في مثل هذا التوقيت من كل عام، تنشط اعتداءات جماعات الهيكل على المسجد الأقصى، تزامنًا مع موسم الأعياد اليهودية الذي يبدأ من رأس السنة العبرية إلى عيد العُرش بمدة 20 يومًا، وهو ما يعد الأسوأ والأخطر على المسجد الأقصى تاريخيًّا، ففيه ارتكبَ الاحتلال مجزرة الأقصى عام 1990، واندلعت هبّة البراق عام 1996، وانطلقت شرارة الانتفاضة الثانية عام 2000، وهبّة القدس عام 2015.
وخلال الأيام الماضية، وكما جرت العادة دعت جماعات ومنظمات الهيكل المزعوم مناصريها من المستوطنين، لاقتحام المسجد الأقصى بشكل جماعي ومكثّف خلال الأعياد. فما تاريخ جماعات الهيكل، وما أهدافها؟
جماعات الهيكل
تعتبَر جماعات الهيكل تكتُّلًا يُطلَق على عدد من المنظمات والحركات القومية والدينية اليهودية اليمينية المتطرفة، التي تستهدف مدينة القدس المحتلة وخاصة المسجد الأقصى لإقامة هيكل سليمان المزعوم مكانه.
ويسعى التكتُّل إلى ضمّ كل الجماعات اليهودية المهتمّة بهدم الأقصى في جماعة واحدة، ومنها: جماعة حرّاس الهيكل، بناء الهيكل، “إسرائيل” الفتاة، كاخ، أمناء الهيكل، حركة نساء من أجل الهيكل، التاج الكهنوتي، إعادة التاج، جماعة الاستيلاء على الأقصى، وحركة عائدين إلى الجبل.
ووفق مركز المعلومات الفلسطيني، فإن جماعة أمناء الهيكل تأسَّست إثر حرب يونيو/ حزيران عام 1967، وتتّخذ مدينة القدس المحتلة مقرًّا رئيسيًّا لها، إلا أن لها فرعًا في الولايات المتحدة الأميركية يقوم من خلاله مسيحيون متطرِّفون من كاليفورنيا بتقديم الدعم المالي لها، وتعتقد الجماعة أن على اليهود إعادة بناء الهيكل الثالث المزعوم مكان المسجد الأقصى، وذلك للتحضير لمجيء المسيح.
ويشيرُ المركز الفلسطيني إلى أن الحركة حاولت أكثر من مرّة إرساء حجر الأساس للهيكل المزعوم، بعد أن تمَّ تجهيزه وفق مواصفات توراتية، لكن محاولاتها فشلت حتى الآن.
بيّن جمال عمرو، الخبير في تاريخ القدس والمسجد الأقصى، أن سبب وجود جماعات الهيكل هو إبقاء الكيان الصهيوني على قيد الحياة، لذا هم يمثّلون مبرِّرَ “إسرائيل” للبقاء.
وأقسمَ أعضاء هذه الحركة منذ تأسيسها عام 1967 على شنّ حرب مقدسة حتى تحرير “جبل الهيكل” حسب تعبير الحركة، وبناء الهيكل الثالث مكان قبّة الصخرة والمسجد الأقصى اللذين يجب إعادتهما -حسب ما تطرح هذه الحركة- إلى مكّة.
وتدّعي هذه الحركة أن صخرة إبراهيم الخليل وإسحاق موجودة تحت قبّة الصخرة، وعليها همَّ إبراهيم بتقديم ابنه إسحاق -حسب اعتقادهم- قربانًّا لله كما أُمِر، ويؤمن أعضاء هذه الحركة بأن جنّة عدن تقع في ذلك المكان، الذي يشكّل بؤرة العالم بأسره.
وبدوره يؤكد جمال عمرو، الخبير في تاريخ القدس والمسجد الأقصى، لـ”نون بوست” أن جماعات الهيكل هي جماعات صهيونية متطرفة عددها 28 منظمة، تدّعي كلها العمل لأجل الهيكل، مبيّنًا أنهم ليسوا متديّنون كما يدّعون بل هم عصابات هدفها القتل والتخريب.
كما بيّن أن سبب وجودهم هو إبقاء الكيان الصهيوني على قيد الحياة، لذا هم يمثِّلون مبرِّرَ “إسرائيل” للبقاء، منوِّهًا إلى أن جماعة الهيكل هي عبارة عن منظومه تمنح الاحتلال السبب الديني لجلب الدعم من الدول الغربية.
