أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، انطلاق ما أسماه “الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان“، بعد قرابة أكثر من 20 شهرًا من الاجتماعات المستمرة بين اللجنة الدائمة العليا لحقوق الإنسان (تأسست في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 بقرار من رئيس الحكومة لإدارة ملف حقوق الإنسان) ومؤسسات الدولة من برلمان وبعض كيانات المجتمع المدني.
ومن داخل العاصمة الإدارية الجديدة، وفي حفل دعي إليه العديد من الشخصيات الدبلوماسية، المصرية والدولية، بجانب ممثلي عدد من الجهات الرسمية وبعض الشخصيات العامة، تناقلته العديد من وسائل الإعلام على الهواء مباشرة، كشف النقاب عن تلك الإستراتيجية المكونة من 78 صفحة وتهدف بحسب ديباجتها إلى “النهوض بكل حقوق الإنسان في مصر. من خلال تعزيز احترام وحماية كل الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتضمنة في الدستور والتشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية والإقليمية المنضمة إليها مصر، تحقيقًا للمساواة وتكافؤ الفرص دون أي تمييز”.
الإستراتيجية التي قوبلت باحتفاء كبير لدى إعلام الدولة والمنافذ الداعمة للنظام، جاءت في أعقاب بعض الخطوات التي اتخذتها السلطات مؤخرًا تمهيدًا لهذا الإعلان، من بينها إطلاق سراح بعض سجناء الرأي من بين نشطاء المجتمع المدني، وحلحلة بعض القضايا على رأسها القضية رقم ( 173) المعروفة إعلاميًا بـ”قضية التمويل الأجنبي”، وهي المؤشرات التي فسرها البعض بالاستباقية تمهيدًا للإستراتيجية الجديدة.
ربما يكون العنوان جميلًا وبراقًا ويبعث على التفاؤل، لكنه – كغيره من الشعارات التي تتبناها الدولة خلال السنوات الأخيرة – مخادعًا إلى حد كبير، وسرعان ما يصطدم بواقع مذرٍ وممارسات على الأرض تضرب بكل أبجديات حقوق الإنسان عرض الحائط، ما دفع البعض للسخرية من هذه الخطوة التي لا تتجاوز إطار الشو الإعلامي والسياسي ذا المآرب الأخرى، أما الوضع ميدانيًا فيكفي زيارة واحدة لأحد سجون مصر كالعقرب أو طرة للوقوف على التفاصيل المؤلمة بعيدًا عن السردية الوردية التي يسعى النظام لتصديرها للعالم.
هذا ما على الورق
تأسست الإستراتيجية الحقوقية المزعومة – بحسب المنصوص في استهلالها – على “رؤية تهدف إلى النهوض بكافة حقـوق الإنسان فـي مصـر، مـن خلال تعزيــز احتــرام وحمايــة كافــة الحقــوق المدنيــة، والسياســية، والاقتصاديــة، والاجتماعيــة، والثقافيــة، المتضمنـة فـي الدسـتور والتشـريعات الوطنيـة والاتفاقيات الدوليـة والإقليمية المنضمـة إليهـا مصـر؛ تحقيقًا للمســاواة، وتكافــؤ الفــرص دون أي تمييــز”.
وتستند إلى 3 مرتكزات أساسية، أولها الضمانات الدستورية في مجال حماية وتعزيز واحترام حقوق الإنسان، إذ يكفـل الدسـتور المصـري حمايـة كل مبـادئ حقـوق الإنسان وحرياتـه الأساسية، ثانيها الالتزامات الدولية والإقليمية للدولة المصرية في مجال حقوق الإنسان، إذ شاركت القاهرة في صياغة الإعلان العالمي والعهدين الدوليين لحقـوق الإنسان.
