صلاح عبد الله محمد أو صلاح قوش، مدير جهاز الأمن والمخابرات السوداني سابقًا، عُرف بطموحاته العريضة وسعيه لتسلُّم السلطة في السودان عندما سقط نظام الرئيس المعزول عمر البشير فجر 11 أبريل/ نيسان 2019، تسرّبت عدة أخبار ومعلومات عن دور مزعوم لصلاح قوش في عزل الرئيس السابق وتخطيطه منذ فترة للانقلاب على البشير بسبب مرارات سابقة، سنتطرق إليها لاحقًا في هذه المقالة.
عاد قوش إلى واجهة الأحداث من جديد في السودان، بعد أن تناولت عدة وسائل إعلام في اليومَين الماضيَين خبرًا عن قبول السلطات المصرية -من حيث المبدأ- فكرة تسليم صلاح قوش المطلوب للعدالة إلى السلطات السودانية.
عندما اختلف البشير مع حليفه حسن الترابي عام 1999 وأسَّس الأخير حزب المؤتمر الشعبي المعارض، انحاز قوش إلى البشير.
قبل أن ندخل في تفاصيل الحدث الأخير الذي شغل الرأي العام في السودان، فإنه يجدر بنا أن نقدِّم لمحات عن تاريخ الرجل المثير للجدل، الذي نبغ في العمل الاستخباري وجمع المعلومات كما يقول رفقاؤه، وكان ذلك سببًا في التحاقه بجهاز المخابرات الذي أسَّسه الراحل حسن الترابي عقب الانقلاب العسكري الذي أوصلَ الرئيس عمر البشير إلى السلطة عام 1989، وهكذا تدرّج قوش في جهاز المخابرات حتى وصل إلى منصب نائب مدير العمليات، ونظرًا إلى الخلفية الهندسية لقوش تم تعيينه مديرًا لمصنع اليرموك الحربي، الذي اتهمت الخرطوم “إسرائيل” بقصفه.
عندما اختلف البشير مع حليفه حسن الترابي عام 1999 وأسَّس الأخير حزب المؤتمر الشعبي المعارض انحاز قوش إلى البشير، وبحسب خبراء فإن الرجل لعب دورًا محوريًّا في القضاء على أنصار الترابي في جهاز الدولة، خاصة الأجهزة النظامية، وذلك بحكم صلته بالترابي واطِّلاعه المسبَق على أغلب أسراره.
صعود ثم هبوط
نقطة التحول التي شكّلت علامة فارقة في تاريخ قوش، بدأت في العام 2004 عندما عيّنه البشير مديرًا لجهاز المخابرات وظلَّ في منصبه حتى عام 2009، إذ احتدمت الخلافات بينه وبين نافع علي نافع مساعد البشير ونائب رئيس الحزب الحاكم، والأخير كان يسيطر على مفاصل الدولة والحزب آنذاك، فاصطدم معه قوش وعمد البشير إلى فكّ الاشتباك بينهما عن طريق إقالة قوش من جهاز الأمن.
بشكلٍ مفاجئ اعتُقل قوش عام 2012 بتهمة المشاركة في محاولة انقلابية، واتُّهم بالتآمر على الدولة، حيث أعلنت السلطات السودانية حينها أن الأجهزة الأمنية اعتقلت 13 من ضبّاط الجيش وجهاز الأمن والمخابرات وعناصر مدنية “لتورُّطهم” في محاولة انقلابية، ومن أبرزهم مدير جهاز المخابرات السابق الفريق صلاح قوش وقائد الحرس الرئاسي الأسبق اللواء محمد إبراهيم الشهير بـ”ود إبراهيم”.
أُفرج عنه عام 2013 بموجب عفو رئاسي بعد وساطات تبنّتها قيادات رفيعة في حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقًا، لكنه نفى أي تورُّط له في محاولة الانقلاب، بعدها تراجع ظهور اسم قوش في عالم السياسة والأمن، وانتقل الرجل إلى عالم المال والأعمال إضافة إلى تعليقات صحفية يدلي بها بين الحين والآخر من موقعه الوحيد (نائب في البرلمان)، إلى أن ظهر اسمه مجددًا في 11 فبراير/ شباط 2018 حيث أصدر الرئيس المعزول عمر البشير قرارًا مفاجئًا بإعادة تعيينه مديرًا عامًّا لجهاز الأمن والمخابرات السودانية، ليعود المدير السابق للجهاز إلى منصبه بعد نحو 10 سنوات من الإقالة.
بعض قيادات الحزب الحاكم السابق حذّرت البشير من خطورة قوش وأنه لم ينسَ شهور السجن والإذلال الذي تعرّض له، إلا أن الرئيس المعزول لم يستجب لمخاوف قيادات الحزب نظرًا إلى حالة التخبُّط التي كان يعيشها في آخر أيام حكمه، واستفراده التام بالقرارات.
