جاء الإعلان عن تشكيل حركة حقوق التي يتزعمها حسين مؤنس الذراع السياسية التابعة لكتائب حزب الله العراقي، كتحول مهم في طبيعة العلاقة بين الأجنحة السياسية التابعة للفصائل الولائية داخل تحالف الفتح، الممثل السياسي للفصائل الولائية في البرلمان العراقي، لتكشف بدورها عمق الانقسام السياسي الحاصل بين الفصائل الولائية بخصوص العديد من القضايا والملفات، كما تعكس أيضًا عمق حالة الخذلان (كما عبر عنها حسين مؤنس) من فشل الأصدقاء، وأن الحركة تسعى لتصحيح هذا الفشل.
ساهم صعود الدور السياسي للفصائل الولائية في الشأن السياسي العراقي، بعد مشاركتها في الانتخابات البرلمانية في مايو/أيار 2018، ضمن مسمى تحالف الفتح، وحصولها على 48 مقعدًا، في إعطائها مساحة مهمة لنفوذها وتأثيرها، وتحديدًا بعد تولي عادل عبد المهدي رئاسة الحكومة العراقية، واندلاع تظاهرات أكتوبر/تشرين الأول 2019 الاحتجاجية، واستقالة حكومة عبد المهدي في ديسمبر/كانون الأول من نفس العام، وترشيح مصطفى الكاظمي لتشكيل الحكومة العراقية، تباينت مواقف الفصائل الولائية منه.
ساهمت صراعات القيادة في لعب دور مهم في تأجيج الخلاف الحاليّ بين الفصائل الولائية، وفي هذا الإطار أيضًا، لعبت إيران دورًا في إدارة هذه الصراعات، ففي الوقت الذي فضل فيه هادي العامري قيادة تحالف الفتح، تمكن أبو فدك المحمدواي من تولي رئاسة أركان الحشد الشعبي، في حين تم تعيين أكرم الكعبي بصفة ممثل فيلق القدس في العراق، وهو ما جعل قيادات ولائية أخرى تتمايز عن المواقف الإيرانية في العراق، ومن أبرزهم قيس الخزعلي، الذي وجد نفسه خارج المعادلة الإيرانية في العراق، وبدأ يعتمد سياسات أكثر استقلالية عن الدور الإيراني في العراق، من مطلق الشعور بالعزلة وليس ثبات المواقف.
حركة حقوق ستأخذ على عاتقها ملء الفراغ السياسي في العراق، والعمل على المزاوجة بين الفعل السياسي والعمل العسكري
يمثل الدور السياسي الذي تؤديه الفصائل الولائية، حالة سياسية بدأت تغير الكثير من المفاهيم التي سادت العملية السياسية في العراق، بعد نهاية الحرب على داعش، وأهمها التحول إلى قوة موازية للدولة العراقية، وأخذها على عاتقها تأدية الوظيفة الإيرانية في العراق، والوقوف بوجه أي محاولة حكومية أو شعبية تطمح لإنهاء النفوذ الإيراني، هذا الصعود المثير للفصائل الولائية جاء بعد إجراءات دستورية وسياسية عدة، أهمها القانون رقم 40 لسنة 2016، فضلًا عن تأثير الدور الذي مارسه قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، في ترسيخ هيمنتهم على هيئة الحشد الشعبي وأدواره، إلا أنها في المقابل، واجهت تحديات كبيرة في مرحلة لاحقة.
فقد ظهرت خلافات عديدة على مستوى القيادة الفصائلية والنفوذ الاقتصادي والتأثير السياسي، وهي خلافات ارتبطت بشكل أو آخر، بضعف دور قائد فيلق القدس إسماعيل قآني، ففشل الحكومات العراقية المتعاقبة في ضبط حركة الفصائل الولائية، أسهم في غياب خطوط واضحة لأدوار هذه الفصائل، في داخل وخارج العراق، وهو ما قد ينبئ بتداعيات خطيرة قد يشهدها الواقع العراقي، فيما لو تحولت الخلافات الفصائلية إلى الشارع الانتخابي الذي يستعد لإجراء الانتخابات المبكرة في 10 من أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
نموذج القوة الفصائلية الصاعدة
أظهرت حركة حقوق تمايزًا واضحًا عن بقية الكتل الممثلة للفصائل الولائية التي تستعد للمشاركة في الانتخابات المبكرة في 10 من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وهذا التمايز ظهر بشكل جلي في طبيعة الشعار الذي تتبناه الحركة، في استعارة لنموذج حزب الله اللبناني الذي يوازن بين العمل السياسي والعسكري، كما أنه عند الرجوع إلى البيان التأسيسي للحركة، نجد كثيرًا من التعابير السياسية التي توضح طبيعة الخطاب السياسي الذي تسعى كتائب حزب الله العراقي إلى تبنيه داخل قبة البرلمان المقبل.
إذ أشار الأمين العام للحركة حسين مؤنس إلى أن حركة حقوق ستأخذ على عاتقها ملء الفراغ السياسي في العراق، والعمل على المزاوجة بين الفعل السياسي والعمل العسكري، فقد اعتبر أن العمل المقاوماتي هو بالنهاية جزء من العمل العسكري، كما أوضح أن مشاركة حركة حقوق في الانتخابات المقبلة، بمثابة استفتاء على شرعية المواقف التي تبنتها كتائب حزب الله العراقي في الفترة الماضية، والفرق بين خطاب الحركة وخطاب باقي الكتل الممثلة لفصائل ولائية بعينها، هو أن خطاب الحركة أفعال وليس أقوالًا.
التوجه الأخير لكتائب حزب الله العراقي عبر الدفع بحركة حقوق للاشتراك في الانتخابات المبكرة، يعكس طبيعة الانقسام الحاصل داخل الفصائل الولائية
وفي هذا السياق لاقى سلوك كتائب حزب الله العراقي الأخير، في الدفع بحركة حقوق للاشتراك في الانتخابات المبكرة، تحفظًا كبيرًا من منظمة بدر وعصائب أهل الحق، واعتبرت الأخيرة أن خطوة الكتائب الأخيرة ستضر بوحدة ومستقبل تحالف الفتح، كما جاء على لسان المتحدث باسم عصائب أهل الحق جواد الطليباوي، بل والأكثر من ذلك فإن حركة حقوق بدأت بنسج تحالفات انتخابية بعيدًا عن مظلة تحالف الفتح، وهو الأمر الذي دفع بباقي قيادات الفصائل بتنبيه الحركة إلى ضرورة مراجعة مواقفها السياسية.
إن التوجه الأخير لكتائب حزب الله العراقي عبر الدفع بحركة حقوق للاشتراك في الانتخابات المبكرة، يعكس طبيعة الانقسام الحاصل داخل الفصائل الولائية، وهو انقسام جاء نتيجة جملة من المعطيات السياسية أبرزها: غياب سليماني والمهندس وفشل قآني وتعدد الجهات الإيرانية الفاعلة في الساحة العراقية، فضلًا عن الصراع بين قيادات الفصائل الولائية على المنافع السياسية والاقتصادية، وهي انقسامات قد تتعمق بصورة كبيرة بعد الانتخابات المبكرة، وإمكانية انعكاساتها السلبية على الساحة السياسية، خصوصًا في حالة عدم وجود ضوابط سياسية تحد من خطورتها وتأثيرها.