أما المرتكز الثالث للإستراتيجية فينطلق من رؤية “مصر 2030” التي أطلقها النظام لتحقيق التنمـة الشاملة مـن خـلال بنـاء مجتمع عادل يتميز بالمسـاواة والتوزيـع العادل لفوائد التنمية، وتحقيق أعلى درجات الاندماج المجتمعي لكل الفئـات، وتعزيز مبادئ الحوكمة.
وهذا هو الواقع
لم يكن هذا الجانب الوردي الذي تضمنه الوثيقة هو كل الصورة، فهناك جانب آخر، أكثر ظلامًا وقسوةً وإيلامًا، يخالف كل المرتكزات التي استندت إليها تلك الإستراتيجية، وثقته عشرات المنظمات الحقوقية استنادًا إلى تقارير وشهادات شهود عيان وضحايا سابقين، كشفت أنه منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي عن السلطة في يوليو/تموز 2013، شنت السلطات المصرية واحدة من أبشع الحملات القمعية في التاريخ.
الحملة استهدفت المدافعين عن حقوق الإنسان وعلى الحقوق المدنية والسياسية بشكل أعم، ولم تترك طائفة أو تيار سياسي أو مدني داخل البلاد إلا وكان له نصيب من الاستهداف، سياسيين وأطباء وصحفيين ورجال أعمال ونشطاء ونقابيين وعمال وغيرهم، فيما تجاوز عدد القابعين في المعتقلات لأسباب سياسية 60 ألف مواطن وفق الإحصاءات الحقوقية.
ووثقت شهادات ضحايا القمع في مصر عما يتعرض له المعارضون والمحتجزون من تعذيب ممنهج، بعضهم توفى وآخرون على قوائم الانتظار، ما دفع خبراء الأمم المتحدة للتحذير من تلك الظروف المتدهورة التي تعرض حياة وصحة المعتقلين للخطر.
مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، بهي الدين حسين، في وصفه للحالة الحقوقية في مصر يقول: “الناس في مصر عاشوا في الماضي في ظل حكومات مستبدة، لكن المستويات الحاليّة من الاستبداد غير مسبوقة في تاريخ مصر الحديث. العواقب ربما تكون مرعبة على حقوق الإنسان وعلى الاستقرار الإقليمي”.
وانطلاقًا من تلك الوضعية الإنسانية الكارثية حذرت أكثر من مئة منظمة حقوقية بارزة من شتى أنحاء العالم في رسالة وجهتها، العام الماضي، إلى وزراء الخارجية من أن مجتمع حقوق الإنسان المصري يواجه “إفناء” من حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
المنظمات الموقعة على الرسالة، أشاروا إلى أن المصريين منذ خلع الرئيس الراحل حسني مبارك في 2011 يعيشون في ظل حكومة قمعية تخنق كل أشكال المعارضة والتعبير السلمي، لافتين إلى أن نضال حقوق الإنسان في مصر وصل إلى “مفترق طرق حرج”، محذرين من أن “عدم تحرك شركاء مصر والدول أعضاء مجلس حقوق الإنسان قد أدى إلى تجرؤ الحكومة المصرية في جهودها لإسكات أي معارضة وتهشيم أوصال المجتمع المدني المستقل”.
مجتمع مدني مستأنس
بالعودة إلى الوثيقة الحقوقية المعلنة، يلاحظ أن أول وتر حرصت على العزف عليه كان “المجتمع المدني” الذي يعد الضحية الكبرى للنظام خلال السنوات الماضية، الذي بسببه أيضًا تعرضت القاهرة لانتقادات دولية، كان لها تداعياتها – وقد يكون مستقبلًا كذلك – على توجهات بعض الدول حيال النظام المصري الحاليّ.
النسبة الكبرى من حضور حفل التدشين كانوا رموز المجتمع المدني، في رسالة حرص السيسي ونظامه على تصديرها للداخل والخارج، وهو ما انعكس بالفعل على ردود فعل المشاركين حيال هذه الخطوة التي وصفوها بأنها “إيجابية” كما جاء على لسان المحامي الحقوقي نجاد البرعي.
