يبدو أن اليمن قادم على سنتين أسوأ بكثير من الست سنوات السابقة، وهي عمر الحرب في البلاد التي بدأت في الـ27 من مارس/آذار 2015، بإعلان المملكة العربية السعودية تحالفًا عربيًا لإعادة الشرعية التي أطاح بها الحوثيون الموالون لإيران في 21 من سبتمبر/أيلول 2014.
“لن يكون من السهل تسيير استئناف عملية انتقال سياسي سلمية ومنظمة وتشمل الجميع، ولن تكون هناك مكاسب سريعة”، هذه أخطر جملة قالها المبعوث الدولي الجديد إلى اليمن هانز جروندبيرج في أول إحاطة له أمام مجلس الأمن الدولي، الجمعة 10 من سبتمبر/أيلول 2021، فيما يخص الشأن اليمني، وهي لغة جديدة لم يتحدث بها الثلاثة مبعوثين السابقين إلى اليمن.
كان المبعوثون السابقون إلى اليمن، يتحدثون عن أهمية الحل السياسي الشامل وفقًا للمرجعيات الدولية الثلاثة (المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني اليمني وقرارات مجلس الأمن الدولي)، وإن كان مارتن غريفيث تجاهلها، إلا أن المبعوث الأخير يبدو أنه يسعى لإلغاء ذلك تمامًا.
حينما أعلن التحالف العربي بدء مساندة الحكومة الشرعية اليمنية في إعادة الأوضاع إلى ما قبل 21 من سبتمبر/أيلول 2014، وساندها القرار الأممي 2216، بدأت القوات الحكومية بضغط عسكري كبير على الحوثيين، ووصلوا إلى مشارف العاصمة اليمنية صنعاء، غير أن رضوخ الحكومة اليمنية للأمم المتحدة، يبدو أنها كانت غلطة كبيرة ستدفع الحكومة والرئيس اليمني والتحالف العربي ثمنًا باهظًا لذلك، كونها ساهمت في إطالة أمد الحرب في اليمن، بل ومنحت الحوثيين قوةً على الأرض وفي السياسة على ما يبدو.
لقد كان واضحًا (جروندبيرج) في لقاءاته التي سبقت تعيينه مبعوثًا أمميًا، مع مشاركين يمنيين في مؤتمر حواري بإسبانيا، فقد قال إن عليهم (أي المجتمع اليمني وحكومته) نسيان حيثيات 2015، في إشارة للقرار 2216 الذي أصدره مجلس الأمن تحت الفصل السابع، الذي يَعتبر ما قام به الحوثيون انقلابًا على سلطة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف به دوليًا، وهو ما ترجمها في أول إحاطة له لمجلس الأمن الدولي حينما تحدث عن انتقال سياسي سلمي ومنظم.
خلال الفترة الماضية، سُربت ما قيل إنها مسودة تفاهم وصيغة حل، يشارك في إعدادها مجموعة من الخبراء الدوليين
في هذه الجملة، أرسل رسالة مفادها، أنه سيعمل على طي صفحة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، كأنه أصبح المشكلة والمعضلة التي يواجهها اليمن، لكن كيف سيكون ذلك؟ وما البديل؟!
خلال الفترة الماضية، سُربت ما قيل إنها مسودة تفاهم وصيغة حل، يشارك في إعدادها مجموعة من الخبراء الدوليين، تجزء اليمن إلى دويلات، ووقف الحرب في صيغتها الحاليّة، وأن كل جماعة عسكرية تحكم ما تسيطر عليه، لكنه منطق ترفضه كل الأطراف، غير أن الحديث عن تشكيل مجلس رئاسي جديد كان أكثر إلحاحًا خلال الفترة الماضية، بسبب عدم التحرك الجاد من الرئيس اليمني لإنهاء الحرب في اليمن سواء عسكريًا أم سياسيًا.
لكن من الواضح أن مسودة التفاهم والمطالب الشعبية والعسكرية اليمنية الملحة لتشكيل مجلس سياسي وعسكري لإدارة المعركة، ليس ما يقصده جروندبيرج، لكنه يسعى لتعقيد الوضع السياسي أكثر وإضعاف الشرعية أكثر لصالح الحوثيين، وهنا تكمن الخطورة الحقيقية على الشرعية اليمنية.
تقييم المحاولات السابقة
يتحدث المبعوث السويدي إلى اليمن أنه سيبدأ مهمته لإعادة تقييم المحاولات السابقة وفهم ما نجح منها وما لم ينجح في الجمع بين الأطراف من أجل الوصول لحل سلمي، لكنه لم يتحدث عن خطة جديدة لتغيير الوضع وتقييم أسباب المشكلة الحقيقية للحرب للعمل عليها.
فكل المحاولات السابقة من المبعوثين الثلاث كانت جميعها تسعى لكسب ود الحوثيين وتدليلهم واستجداء السلام منهم والضغط على التحالف العربي والحكومة الشرعية بكل الوسائل لتقديم تنازلات كبيرة للحوثيين، لكن الأخيرين رفضوا كل تلك المحاولات، وبسبب ذلك فشلت، ومن الواضح أن هانز جروندبيرج جاء بنفس سياق سلفه لكنه أكثر وضوحًا بحديثه وإشاراته لمهامه القادم.
