تولي الحكومة الجزائرية اهتمامًا كبيرًا للانتخابات المحلية المقبلة المقررة في 27 من نوفمبر/تشرين الثاني القادم، كونها ستكون آخر استحقاق للتخلص من الهيئات المنتخبة الموروثة عن نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، لذلك تأمل في مشاركة مرتفعة للناخبين تضع حدًا للقطيعة مع حالة العزوف التي ميزت الانتخابات التشريعية الماضية.
وتعد المحليات المقبلة أول فرصة لاختيار ممثلين للشعب بالمجالس البلدية والولائية عقب حراك 22 من فبراير/شباط 2019 الذي أطاح بنظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، لكن هذا الاستحقاق حتى إن كان سيعرف مشاركة أحزاب معارضة إلا أن ناشطين يرفضونه ويدعون للعودة إلى تنظيم المسيرات الغاضبة من الخطة التي اعتمدتها الحكومة للخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد.
قبل الموعد
تجري انتخابات 27 من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل قبل عام من موعدها الدستوري، إذ تدخل ضمن الإصلاحات السياسية التي وعد بها الرئيس تبون المتعلقة بتغيير المجالس المنتخبة الموروثة عن حقبة ما قبل 22 من فبراير/شباط 2019، التي انطلقت بانتخاب تبون نفسه في 12 من ديسمبر/كانون الأول 2019، وبعد الاستفتاء الدستوري في الفاتح من أكتوبر/تشرين الأول 2020، وبعدها الانتخابات البرلمانية التي جرت في 12 من يونيو/حزيران الماضي.
يعتبر تنظيم هذه الاستحقاقات بدايةً من تعديل الدستور حتى الانتخابات المقبلة من أبرز الوعود التي تعهد بها الرئيس تبون لدى وصوله إلى سدة الحكم، إذ أصر على تنظيمها رغم رفض بعض أحزاب المعارضة لمسعاه ورغم المشاركة المنخفضة فيها، وأكد في عدة مرات أن ما يهمه هو حدوثها في أجواء تضمن نزاهة ومصداقية الاقتراع.
وعقب انتخابه، وعد تبون بتعديل الدستور وحل البرلمان وإجراء انتخابات برلمانية، إضافة إلى حل المجالس البلدية والولائية (في الولايات) وانتخاب أخرى جديدة.
وكان موعد هذه الانتخابات معرضًا للتأجيل، إذ صرح الرئيس تبون أن إجراءها في نوفمبر/تشرين الثاني مرتبطًا بتحسن الوضعية الوبائية التي عاشتها البلاد جراء الموجة الثالثة لفيروس كورونا.
منذ تعيين السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، قلت شكاوى الأحزاب بشأن حجم التزوير الذي كان يحدث في عهد الرئيس السابق
وحسب رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي، فإن الانتخابات المحلية محطة لاستكمال مسار بناء مؤسسات الدولة، واعدًا أن تسهر هيئاته على ضمان جميع الظروف لإنجاح الانتخابات وتحقيق نسبة مشاركة معتبرة.
ومنذ تعيين السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، قلت شكاوى الأحزاب بشأن حجم التزوير الذي كان يحدث في عهد الرئيس السابق، غير أنها لم تستطع إنهاءه، فقد تحفظت عدة أحزاب في التشريعيات الماضية على بعض التجاوزات التي ميزت عملية الاقتراع، لذلك ستكون مهمتها أثقل في الاستحقاق القادم لإعطاء شرعية أكبر للمنتخبين المنتظرين.
دون شروط
لم تخرج الأحزاب المحسوبة على السلطة والمشاركة في الحكومة عن ديدنها المعهود، فقد سارعت إلى مباركة تنظيم الانتخابات المحلية المسبقة، وفي مقدمتها حزب جبهة التحرير الوطني الفائز بمحليات 2017، الذي كان يرأسه الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
وقال الأمين العام للحزب أبو الفضل بعجي إن الانتخابات المحلية المقبلة ستسمح باستكمال مسار التمثيل الديمقراطي بالمؤسسات المنتخبة في إطار الأحكام المتضمنة في دستور 2020.
وأعلن بعجي أن حزبه “جاهز للمشاركة في هذه الانتخابات التي تجسد إرادة المواطن في تسيير شؤونه المحلية”، غير أن التطورات الأخيرة التي يعرفها حزب بوتفليقة بتجدد حركة الانشقاقات المطالبة برحيل الأمين العام أبو الفضل بعجي قد تفتح المجال لإمكانية فقده لترؤس أكبر عدد من البلديات في الاستحقاق القادم، خاصة إذا كانت المشاركة مقبولة على عكس ما حدث في التشريعيات حينما خدمه العزوف الانتخابي وسمح له بأن يكون في صدارة الأحزاب، مستفيدًا من تجربته الطويلة في الممارسة السياسية.