البرعي وهو أحد ممثلي منظمات المجتمع المدني الذين شاركوا في جلسات إبداء الرأي تجاه الإستراتيجية، في تصريحاته لموقع “مدى مصر” أشار إلى أن “إطلاق الإستراتيجية لا يعني حل كل المشاكل غدًا أو حتى خلال السنوات المقبلة، مشددًا على أنها ليست إعلان مصالحة وطنية شاملة أو عفو عام ويجب وضعها في سياقها”.
الطريف في حديث الحقوقي المصري الإشارة إلى ترحيب الحكومة بمؤسسات المجتمع المدني في أنشطة بعينها، رصدها هو بنفسه في جمع التبرعات والزكاوات التي تقوم بها جمعيات مثل مصر الخير والأورمان ورسالة، وذلك بسبب أنهم يساعدون الحكومة في مشروع “تكافل وكرامة” المنسوب للسيسي، كذلك تبرعاتهم المستمرة لصندوق “تحيا مصر” الذي يديره الرئيس بنفسه ويروج من خلاله لمشروعاته الإنسانية التي تسوق له سياسيًا ومجتمعيًا.
وعليه فإن المجتمع المدني الذي يريده النظام تلك المؤسسات التي تقوم بدور الجمعيات الخيرية، التي ينصب كل اهتمامها على جمع التبرعات من الميسوريين، ومن ثم تسليمها إلى خزانة الدولة، خاصة بعد الرقابة المشددة المفروضة على أنشطة تلك الجمعيات، وهو ما يصب في النهاية في خدمة توجهات وأجندة النظام.
هذا التناقض الغريب في التعاطي مع ملف المجتمع المدني، أثار العديد من التساؤلات عن تفسير هذا المفهوم ومسارات عمله داخل البلاد والسقف المحدد لتحركاته، ما أثار تخوفات البعض من تحول المؤسسات ذات القيمة المدنية الديمقراطية المؤثرة في الشارع المصري إلى جميعات خيرية تخدم على الحكومة.
حرية الاعتقاد.. ليست أم المشاكل
الوتر الأبرز الثاني الذي منحه السيسي أولوية كبرى خلال كلمته ونقاشات الحضور تعلق بما أطلقوا عليه “حرية الاعتقاد” حيث قال: “يجب أن نحترم حرية الاعتقاد وحرية عدم الاعتقاد”، مؤكدًا أن “هذا لا يتعارض مع غيرته على دينه”، مستطردًا “إيه يضايقك كمسلم لما تشوف كنيسة أو معبد يهودي؟ اللي عايز يسلم يسلم واللي عايز يؤمن لا يؤمن.. وهذه الحرية من منظور ديني”، واختتم: “أحترم عدم الاعتقاد ولو واحد قالي أنا مش أي دين في الدنيا أنت حر”.
ليست هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها السيسي عن حرية الاعتقاد وخيار الإيمان بالله من عدمه، فالمرء من حقه ألا يؤمن بالإله وألا يمارس الطقوس التعبدية، دون أي تعرض له، سواء من الدولة أم الكيانات الدينية أم الاجتماعية، وتلك قمة الحرية كما يقول الرئيس المصري الذي تزخر سجونه بعشرات الآلاف من السجناء بسبب آرائهم فيه كحاكم وليس كإله.
الجديد هذه المرة أن السيسي، ببرغماتية وميكافيللية بحتة، دعا لحضور الاحتفالية شخصيات تتوافق وميول طرحه، حتى إن اختلف معها سياسيًا، أبرزهم الإعلامي إبراهيم عيسى (الآكل على كل الموائد السياسية، من عهد مبارك وحتى اليوم)، المتهم بالترويج للفكر الشيعي في مصر، وعلاقته القوية بقيادات حزب الله اللبناني، وأحد أبرز المطالبين بحذف خانة الديانة من بطاقة الهوية الرسمية وتدريس اليهودية والمسيحية في المناهج المصري.