ولفت إلى أن حاخامات الجماعة يتنافسون ليس حبًّا بالدين، بل حبًّا بالمال وتحقيق المصالح، لهذا تجدُ في منازلهم ملايين الدولارات ويرتكبون جرائم وفضائح لا حصر لها.
أهداف قريبة وبعيدة
يعتقد أعضاء الجماعة، استنادًا لما جاء في العهد القديم، أنه لا بدّ من توفُّر 3 شروط لمجيء المسيح ابن داود ولخلاص شعب “إسرائيل”، وهي: قدوم كل اليهود إلى الديار المقدسة، وقيام دولة “إسرائيل” على الأرض التي وعدَ بها الله لإبراهيم وإسحاق ويعقوب، وإعادة بناء الهيكل الثالث في الحرم القدسي الشريف. وبناءً على ما سبق تعتبرُ حركة أمناء الهيكل ظاهرة قيام “إسرائيل” بداية لخلاص العالم بأسره، وتقول الحركة إن الشرط الأول قد تحقّق.
لم تدّخر ما تُسمّى جماعات الهيكل جهدًا ولا وسيلة إلا واستخدمتها لأجل الترويج لهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم مكانه، من خلال تكثيف الاقتحامات المركزية والبرامج الإرشادية، وزيادة ساعات الاقتحامات والوجود اليهودي في المسجد، مع دعواتها المتكرِّرة لإغلاق مصلى باب الرحمة وتحويله لكنيس يهودي.
تسعى جماعات الهيكل للوصول إلى أهدافها الاستراتيجية طويلة الأمد، وهي تحرير “جبل الهيكل” (الحرم الشريف) من الاحتلال العربي الإسلامي -حسب تعبيرها-، ثم إعادة تشييد الهيكل الثالث المزعوم.
ويشير المركز الفلسطيني للمعلومات أن الحركة وضعت لنفسها أهدافًا قريبة الأمد، وهي تقوية الحركة تنظيميًّا في القدس؛ لتحقيق أهدافها بعيدة الأمد، القيام بتوعية الشعب لفهم “خطة الله” في موضوع خلاص “إسرائيل”، بالإضافة إلى نشر رسالة الحركة ومبادئها عبر الوسائل الإعلامية وعقد المؤتمرات بجانب “جبل الهيكل”، وأخيرًا استيطان القدس القديمة، أو “القدس التوراتية” حسب تعبيرها.
وبالأهداف السابقة تسعى جماعات الهيكل للوصول إلى أهدافها الاستراتيجية طويلة الأمد، وهي تحرير “جبل الهيكل” (الحرم الشريف) من “الاحتلال العربي الإسلامي” حسب تعبيرها، ثم إعادة تشييد الهيكل الثالث المزعوم، والذي سيكون بيت عبادة لشعب “إسرائيل” ولكل الأمم، وأخيرًا إقامة “إسرائيل” التوراتية “من الفرات إلى النيل”.
ووفق الخبير عمرو، فإن الحركة ترفض أي تسوية مع الفلسطينيين، وتعتبرها زائفة، إذ إنها ستؤدّي إلى انقسام “إسرائيل”، وكسر وعد الله والرباط المقدّس والعهد بين الله وشعبه، مبيّنًا أن الحركة تتمسّك بالقدس وتعتبرُها عاصمة موحَّدة غير مقسَّمة لدولة “إسرائيل” المزعومة. ويذكرُ مركز المعلومات الفلسطيني أن أبرز قياداتها هم: جرشون سلمون وستانلي غولدفوت.
نفوذ عميق
بدأت الاقتحامات للمتطرّفين اليهود بحلول عام 2003 بقرار قضائي، ومنذ ذلك الحين بدأوا يعوِّلون على تحقيق التقدم بشكل متدرِّج، فانطلقوا بالاقتحامات الفردية ثم الجماعية عام 2006، حتى وصل الحال الآن إلى تأدية صلوات تلمودية علنية في ساحات المسجد أثناء مسار الاقتحامات.
ولجأت جماعات الهيكل إلى تعزيز تواجدها السياسي داخل الكنيست لتحقيق أهدافها، وحول ذلك قال الباحث في شؤون القدس زياد ابحيص إن الحاخام مئير كاهانا شكّل الاختراق السياسي الأول لهذه الجماعات، إذ تمكّن من دخول الكنيست تحت ستار تقدُّم اليمين الإسرائيلي بين عامَي 1984 و1988، لكنه مُنع لاحقًا من الترشُّح بقرار من المحكمة.
