ترجمة وتحرير: نون بوست
طُلب من رجل الأعمال ووزير الزراعة السابق، المقرب من القصر، تشكيل حكومة جديدة في المغرب، وهي خطوة مثيرة للجدل إلى حد كبير.
بالنسبة لأصدقائه وأنصاره، فإن رئيس الحكومة المعين مؤخرًا هو ابن الشعب، وجاهز لتولي المهمة، أما بالنسبة لمنتقديه، فهو سياسي تنقصه الخبرة والكفاءة.
رئيس الوزراء المغربي الجديد، عزيز أخنوش، شخصية مثيرة للجدل لدرجة أن الكثيرين توقعوا نهاية مسيرته السياسية سنة 2018، عندما كانت شركة توزيع للبنزين “أفريكيا”، المملوكة لشركة أخنوش القابضة، ضحية لحملة مقاطعة غير مسبوقة.
كان يُنظر إلى تلك الحملة في ذلك الوقت على أنها رفض لأخنوش نفسه، وكذلك لمنصبه كرئيس لحزب التجمع الوطني للأحرار، وأحد أغنى رجال الأعمال في المملكة.
حصل حزب التجمع الوطني الديمقراطي على 102 مقعدًا من أصل 395 مقعدًا في البرلمان، متغلبًا على حزب العدالة والتنمية الإسلامي، الذي جاء في المرتبة الثامنة بحصوله على 13 مقعدًا فقط.
ولكن في 8 أيلول/ سبتمبر، ظهر أن منتقديه كانوا على خطأ، حيث جاء حزبه في المركز الأول في الانتخابات البرلمانية، وتم تعيينه على رأس الحكومة.
“سي عزيز”، كما يسميه البعض احتراما له، يمكن أن يتباهى بالانتصار غير المسبوق للحزب الذي أسسه عام 1978 ، صهر الملك الحسن الثاني، أحمد عثمان.
حصل حزب التجمع الوطني الديمقراطي على 102 مقعدًا من أصل 395 مقعدًا في البرلمان، متغلبًا على حزب العدالة والتنمية الإسلامي، الذي جاء في المرتبة الثامنة بحصوله على 13 مقعدًا فقط، مقارنة بـ 125 مقعدًا في عام 2011. وعليه، كلف الملك محمد السادس، أخنوش بتشكيل حكومة جديدة في 10 أيلول/ سبتمبر.
تكنوقراط ومقرب من القصر
وقد صرح مسؤول سابق في الحزب لموقع “ميدل إيست آي” قائلا: “الجميع يعرف أنه تكنوقراط، وعالم الأعمال هو موطنه الطبيعي. لم يتوقع أحد أن يتم انتخابه رئيسًا للحزب سنة 2016”.
ولد أخنوش سنة 1961 في تافراوت، وهي بلدة قريبة من مدينة أغادير. وقبل سنة من ولادته، ضرب زلزال المدينة الواقعة جنوب غرب البلاد وأسفر عن مقتل عشرة أفراد من عائلته، من بينهم شقيقان أكبر منه كانا يبلغان من العمر ثمانية وتسعة أعوام.
وقد تحدث أخنوش المتحفظ للغاية عن ذكر عائلته في المناسبات العامة، سنة 2019 في تجمع شبابي للحزب، قائلا :”والدتي وأختي حوصرتا تحت الأنقاض لساعات قبل عام من ولادتي”.
عندما توفي والده، أحمد الحاج أخنوش – الذي وقف إلى جانب القوميين المغاربة أثناء نضال المملكة من أجل الاستقلال – سنة 1995، ورث مشروعا ناجحا، وهو اليوم شركة قابضة كبرى تضم ما يقرب من 70 شركة في قطاعات الطاقة والغاز والعقارات والسياحة والاتصالات والصحافة، وتبلغ مبيعاتها السنوية ما يقرب من 2.8 مليار يورو، أي ما يقارب (3.3 مليار دولار). ويواصل أخنوش هو وزوجته سلوى الإدريسي أخنوش، صاحبة مجموعة أكسال وموروكو مول في الدار البيضاء، أحد أكبر مراكز التسوق في أفريقيا، تنمية الشركة بمساعدة رجل الأعمال علي واكريم.
كان التصويت في تشرين الأول/ أكتوبر 2016، والذي قاد رجل الأعمال ووزير الزراعة السابق – وهو منصب كان قد تقلده سنة 2007 – إلى رئاسة الحزب، مفاجأة كبيرة، وقد خلف حينها وزير الخارجية السابق صلاح الدين مزوار.