يصدر السيسي تلك القضية التي تتناغم وأيديولوجيات الليبراليين والعلمانيين واليساريين في مصر، إيهامًا بأنها القضية الأكثر جدلًا وحضورًا على قائمة الأولويات الحقوقية، وهو حديث مناف للواقع شكلًا ومضمونًا، هذا مع الوضع في الاعتبار الأهداف السياسية من وراء تسليط الضوء على تلك القضية تحديدًا، كونها تجد آذانًا صاغية في مجتمعات أوروبا والغرب عمومًا، وهو ما سيتم الإشارة إلى في موضع قادم.
الكاتب الصحفي المصري، فراج إسماعيل، حذر من التركيز على حرية الاعتقاد وكأنها “أم المشاكل” على حد قوله، لافتًا إلى أن ذلك “أمر بالغ الحساسية خصوصا إذا جاءت من رأس الدولة”، وتابع “الأصل وهو الحريات بمفهومها العام الذي ينقصنا فعلًا، فلن تكون هناك مشكلة في أن يؤمن الإنسان أو لا يؤمن، مع أن هذه المشكلة بالذات غير موجودة داخل مصر، فلا أحد يتعقب معتقدات الناس، ولا يضايق المسلم وجود كنيسة أو معبد يهودي”.
وأوضح فراج أنه من الواجب عند الحديث عن حقوق الإنسان أن يكون الأصل في الطرح حريات المواطن الشخصية، كأن يبدي رأيه بحرية دون ترهيب أو مضايقات أو ملاحقات أو ابتزاز، كذلك أن يجد إعلامًا حرًا لا تحتكره السلطة لصالح رأي واحد “يصل إلى حد تقديسه وملاحقة من يعارضه” بحسب تعبيره.
السيسي: أحترم عدم الاعتقاد ولو واحد قالي أنا مش أي دين في الدنيا أنت حر pic.twitter.com/3L8XAtahC6
— شبكة رصد (@RassdNewsN) September 11, 2021
تشخيص خاطئ للتحديات
القراءة الأولية لكل ما نشر عن الإستراتيجية حتى كتابة تلك السطور” بمثابة تشخيص خاطئ للتحديات التي تواجهها البلاد”.. تلك كانت كلمات مدير “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية”، حسام بهجت، خلال تعليقه على حالة الاحتفاء الإعلامي الكبير المصاحب لتلك الخطوة من أنصار الرئيس.
وأوضح بهجت خلال تصريحات صحفية له “أن أبجديات حماية حقوق الإنسان هي: وقف الانتهاكات، ومحاسبة القائمين على هذه الانتهاكات، ثم تعويض ضحايا هذه الانتهاكات، لمنع تكرار هذه الانتهاكات”، منوهًا أن تسليط الضوء على “الزيادة السكانية” بصفتها الأزمة الرئيسية والوحيدة لما تعاني منه الدولة المصرية قراءة خاطئة للواقع المعاش.
فالشعب لم يكن يومًا هو المشكلة، الشعب الذي يعاني من التخلف والتطرف وعدم الوعي، هو ضحية فساد الدولة وضعف الجهاز الإداري وسوء التخطيط والبعد عن الفكر المنهجي العصري في إدارة شؤون الدولة، وليس هناك أدل من التجربة الهندية والصينية والإندونيسية في هذا المجال، كونها تجارب تتشابه والحالة المصرية.