وكان الدخول اللاحق لهذه القوة إلى الكنيست عام 2003 بنائبَين، ثم تطوّر -وفق ابحيص- فأصبح 3 نوّاب عام 2006، و7 نوّاب عام 2009، وفي عام 2013 بلغ عدد نوّاب جماعات الهيكل 13 نائبًا، وفي 2015 وصلوا إلى 17 نائبًا.
أما في انتخابات شهر أبريل/ نيسان عام 2019 فكانوا 13 نائبًا، وفي انتخابات شهر سبتمبر/ أيلول بالعام ذاته وصلوا إلى 17 نائبًا، وفي الانتخابات التي عُقدت في شهر مارس/ آذار عام 2020 وصلوا إلى 18 نائبًا.
وعلّق الباحث المقيم في الأردن على ذلك بقوله إن تلك الجماعات والنواب المتحالفين معها، أو المتبنّين لمقولاتها طلبًا للشعبية، باتوا يشكّلون كتلة ثابتة بين 17 إلى 18 نائبًا في الكنيست، أي يشغلون نحو 15% من مقاعده، وبما أنهم جزء عضوي من اليمين الحاكم فهم يشكّلون 30% من الائتلاف الحاكم تقريبًا، ويتوزّعون بين حزب الليكود الحاكم وائتلاف يمينا أو حزب البيت اليهودي سابقًا.
اعتداءات في طريق الوصول
طيلة السنوات الماضية، كان الأقصى هدفًا استراتيجيًّا للجماعات اليهودية المتطرفة التي بدأت تتّسع دائرتها من حيث العدد والنفوذ، وباتت تتغلغلُ في حكومة الاحتلال، وتحدِّد السياسات العامة لها بشأن الفلسطينيين ومقدّساتهم، وتحديدًا الأقصى.
وتشكّل جماعات الهيكل رأس الحربة في تنفيذ مخطط إسرائيلي يستهدفُ الأقصى وتغيير الوضع القائم فيه، وفرض وقائع جديدة، وفق الناشط المقدسي المختص في شؤون القدس فخري أبو دياب.
ويوضِّح أبو دياب أن الجماعات اليهودية الدينية والصهيونية العالمية وُظِّفت لأجل تقسيم الأقصى أو اقتطاع جزء منه، كي تمهّد الطريق أمام هدمه لصالح إقامة الهيكل فوق أنقاضه، وتدعم جماعات الهيكل الاحتلال في سياسته بتفريغ الأقصى من المسلمين، وتطالب بفتح باب المغاربة على مدار الساعة لإتاحة المجال للمتطرفين لتدنيسه.
ويضيف أبو دياب أن جماعات الهيكل تُعتبَر الأداة التنفيذية للاحتلال لتغيير الواقع بالأقصى، خاصة أن هناك 60% من الإسرائيليين يؤيّدون ما تقوم به تلك الجماعات.
ومن بين الحاخامات الداعمين لجماعات الهيكل الحاخم يهودا عليك، الذي يعدّ من أبرز المدافعين عما يُسمّى “جبل الهيكل”، وعرّاب اقتحامات الأقصى.
الكثير من المؤرِّخين يرون أن تلك الجماعات ستكون السبب في زوال “إسرائيل”، في حال قررت الإقدام على أي حماقة داخل الأقصى غير محسوبة العواقب.
من جانبه يرى المختصّ في شؤون القدس جمال عمرو أن جماعات الهيكل أداة مهمة وسلاح لدى حكومة الاحتلال بغية تنفيذ مخططاتها المتعلِّقة بالقدس المحتلة والأقصى، حيث إنها تحظى بدعم حكومي ماديًّا وسياسيًّا ومعنويًّا.
ويشير أن هذه الجماعات حقّقت على مدار سنوات تقدُّمًا بشأن الأقصى، وخاصة على صعيد تكثيف الاقتحامات ومحاولة أداء صلوات تلمودية، وكذلك الوصول إلى مراكز القرار في حكومة الاحتلال، موضّحًا أنها نجحت في افتتاح 200 كنيس في الأوقاف الإسلامية جميعها ملاصقة لحائط البراق، كما تمكّنوا من بناء كنيس كبير ومعهد الهيكل لتدريب التلاميذ على التطرف والمعتقدات الدينية الخاصة بهم.
لكن في المقابل يعتقد عمرو أن حتى الهيكل لا يجمع اليهود وفق دراسات أكّدت ذلك بنسبة 60% من المجتمع الصهيوني، مشيرًا إلى أن الكثير من المؤرِّخين يرون أن تلك الجماعات ستكون السبب في زوال “إسرائيل”، في حال قررت الإقدام على أي حماقة داخل الأقصى غير محسوبة العواقب.