يبدو أن الانتخابات المغربية الأخيرة، كرّست مجددًا مقولة زواج السلطة والمال في المملكة، خاصة أن المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة يعتبر أحد أبرز رجال الأعمال الذين زاوجوا بين السلطة والمال في المملكة المغربية، فأي أثر لهذا الأمر على البلاد؟
أخنوش يقود المشاورات الحكومية
كلف الملك محمد السادس، أمس الجمعة، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار ورجل الأعمال عزيز أخنوش بتشكيل حكومة جديدة في المغرب بعد فوز حزبه بالانتخابات البرلمانية التي جرت الأربعاء الماضي، طبقًا لمقتضيات الدستور.
وتصدر حزب أخنوش، المصنف ضمن الصف الليبرالي، نتائج الانتخابات البرلمانية بحصوله على 102 مقعد من أصل 395، وجاء متبوعًا بحزب الأصالة والمعاصرة (86 مقعدًا) والاستقلال (81 مقعدًا)، وكلا الحزبين مقربان من القصر ويصنفان ضمن الصف الليبرالي أيضًا.
ومن المرتقب أن يبدأ عزيز أخنوش، في أقرب وقت، مشاوراته مع الأحزاب الممثلة في البرلمان لتشكيل فريق حكومي جديد، لن يكون من ضمنه حزب العدالة والتنمية الذي أعلنت قيادته الخميس اصطفافه في المعارضة، بعد الهزيمة المدوية التي مُني بها، إذ حصل على 13 مقعدًا فقط بعد أن تصدر انتخابات 2011 و2016.
زواج السلطة والمال
يعتبر عزيز أخنوش الذي كان يشغل منصب وزير الزراعة في الحكومة المنتهية ولايتها، أحد أبرز رجال الأعمال في المغرب، والصديق المقرب للملك محمد السادس، ما اعتبره العديد من المغاربة زواجًا بين السلطة والمال، سيكون أثره وخيمًا على المملكة.
لم يترك أخنوش أزمة إلا واستثمرها، فالأزمات بالنسبة له فرصة لا يمكن تجاهلها، مثلًا خلال جائحة كورونا بينما كان المغاربة يبحثون عن قوت يومهم، كان أخنوش يضاعف ثروته، فقد ازدادت ثروة الملياردير عزيز أخنوش وعائلته بقيمة 900 مليون دولار دفعة واحدة، لتسجّل 1.9 مليار دولار، وفق آخر إحصاءات مجلة فوربس الأمريكية الشهيرة.
يدير أخنوش مجموعة “أكوا” القابضة التي تضم نحو 50 شركةً تنشط في مجالات اقتصادية عدة في مقدمتها توزيع الغاز، وسبق له أن ترأس جمعية النفطيين المغاربة، كما شغل عضوية الاتحاد العام لمقاولات المغرب، وهو تجمع يضم رجال الأعمال المغاربة ومخاطب الدولة لحماية مصالحهم.
يرى خبراء أن حزب أخنوش يمثل للدولة بديلًا ممتازًا لحزب الأصالة والمعاصرة الذي كان يراهن عليه في السابق لمنافسة العدالة والتنمية، إذ يدعم المخزن عزيز أخنوش وحزبه، كونه ضامنًا لمصالحهم في الحكم
لا تقتصر إمبراطورية آل أخنوش على الغاز والعقار والمحالات، بل تمتد إلى الإعلام عبر مجموعته “Caractères“، المالكة للعديد من الصحف، من بينها La Vie Éco والمجلة النسائية الأسبوعية الفرنسية Femmes Du Maroc ومؤسسات أخرى عديدة.
نتيجة ذلك، يعتبر أخنوش، من الشخصيات الأكثر نفوذًا في المغرب، واستطاع تحقيق أهدافه السياسية وخلافة سعد الدين العثماني في منصب رئاسة الحكومة، وتصدّر حزبه برلمان المملكة مستغلًا نفوذه وقوته المالية.
يعتبر عزيز أخنوش، صنيع السلطة ورجل المخزن، وفقًا لعدد من المتابعين للشأن العام المغربي، ويرى خبراء أن حزب أخنوش يمثل للدولة بديلًا ممتازًا لحزب الأصالة والمعاصرة الذي كان يراهن عليه في السابق لمنافسة العدالة والتنمية، إذ يدعم المخزن عزيز أخنوش وحزبه، كونه ضامنًا لمصالحهم في الحكم، وأحد الأوراق التي يستعملها القصر الملكي كلّما استدعت الحاجة لذلك.
تاريخ طويل
لا يرى المحلل السياسي المغربي عبد الوهاب الحسيمي أن المغرب استثناء في مسألة زواج المال والسلطة، فلا توجد دولة من دول العالم الثالث، وفق قوله، تسلم من زواج المال والسلطة ومن مسؤولين في السلطة وتجدهم في نفس الوقت لهم استثمارات ومشاريع وثروات كبيرة.
يقول الحسيمي في حديثه لنون بوست: “المغرب طبعًا كدولة عالم ثالث، ومنذ عقود كان من بين مسؤوليها في مختلف مواقع المسؤولية، رجال أعمال كبار، فكريم العمراني الذي قادة الحكومة المغربية سنة 1971، كان رجل أعمال كبيرًا جدًا، كما أن إدريس جطو الذي تولى منصب الوزير الأول لحكومة 2002 بدوره كان رجل أعمال معروفًا”.