بدوره، لم يخرج التجمع الوطني الديمقراطي عن إطار تزكية قرارات السلطة التي ميزت تجربته السياسية، فقد أعلن انخراطه في العملية السياسية المتعلقة بموعد 27 من نوفمبر/تشرين الثاني بحجة أنها ترسيخ للتمثيل الشعبي في المجالس البلدية والولائية.
وبعد أن تراجع ترتيبه في الانتخابات التشريعية الماضية ليصبح القوة الحزبية الرابعة في البرلمان، يسعى حزب الوزير الأول الأسبق أحمد أويحيى القابع اليوم في السجن بتهم فساد، بكل الطرق إلى التغلغل محليًا في محاولة لمحو صفة حزب الإدارة التي لازمته منذ تأسيسه عام 1997.
بدورها، أيدت باقي الأحزاب الداعمة للرئيس تبون كجبهة المستقبل وحركة البناء الوطني وتجمع أمل الجزائر إجراء الانتخابات المحلية، وتسعى لأن يكون لها موطئ قدم في المشهد السياسي المقبل خاصة المستقبل والبناء اللذين حققا في التشريعيات الماضية نتائج تاريخية في نضالهما السياسي، ويريدان إثبات أن تلك النتائج حقيقية ولم تكن هدية صفقة مع السلطة.
تحفظات
رغم إعلانها المشاركة في الانتخابات المحلية المقبل، فإن حركة مجتمع السلم (حمس) أكبر حزب إسلامي في البلاد بدأت حملتها الانتخابية المسبقة بتوجيه انتقادات قديمة جديدة لقانون الانتخابات، وذلك لدفع السلطة إلى معالجة الاحتلال الموجود في هذا القانون التي تقول الحركة إنه أحد أسباب حدوث بعض عمليات التزوير في الانتخابات التشريعية الماضية.
واعتبر المكتب التنفيذي الوطني لحمس أن “المعطيات القانونية وأداء السلطة المستقلة للانتخابات، في إدارة المرحلة الأولى المتعلقة بجمع التوقيعات وإعلان الترشيحات، لا تساهم في صناعة بيئة سياسية محفزة على اهتمام المواطنين بالانتخابات، بل تكرس العزوف الانتخابي، وتؤدي إلى صناعة كتلة انتخابية موجهة مسبقًا، فهي لا تكترث بأهمية المشاركة الشعبية، ولا تهتم ببسط الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، ولا تراعي أهمية الانتخابات المحلية وتأثيرها على إدارة شؤون المواطن والجماعات المحلية”.
تفاوض الحركة السلطة لإدخال تعديلات على هذه الجوانب المتعلقة بالانتخابات، بتقاسم عدة أحزاب هذا الاحتجاج وانتقاد ما تعتبره شروطًا تعجيزيةً للترشح
وانتقدت حمس “عدم معالجة الأمرية الرئاسية مشكلة المادة 200 التي استعملت تعسفًا في إسقاط عدد من المرشحين النزهاء والقدرة التنافسية بغير وجه الحق، وتأخر السلطة المستقلة في تسليم الأحزاب السياسية ملفات الترشح واستمارات جمع التوقيعات، في عدد من الولايات، واستهلاك فترة زمنية تصل إلى عشرة أيام من الآجال الممنوحة للأحزاب والمترشحين”.
واستغرب الحزب تعقيد الإجراءات القانونية المتعلقة بجمع التوقيعات بالنسبة للأحزاب السياسية، إذ تلزم الحزب بجمع 800 ألف استمارة توقيع في كل الولايات والبلديات، معتبرًا ذلك “رقمًا خياليًا” بالنظر إلى أن القانون نفسه نص على جمع 50 ألف توقيع للانتخابات الرئاسية و25 ألف توقيع كحالة استثنائية للانتخابات التشريعية الماضية.
وتفاوض الحركة السلطة لإدخال تعديلات على هذه الجوانب المتعلقة بالانتخابات، بتقاسم عدة أحزاب هذا الاحتجاج وانتقاد ما تعتبره شروطًا تعجيزيةً للترشح، كما وكذا بالتهديد بتسبب هذه الإجراءات في مشاركة ضعيفة للأحزاب ما سيترتب عنه عزوف انتخابي للمواطنين قد يكرر ما حدث في التشريعيات الماضية.
