ترجمة وتحرير: نون بوست
وسط موجة حارة من التصفيق، قطع الوزير المبتسم الشريط الذهبي في المراسم الافتتاحية. ومن خلفه، قاد ضابط يرتدي الزي الأحمر والأزرق معزوفة عسكرية معلنا افتتاح المعرض.
تم افتتاح معرض لندن للأسلحة الذي يقام كل سنتين، ويُعرف باسم “معرض معدات الدفاع والأمن الدولي”، وهو أحد أكبر المعارض من نوعه في العالم.
يوم الثلاثاء، امتلأت قاعتان كبيرتان بعارضين يبيعون كل شيء، من الطوربيدات إلى الدبابات، ومن القاذفات حتى الضمادات، ومن المروحيات إلى مصوبات البنادق. في مركز مؤتمرات “إيكسيل” بجانب التايمز في شرق لندن، بدأ معرض مدته أربعة أيام يستعرض العديد من الأسلحة والتقنيات العسكرية التي لطالما كانت موضع جدل وانتقادات.
وضعت حكومة المملكة المتحدة قائمة مدعوين طويلة للحضور مع أكثر من 800 تاجر في المعرض. شملت القائمة ستة دول، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والبحرين ومصر والعراق، وجميعها مصنفة من قبل وزارة الخارجية البريطانية كأولويات من ناحية انتهاكات حقوق الإنسان.
بالنسبة للدكتور صمويل بيرلو فريمان من حملة مناهضة تجارة الأسلحة، فإن قائمة الدول التي تمت دعوتها تُظهر أن حكومة المملكة المتحدة “ليست جادة بشأن ضوابط تصدير الأسلحة، أو السلام العالمي، أو حقوق الإنسان، أو الحكم الرشيد”.
ووفقًا لمنظمة الشفافية الدولية، فإن سبعة من الدول المدعوة لديها قطاعات عسكرية معرضة لخطر الفساد، ويشمل ذلك السعودية ومصر والعراق، وكذلك المغرب وعمان وقطر.
بالنسبة للدكتور صمويل بيرلو فريمان من حملة مناهضة تجارة الأسلحة، فإن قائمة الدول التي تمت دعوتها تُظهر أن حكومة المملكة المتحدة “ليست جادة بشأن ضوابط تصدير الأسلحة، أو السلام العالمي، أو حقوق الإنسان، أو الحكم الرشيد”.
وقال في حديثه مع موقع “ميدل إيست آي” إن “صفقات الأسلحة التي أُبرمت في معرض “دي إس إي آي” ستجعل العالم مكانًا أكثر خطورة”.
الاحتجاجات “مصدر إزعاج”
يعد الحدث، الذي تديره شركة تسمى “كلاريون إيفنتس” المحدودة ووحدة ترويج تصدير الأسلحة التابعة للحكومة البريطانية، مستهدفا من قبل المتظاهرين والجماعات الحقوقية التي تعارض تجارة الأسلحة، لا سيما التصدير إلى الدول التي لها سجل من انتهاكات حقوق الإنسان.
على سبيل المثال، يبيع العديد من العارضين الأسلحة ل”إسرائيل” التي ارتكبت جرائم حرب ضد المدنيين الفلسطينيين في مناسبات كثيرة، وكذلك السعودية، التي قادت تحالفًا من الدول لخوض حرب مدمرة في اليمن، مما جعل البلاد تعيش أسوأ أزمة إنسانية في العالم. حتى الآن، أدى الصراع إلى نزوح ما لا يقل عن أربعة ملايين شخص ومقتل أكثر من 233 ألفا.
في الأسبوع الماضي، نشرت الأمم المتحدة، التي تقول إن اليمن عالق في “حرب مجهولة المصير“، تقريرا أشار إلى أن دولًا، من بينها المملكة المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة، تواصل “دعمها لأطراف النزاع بطرق تشمل عمليات بيع الأسلحة”، مضيفا أن “مبيعات الأسلحة تغذي الصراعات وتديمها”.
كشفت تقارير عن بيع عدد من الشركات معدات محظورة لتكبيل الأرجل في معرض “دي إس إي آي” سنة 2007، ثم مرة أخرى سنة 2011، وهي السنة التي تم فيها طرد اثنين من العارضين بسبب الترويج للذخائر العنقودية.
شملت جهود المتظاهرين محاولات إغلاق مداخل المعرض يوم الثلاثاء، ومحاولة أحدهم تجاوز رجال الأمن عن طريق ارتداء زي تنكر. وقام محتجون آخرون من اتحاد الشباب الشيوعي بإشعال قنابل دخان داخل المعرض.
Protesters are still blocking the road at the entrance to the DSEI arms fair as it opens today #ShutDownDSEI pic.twitter.com/ED2qUt2nB3
— Stop The Arms Fair! (@StopTheArmsFair) September 14, 2021
في هذا الشأن، تقول لين بليس، وهي عضو من مجموعة متقاعدين تسمى “ماد هاترز”: “لا أصدق أن الناس يعتقدون أنه من المقبول صنع الأسلحة والاستمرار في قتل الناس. كل ما يريد هؤلاء الأشخاص فعله هو جني الأموال من بيع الأسلحة والتسبب في الموت والدمار – وهذا غير إنساني إطلاقا”.