يضيف “واليوم، عزيز أخنوش رئيس التجمع الوطني الأحرار الفائز بانتخابات 8 من سبتمبر/أيلول التشريعية والجهوية والجماعية والمكلف من طرف عاهل البلاد بتشكيل الحكومة، هو الآخر رجل أعمال كبير وله استثمارات طائلة في المغرب وخارجه”.
وفقًا للحسيمي فإن شركة “سهام للتأمين” التي يمكلها رجل الأعمال حفيظ العلمي، هي الشركة الوحيدة التي يحق لها تأمين المتعلمين، يعني كانت تحظى بتأمين 9 ملايين تلميذ مغربي من دون أي منافسة
يقول الحسيمي: “عزيز أخنوش ليس المستثمر الوحيد في المغرب الذي يزاوج بين المال والسلطة، فهناك زميله في الحزب حفيظ العلمي، فهو الآخر رجل أعمال كبير وشغل منصب وزير في عدة حكومات، آخرها منصب وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الرقمي في حكومة سعد الدين العثماني المنتهية ولايتها”.
يذكر أن حفيظ العلمي يملك شركة تأمين كبيرة، لها فروع في معظم الدول الإفريقية بما في ذلك جنوب إفريقيا هي شركة “سهام للتأمين”، هذه الشركة كانت تستفرد بصفقات حكومية من دون أي منافسة من شركات أخرى، فمثلًا، كانت شركة “سهام للتأمين” الشركة الوحيدة التي يحق لها تأمين المتعلمين، يعني كانت تحظى بتأمين 9 ملايين تلميذ مغربي من دون أي منافسة، كما كانت الشركة الوحيدة التي تحظى بتأمين المحاصيل الفلاحية، رغم وجود 15 شركة تأمين في المغرب.
آثار سلبية على المملكة
لزواج المال والسلطة انعكاسات سلبية كبيرة جدًا على نمو وتقدم البلدان وعلى بناء اقتصاد تنافسي، وفقًا لعبد الوهاب الحسيمي، “فهذه الآفة تضرب في العمق عنصر المنافسة الشريفة كإحدى ركائز الاقتصادات القوية، بين مختلف الفاعلين الاقتصاديين”.
يتابع محدثنا “رجل الأعمال السياسي الذي يتولى منصب حكومي أو في أي موقع من مواقع المسؤوليته، طبعًا سيسخر موقعه وسلطته لخدمة مصالحه الاقتصادية ولمراكمة الثروة، فرجل الأعمال صاحب السلطة، يخول له موقعه امتلاك المعلومة ومعروف بأنه في مجال الأعمال والاستثمار أقوى سلاح هو المعلومة”.
يضيف “رجل الأعمال المغربي ورئيس الحكومة المكلف اليوم بتشكيل الحكومة، عزيز أخنوش، راكم ثروته في حيز زمني وجيز جدًا، وبالتأكيد استفاد من موقعه كوزير للفلاحة والصيد البحري في جميع الحكومات المتعاقبة منذ 2007”.
“بعد أن كان يعتبر رجل أعمال مغمور ويغيب نهائيًا عن لائحة ترتيب أغنياء المغرب في التقرير السنوي الذي تعده المجلة الاقتصادية الأمريكية “فوربس”، الذائعة الصيت، صار بعد سنوات من تدبيره للشأن العام من الأغنياء الكبار ليس فقط في المغرب بل من أغنياء القارة الإفريقية”.
صحيح أن أخنوش جنى مالًا كثيرًا وسيجني أكثر نتيجة زواج المال والسلطة، لكن هذا النوع من العلاقات مصيره الخسارة، فالإرث العربي الطويل لهذه العلاقات يظهر أنها كثيرًا ما تبدأ بالربح وتنتهي بخسائر باهظة
يرى الحسيمي أن “زواج المال والسلطة هو وجه من أوجه الفساد، ولا يمكن الحديث أبدًا عن المنافسة الشريفة وبناء اقتصاد قوي تنافسي في ظل وجود هذه الآفة، ففي دولة تغيب فيها أسس المنافسة الاقتصادية الشريفة وتتميز بالاحتكار وبغياب مؤسسات تعنى بمراقبة المنافسة، سيجد رجل الأعمال الذي يمتهن السياسة نفسه دون منافس”.
ومن شأن غياب الشفافية والرقابة والمحاسبة على المال العام في المغرب أن يؤدي لتحول القطاع الخاص إلى امتداد لرجل السلطة الذي يمتهن الأعمال أيضًا، ما سيجعلهم يراكمون الثورة مستغلين نفوذهم في ذلك، فضلًا عن حماية ثرواتهم فالسلطة مصدر القوة والثروة معًا.
هذا الأمر سيؤدي بدوره إلى تزايد التفاوت الاجتماعي في المغرب وتكريس التفاوت الطبقي ما سيؤثر على الطبقات الفقيرة، يذكر أن خُمس أغنى المغاربة يحتكرون أكثر من نصف الدخل الذي يحصلون عليه سنويًّا على المستوى الوطني، متجاوزين “العتبة المقبولة اجتماعيًّا”، بينما يمتلك 20% من الأفقر 5.6% فقط من الدخل الذي تجمعه الأسر المغربية، حسب المعهد المغربي المسؤول عن الإحصاء.
صحيح أن أخنوش جنى مالًا كثيرًا وسيجني أكثر نتيجة زواج المال والسلطة، لكن هذا النوع من العلاقات مصيره الخسارة، فالإرث العربي الطويل لهذه العلاقات يظهر أنها كثيرًا ما تبدأ بالربح وتنتهي بخسائر باهظة.