق، فضلا عما فعله الرئيس السابق بيل كلينتون في العراق وليبيا، كان مطابقا لما فعله جورج بوش الابن في أفغانستان والعراق، وهو ما واصل القيام به الرئيسان السابقان باراك أوباما ودونالد ترامب.
يشبه سحب الرئيس الأمريكي جو بايدن قواته من أفغانستان إلى حد كبير انسحاب أوباما من العراق سنة 2011. لهذا السبب، نحتاج إلى قراءة جديدة للتاريخ الأمريكي وتاريخ أفغانستان والعراق، وإلى التحرر من هاجس أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر.
بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، ستتركز مهمة المؤرخين والمفكرين حول تجاوز التاريخ المشوه خلال العقدين الماضيين والبدء بإعادة صياغة تاريخ المنطقة من جديد.
يجب علينا حاليا أن نتذكر ونعيد صياغة الحدثين الإقليميين المهمين اللذين تغلبا أخلاقيا ومنطقيا على رمزية أحداث “الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر”. لقد أدت الحركة الخضراء الإيرانية بين سنتي 2009 و2010، والربيع العربي الذي اندلع سنة 2011 في المنطقة بأسرها، إلى تحول كبير في السياسات الإمبريالية. ساهمت التدخلات الأمريكية والروسية في دعم القوى المعادية للثورة في سوريا والسعودية ومصر والإمارات ضد الزخم الثوري، وهو ما أدى بدوره إلى صعود تنظيم الدولة.
إذا أقصينا أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، فإنه بإمكاننا رؤية أن الثورة في إيران والانتفاضة في فلسطين قد مهدتا الطريق للحركة الخضراء والربيع العربي. وكانت الولايات المتحدة وإسرائيل العقبتين الرئيسيتين، حيث دعمتا الأنظمة القومية والاستبدادية في المنطقة.
لقد ظل قمع التطلعات الثورية الكردية في تركيا والعراق وسوريا وإيران ثابتا. وفي حين نجت القوى الإقليمية، مثل إيران والسعودية ومصر وسوريا من خلال القمع الوحشي للمعارضين، تنامت قوة الصين الاقتصادية بشكل متزايد.
لقد أدى التركيز على أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر إلى طمس وتشويه الأحداث الأكثر أهمية في المنطقة خلال العقدين الماضيين. والآن بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، ستتركز مهمة المؤرخين والمفكرين حول تجاوز هذا التاريخ المشوه والبدء بإعادة صياغة تاريخ المنطقة من جديد.
المصدر: ميدل إيست آي