وعليه يبدو أن “الانتهاكات المنهجية والمتكررة المنتشرة بطول البلاد وعرضها لحقوق الإنسان، فهي ليست كما يبدو من وجهة نظر الحكومة من بين تحديات حماية وتعزيز حقوق الإنسان في مصر”، كما اختتم حديثه مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
مغازلة المجتمع الدولي
لا يخلو الإعلان عن تلك الوثيقة الجديدة من أهداف سياسية تخدم النظام وترسخ أركانه دوليًا، وهذا ديدن السيسي منذ توليه مقاليد الأمور، فقلما يكون هناك لقاء أو تحرك ما، دون الترويج لنفسه ومحاولة تصدير صورة الرئيس الإصلاحي التقدمي، ناصر المرأة وداعم ذوي الاحتياجات الخاصة والمؤيد الأبرز للحريات الدينية وحامل لواء تجديد الخطاب الديني، والقامع لأي أفكار متطرفة من شأنها أن تعكر صفو المجتمع المتناغم، وهو المداد الذي ينهل منه ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان.
اللجنة المخولة بإعداد الإستراتيجية انتهت من مهمتها في يونيو/حزيران الماضي، وكان يفترض أن يتم الإعلان عن الوثيقة في ذلك الوقت، غير أن مؤسسة الرئاسة أمرت بتأجيل الإطلاق إلى موعد مبدئي في 26 من يوليو/تموز الماضي، ليطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي بنفسه، بحسب وسائل إعلام مصرية.
كان سبب التأجيل بحسب ما نقلت تلك الوسائل عن مصدر حكومي “رغبة مؤسسة الرئاسة في إقامة حفل لائق يشارك فيه السيسي بنفسه وعدد من الجهات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني والشخصيات العامة، إضافة إلى عدد من السفراء المعتمدين لدى مصر”.
العديد من النشطاء الحقوقيين يرون أن النظام المصري، كما الأمريكي، يجيد “تسييس” الملف الحقوقي، وعليه فإن اعتبار العام القادم 2022 هو عام “المجتمع المدني” رسالة غزل صريح يبعث بها الرئيس المصري للمجتمع الدولي، ردًا على الانتقادات التي تعرض لها خلال السنوات الماضية بسبب هذا الملف.
آخرون ربطوا بين توقيت الإعلان عن تلك الوثيقة ومناقشة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لمسألة حجب جزء من المعونة المقدمة لمصر، واشتراطها بتحسين الوضع الحقوقي، لافتين إلى أن الرسالة هنا واضحة، التعهد بتقديم إصلاحات في هذا الملف كـ”عربون” تقارب مع الأمريكان.
أنصار هذا الرأي يميلون إلى ما يثار بشأن وجود تنسيق بين النظام المصري وأطراف فاعلة داخل الإدارة والكونغرس الأمريكي، بشأن ما تضمنته تلك الإستراتيجية، مستبعدين أن يكون كلام السيسي بتلك الكيفية وفي هذا التوقيت دون علم الجانب الأمريكي، كونه أحد أبرز المستهدفين من خلال هذا الطرح بصيغته الحالية.
المدافعون عن حقوق الإنسان في مصر بيخوضوا معركة صعبة بالفعل. غير وحشية نظام السيسي، “الحلفاء” المفترضين (اللي بيتكلموا عن الحقوق والحريات) زي الإدارة الأمريكية بيلعبوا سياسة بالحقوق والحريات وبنا كلنا. أمس، السيسي أعلن إن السنة الجاية هتكون سنة المجتمع المدني، 1/3
— Abdelrahman Ayyash (@3yyash) September 12, 2021
تساؤلات دون إجابة
من الواضح أن السيسي يجيد فن الارتباك السياسي لدى أنصاره ومعارضيه على حد سواء، فالرجل الذي خرج قبل ذلك يمجد في ثورة 25 يناير 2011 ويعتبرها حدثًا تاريخيًا تأخر كثيرًا، ها هو اليوم يصف تلك الثورة ذاتها بأنها كانت شهادة وفاة للدولة المصرية.
السيسي الذي يقبل بالاختلاف بشأن وجود الإله يعارض وبشدة أي خلافات بخصوص النظم والحكام، معتقدًا أن “إحكام السيطرة علي كل أدوات الدولة بل وإغلاق منافذها لن يمنع تكرار الأزمة (ثورة يناير)، بل إنه قد يسرع من حدوث الأزمة.. تصور الدارس بأن هامش التنفيس في عهد مبارك هو من سمح بحدوث الثورة وبالتالي فإن إغلاق كل النوافذ هو من سيمنعها، هو تصور خاطئ” كما أشار المحلل السياسي تامر النحاس.
