تتزايد كل يوم الأصوات المطالبة بحقوق المرأة بين صفوف النساء اللواتي يرتدين الحجاب، حتى إن كنّ لا ينتمين إلى حركات نسوية منظَّمة، ولكنهن ينادين بضرورة التصدّي للإجحاف المجتمعي الكبير بحق النساء.
ومن المتوقّع أن تواجه تلك النساء في هذه الحالة مقاومة شرسة من المجتمع الذكوري، كما هو الحال مع جميع الحركات النسوية والناشطات النسويات على مرّ التاريخ، ولكن بالإضافة إلى ذلك تواجه النساء المحجبات ضغطًا هائلًا من بعض المنتمين والمنتميات إلى الحركة نفسها، فهم بالنسبة إلى البعض غير مرحَّب بهنّ كنسويات ما لم يتخلوا عن غطاء الرأس.
لماذا تهاجم بعض النسويات الحجاب؟
يرتبط الحجاب بذهن البعض، خصوصًا في الغرب، بالإرهاب والقمع والتشدّد، ويُنظر إلى المحجبة على أنها ضحية اضطهاد أسري من نوع ما، حيث يتم تأطير الحجاب على أنه قطعة قماش مفروضة على النساء من خلال دينها وثقافتها.
كما يُعتبَر الحجاب بنظر هذه الفئة من الناشطات والنشطاء بالحركة النسوية، أنه أداة لقمع المرأة وفرض السلطة الذكورية عليها من خلال النظام الأبوي الموجود في الإسلام والأديان الأخرى، وقد يذهب البعض منهم إلى حدٍّ متطرف أكثر وإنكار الانتماء النسوي على أي إنسان يتبع الإسلام أو أي ديانة أخرى ويمارس أو تمارس معتقداتها.
بالإضافة إلى ذلك، يعتقد بعض الأشخاص النسويين المعادين للمحجّبات النسويات، أن الفكرة من وراء الحجاب هي حماية المرأة من التحرش وانحرافات بعض الرجال، والأولى برأيهم هو محاولة ضبط هؤلاء الرجال والسيطرة عليهم عوضًا عن فرض الحجاب على المرأة.
ما هو ردّ النسويات الداعمات للحجاب؟
في عمودها في صحيفة “غارديان”، تقول الكاتبة نادية تاكوليا، والتي تبنّت الحجاب بعد الخوض في النسوية: “لا يتعلق الأمر بالحماية من شهوات الرجال، عندما أرتدي الحجاب أنا أقول للعالم: إن أنوثتي غير متاحة للاستهلاك العام، أنا أتحكّم بها ولا أريد أن أكون جزءًا من نظام يقلِّل من النساء ويحطّ من قدرهن، لقد حررني الحجاب من توقعات المجتمع للمرأة”.
وتتابع نادية تاكوليا توصيف مشكلة الصورة النمطية عن المحجبات وعدم صحّتها أحيانًا: “هناك الكثير من سوء الفهم حول علاقة النساء بالحجاب. بالطبع البعض يختار غطاء الرأس لأسباب دينية، والبعض الآخر لأسباب تقليدية أو حتى بسبب الموضة، ولكن في مجتمع تبدو فيه قيمة المرأة مركّزة على سحرها الجنسي، ترتدي بعض النساء الحجاب كبيان نسوي صريح يؤكد على طريقة بديلة لتمكين المرأة. الدافع هنا هو السياسة وليس الدين. أنا واحدة من هؤلاء النساء”.
وفي رسالتها عن الرحلة التي خاضتها قبل قرار ارتداء الحجاب، وعن دور المجتمع الحالي في ذلك، تقول: “لم يكن ارتداء الحجاب شيئًا اعتزمت القيام به، بل كان شيئًا عثرتُ عليه بشكل غير متوقّع عندما كنت طالبة، أقرأ الأدب النسوي وأبحث في قصص حياة النساء في مجال صناعة الجنس، ابتداءً من إعلانات العطور والملابس إلى دمى الأطفال ونهائيات X Factor، لن تحتاج إلى الذهاب بعيدًا لترى أن مزيج المرأة/ الجنس موجود في كل مكان، ما يجعل الكثير منا يشعر وكأنه بيدق في لعبة الجمال في هذا المجتمع، اللعبة التي تشجّعني بشكل مستمر على الحصول على هذا الشكل المثالي (غير الموجود)”.
وتكمل: “من المؤكد أن الحجاب لم يكن الطريقة الوحيدة للتعبير عن مشاعري وإحباطي؛ لكن مع العلم أن تفسيرنا للتحرُّر يشمل إن لم يكن يشجِّع على الاستعراض، قررت أن أرفض ما يتوقّعه المجتمع مني، وأن أختار التستُّر”.