وأشارت إلى أن ما يقرب من 50 شخصًا انضموا إلى مجموعتها في مسيرة من ستراتفورد إلى مركز المؤتمرات المملوك لشركة أبوظبي الوطنية للمعارض.
في الأيام التي سبقت الحدث، حاول المتظاهرون إغلاق الطرق التي كان العارضون يستخدمونها لنقل منتجاتهم إلى لندن، وتسببت الاحتجاجات بإثارة غضب منظمي الحدث. في هذا الخصوص، أكد المتحدث باسم معرض “دي إس إي آي”، اللواء رودي بورتر، لموقع “ميدل إيست آي”: “إنه مصدر إزعاج بالنسبة لنا، ولا شك في ذلك. قد يُلطخ الناس بالطلاء، أو لا يمكنهم الدخول إلى البوابة وما إلى ذلك.. لكننا ندرك أن الأشخاص المهتمين يجب أن يوضحوا وجهة نظرهم”.
وقال بورتر إنه “يمكن للمرء إجراء نقاش طويل حول حقيقة أن لدينا القدرة على الدفاع عن الحريات التي نتمتع بها”، وأن هذا “يتيح للناس الفرصة للاحتجاج كما يفعلون الآن”.
مضيفا: “بغض النظر عن الزخم الذي تشهده تلك المظاهرات، فمن الواضح جدًا.. من خلال أخذ الانتخابات العامة كمقياس، أن الغالبية العظمى من الناس يفهمون أهمية الدفاع عن حدودنا، ومصالحنا ومصالح حلفائنا السيادية في جميع أنحاء العالم”.
بالمثل، أقيمت مظاهرات ضد معرض أسلحة آخر تستضيفه بريطانيا في ليفربول في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
البدلات والأزياء الرسمية
كان من المقرر أن يقوم فريق السهام الحمر، وهو فريق الطائرات البهلوانية التابع لسلاح الجو الملكي البريطاني، بتقديم استعراض جوي يوم الثلاثاء، لكن الأمطار أفسدت العرض.
مع ذلك، كان الجو السائد في المعرض يوم الثلاثاء مرحًا. كان بالإمكان رؤية ضابطين من البحرية الإسبانية، يتجاذبان أطراف الحديث بحرية ويتجولان أمام المدرجات. في مكان آخر من المعرض، زائر يستفسر عن أحذية عسكرية، وآخر يقول إن “ممارسة الأعمال التجارية مع تايوان ليس بالأمر السهل”. كان البعض يرتدي زيا عسكريا، والبعض الآخر يرتدي البدلات الرسمية، لكنهم يجتمعون معا في “جناح الأعمال الكندي”، حيث يتحدثون ويحتسون القهوة ويعملون على أجهزة الكمبيوتر المحمولة.
في كل زاوية من متاهة الأكشاك، ترى طائرات مسيرة ومروحيات ودبابات متلألئة، مع شعارات مثل “حلول تنقل رفيعة” و”فولاذ مدرع يفخر بتراثه”.
وفي جميع أنحاء المعرض، تعرض الشاشات الكبيرة مقاطع فيديو متكررة لانفجارات، وإقلاع الطائرات النفاثة من حاملات الطائرات، ومسيرة قوارب مظلمة عبر المياه ومقاطع لأشخاص ينظرون إلى خرائط معقدة في غرف القيادة ذات اللون الأزرق والأسود.
وفي كشك آخر، وُضعت صورة دبابة بألوان العلم البريطاني، وكتب عليها: “بريطانية المنشأ”.
ويقول وزير الدولة البريطاني لمشتريات الدفاع جيريمي كوين، إنه يأمل أن يساعد المعرض المملكة المتحدة في الحفاظ على “مكانتها كمصدّر عالمي رائد، وضمان أمن شعبنا وازدهاره للعقود القادمة”.
وردا على سؤال حول دور “دي إس إي آي” في هذه الرؤية المتفائلة لتجارة الأسلحة البريطانية، يقول المتحدث باسم المعرض لموقع “ميدل إيست آي”: “بخصوص ما كان يتحدث عنه وزير مشتريات الدفاع، فإن بإمكاننا توفير منصة لبعض هذه المناقشات. نحن نوفر غرف الاجتماعات، وخبراء الدفاع في الموقع.. وعلى نفس المنوال، فإنه يتيح لقطاع الدفاع أن يقول، هذا هو طموحك، وهكذا يمكننا تحقيقه”.
لا تعليق
كان من بين العارضين مصنعو أسلحة إسرائيليون سبق أن خضعوا للتدقيق لأن الجيش الإسرائيلي استخدم منتجاتهم لقتل الفلسطينيين. ولم يدل ممثلو شركة “إلبيت سيستمز يو كي”، ولا شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية، بأي تعليق عند التواصل معهم.