النحاس في مقال على صفحته على فيسبوك أضاف أن الرئيس “لم يذهب لأصل القضية، قضية حق الشعب في التطور، في خوض تجربته بانضباط وفرز التجربة لقادتها تصاعديًا، حقه في التداول، في المواطنة، في اختيار المسؤول، في محاسبته، في ألا يأتيه كل حاكم ويعتبره رعية يجب أن يحتمل سيادته 30 عامًا ومن بعده التوريث سواء لابنه أم ابن مؤسسته”.
هناك العديد من التساؤلات التي غفلت عنها الوثيقة رغم الإشارة العابرة لها، على رأسها قضية “الحبس الاحتياطي” و”التعامل مع المعارضين المسجونين”، فقد أشارت الإستراتيجية إلى أن هناك حاجة إلى “وضع الإطار اللازم لضوابط ومبررات ومدد الحبس الاحتياطي الواردة في القوانين الوطنية” وأن النتائج المستهدفة تسعى إلى “تعزيز الضمانات ذات الصلة بضوابط ومبررات ومدد الحبس الاحتياطي الواردة في القوانين الوطنية”.
لكن الوثيقة لم توضح ماهية تلك الضمانات أو إمكانية مراجعة قانون الإجراءات الجنائية الذي يشمل هذه المادة، بعدما تحولت إلى عقوبة سالبة للحرية يتم استخدامها بشكل ممنهج، وهو ما توثقه الكيانات الحقوقية لعشرات الآلاف من المحبوسين احتياطيًا داخل السجون دون لائحة اتهامات رسمية أو أحكام باتة.
ومن المؤشرات التي تشكك في نوايا النظام التعاطي مع هذا الملف بجدية، تجاهله للتوصيات المقدمة من بعض المراكز المعنية بحقوق الإنسان والقضايا المجتمعية، بشأن إنهاء تلك الأزمة، كتلك المقدمة من مركز التنمية والدعم والإعلام (دام) التي جاءت تحت عنوان “15 توصية تمنع تحول الحبس الاحتياطي إلى عقوبة” تضمنت وقف الحبس الاحتياطي المطول الذي تلجأ إليه النيابة العامة والمحاكم والالتزام بالتعديلات الواردة بموجب القانون 143 لسنة 2006.
وفي مارس/آذار الماضي، أصدرت 31 دولة بيانًا دعت فيه القاهرة إلى رفع القيود عن الحريات والتوقف عن “اللجوء إلى قوانين مكافحة الإرهاب لتكميم أفواه المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين وإبقاء المنتقدين في الحبس الاحتياطي إلى أجل غير مسمى”.
تساؤلات أخرى بخصوص المواقع المحجوبة التي تجاوزت الـ500 موقع، لصحف وجمعيات وكيانات حقوقية وسياسية، هذا بخلاف سجناء الرأي من الصحفيين والمفكرين والأدباء، إضافة إلى إحكام السيطرة على نوافذ الفن والسينما والدراما عبر الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية المملوكة للمخابرات، فضلًا عن تضييق الخناق على أنشطة الأحزاب السياسية وملاحقة كل من تسول له نفسه أن يغرد خارج السرب، ولو كان تغريدًا متفق عليه.
وتبقى تلك الأسئلة وغيرها من علامات الاستفهام المتعددة التي لا محل لها من الإعراب في أجندة النظام المدشن لتلك الوثيقة الحقوقية المحتفى بها، خنجرًا في السردية البيضاء التي يحاول النظام تصديرها للعالم، وحبرًا أسود يشين الصورة المشرقة التي يجاهد السيسي رسمها لنفسه على لوحة شرفاء العالم.