إعادة قوش مديرًا لجهاز الأمن خلفًا لنائبه السابق محمد عطا، شكّلت مفاجأة ثقيلة لم يستوعبها الشارع السوداني آنذاك، وبحسب مراقبين فإن إعادة تعيين صلاح قوش جاءت استجابةً لمقتضيات المرحلة في ظل تحديات داخلية وإقليمية ودولية، انعكست بشكل مباشر على مجمل الأوضاع في السودان، لا سيما أن الرجل يمتلك شبكة علاقات واسعة إقليميًّا ودوليًّا مكّنته إبّان قيادته لجهاز الأمن أن يحدث اختراقات في مجالات متعددة في تلك الفترة من تاريخ حكم البشير، حيث استطاع أن يخلق تعاونًا وثيقًا مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) في إطار الحرب ضد الإرهاب.
لكنّ عددًا من قيادات الحزب الحاكم السابق لم يؤيّدوا خطوة إعادة قوش إلى جهاز المخابرات، ويُقال إن بعضهم حذّر البشير من خطورة الرجل وأنه لم ينسَ شهور السجن والإذلال الذي تعرّض له، إلا أن الرئيس المعزول لم يستجب لمخاوف قيادات الحزب نظرًا إلى حالة التخبُّط التي كان يعيشها في آخر أيام حكمه، واستفراده التام بالقرارات.
دور مزعوم لقوش في إطاحة البشير
بحسب تقرير خاص لـ”رويترز”، زار صلاح قوش، مدير جهاز الأمن والمخابرات السوداني، الرئيس عمر حسن البشير في قصره مساء الأربعاء 10 أبريل/ نيسان 2019 لطمأنته أن الاحتجاجات الشعبية لا تشكّل خطرًا على حكمه.
وقالت 4 مصادر، حضر أحدها ذلك اللقاء، إن قوش أبلغ الرئيس بأن اعتصام المحتجّين خارج مقرّ وزارة الدفاع القريب من القصر سيتم احتواؤه أو سحقه. ودخل البشير فراشه لينام مرتاح البال، وعندما استيقظ بعد 4 ساعات أدرك أن قوش خانه، حيث وجد حراس القصر قد اختفوا وحلَّ محلهم جنود من الجيش النظامي، وهكذا انتهى حكمه الذي استمرَّ 30 عامًا.
روت مصادر “رويترز” كيف أن قوش، مدير جهاز الأمن والمخابرات، اتصل بمسجونين سياسيين وجماعات معارضة سعيًا للحصول على تأييدهم في الأسابيع التي سبقت عزل البشير.
وقال أحد أفراد الدائرة المقرّبة من البشير، كان من عدد يُعَدّ على أصابع اليد الواحدة ممّن تحدثوا مع البشير في تلك الساعات الأخيرة، إن الرئيس ذهب لأداء الصلاة، كما قال هذا المصدر لـ”رويترز”: “كان ضبّاط الجيش في انتظاره عندما أتمَّ صلاته”.
أبلغَ الضبّاطُ البشيرَ أن اللجنة الأمنية العليا المؤلَّفة من وزير الدفاع وقادة الجيش والمخابرات والشرطة قرّرت عزله، بعد أن خلصت إلى أنه فَقَدَ السيطرة على البلاد.
وروت مصادر “رويترز” كيف أن قوش، مدير جهاز الأمن والمخابرات، اتصل بمسجونين سياسيين وجماعات معارضة سعيًا للحصول على تأييدهم في الأسابيع التي سبقت عزل البشير.
وقالت المصادر إن قوش أجرى في الأيام التي سبقت الانقلاب مكالمة واحدة على الأقل مع مسؤولين في المخابرات الإماراتية، لإخطارهم مسبقًا بالحدث المرتقب، وهو “عزل البشير”.
محاولة لاعتقاله باءت بالفشل
في مايو/ أيار 2019، قالت النيابة العامة السودانية إن حرّاس مدير المخابرات السابق صلاح قوش، منعوا الشرطة من تنفيذ أمر باعتقاله وتفتيش منزله، وأوضحَ مكتب النائب العام السوداني أن النيابة العامة أمرت باعتقال قوش لاستجوابه بشأن حساب مصرفي، لكن حرّاسه حالوا دون ذلك.
وأضاف المكتب أنه كان من المفترض استجواب قوش بشأن حساب مصرفي يحوي 46 مليار جنيه سوداني، لا يُصرف منه إلا بتوقيع قوش فقط.
