بعد 20 عامًا من الهجمات التي شهدها يوم الـ11 من سبتمبر/أيلول 2001، يبدو من اللافت للنظر قلة الأعمال الفنية، خاصة الأفلام التي تدور حول الأحداث المرتبطة مباشرة بالهجمات التي راح ضحيتها 2977 شخصًا في مدينتي نيويورك وواشنطن العاصمة، إذ يمثل هذا الأمر تحديًا صعبًا لصانعي الأفلام مقارنة بعشرات الأفلام الوثائقية التي تعرض مئات الساعات من اللقطات التي تعرض الأحداث الفعلية.
ألهمت الحروب اللاحقة في أفغانستان والعراق عددًا غير قليل من الأفلام السينمائية الطويلة البارزة، وحاولت هوليوود دمج بعض أحداث هذا اليوم في الأفلام بوسائل أخرى، معظمها من خلال تصوير الأشخاص الناجين أو الشخصيات التي تحاول مناقشة تجاربها الخاصة أو الأبطال المتحمسين لدخول الساحة بعد معايشتهم لأحداث هذا اليوم، لكن لا أحد من هؤلاء جميعًا يتعامل مباشرة مع الهجمات.
مركز التجارة العالمي (World Trade Center)
قدم أوليفر ستون أحد قدامى المحاربين في فيتنام ومخرج الأفلام المخضرم، من خلال فيلم “مركز التجارة العالمي” (World Trade Center)، قصة مباشرة عن الرجال والنساء الذين استجابوا لأول مرة لهجمات 11 سبتمبر في مدينة نيويورك، وهي واحدة من القصص القليلة التي حدثت في ذلك اليوم المأساوي.
ضباط شرطة هيئة الموانئ جون ماكلوغلين (نيكولاس كيدج) وويل جيمينو (مايكل بينيا) يبحثان في “جراوند زيرو” أو “أرض الصفر” في مدينة نيويورك عندما انهار المبنى رقم 7، وحوصر الرجلان تحت الأنقاض لساعات طويلة قبل أن يعثر عليهما المحاربون القدامى في مشاة البحرية الأمريكية ديف كارنز (مايكل شانون) وجيسون توماس الذي قام بدوره ويليام مابوثر.
يظهر جيسون توماس كشخصية رئيسية في السلسلة الوثائقية الملحمية المكونة من 6 أجزاء على قناة “ناشيونال جيوجرافيك” بعنوان “11 سبتمبر: يوم واحد في أمريكا” (9/11: One Day in America)، إذ يهدف البرنامج، الذي تم إعداده للاحتفال بالذكرى السنوية العشرين للهجمات، إلى سرد قصة اليوم التاريخي من خلال التركيز على التجارب الشخصية للرجال والنساء الذين مروا بها.
البرج الذي يلوح في الأفق (The Looming Tower)
استنادًا إلى رواية لورانس رايت التي تحمل عنوان “البرج الذي يلوح في الأفق: القاعدة والطريق إلى 11 سبتمبر”، أحد أفضل الكتب مبيعًا، والحائزة على جائزة بوليتزر، يركز هذا المسلسل القصير المكون من 10 حلقات على الخلافات الدائرة داخل مجتمع الأمن القومي الأمريكي باعتبارها أهم العوامل التي ساهمت في وقوع الهجمات، وكيف مهدت المنافسة بين مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) ووكالة المخابرات المركزية (CIA) لأحداث 11 سبتمبر.
رغم ذلك، لم تضمن المبيعات والجوائز التي حصلت عليها الرواية المقتبسة عن قصة حقيقية ظهور الأحداث الدراماتيكية على الشاشة كما هي، ولم يتتبع هذا المسلسل إلى حد كبير كيف فشلت المخابرات الأمريكية ووكالات الأمن في وقف هجمات 11 سبتمبر، وبدلاً من ذلك، انصب التركيز على كيفية وأسباب نجاح مجموعة صغيرة ممن وُصفوا بـ”الإسلاميين”، انطلاقًا من كرههم الشديد لأمريكا.
“يونايتد 93” لا يقدم فقط مشاهد تحاكي ما حدث داخل الطائرة المنكوبة، بل يُظهر للمشاهد حالة الذعر والفوضى التي عصفت بمن يتتبعون حركة الطيران في صباح هذا اليوم
يبدأ المسلسل عام 1998، في الوقت الذي اشتهر فيه زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن الذي يؤدي دوره الممثل الفرنسي من أصل جزائري طاهر رحيم في الأوساط الأمنية الغربية، ثم ينتقل ليشرح رحلة صعود والد أسامة – الذي يوصف بأنه عامل يمني أمِّي – ليصبح أكبر مقاول في السعودية، وصولًا إلى تشكيل البرنامج المبكر لتنظيم القاعدة الذي يتمحور حول إخراج القوات الأمريكية من الشرق الأوسط بعد لجوء السعوديين إلى الولايات المتحدة.