المقاطعون يلتحقون
بالنظر لخصوصية الانتخابات المحلية المرتبطة مباشرة بالمواطن وتلبية انشغالاته، تحرص الأحزاب السياسية في الجزائر على الدوام حتى في عهد الرئيس السابق عندما كانت عملية التزوير تحدث في السر والعلن، على الحضور في هذا الاستحقاق الانتخابي، وهو ما يظهر أنه سيتكرر في موعد 27 من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بإعلان أحزاب وتلميح أخرى بالمشاركة رغم الانتقادات الكثيرة التي وجهتها للسلطة في الانتخابات المقبلة بشأن الوضع السياسي في البلاد.
الجمعة الماضية، زف أقدم حزب معارض في البلاد (جبهة القوى الاشتراكية) خبرًا سارًا للحكومة بإعلانه المشاركة في الانتخابات المحلية المقبلة، وهو الذي قاطع كل الاستحقاقات التي جرت بعد حراك 22 من فبراير/شباط 2019.
وقال السكرتير الوطني الأول لجبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش: “مشاركة الحزب في الانتخابات المقبلة خيار إستراتيجي أملته المسؤولية الوطنية للحزب وتمسكه بالوحدة والسيادة الوطنيتين”، وشدد أوشيش على “المحافظة على السلم والتلاحم الاجتماعيين اللذين يتعرضان للعديد من التهديدات الداخلية والخارجية، وتكريس تمثيل حقيقي وفعال للشعب.
ويقصد أوشيش بخطابه منطقة القبائل التي تعد إحدى أكبر قواعده النضالية، التي تشهد في الفترة الأخيرة تطورات كثيرة بعد الحرائق التي اندلعت فيها واغتيال الشاب جمال بن إسماعيل من عناصر تابعة لحركة “الماك” الانفصالية التي تنادي باستقلال المنطقة عن الجزائر، وتلقى دعمًا خارجيًا من فرنسا و”إسرائيل”، وكذا من المغرب حسب ما تقول الحكومة الجزائرية.
في الانتخابات الماضية، منعت حركة الماك المواطنين من التوجه لصناديق الاقتراع وأحرقت عدة مراكز للتصويت، وهو ما جعل نسبة المشاركة لا تتعدى في ولايتي بجاية وتيزي وزو وسط شرق البلاد 1 و2%، ما يعني أن بعض البلديات لم يتم التصويت فيها مطلقًا، وهو ما لا يمكن تكراره في الانتخابات البلدية.
أكد الرئيس تبون عدة مرات أن ما يهمه إجراء الاقتراع في ظروف نزيهة وشفافة أكثر ما يهمه عدد المشاركين
وستجنب مشاركة جبهة القوى الاشتراكية في هذه الانتخابات الحكومة مشكلة الوقوع في أزمة الفراغ السياسي على مستوى بلديات منطقة القبائل، بالنظر إلى شعبية الحزب التاريخية بالمنطقة، كما أن الملاحقة التي تقوم بها مصالح الأمن ضد عناصر الماك في الأيام الأخيرة بعد تصنيفها منظمة إرهابية ستحد من تحركات الأخيرة لإفشال العملية الانتخابية التي قد تعرف مشاركة أكبر في حال ما التحق بقائمة المتنافسين حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية العلماني الذي يحظى هو الآخر بقاعدة لا بأس بها بالمنطقة.
ومن الأحزاب المقاطعة التي قد تلتحق بركب المشاركين حزب العمال الذي جاء في بيان الاجتماع الأخير للجنة المركزية للحزب أنه “تقرر طبقًا لتقاليد الحزب الشروع في العملية القانونية المتعلقة بالتحضير المادي للانتخابات”.
وإن كان التحاق حزب العمل ليس بوزن مشاركة جبهة القوى الاشتراكية التي تراهن عليها السلطة في محو مقاطعة منطقة القبل للاستحقاق وتضييق الخناق على حركة الماك الانفصالية، إلا أنه يبقى يصب في صالح الحكومة كونه سيعطي شرعية أكبر لحلولها السياسية بتقليص عدد المعارضين له، وكذا كونه قد يقلل من نسبة العزوف الانتخابي التي تظل أهم هاجس للسلطة، رغم أن الرئيس تبون أكد في عدة مرات أن ما يهمه إجراء الاقتراع في ظروف نزيهة وشفافة أكثر ما يهمه عدد المشاركين.