عقب محاولة الاعتقال الفاشلة، اعترف ﺭﺋﻴﺲ ﺍﻟﻤﺠﻠﺲ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻱ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻟﻲ آنذاك، ﺍﻟﻔﺮﻳﻖ ﺃﻭﻝ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻔﺘﺎﺡ ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ، بأن ﺻﻼﺡ ﻗﻮﺵ لعبَ دورًا ﺃﺳﺎﺳيًّا في إسقاط البشير، “ﻟﻜﻨﻪ اﺧﺘﺎﺭ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻘﻴﻞ من جهاز المخابرات، ﻭﺍﻵﻥ ﻏﺎﺩﺭ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﺩﻭﻥ ﻣﻮﺍﻓﻘﺘﻨﺎ”.
أشارت التسريبات إلى أن قوش غادر من الخرطوم إلى الإمارات ومنها إلى مصر التي يقيم فيها منذ قرابة عامَين.
أبدى الجانب المصري “استعداده التام” لمناقشة التعاون في تسليم المطلوبين للسلطات السودانية، كما اتفق الجانبان على مواصلة الاتصالات بينهما حول الكيفية والطرق التي سيتم بها الأمر.
منذ ذلك التاريخ تتحدث قيادات في الحكومة السودانية (مدنيين) عن ملاحقة المدير السابق لجهاز المخابرات قوش بواسطة الإنتربول، حتى انتشرت الأخبار الأخيرة التي أشارت إلى أن النائب العام المكلف مبارك محمود عثمان، تلقّى إشارات إيجابية من نظيره المصري بالتعاون في تسليم مدير الأمن والمخابرات السوداني السابق صلاح عبد الله الشهير بـ”قوش”، وآخرين من عناصر النظام المعزول، هربوا إلى مصر عقب الإطاحة بنظام البشير في أبريل/ نيسان 2019.
وأضافت المصادر الموثوقة التي تحدثت لصحيفة “الشرق الأوسط” أن “مباحثات جدية” جرت بين النائب العام السوداني ونظيره المصري بخصوص المتّهمين السودانيين المطلوبين الموجودين حاليًّا في مصر. وأشارت إلى أن “اختراقًا كبيرًا” حدث في هذا الشأن، إذ أبدى الجانب المصري “استعداده التام” لمناقشة التعاون في تسليم المطلوبين للسلطات السودانية، كما اتفق الجانبان على مواصلة الاتصالات بينهما حول الكيفية والطرق التي سيتم بها الأمر.
ورجّحت المصادر أن تفتح الخطوة الطريق أمام تسليم مدير المخابرات السوداني السابق، باعتباره من أبرز المطلوبين للعدالة في السودان، كما يشمل التعاون تسليم عدد محدود من رموز النظام المعزول الذين هربوا إلى مصر، وبعض المخالفين للقوانين الجنائية في البلاد.
مصر لن تسلِّم صلاح قوش إلى السودان
رغم كل الأخبار التي نشرتها وسائل إعلام معروفة في اليومَين الماضيَين عن استعداد مصر للتعاون مع السودان في تسليم المطلوبين المقيمين لديها، وأبرزهم مدير المخابرات السابق صلاح قوش، فإن احتمال قيام السلطات المصرية بتسليم الأخير يبدو بعيدًا جدًّا إن لم يكن مستحيلًا، لعدة أسباب:
1- إن الرجل يمثّل ورقة ضغط كبيرة للقاهرة على الحكومة السودانية، لن يقوم النظام في مصر بالتفريط فيها بسهولة رغم قوة العلاقة بين البلدَين في الوقت الحالي.
2ـ الارتباط الوثيق بين صلاح قوش ودولة الإمارات، وفق ما ذكر تقرير “رويترز” المشار إليه بالأعلى، والذي وردَ فيه أن قوش أخطر الإماراتيين مسبقًا بمخطط إطاحة البشير بعد قيام الاحتجاجات الشعبية.
3ـ رغم المنافسة بين قوش وعسكر السودان المسيطرين على الحكومة الانتقالية، فإنهم لن يجازفوا باعتقاله ثم إخضاعه للمحاكمة، وإلا لما سمحوا له بالخروج من السودان عقب محاولة الاعتقال الفاشلة في مايو/ أيار 2019.
4ـ شعور النظام في مصر بالامتنان لصلاح قوش، فقد لعب دورًا كبيرًا في تحسين العلاقات خلال آخر عام من حكم البشير، بعد فترة من التأزُّم.
لذلك، حتى إذا واجهت مصر ضغوطًا شديدة من بعض أجنحة الحكومة السودانية، فإنه يرجح أن تقوم بتسليم بعض المطلوبين الموجودين على أراضيها، مثل الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية كمال حسن علي، وأن تطلب السلطات المصرية من صلاح قوش المغادرة إلى دولة ثالثة مثل الإمارات أو أي دولة أخرى حرصًا على استمرار العلاقات الودية مع السودان وتجنُّبًا للغضب الشعبي من الثوار السودانيين الذين يرون صلاح قوش أحد المتورّطين في قتل رفقائهم طيلة شهور الاحتجاجات.