إنه “نمر باقر النمر” عالم دين شيعي من المنطقة الشرقية للمملكة العربية السعودية، شخصية حظت بجدل واسع في فترات متباعدة لاسيما مع علاقته المتوترة مع الأسرة الحاكمة في السعودية “آل سعود”.
يعتبر النمر أحد أهم المراجع الشيعية في الخليج وأحد أهم المعارضين للنظام في المملكة العربية السعودية على حد سواء، تربط الرجل علاقات قوية بدولة إيران؛ ما تسبب بكثرة اعتقاله في بلده، حيث تلقى تعليمه الديني في الجمهورية الإسلامية الإيرانية في أحد الحوزات في مدينة قم والتي تعتبر مركز ثقل لعلماء الدين الشيعة حيث تخرج العديد من المراجع الدينية الشيعية ثم التحق الرجل بحوزة أخرى بسوريا.
دعى الرجل إلى انفصال المنطقة الشرقية قائلاً إنها تعاني من الاضطهاد والتهميش بالمملكة السعودية؛ ما تسبب في اعتقاله من قبل السلطات هناك ودائمًا ما كانت تثير خطاباته جدلاً واسعًا في المجتمع السعودي وهو ما تطلق عليه سلطة المملكة “إثارة للفتنة” وهي التهمة التي يعتقل على إثرها أي معارض للأسرة الحاكمة هناك أيًا كان انتمائه.
هذا الرجل له حالة خاصة في المجتمع الخليجي ككل، ليس فقط لمعارضته للأسرة الحاكمة بأكبر دولة خليجية فحسب بل لمكانته الدينية عند معتنقي المذهب الشيعي في الخليج، وهذا اتضح في زياراته المتكررة لدولة البحرين التي تشهد توترات تصفها الحكومة بأنها طائفية شيعية.
اعتقل هذا الرجل من قبل السلطات السعودية أكثر من مرة في غير موقف وأفرج عنه بعدما ترددت أنباء عن إيذائه جسديًا وهو ما كانت تنفيه السلطات السعودية دائمًا لكن ما حدث في الثامن من يوليو لعام 2012 بعد أن قامت وزارة الداخلية السعودية باعتقال الرجل وتوقيفه على خلفية مظاهرات شهدتها منطقة القطيف الشرقية بالسعودية ذات الأغلبية الشيعية وذلك بالتزامن مع خروج تظاهرات احتجاجية بدولة البحرين شاركت السعودية بقوات لقمعها عبر ما يسمى “بقوات درع الخليج”.
لكن الاعتقال هذه المرة لم يأت كسابقه حيث قضت المحكمة الجزئية المتخصصة في 15 أكتوبر الماضي بالإعدام على الشيخ “نمر باقر النمر” بعد محاكمته بتهمة إثارة الفتنة في البلاد، حيث جاء في حيثيات الحكم أن الشيخ نمر “شره لا ينقطع إلا بقتله” واتهم بالإساءة إلى الأسرة الحاكمة وإثارة الفتنة والمشاركة في احتجاجات المنطقة الشرقية ودعم احتجاجات الشيعة في البحرين والدعوة إلى إعادة تشييد البقيع؛ مما استوجب قتله “تعزيرًا”.
فكانت الصدمة لدى جمهور الرجل المرجع وأسرته التي أصدرت بيانًا قالت فيه “هذا الحكم وهو سياسي بامتياز جاء بعد 13 جلسات في محكمتي الرياض وجدة منذ الجلسة الأولى بتاريخ 26 مارس 2013م والتي وجه فيها الادعاء العام تهمًا غير صحيحة ولا ترقى إلى طلبه بإقامة حد الحرابة حتى في حال ثبوتها، والحال أنها لم تثبت وقد فندها الشيخ النمر ومحاميه الدكتور صادق الجبران في مذكرة الرد المقدمة للمحكمة في 16 يونيو 2014م والمكونة من أكثر من 70″، ولم تكن الصدمة فردية فقط بل حدثت الضجة الإقليمية لهذا الحكم حيث حذرت الجمهورية الإسلامية الإيرانية وكذلك حزب الله اللبناني مما وصفوه “بالعواقب الوخيمة” لهذا الحكم.