تنادي النساء المحجبات بضرورة الاعتراف بحرّية المرأة ليس فقط في اختيار نمطها الخاص من اللباس، ولكن أيضًا حريتها بتشكيل معانيه وطريقة فهمه، عوضًا عن محاولة فرض تفسيرات معيّنة عليهن.
تمَّ التقاط الرسالة نفسها بشكل خلّاق من قبل أحد فناني الشارع الفرنسيين، الذي قامَ بتعديل إعلانات المترو ذات الطابع الجنسي من خلال رسم الحجاب الإسلامي على صور عارضات يرتدين البكيني، ليرسل رسالة مشابهة لرسالة ناديا تاكوليا، مفادها أن أجساد النساء ليست للبيع.
وفي حين تعتقدُ الجهات النسوية المعادية للحجاب أن ارتداء غطاء الرأس والتستُّر يوحي بأن المرأة مجرد أداة جنسية من الواجب إخفائها عن الأنظار، تردّ النسويات المحجبات والداعمات والداعمين لهنّ بأن الحجاب الحقيقي يرفض إضفاء الطابع الجنسي على أجساد الإناث من خلال تغطيتها، بل تكتسب النساء من خلال الحجاب إحساسًا باحترام الذات دون الالتزام بمعايير الجمال الرأسمالية، ويروِّجون لنسخة جديدة من النسوية.
كما تنادي النساء المحجبات بضرورة الاعتراف بحرية المرأة ليس فقط في اختيار نمطها الخاص من اللباس، ولكن أيضًا حريتها بتشكيل معانيه وطريقة فهمه، عوضًا عن محاولة فرض تفسيرات معيّنة عليهن.
عنصرية أم نسوية؟
جاء في إحدى أوراق البحث النرويجية التي صدرت بعد مناقشة الحكومة في النرويج منع النقاب، أن مسألة التحكم بملابس النساء المسلمات والحكم عليها هي نوع من أنواع الإمبريالية الثقافية، حيث يتمّ تصوير النساء المسلمات على أنهن ضحايا ليس لديهن أي سلطة في ظل النظام الأبوي الراسخ في الإسلام، وبحاجة إلى تحرير النساء البيض (الأوروبيات) لهنّ. ووفقًا لورقة البحث، غالبًا ما يتم تقديم هذا الطرح العنصري منتكّرًا بزيّ النسوية، وهو خطاب يعزز طريقة السرد الاستعمارية.
من جهة أخرى تقول داليا مجاهد، مديرة الأبحاث في معهد السياسة الاجتماعية والتفاهم، وهي منظَّمة غير ربحية تعمل على تمكين المسلمين الأميركيين، “إن “الحجاب شكل من أشكال اضطهاد المرأة” ليس فقط رواية عنصرية، بل هي أيضًا متحيّزة جنسيًّا”. وذكرت داليا مجاهد أن افتراض أن حجاب المرأة تمّ إجباره عليها دون سؤالها هو افتراض أن المرأة المسلمة تنظر إلى الأنماط الغربية على أنها مثالية.
لا بد من تذكُّر أن جميع هذه الادّعاءات تمثل أصحابها، حيث تضمّ الحركة النسوية طيفًا واسعًا جدًّا من الأفكار والنزعات تحت مظلتها، وهي في قسم كبير منها داعمة للنساء ولجميع خياراتهن بما في ذلك الحجاب.
ووفقًا لمجاهد فإنه نقلًا عن استطلاعات رأي “غالوب” لـ 90٪ من سكان العالم المسلمين، الحجاب اختيار من قبل الغالبية العظمى من النساء اللواتي يرتدينه، خاصة في الولايات المتحدة حيث يوجد ضغط اجتماعي كبير لعدم ارتدائه، وليس العكس.
وقالت مجاهد التي ترتدي الحجاب: “الظلم يعني انتزاع السلطة من شخص ما. المرأة المحجبة تغطي جسدها وشعرها فقط، وليس صوتها أو عقلها. وماذا عن الرجل الذي يرتدي رداءً كاملًا وغطاء رأس كما هو حال الكثيرون في الشرق الأوسط؟ لماذا لا يقال أنه مظلوم؟ القول إن الحجاب يضطهد المرأة يعني أن مصدر قوة المرأة هو جسدها وليس عقلها، على عكس مصدر قوة الرجل”.
في النهاية لا بد من تذكُّر أن جميع هذه الادّعاءات تمثل أصحابها، حيث تضمُّ الحركة النسوية طيفًا واسعًا جدًّا من الأفكار والنزعات تحت مظلتها، وهي في قسم كبير منها داعمة للنساء ولجميع خياراتهن بما في ذلك الحجاب.