ترجمة وتحرير: نون بوست
أدى سقوط أفغانستان في أيدي حركة طالبان خلال الأسابيع الأخيرة إلى صدمة في صفوف التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، لكن بالنسبة لقطر، خلق الانتصار العسكري السريع للحركة فرصًا غير مسبوقة.
ففي أعقاب الانسحاب الغربي المحموم من أفغانستان، أثبتت الإمارة الخليجية الصغيرة أنها المُحاور الأكثر أهمية، في ظل قدرتها على التواصل مع الأطراف الدولية ومع حركة طالبان.
بدا أن الاستثمار الذي قامت به الدوحة في استضافة أعضاء الحركة بناءً على طلب واشنطن لما يقرب من عقد من الزمان قد آتى ثماره، حيث سهل على قطر الإشراف على المحادثات بين الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية وطالبان، وكان ذلك أفضل صفقة منذ أن وضعت الدوحة أموالها في إنتاج الغاز الطبيعي المسال.
ورغم أن الخصوم والمنافسين على حد سواء – وفي مقدمتهم أبو ظبي والرياض – استخدموا علاقة قطر مع طالبان لاتهامها بدعم الإرهاب، لكن الأهم أنه لا شيء يحدث حاليا في كابول دون مشاركة قطر.
السؤال الذي يطرحه معظم المحللين والسياسيين حاليًا، هو إلى أي مدى سيُترجم نفوذ قطر الاستراتيجي في أفغانستان إلى تأثير، أو حتى سيطرة، على حكام كابول الجدد. الجواب على هذا السؤال معقد، لأن طالبان ليست كتلة متجانسة.
عدو مشترك
خلال عقود من التمرد، انصهرت مجموعة من التنظيمات والأيديولوجيات المختلفة في صلبة الحركة التي بقيت متماسكة حتى الآن، حيث واجهت عدوًا مشتركًا. مع رحيل هذا العدو ووجود الحكومة الأفغانية في المنفى، قد تكشف عملية الانتقال من جبهة التمرد إلى سدة الحكم عن بعض التصدع داخل جدران الحركة.
وضعت عملية تشكيل الحكومة عناصر حركة طالبان الأكثر تحفظًا وتشددًا في مواجهة أولئك الذين يؤمنون بمقاربة أكثر براغماتية داخليا وخارجيا. يبدو أن اختيار الملا آخوند رئيساً جديداً للوزراء بالإنابة كان صفقة تصب بالأساس في صالح العناصر الأكثر راديكالية في الحركة.
الدبلوماسية المكوكية
كانت قطر منخرطة في الغالب مع الأعضاء الأكثر براغماتية واعتدالًا في حركة طالبان، والمقربين من الملا برادر، الذي يعيش في الدوحة منذ عدة سنوات. على مر السنين، تمكنت قطر من بناء علاقات جيدة مع ممثلي طالبان الذين كانوا يديرون المكتب في الدوحة وأظهروا استعدادًا لتحويلها من منظمة متمردة إلى حركة سياسية فاعلة في أفغانستان.
على وجه الخصوص، أثبت برادر أنه شريك موثوق به للقطريين، حيث تبنى أطروحات الدوحة عن الحوكمة الشاملة واحترام حقوق المرأة والعفو عن موظفي الحكومة السابقين، حتى إن كان ذلك بدافع البراغماتية البحتة. والسبب هو أن العودة إلى فترة التسعينيات، عندما حكمت طالبان البلاد بالقوة، لا يبدو ممكناً حاليا، بالنظر إلى أن 80 ألف مقاتل قد يجدون صعوبة في السيطرة على أكثر من 35 مليون أفغاني من خلال القوة المطلقة وحدها.
ويشارك في تبني هذه الأفكار أمير خان متقي، القائم بأعمال وزير الخارجية في حكومة طالبان، وذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم الحركة، وكلاهما لا يثق في القطريين فحسب، بل يرى في الدوحة شريان حياة لا غنى عنه للتواصل مع العالم الخارجي.
على الجانب الآخر، هناك مسلحو شبكة حقاني المرتبطون بباكستان، والذين تحملوا الكثير من أعباء الصراع في السنوات الأخيرة. تم تصنيف الشبكة كمنظمة إرهابية بسبب صلاتها بالقاعدة، وهي تسيطر حاليا على شوارع كابول، لذلك لم يكن من الغريب تعيين سراج الدين حقاني وزيرا للداخلية بالوكالة.
لطالما عارضت شبكة حقاني، الأكثر أصولية والأقل براغماتية، أي تواصل مع الغرب أو مفاوضات مع الحكومة الأفغانية السابقة، مما جعلها في مواجهة المعتدلين المحيطين بالملا برادر.
كلما أصبحت قطر أكثر أهمية بالنسبة للحركة، تقلصت المسافة بين الأعضاء الأكثر تشددا في طالبان وبين الدوحة. مع ذلك، مازال نفوذ قطر مرتبطا إلى حد الآن بالمعتدلين المحيطين بالملا برادر.
لذلك، ليس من المستغرب أن يكون نفوذ قطر على الشبكة وقادتها محدودا. وتعتمد الدوحة على باكستان لكبح جماح عناصر حقاني، وهو أمر غالبًا ما كانت المخابرات الباكستانية عاجزة عن القيام به، أو غير راغبة بذلك.
شهدت الدبلوماسية المكوكية القطرية في الأيام الأخيرة لقاء وزير خارجيتها مع نظرائه في إسلام آباد وطهران وأنقرة قبل الاجتماع بأعضاء بارزين في حكومة طالبان التي تم تشكيلها حديثًا.
وقد دعت قطر حركة طالبان مرة أخرى إلى بناء دولة حديثة تقوم على إدماج كل مكونات الشعب وتحقيق العدالة الاجتماعية، ويعتمد نفوذ الدوحة أساسا على حاجة طالبان للدولة الخليجية كبوابة على العالم الخارجي.
وكلما أصبحت قطر أكثر أهمية بالنسبة للحركة، تقلصت المسافة بين الأعضاء الأكثر تشددا في طالبان وبين الدوحة. مع ذلك، مازال نفوذ قطر مرتبطا إلى حد الآن بالمعتدلين المحيطين بالملا برادر.
المصدر: ميدل إيست آي