أحدثت الانتخابات ضجة كبيرة. سنة 2012، كان أخنوش قد استقال من الحزب للاحتفاظ بمنصبه كوزير للزراعة والثروة السمكية، ورد على الانتقادات الموجهة إليه بأن ذلك المنصب كان مؤقتا.
صرّح وزير سابق قائلا إنه بعد فرض ثلاثة أحزاب جديدة، ضعُف تأثير حزب العدالة والتنمية على سياسة الحكومة إلى حد كبير، فلا توجد وسيلة حكم فعالة للجمع بين ستة أحزاب ليس لديها أي شيء مشترك.
ويقول مصدر من داخل الحزب لموقع ميدل إيست آي إن أخنوش وافق على التعيين الوزاري حينذاك لمواجهة صعود الإسلاميين.
دخل أخنوش بعد حصول حزبه على 37 مقعدًا فقط في الانتخابات التشريعية سنة 2016 ، في مفاوضات مع الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، الذي أعيد تعيينه رئيسًا للحكومة.
خلال جولات المفاوضات، كان أخنوش عنيدا للغاية. وفي تحدٍ مباشر للكتلة البرلمانية التي ينتمي إليها حزب العدالة والتنمية، شكل حزب التجمع الوطني الديمقراطي بقيادة أخنوش ائتلافًا مع ثلاثة أحزاب أخرى وطالب بأن يكون الائتلاف الجديد جزءًا من حكومة بنكيران.
أدت المواجهة إلى حالة من الجمود استمرت خمسة أشهر، وفي نهاية المطاف أدت إلى إعفاء بنكيران من رئاسة الحكومة في آذار/ مارس 2017.
كان خليفته سعد الدين العثماني، يعلم أنه لا يملك فرصة أمام رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي، وقد رضخ لمطالب أخنوش في أقل من أسبوعين ودخلت الكتلة المكونة من أربعة أحزاب الحكومة – الأمر الذي أثار استياء الإسلاميين.
وقد صرح وزير سابق قائلا إنه بعد فرض ثلاثة أحزاب جديدة، ضعُف تأثير حزب العدالة والتنمية على سياسة الحكومة إلى حد كبير، فلا توجد وسيلة حكم فعالة للجمع بين ستة أحزاب ليس لديها أي شيء مشترك.
ماكينة انتخابية
سنة 2017، خلال فترة ولايته الثانية كوزير للزراعة والثروة السمكية، شرع أخنوش في تغيير الحزب، بدءًا من صورته على أنه “حزب النظام”.
أحاط أخنوش نفسه بفريق من كبار الشخصيات المغربية والأجنبية، بما في ذلك المستشار البريطاني ريتشارد بيلي، الذي عمل في مكتب رئيس الوزراء الليبي في سنتي 2013 و2014، قبل أن ينضم إلى وزارة التجارة والسياحة في كينيا، ولاحقًا في المفوضية المشتركة للمراقبة والتقييم في جنوب السودان.
كما أنشأ أخنوش حركة شبابية تابعة للحزب، وأجنحة نسائية وطلابية، ووظف فريقًا من الشباب ليس لديهم علاقات ظاهرية بالحزب للتعامل مع انتقادات وسائل التواصل الاجتماعي وتشكيل صورته كقائد قريب مع الناس. في الوقت نفسه، سافر إلى أكثر من 100 بلدة ومدينة.
لم يكن المال عقبة أمام رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي أنفق بسخاء لتمويل حملة انتخابية قوية تقوده إلى رئاسة الحكومة.
بحسب وكالة فرانس برس، اتهم الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، عبد اللطيف وهبي، حزب أخنوش بـ”إغراق المشهد السياسي بالمال”. ووجه حزب العدالة والتنمية تهما مماثلة تتعلق بالإنفاق غير القانوني على الحملات الانتخابية دون تسمية أي طرف.
ورد الحزب في بيان نُشر يوم 3 أيلول/ سبتمبر قائلاً: “إن خطورة الاتهامات الموجهة للحزب لا تمس فقط صورته مع الشعب، بل إنها تشوه صورة مؤسسات الدولة، بل والأسوأ من ذلك، تشوه كرامة المواطنين المغاربة” .
ويُتهم أخنوش باستغلال الفقر لأغراض انتخابية من خلال توفير السلال الغذائية للمواطنين خلال شهر رمضان عبر جمعيته الخيرية “مؤسسة جود”.
وبالمثل، لم تكن علاقاته مع الصحافة خالية من الاتهامات والشبهات. يشرف أخنوش على إحدى أكبر مؤسسات الإعلام المكتوب في المغرب (Caracteres)، والتي تمتلك العديد الصحف والمجلات، منها (La Vie Economique) و (Le Courrier de l’Atlas ).