يونايتد 93 (United 93)
يُعد فيلم “United 93” الذي أنتج عام 2006 أول فيلم روائي طويل في هوليوود يتم عرضه في ذلك اليوم الرهيب، ويستعرض خلاله المخرج البريطاني بول غرينغراس بأسلوبه المبتكر الذي يعتمد على الكاميرا المحمولة قصة رحلة الخطوط الجوية المتحدة (United Airlines) كجزء من هجمات 11 سبتمبر.
تريلر فيلم “يونايتد 93”
دون مقدمات أو موسيقى تمهيدية، يُفتتح “يونايتد 93” بمجموعة من الرجال المسلمين يتذمرون في غرفة فندق، الأربعة هم الخاطفون الذين حددهم لاحقًا مكتب التحقيقات الفيدرالي وهم: سعيد الغامدي وأحمد الحزناوي وأحمد النامي وزياد جراح، ونظرًا لتميزه بنظارته وحاجبه الأسود الثقيل الذي يعلو عينيه القلقتين، سرعان ما أصبح الأخير الخاطف الأكثر أهمية في رواية غرينغراس، هذا لأنه سيقود الطائرة.
أدرك ركاب الطائرة أن هؤلاء الخاطفين خططوا لعمل شرير، واقتحموا قمرة القيادة، وتحطمت الطائرة في حقل في ولاية بنسلفانيا قرب شانكسفيل، وقُتل كل من كانوا على متنها بما فيهم الخاطفون الأربع، إنها واحدة من أكثر القصص المروعة، ومع ذلك فهي قصة مفعمة بالأمل في يوم مليء بالحزن.
“يونايتد 93” لا يقدم فقط مشاهد تحاكي ما حدث داخل الطائرة المنكوبة، بل يُظهر للمشاهد حالة الذعر والفوضى التي عصفت بمن يتتبعون حركة الطيران في صباح هذا اليوم، ويُصنف كواحد من أفضل أفلام الإثارة إن لم يكن في الواقع قصة حقيقية مرعبة، رغم ذلك لا يزال الكثير مما حدث على متن الطائرة مجهولًا.
12 سترونج (Strong 12)
في أكتوبر/تشرين الأول 2001، نشرت الولايات المتحدة إحدى فرق القوات الخاصة المعروفة باسم “ODA 595″، التي أُرسلت إلى أفغانستان للإطاحة بنظام طالبان بعد أسابيع من هجمات 11 سبتمبر كجزء من مهمة سرية غير تقليدية تُعرف باسم “Task Force Dagger”، حيث كانت القوات الأمريكية تعتزم تعقب المسؤولين عن هجمات 11 سبتمبر، في حين كانت حركة طالبان قد وفرت ملاذًا آمنًا لزعيم القاعدة أسامة بن لادن في أفغانستان.
الفيلم الذي يروي قصة أولى القوات البرية التي قامت بالرد بعد الهجمات، مأخوذ عن كتاب “جنود الخيول” (Horse Soldiers) للصحفي دوغ ستانتون، وهو من أكثر الكتب مبيعًا، نظرًا لسرية تفاصيل المهمة عند نشر الكتاب، لم يُذكر أي شخص باسمه الحقيقي، واُستخدمت تلك الأسماء المستعارة في الفيلم، لكن سُمح لـ”جنود الخيول” الحقيقيين بتعريف أنفسهم وسرد قصصهم في وقت قريب من إصدار الفيلم.
يحتفي الفيلم بدور وكالة الاستخبارات الأمريكية والجيش اللذين أدى تفانيهما في البحث في النهاية إلى سقوط بن لادن، لكنه يشكك في الوقت نفسه في التكتيكات الأمريكية والقيم الأخلاقية.
قدم القتال على الأرض في أفغانستان اختبارًا جديدًا لجنود القوات الخاصة الذين أُرسلوا لإكمال المهمة، وجرى الترويج في نهاية الفيلم إلى أن فرقة “جنود الخيول” والعديد من فرق القبعات الخضراء الأخرى – جنبًا إلى جنب مع نظرائهم في وكالة المخابرات المركزية والزعماء الأفغان المناهضين لطالبان – ساعدت في تحرير أفغانستان من قيادة طالبان بعد أشهر فقط استهداف برجي مركز التجارة في مانهاتن ومبنى البنتاغون.
