أين ذهبت الـ5 تريليونات دولار التي أُنفقت في العراق وأفغانستان؟

متخصصون في صناعة الدفاع ينظرون إلى مركبة عسكرية في معرض أسلحة بهولندا

ترجمة حفصة جودة

بينما تتشاجر واشنطن بشأن ما حققته بعد 20 عامًا – إن وجد – وإنفاق نحو 5 تريليونات دولار على الحروب الأبدية، هناك فائز واضح وحيد: صناعة الدفاع الأمريكية.

في العراق وأفغانستان، اعتمد الجيش الأمريكي على مقاولي القطاع الخاص بدرجة غير مسبوقة، للدعم العملي في جميع مناطق عمليات الحرب، يوفر المقاولون الشاحنات والطائرات والوقود والمروحيات والسفن والطائرات دون طيار والأسلحة والذخيرة بالإضافة إلى خدمات الدعم من التزود بالطعام والبناء إلى تكنولوجيا المعلومات والخدمات اللوجيستية (نظام نقل الجنود وتموينهم).

كان عدد المقاولين في الواقع يتجاوز عدد القوات الأمريكية خلال معظم سنوات الصراع، بحلول صيف 2020 أصبح لدى الولايات المتحدة 22562 مقاولًا في أفغانستان أي ما يقارب ضعف عدد القوات الأمريكية.

أدت طريقة وضع ميزانية الحروب والدفع إلى تغذية الكسب السريع لدى صناعة الدفاع، استخدم الكونغرس التمويل الطارئ والمحتمل للتحايل على عملية الموازنة العادية، في العقد الأول من الصراع استخدمت الولايات المتحدة مخصصات الطوارئ التي تُحفظ عادة لأزمات المرة الواحدة مثل الفيضانات والأعاصير.

كانت الرقابة على الإنفاق بشكل تفصيلي محدودة للغاية، ولأن هذا النوع من الإنفاق كان مستثنى من توقعات الميزانية وتقديرات العجز، فقد تمكن الجميع من الاستمرار في التظاهر بأن هذه الحروب ستنتهي قريبًا.

بينما فرض الكونغرس حدود إنفاق شاملة لكل البرامج الحكومية، فإن الإنفاق على الحروب كان مُستثنى بشكل خاص

نتج عن ذلك ما وصفه وزير الدفاع السابق روبرت غيتس بـ”ثقافة المال اللانهائي” داخل البنتاغون، كانت وزارة الدفاع تتخذ القرارات العملية وتدير عملية المزايدة مع المقاولين وتمنح العقود (باستخدام عطاءات غير تنافسية بشكل كبير) وتحتفظ بنحو 10% على الأقل من تمويل الحروب في حسابات سرية.

حتى الأزمة المالية عام 2008 لم تتمكن من اعتراض هذا الإنفاق المتزايد، وبينما فرض الكونغرس حدود إنفاق شاملة لكل البرامج الحكومية، فإن الإنفاق على الحروب كان مُستثنى بشكل خاص.

كان البنتاغون قادرًا على استخدام ميزانية الحرب المحتملة الخاصة لشراء تحديثات وخدمات ومعدات جديدة نادرًا ما يكون لها علاقة بالعراق أو أفغانستان، وهكذا استمرت ميزانية البنتاغون في النمو وتمكنت من مضاعفة حجمها بين 2001 و2020.

تفوقت مخازن الدفاع على مخازن السوق كله بنحو 60% في أثناء حرب أفغانستان، إذ أدت موجة الإنفاق الحربي إلى موجة من الاندماج في الصناعة، فاستحوذت الشركات الخمسة الكبرى وحفنة من الشركات الأخرى – Lockheed Martin وBoeing وGeneral Dynamics وRaytheon وNorthrop Grumman – على الصف التالي من الشركات المصنعة مثل Hughes Aircraft وMcDonnell Douglas.