جاء ذلك في تصريحات لمعاون وزير الخارجية الإيراني “حسين أمير عبداللهيان” يؤكد أن صدور الحكم على المرجع الشيعي السعودي سيؤثر بنحو كبير في علاقات العالم الإسلامي مع السعودية، كما أدان حزب الله اللبناني صاحب المرجعية الشيعية الحكم ووصفه بالجائر والغير شرعي.
كذلك أخذت منظمات حقوقية دولية منحنى آخر باعتبار هذا القرار يمثل مؤشرًا خطيرًا على أوضاع حقوق الإنسان بالسعودية صاحبة السجل القمعي لجميع معارضي السلطة، حيث سبق هذا الحكم اعتقال شيخ سعودي سني أثير أنه انتقد أداء الحكومة السعودية في تنظيم الحج؛ ما جعل الأمم المتحدة بعد الحكم تطالب المملكة السعودية بضرورة وقف أحكام الأعدام وعلى الأسرة الحاكمة تذكر مواقف المفوض السامي لحقوق الإنسان المتعلقة بحالة حقوق الإنسان المتدهورة في المملكة، كذلك تطالبت منظمة العفو الدولية الحكومة السعودية بإلغاء الحكم “المروع” حسب وصفها .
لماذا يثير هذا الرجل كل هذه الضجة
القضية في الأصل ليست في شخص نمر باقر النمر وإنما هي قضية شائكة في البلد الخليجي الأكبر الذي يدخل في صراعات مفتوحة مع غريمه الشيعي “الدولة الإيرانية” الذي يحاول بسط نفوذه في الخليج والذي يشكل قبلة الطائفة الشيعية في الخليج، حيث أن شرق البلاد في السعودية من الأغلبية التي تعتنق المذهب الشيعي في مقابل الدولة التي تعتبر نفسها “حاملة لواء المذهب السني” في العالم الإسلامي – السعودية -.
تجتاح المنطقة الشرقية في السعودية احتجاجات من حين لآخر بسبب إهمال الدولة المستمر للمنطقة وتعمد تهميشها على خريطة الدولة السعودية بل واستخدام الخطاب الطائفي دائمًا في قمع أي مطالبات حقوقية لأبناء المنطقة؛ ما جعل المنطقة في صراع دائم مع الدولة كما أدى لخروج العديد من الدعوات الداخلية بالمنطقة الشرقية السعودية للانفصال وهو ما ترد عليه الدولة دائمًا بأنه مخططًا خارجيًا من دولة معادية وهذا بالطبع إشارة إلى “إيران” كذلك اتهام الداعين من المنطقة بالولاء للخارج.
الملاحظ في الأمر أن هذه المنطقة اشتعلت مع بداية الثورات العربية في نهاية عام 2010 ولم تهدأ إلى هذه اللحظة، حيث يسكنها مواطنون سعوديون شيعة على المذهب الإثنى عشري بنسبة تتجاوز 15% من مجموع سكان السعودية وهو رقم ليس بالقليل،
قابلت الحكومة هذه الاضطرابات بمزيد من القمع والتنكيل بالنشطاء في هذه المنطقة حيث قتل أكثر من 16 شابًا في احتجاجات متفرقة خلال عامين.
دائمًا ما تردد الدولة السعودية رواية تتعلق بالطائفية حيث يواجهون مطالب المنطقة بوصفها أنها مطالب “شيعية” تثير الفتنة في البلاد، فيما رفض نشطاء بالمنطقة هذه الأوصاف وأوضحوا أن جميع مطالبهم مشروعة حيث إن التمييز الطائفي الذي يمارس ضدهم من الحكومة السعودية هو عين العنصرية والطائفية التي تمارس من الدولة ضد مجموعة من المواطنين لا لشيء سوى أنهم يعتنقون مذهب مخالف لأغلبية الدولة وهو ما يرونه افتراءات من الحكومة لتبرير قمعها.
تترسخ مشكلة المنطقة الشرقية منذ زمن سيطرة آل سعود في العام 1913 على مناطق الأحساء والقطيف وضمهم للدولة السعودية ولكن الإقصاء الديني والتهميش السياسي كان ديدن الدولة على حد وصف النشطاء المعارضين في هذه المنطقة؛ ما جعل المنطقة جيبًا للصراعات الإقليمية بانتهاز فرصة وجود أقلية شيعية في المنطقة.
