ترجمة وتحليل نون بوست
العلاقات السعودية الإيرانية تتدهور مجددًا، بعد اشتعال حرب كلامية أخرى يتهم كلٌ منهما فيها الآخر بتأجيج نيران الصراع في الشرق الأوسط. لم يكن هذا في الحسبان، بالنظر لمرور عام واحد على انتخاب حسن روحاني، وتعهّده بإعادة هيكلة العلاقات مع الرياض. بيد أن تحوّل الأمور إلى ربيع بين البلدين لم يكن منتظرًا أيضًا، فهذا الشد والجذب طبيعي في عملية الانفتاح بين الطرفين اللذين يملكان تاريخًا طويلًا من العلاقات المريرة.
كان الكثيرون قد تفاءلوا بتعيين علي شمخاني، الشخصية العربية (إثنيًا) الأبرز في النظام الإيراني منذ عام ١٩٧٩، في إدارة الرئيس روحاني، غير أنه لم يثبت بعد قدرته على إحداث التحوّل المنتظر منه. يُعرَف شمخاني ببراعته في الرد على المتشددين في الداخل، وهو عضو الحرس الثوري القديم الذي أصبح رويدًا جزءًا من الوسط في السياسة الإيرانية.
حرس ثوري، ولكن
تم تعيين شمخاني في سبتمبر ٢٠١٣ رئيسًا للمجلس الأعلى للأمن القومي، وهو كيان محوري في تشكيل سياسات الدفاع والأمن الاستراتيجية تحت إشراف المرشد الأعلى، وقد أسعد خبر تعيينه الإصلاحيين كثيرًا. حل شمخاني العملي والوسطي محل سلفه سعيد جليلي المتشدد، والذي أصبح المجلس في عهده أضحوكة نظرًا للأساليب البدائية التي تعامل بها مع الدبلوماسية الدولية حتى أن كبير مستشاري الخارجية، علي أكبر ولايتي، قد وبخه علنًا على أسلوبه الدبلوماسي الذي يؤجج مشاكل طهران.
أتى تعيين شمخاني لإصلاح ما أفسده جليلي وإدارة نجاد، بيد أن سجله الوسطي لا يعني أنه غير منتمٍ للنظام الإيراني بأي شكل، فهو نتاج ثورة ١٩٧٩ في نهاية المطاف، وابن الجمهورية الإسلامية التي يكن لها ولاءً عميقًا، ويشي بذلك أن وصوله لمجلس الأمن القومي لم يكن ممكنًا فقط بترشيح روحاني له، بل كان مستحيلًا دون موافقة خامنئي، والذي يعرف شامخاني منذ أيام الحرب مع العراق.
ينحدر شمخاني من عائلة عربية بمحافظة خوزستان (الأهواز) التي أصبحت واحدة من المناطق الاستراتيجية بالنسبة لإيران على مدار القرن الماضي، نظرًا لاحتوائها على معظم حقول النفط الإيرانية، وكونها معقل الأقلية العربية في إيران. في سبتمبر ١٩٨٠، حين اجتاح صدام إيران، صدرت النداءات من بغداد لعرب خوزستان بالانضمام إلى الجيش العراقي ضد “الفُرس”، ولكن دون أن تؤتي أكلها. فعرب إيران، وأغلبهم شيعة، قاتلوا في صفوف الإيرانيين، وكان شمخاني واحدًا من هؤلاء.
بدأ شمخاني مسيرته كناشط ضد الشاه في شبابه، ورغم أن سجله ما قبل الثورة خالٍ تقريبًا، إلا أن رصيده ارتفع بعد الثورة، ليصبح واحدًا من مؤسسي الحرس الثوري الإيراني في خوزستان إذ كان من المقاتلين المتطوعين المهمين الذين التفوا حول القيادة الدينية في طهران. بعد وصوله إلى الحرس الثوري، عمل شمخاني بالقرب رئيس الوزراء آنذاك مير حسين موسوي، وظل يدافع عنه حتى بعد عداء النظام له إبان انتخابات الرئاسة في ٢٠٠٩.
بعد وفاة الخميني، انتقل شمخاني بأمر من خامنئي من الحرس الثوري إلى “أرتش”، القوات المسلحة الإيرانية، وبعد ذلك بقليل أصبح تحت قيادته أيضًا أسطول الحرس الثوري، ليقود على مدار السنوات الثماني التالية مهمة تحديث العقيدة القتالية والمعدات الخاصة بكليهما. إبان تولى خاتمي للرئاسة، أصبح شمخاني وزيرًا للدفاع، في إشارة لقدرته على تجاوز تقسيمات السياسة الإيرانية، وهو ربما ما دفعه للترشح للرئاسة عام ٢٠٠١، ليحل ثالثًا ويفوز خاتمي بولاية جديدة. رُغم ذلك، أبقي خاتمي عليه في منصبه حتى نهاية ولايته.
رُغم انتمائه السابق للحرس الثوري، يُعَد شمخاني من الناقدين لدور الحرس في السياسة الذي يلعبه من خلف الستار، وهو موقف يشاركه فيه الرئيس الحالي روحاني، والذي حذر صراحة رجال الحرس من الدخول في السياسة، بعد أسبوع واحد فقط من تعيينه لشمخاني على رأس مجلس الأمن القومي.
عربي في مهمة إلى العرب
“أنا عربي! حين زرت السعودية وعلموا بأنني عربي تفاجئوا، وأصبحت خلفيتي جسرًا للاقتراب أكثر من السعوديين”. هذا ما قاله شمخاني عام ٢٠٠٠، في زيارة له كوزير للدفاع ركزت على الأمن في الخليج الفارسي، وأفضت إلى توقيع اتفاقية أمنية بين البلدين، وكذلك إلى حصوله على وسام شرف عبد العزيز آل سعود. لذا، رحب الكثيرون في العالم العربي حين علموا بتعيين شمخاني رئيسًا لمجلس الأمن القومي الإيراني.
حين دخل شمخاني إلى منصبه، تم نقل الملف النووي من مجلس الأمن القومي إلى الخارجية بقيادة محمد جواد ظريف، وهو ما دفع البعض للاعتقاد بأن شمخاني لن يكون بالأهمية التي ظنوها عند تعيينه. بين أنه مع الوقت، بدأت تبدو ملامح المهمة التي يريدها روحاني من شمخاني: العلاقات العربية الإيرانية.
يعتقد كثيرون أن شمخاني بدأ يؤثر في سياسة إيران الخارجية تجاه العالم العربي. فقرار طهران بالتخلي عن دعم نوري المالكي كان علامة على ميل كفة المعتدلين على حساب “الصقور” فيما يخص الدبلوماسية الإيرانية، بيد أن البعض سيقول أن هذا ما كان ليحدث دون سقوط المالكي في الموصل، لا سيما والموقف من الملف السوري كما هو. لم يحقق شمخاني بعد التحوّل الذي ينتظره منه الآملون بتغيير سياسة إيران بشكل جذري، وتخليها عن التشدد في ملفات عدة، أبرزها الملف السوري.
يُعرَف شمخاني بين الإيرانيين بشجاعته ووقوفه بوجه زملائه القدامي بالحرس الثوري في الداخل. أما في الخارج، يعقد المجتمع الدولي الآمال على أن تكون له سمعة مشابهة، تحقق التغيير المرجو في رؤية إيران للمنطقة العربية على وجه التحديد.
المصدر: ذا ناشونال إنترِست