أنفق قطاع الدفاع أكثر من 2.4 مليار دولار لاستمالة الكونغرس منذ 2001، لذا ليس مفاجئًا أن يكون معظم الإنفاق في وقت الحرب مبذرًا للغاية

في ذلك العام حتى يونيو/حزيران 2020 استأثرت الشركات الخمسة بما يقارب ثلث الـ480 مليار دولار التي خصصها البنتاغون لمقاولي الدفاع، وبينما كان جزء من تلك المبيعات فقط يذهب بشكل خاص للعراق وأفغانستان، فإن الصراع كان مربحًا لكل مقاولي الدفاع الكبار.

فعلى سبيل المثال، صنّعت “Lockheed Martin” مروحيات “Black Hawk” المستخدمة بشكل كبير في أفغانستان، أما “Boeing” فباعت الطائرات ومركبات القتال البرية، وفازت “Raytheon” بالعقد الرئيسي لتدريب القوات الجوية الأفغانية، أما “Northrup Grumman” و”General Dynamics” فوفرتا الإلكترونيات ومعدات الاتصال.

جنى آلاف المقاولين الثانويين حول العالم الأموال من بيع نظارات الرؤية الليلية والمحركات وأكياس الرمال ومعدات الاتصال وكل ما هو متعلق بمساعي الحرب، كما كانت شركات النفط العالمية كذلك من المستفيدين الرئيسيين من الحرب منذ أن أصبح البنتاغون أكبر مشترٍ للوقود في العالم.

في الوقت نفسه؛ أنفق قطاع الدفاع أكثر من 2.4 مليار دولار لاستمالة الكونغرس منذ 2001 ونظم حملة مساعدات مباشرة لمعظم الأعضاء، لذا ليس مفاجئًا أن يكون معظم الإنفاق في وقت الحرب مبذرًا للغاية.

ربما انتهى الآن وجود الولايات المتحدة على الأرض، لكن أمريكا لا تزال بحاجة لاستيعاب تلك التكلفة الباهظة

وثّق المراقبون العامون للعراق وأفغانستان ولجنة تعاقد زمن الحرب والمراقب العام للبنتاغون، تبديدًا وإهدارًا وفسادًا وإنفاقًا وهميًا (إنفاق المال على أنشطة اتضح أنها لم تكن موجودة على الإطلاق).

وفقًا لمحللين حكوميين فإن النتيجة النهائية لتدخل القطاع الخاص على نطاق واسع في العراق وأفغانستان، زيادة التكلفة المادية لعمليات الحروب، فمعظم أموال إعادة الإعمار التي تبلغ 145 مليار دولار أُنفقت على مشاريع مشبوهة بميزانيات تبدو مفرطة، أو لا يمكن حسابها ببساطة، العديد من تلك المشاريع – التي أصبحت مدمرةً أو محطمةً الآن – تصدرت الصفحات الأولى خلال الأسبوع الماضي.

ربما انتهى الآن وجود الولايات المتحدة على الأرض، لكن أمريكا لا تزال بحاجة لاستيعاب تلك التكلفة الباهظة، فقد دُفعت تكلفة الحروب بالكامل من الأموال المقترضة بدلًا من رفع الضرائب – الأمر الذي يحدث لأول مرة في تاريخ الجيش الأمريكي – ولا تزال الولايات المتحدة تدين بتريليوني دولار لاستحقاقات قدامى المحاربين في المستقبل.

هذه المخلفات المالية ستتضاعف بسبب الحاجة إلى استبدال ما دُمر أو خلّفوه ورائهم ببساطة وللدفع مقابل الأسلحة والمعدات التي اشتروها خلال الـ20 عامًا الأخيرة من الإنفاق الدفاعي أولًا بأول، سوف يستمر ميراث الإنفاق الدفاعي الصاخب ما بعد 11 سبتمبر/أيلول ليلتهم ميزانية الولايات المتحدة لسنوات قادمة.

المصدر: الغارديان