يشتكي الشيعة في المنطقة من عدم إشراكهم في الحياة السياسية بأي شكل من الأشكال حيث إن هيئة كبار العلماء السعودية التي تمثل أعلى هيئة دينية التي تخرج الفتاوى التشريعية لا تضم أي ممثل للشيعة في البلاد.
كذلك يشتكي الشيعة من التضييق عليهم في ممارسة شعائرهم الدينية الخاصة وهو ما نفته الدولة التي قالت إن التجمعات الدينية الشيعية تمارس حقها في التجمعات الخاصة، كذلك يشتكي سكان المنطقة الشرقية من أن نظام القضاء لا يستقي من المرجعية الشيعية بالقدر الكافي، كذلك قامت الدولة باستبعاد الشيعة من أي وظائف حساسة في الدولة السعودية لاسيما المناصب الأمنية منها؛ ذلك كله قام بتأجيج سخط سكان المنطقة الشرقية.
بيد أن هناك عدة مخاوف مشروعة لدى الدولة تصب كلها ناحية الأيدي الخارجية الشيعية التي تعبث بأي دولة بها تجمع شيعي ويصف مسئولون بالدولة أن قوى خارجية تريد للسعودية أن تكون كسوريا والعراق ولبنان الذي يتهم الشيعة في هذه البلاد بالولاء لمرجعيات دينية في بلاد خارجية وهو ما يجعل ولاءهم لعقيدتهم الشيعية قبيل الانتماء للدولة الوطنية، وهو ما ضرب بها مثال حي بعد اشتعال الاحتجاجات في المنطقة الشرقية عام 1979 عقب نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية؛ ما أدى إلى تدخل عنيف من الحرس الوطني السعودي قُتل على إثره 24 مواطنًا من المشاركين في الاحتجاجات، كذلك استوحى نشطاء اسمًا من الثورة الإسلامية بإيران لمنظمة معارضة أطلقوا عليها “منظمة الثورة الإسلامية”
كما أن المحللين لا ينفون دور إيران في هذه المنطقة فالتاريخ لا ينفي ذلك حيث أسست إيران عن طريق حرس الثورة الإيرانية مكاتب اسموهما مكاتب التحرر لمساندة تجمعات شيعية في الخليج وهو ما يقضي دائمًا على أي حراك شعبي في المناطق المأهولة بالأغلبية الشيعية حيث تتهم الحكومات الخليجية هذه التحركات بأنها ذات مغزى خارجي وهو ما يبرر قمعها كما حدث في البحرين في عام 2011.
حاولت الدولة السعودية احتواء الغضب الشيعي بالمنطقة ببعض الإصلاحات الغير المؤثرة بعد اعتراف ملكي بالتنوع الطائفي والمذهبي في المملكة وهو ما شكل انتصارًا رمزيًا للمنطقة الشرقية وسكانها الشيعة، لكن التعامل الأمني لم يتوقف مع هذه المنطقة حيث إن القمع لم يتوقف بمدينة العوامية التي تشهد احتجاجات بصورة مستمرة ما دعى الحكومة لحملة اعتقالات عشوائية وإصدار أحكامٍ بالسجن والإعدام على العديد من النشطاء الشيعة.
على الجانب الآخر حاول بعض رجال الدين الشيعة تهدأة الموقف مع الدولة بهدف كسب مواقف من الدولة بالدعوة إلى حوارات متعددة الأطياف من السنة والشيعة في البلاد ولكن الدولة تلكأت في الاستجابة لأي من هذه الدعوات لأن الأسرة الحاكمة تروج دائمًا عبر مؤسساتها الدينية عن خطر الشيعة الروافض بل وتتبنى حملات تجاههم في العالم الإسلامي؛ وهو ما يجعل أبناء المنطقة الشرقية كلهم في سلة واحدة أمام النظام السعودي، كذلك ما زالت الدولة مستمرة في سياسة التهميش إلى أن استعرت حدة المواجهات مع نشطاء شباب من المنطقة الشرقية يؤيدون الصدام مع الدولة وهو ما ظهر في احتجاجات عامي 2011،2012، في هذه الفترة بزغ نجم المرجع الشيعي “نمر باقر النمر” صاحب اللهجة الصدامية مع الدولة بخطب قوية تندد بممارسات آل سعود في الحكم وهو ما جعله يحظى بتأييد في المنطقة الشرقية على حساب الدعاة الشيعية التقليديين الذين يرون الحل في توافق مع الدولة وهو ما فشلوا فيه تكرارًا؛ مما أدى إلى ميلاد جيل في المنطقة يسعى إلى المواجهة الحتمية مع الدولة لانتزاع حقوق المنطقة الشرقية، فلقد أثار الحكم بالإعدام على النمر موجة استياء عارمة بين شباب المنطقة الشرقية مما ينذر باندلاع احتجاجات رافضة في حال التصديق على الحكم بالإعدام.