لم ينس المبعوث الأممي رمي التهم على سلفه السابق البريطاني مارتن غريفيث بالفشل، حينما أشار إلى أن عملية السلام متوقفة منذ 2016، وهنا يبدو أنه يتهم بريطانيا بالفشل في الملف اليمني، معتقدًا أن بتسلم الاتحاد الأوروبي لملف اليمن بواسطته، سيتغير بشكل كبير، وسيعمل على إيجاد تسوية سياسية في اليمن.
الاتهام من سفير الاتحاد الأوروبي السابق إلى اليمن والمبعوث الأممي الحاليّ إلى ذات الدولة، هانز جروندبيرج، يشير إلى أنه ستكون هناك حرب دبلوماسية مفتوحة بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، سيتضرر منها اليمن، وبسبب ذلك ستتطور الحرب في اليمن وستزداد تعقيدًا، وقد أشار في حديثه أنه لن يكون هناك مكاسب سريعة في اليمن!
تشهد محافظة الحديدة يوميًا معارك طاحنة بين القوات اليمنية المشتركة والحوثيين
رغم أن بلاده استضافت الاتفاق الذي وقع في أواخر العام 2018 بين الحكومة اليمنية والحوثيين الموالين لإيران، المشهور باتفاق ستوكهولم، لم يتحدث عنه بشكل حقيقي، لكنه حاول تزوير الواقع بالقول إن محافظة الحديدة تشهد اختبارًا حقيقًا لخفض التوتر، وأن البعثة الأممية هناك تعمل بوتيرة لتنفيذ بنود اتفاق الحديدة كافة.
حديثه غير حقيقي، فمحافظة الحديدة تشهد يوميًا معارك طاحنة بين القوات اليمنية المشتركة والحوثيين، والكثير من التقارير الإعلامية التي تبثها وسائل الإعلام اليمنية والحوثية، تنفي مزاعم هانز جروندبيرج، لكن حديثه يضعنا أمام مشهد عامين من المراوغة وعدم القدرة على تحقيق أي اختراق في جدار الأزمة السياسية في البلد المنهك، وهي بداية غير موفقة في إعادة تقييم المرحلة السابقة، كما يتحدث.
المعركة في مأرب
في القسم الثاني من إحاطته إلى مجلس الأمن الدولي، تحدث هانز جروندبريج، أن بؤر المواجهة العسكرية على مدار الوقت تغيرت، وتناوب المتقاتلون على اتخاذ الأدوار الهجومية، ويجب أن يتوقف الهجوم على مأرب، وهو حديث لا يختلف كثيرًا عن الدعوات العالمية والضغط الأمريكي والأوروبي على الحوثيين لوقف ذلك وسط تعنت الجماعة الموالية لإيران ورفض أي مقترح لوقف الهجوم على المحافظة النفطية والغازية وآخر معاقل الحكومة اليمنية في شمال البلاد.
لكنه لم يدن الهجوم على مأرب، بل تحدث بأهمية توقفه واللجوء إلى الحوار السياسي دون شروط، وحاول أن يعيد تلك الألفاظ المتكررة بأن اقتحام مأرب سيشكل أزمة حقيقية للنازحين والفارين من الحوثيين، دون أن يتحدث عن معالجة حقيقية لوقف ذلك.
الوضع في جنوب اليمن
حاول هانز جروندبيرج أن يتهم المجلس الانتقالي الجنوبي (تجنب ذكره بالاسم)، بعرقلة الشرعية، وأشار إلى أن الأوضاع المأساوية في عدن هي نتيجة منع الحكومة اليمنية من العودة إلى عدن لأداء مهمتها.
على الحكومة اليمنية والتحالف العربي، أن يحذرا من تقديم المزيد من التنازلات
وفي نفس الوقت منحهم الأمل في إشراكهم بأي حوار سياسي، حينما قال إن السلام في اليمن لن يستمر على المدى البعيد إذا لم تلعب الأصوات الجنوبية دورًا في تشكيل هذا السلام على نحو مسؤول.
الخلاصة
يعد مصطلح “انتقال سياسي سلمي” جديدًا وبديلًا عن “الحل السياسي الشامل”، وهي إشارة إلى أنه سيعمل خلال الفترة المقبلة على طي صفحة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وفقًا لقراءة قد تتبين خلال المرحلة القادمة، لكنه لم ينجح لكون الحوثيون يرفضون مبدأ الشراكة في السياسة والحكم.
على الحكومة اليمنية والتحالف العربي، أن يحذرا من تقديم المزيد من التنازلات، بل يجب الضغط على المبعوث الدولي الجديد إلى اليمن بأهمية فرض القرارات الدولية ورفض المساس بذلك، كون العمل على تعديلها أو إلغائها، يعني هزيمة التحالف العربي والحكومة اليمنية والاعتراف دوليًا بسيطرة إيران على اليمن من خلال ذراعها الحوثيين.