وتزعم شركة رافائيل الإسرائيلية للصناعات العسكرية أنه لم يكن لديها أي موظف يستطيع الحديث إلى مراسلي وسائل الإعلام، لكنني لاحظت أن أحد رجال فريق “رافائيل” الأمني كان يحدق بي.
ألقيت عليه تحية سريعة، ولم يستجب لها إلا بنظرة صامتة. عندما سألته عما إذا كانت هناك مشكلة، أجاب: “إنه معرض – يمكنك أن تفعل ما تريد”.
وعند محاولة التحدث مع شركات أخرى في المعرض، مثل “لوكهيد مارتن” و”نورثروب غرومان” و”رايثيون”، وهي شركات أمريكية تبيع أسلحة لدول من بينها “إسرائيل” والسعودية، قالت الشركات إنها غير قادرة على إجراء مقابلات صحفية.
ينطبق الأمر نفسه على شركة “ليوناردو” الإيطالية التي تبيع الأسلحة ل”إسرائيل” والمملكة العربية السعودية، والتي تورطت في العديد من فضائح الفساد، وكذلك شركة “تاليس”، حيث استخدم التحالف الذي تقوده السعودية أسلحتها في اليمن. وتواجه الشركة تهماً بالفساد، لكنها نفت تلك الاتهامات.
عندما اقتربنا من عسكريين بريطانيين يرافقون مندوبين من المملكة العربية السعودية ومصر يرتدون الزي الرسمي، أكدوا لميدل إيست آي أنهم لا يستطيعون إجراء مقابلات صحفية.
وقال متحدث باسم شركة أخرى تبيع أسلحة للسعوديين والإسرائيليين، وهي شركة “بي أي إي سيستمز” البريطانية (الشركة الوحيدة التي تحدثت لموقع ميدل إيست آي يوم الثلاثاء):”نحن نبيع الأسلحة فقط للحكومات الشرعية”.
وعندما سُئلت عما قد يتطلبه الأمر حتى يتم اعتبار الحكومة غير شرعية، بالنظر إلى سجل المملكة العربية السعودية في قتل المدنيين باليمن على سبيل المثال، أجابت بأن الشركة “تراجع بانتظام مبادئ التجارة الخاصة بها” ورفضت إبرام صفقات مع دول معينة، لكن دون تحديدها.
عندما اقتربنا من عسكريين بريطانيين يرافقون مندوبين من المملكة العربية السعودية ومصر يرتدون الزي الرسمي، أكدوا لميدل إيست آي أنهم لا يستطيعون إجراء مقابلات صحفية.
وقال متحدث باسم الحكومة البريطانية لميدل إيست آي: “توفر صادرات الدفاع والأمن 250 ألف وظيفة في جميع أنحاء المملكة المتحدة وتساهم بأكثر من 1.8 مليار جنيه إسترليني في الاقتصاد. نقوم دائمًا بإجراء فحوصات صارمة قبل دعوة الحكومات الأجنبية لهذه المؤتمرات والمعارض، بما في ذلك معرض معدات الدفاع والأمن الدولي 2021”.
وصمة عار
من المستحيل تحديد حجم الصفقات التي تم إبرامها في المعرض، حيث ترفض الشركات الكشف عن التفاصيل وغالبًا ما تؤدي العروض والاجتماعات والجلسات إلى توقيع الصفقات بعد أشهر قليلة.
كان العارضون والزوار -وأغلبهم من الذكور- سعداء بوضوح باللقاء مرة أخرى بعد الوباء، واختُتم اليوم بالضحكات والمجاملات.
في الخارج، لم تبق إلا لافتة واحدة من الاحتجاجات معلقة بالقرب من متجر بجانب مركز إكسيل. وعلى ضفاف نهر التايمز، يصرخ أحد المتظاهرين “عار عليكم”، موجها كلامه لزوار المعرض أثناء خروجهم متجهين إلى الفنادق القريبة.
وفي مقهى قريب، جلس ثلاثة متظاهرين، يرتدون شارات تحمل العلم الفلسطيني، وناقشوا مظاهرات اليوم.
وبعد دقائق من مغادرتهم، جلس أربعة أشخاص يتبادلون الضحكات، وناقشوا ما شاهدوه في المعرض خلال اليوم الأول.
تقول سيانا بانغورا من الحملة الدولية لمكافحة تجارة الأسلحة في بيان “معرض معدات الدفاع والأمن الدولي عار وإهانة لسكان لندن”.
وتضيف: “كما أكد عمدة لندن، فإن الأسلحة التي سيعرضها مندوبو معرض معدات الدفاع والأمن الدولي في مركز إكسيل غالبًا ما تكون هي نفسها التي دمرت الأوطان والمجتمعات التي ينتمي إليها الكثير من سكان المدينة”.
المصدر: ميدل إيست آي