أنباء عن صدور عفو ملكي بحق النمر
أفادت وكالة أنباء إيرنا الإيرانية – الوكالة الرسمية الإيرانية – بأن العاهل السعودي الملك “عبد الله بن عبد العزيز” أصدر عفوًا عن رجل الدين الشيعي “نمر باقر النمر”، حيث إن دولة إيران طالبت رسميًا الحكومة السعودية بإلغاء الحكم الصادر بحق المرجع الشيعي.
فيما نفت مصادر أخرى مقربة من المرجع الشيعي صدور أمر العفو معللة ذلك بأن حكم الإعدام على النمر ليس نهائيًا والعفو لا يصدر إلا في الأحكام النهائية فقط.
فيما لم يستبعد محللون إمكانية إصدار عفو ملكي عن النمر كخطوة من الحكومة السعودية في اتجاه تهدئة الأجواء مع إيران خصوصًا مع وجود نقاط اتفاق سعودية – إيرانية ازدادت في الآوانة الأخيرة، فخطوة العفو قد تأتي ضمن تفاهمت إيرانية – سعودية ظهرت بوادرها في الآوانة الأخيرة وأوضحت أن قضية النمر ليست سوى صفحة تستخدم في مجلد كبير من التواترات بين البلدين.
هدنة بين طهران والرياض
بينما أدت ظروف إقليمية ودولية إلى الالتقاء بين الغريمين في ظل تصاعد للتنظيم الفتي “تنظيم الدولة” والذين يعلن عداءه الصريح والواضح لكلا البلدين والذي بات يقترب شيئًا فشيئًا من الحدود السعودية، ظهرت بوادر الهدنة في تهدئة على الساحة اللبنانية والتي هي بمثابة مسرح عمليات بين القوى الخليجية وإيران، كذلك أرض المواجهة العسكرية في سوريا التي طالت المواجهة العسكرية فيها يبدو وأن الأعداء قد يجتمعون لتسوية ما لحصار الفصيل الأقوى على الأرض حاليًا وهو “تنظيم الدولة” كذلك السمة العامة الحالية في رغبة أمريكية ملحة للتقارب الحثيث مع إيران وهو ما نصحت بها الولايات المتحدة شركائها في الخليج.
الأمر الذي بدأت فيه السعودية بالفعل وظهر ذلك جليًا في إقامة العاهل السعودي علاقات ليست بالسيئة مع “هاشمي رفسنجاني” رئيس مجلس تشخيص النظام بإيران وأحد أكبر زعماء التيار الإصلاحي المعتدل في إيران بالنسبة للولايات المتحدة وإيران.
هذا الرجل الذي طالب العاهل السعودي بالإفراج عن “النمر” وهو ما يوضح أن قضية النمر قضية دخلت ضمن تسويات إقليمية قد تطول وتقصر لكنها لن تقضي حتمًا على الثورة “المنسية” في المنطقة الشرقية السعودية التي باتت تشكل صداعًا للأجهزة الأمنية السعودية وذلك بحسب تقرير لمعهد كارنيجي في دراسة تمت عن الاحتجاجات المستمرة في هذه المنطقة حملت اسم “الثورة المنسية”.
حيث أكدت الدراسة أن علاج مشكلة المنطقة الشرقية لن يتم بالإفراج عن ناشط أو عن طريق الدخول في تسويات إقليمية، وإنما بعلاج للمشاكل الحقيقية التي تعاني منها المنطقة كالتهميش والطائفية؛ ما يجعل لقضية النمر قصة غير مروية ظاهرها نشاطه الملحوظ ضد الأسرة الحاكمة في السعودية وباطنها مشكلات حقيقية تعاني منها المنطقة الشرقية بالسعودية تجعلها مؤهلة لأن تبرز “نمرًا” آخر في كل وقت.