وقال أحد مالكي الصحف لموقع ميدل إيست آي: “إذا شعر الوزير أنه ضحية تشهير، فمن الطبيعي أن يتم رفع الأمر إلى المحكمة، حيث لا يوجد أحد فوق القانون. لكن مقاضاة صحيفة بتعويض قدره 10 ملايين درهم يعني ببساطة خنقها”.
ولا يبدو أن بارون الصحافة يتحلى بالصبر تجاه النقاد. في عمود نُشر في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، كتب توفيق بوعشرين، الناشر السابق لصحيفة أخبار اليوم اليومية الناطقة بالعربية، أن أخنوش ووزير الاقتصاد والمالية محمد بوسعيد قد خدعا رئيس الوزراء آنذاك عبد الإله بنكيران عبر نقل السلطة المالية لأحد الصناديق الحكومية من رئيس الوزراء إلى وزير الزراعة والثروة السمكية.
في 2018، أدانت المحكمة بوعشرين بتهمة التشهير في دعوى رفعها الوزيران، وحكمت عليه بدفع غرامة قدرها 1.4 مليون درهم (130 ألف يورو).
وقال أحد مالكي الصحف لموقع ميدل إيست آي: “إذا شعر الوزير أنه ضحية تشهير، فمن الطبيعي أن يتم رفع الأمر إلى المحكمة، حيث لا يوجد أحد فوق القانون. لكن مقاضاة صحيفة بتعويض قدره 10 ملايين درهم يعني ببساطة خنقها”.
مقرّب من الملك
كان رئيس الحكومة الجديد وخليفة سعد الدين العثماني أحد المقربين من القصر منذ تسعينيات القرن الماضي، وأقام علاقات وثيقة مع محمد السادس ومستشاره فؤاد عالي الهمة. لذلك من غير المرجح أن يسبب أخنوش الكثير من المشاكل للملك.
في التسعينيات، كان أخنوش مقربًا من إدريس البصري، وزير الداخلية السابق والذراع الأيمن للملك الحسن الثاني. كما نُقل عن مسؤول تنفيذي في مجال الأعمال قوله سنة 2016 في مقال نُشر في صحيفة لوموند، “إنها منطقة رمادية بعض الشيء، حيث يقول خصومه إنه استغل علاقاته لتنمية مجموعته”.
بتولي محمد السادس الحكم، سقط وزير الداخلية السابق وأصبح عبئًا على أخنوش، الذي “عمل بجد لاستعادة مكانته في القصر”. ويضيف المصدر ذاته أن علاقاته بفؤاد عالي الهمة كانت مفيدة بشكل خاص، واليوم يمكن له أن يتباهى بكونه أحد السياسيين القلائل الذين قابلوا محمد السادس في فيلته الفاخرة في الدار البيضاء في مناسبتين على الأقل. أولاً خلال شهر رمضان سنة 2013، ومرة أخرى في حزيران/ يونيو 2016، قبل أربعة أشهر من انتخاب أخنوش رئيساً لحزب التجمع الوطني للأحرار.
نُقل عن رئيس الحكومة الجديد قوله في 9 أيلول/ سبتمبر: “نحن على استعداد للعمل عن كثب، وبثقة تامة، مع جميع الأطراف التي تشاركنا رؤيتنا ومبادئنا، من أجل الارتقاء إلى مستوى التحديات التي تواجه أمتنا، في ظل القيادة الحكيمة لجلالة الملك”.
وفي رسالة تعزية إلى أخنوش بعد وفاة والدته عام 2008، وصفه العاهل المغربي بأنه وطني “صادق ومخلص”.
وقد تضمنت الرسالة ما يلي: “كرّس والداك الراحلان حياتهما لتعليمك فضائل الأخلاق والعمل الجاد والالتزام، لتكون وطنيًا حقيقيًا ومخلصًا. لقد غرسا فيك هذه القيم النبيلة، مع إحساس بالالتزام الراسخ بمؤسسات الأمة المقدسة والولاء الراسخ للعرش العلوي المجيد”.
الآن كل ما على عزيز أخنوش أن يفعله هو بناء ائتلاف حاكم قادر على قيادة أغلبية برلمانية.
ونُقل عن رئيس الحكومة الجديد قوله في 9 أيلول/ سبتمبر: “نحن على استعداد للعمل عن كثب، وبثقة تامة، مع جميع الأطراف التي تشاركنا رؤيتنا ومبادئنا، من أجل الارتقاء إلى مستوى التحديات التي تواجه أمتنا، في ظل القيادة الحكيمة لجلالة الملك”.
المصدر: ميدل إيست آي