30 دقيقة بعد منتصف الليل (Zero Dark Thirty)
بعد اكتمال غزو أفغانستان، لم يمنح القادة الأمريكيون القوات على الأرض السلطة الكاملة لملاحقة أسامة بن لادن وأعضاء تنظيم القاعدة الآخرين، ما أدى إلى لعبة “القط والفأر” التي استمرت ما يقرب من عقد من الزمان، إذ حاول رجال الاستخبارات تحديد مكان العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر.
فازت المخرجة كاثرين بيجلو وكاتب السيناريو مارك بوال بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم لعام 2010 بعنوان “خزانة الألم” (The Hurt Locker)، وكان متوقعًا لفيلمهما عن مطاردة بن لادن أن يحصد أرفع جائزة سينمائية في العالم عندما صدر عام 2012، أي بعد أكثر من عام بقليل من قضاء القوات الأمريكية الخاصة على بن لادن في غارة على مدينة أبوت آباد الباكستانية.
يحتفي الفيلم بدور وكالة الاستخبارات الأمريكية والجيش اللذين أدى تفانيهما في البحث في النهاية إلى سقوط بن لادن، لكنه يشكك في الوقت نفسه في التكتيكات الأمريكية والقيم الأخلاقية، ويثير السؤال عن سبب استغراق الولايات المتحدة وقتًا طويلًا لمحاسبته، فقد كانت تكلفة النجاح باهظة للغاية ولا يمكن تجاهلها.
أفلام 11 سبتمبر بعد 20 عامًا
في أعقاب أحداث 11 سبتمبر، تجنبت الأفلام عرض مشاهد الدمار ولقطات الضرر الذي لحق ببرجي مركز التجارة العالمي والمنطقة المحيطة به، وكانت الأفلام الجديدة عن هذا الموضوع بطيئة في الظهور، وركزت معظم الأعمال الدرامية التي تضمنت أفلام مثل “جارهيد” (Jarhead) و”أسامة” (Osama) و”الناجي الوحيد” (Lone Survivor)، على الألم الذي يعاني منه المقاتلون والمدنيون على حد سواء.
في مقال بصيحفة “وال ستريت جورنال”، يرى الناقد السينمائي جو مورغينسترن أن السينما ابتعدت إلى حد كبير مع مرور الوقت عن المأساة نفسها، وفي معظم الأحيان، فعلت هوليوود ما كانت تفعله دائمًا في الأوقات العصيبة، فقد ركزت على الهروب من الواقع لمنح الجماهير ما يريديونه من الترفيه، وكان الرهان الأكبر والأكثر نجاحًا على هذه النتيجة قد دخل حيز التنفيذ بالفعل قبل 11 سبتمبر، بقرار شركة الإنتاج والتوزيع السينمائي “وارنر براذرز” (Warner Bros) تمويل ثلاثية “سيد الخواتم” (The Lord of the Rings).
في المقابل، ألقت الأفلام الوثائقية الضوء بمزيد من التحقيق والتحليل للأحداث، في حين أن الروايات الخيالية، وهي النوع الذي يصل إلى أكبر عدد من رواد السينما، نادرًا ما عالجت فداحة أحداث 11 سبتمبر مباشرة، وفضَل كُتَابها تصوير الأحدث بطريقة غير مباشرة، وهكذا ظهر فيلم “فارس الظلام” (The Dark Knight)، وهو ثاني أفلام باتمان الثلاثة للمخرج كريستوفر نولان، بعد ظهوره لأول مرة عام 2008 كقصة رمزية للهجوم، وتم الترويج له من خلال ملصق يُظهر الدخان المتصاعد واللهب القادم من ناطحة سحاب محطمة، إلى جانب الشخصية الشريرة أو الجوكر بصفته العدو الإرهابي لمدينة جوثام.
بعد ذلك، سقطت المدينة تحت حصار كائنات فضائية في فيلم “المنتقمون” (The Avengers) عام 2012، وتكرر الأمر على يد الجنرال “زود” الشرير عام 2016 خلال أحداث فيلم “باتمان ضد سوبرمان: فجر العدالة” (Batman v Superman: Dawn of Justice) للمخرج زاك سنايدر، وقد يبدو هذا منطقيًا تمامًا في سياق ما باتت السينما الأمريكية تقدمه بعد عقدين من الهجمات الدامية، وكأن هؤلاء الأبطال الخارقين هم سبب بقاء الأمريكيين بمأمن من الكوارث التي تهدد الكوكب، وليس فقط الهجمات الإرهابية.