كيف تدار العملية الدعائية للانتخابات البرلمانية العراقية؟

يقترب موعد الانتخابات التشريعية بالعراق يومًا بعد آخر، انتخابات تعد مفصلية في البلاد بحسب كثير من المراقبين، خاصة أنها تأتي قبل موعدها بأشهر إثر التظاهرات الشعبية التي عمت البلاد منذ الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2019 واستمرت حتى أشهر خلت.
ومع اقتراب موعدها تتزايد وتيرة الصراعات السياسية والتسقيط، بما يجعل هذه الدورة الانتخابية الأكثر سخونة منذ الغزو الأمريكي للبلاد عام 2003.
“نون بوست” يعرف القارئ العربي على خفايا الانتخابات التشريعية المقبلة في البلاد وكيف تدار العملية الدعائية وما تتضمه من هجمات بين الكتل السياسية ومحاولات تسقيط كل كتلة لمنافساتها.
عدد كبير من المرشحين
تتسم الدورة الانتخابية الحاليّة بمشاركة عدد كبير من المرشحين، تقول المتحدثة باسم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بالعراق جمانة الغلاي إن عدد المرشحين للانتخابات القادمة يبلغ 3249 مرشحًا موزعين على محافظات البلاد الـ18.
أنفقت كتلة سياسية حتى الآن على الدعاية السياسية ما يقرب من 150 مليون دولار أمريكي
وتضيف الغلاي في حديثها لـ”نون بوست”: “هؤلاء المرشحون موزعون على عدد الدوائر الانتخابية في البلاد التي تبلغ 83 دائرةً انتخابيةً مقسمةً وفق التعداد السكاني لكل محافظة، وذلك بعد أن كان عدد الدوائر الانتخابية 18 فقط خلال الدورات الانتخابية السابقة قبل تعديل قانون الانتخابات العام الماضي”.
حرب الدعاية الانتخابية
لا تقتصر المنافسة الانتخابية على الدعاية الانتخابية المتعارف عليها، وهو ما يعكف جميع المرشحين عليه في مختلف أصقاع العالم، يقول النائب عن اللجنة المالية النيابية أحمد حمة رشيد إن الدعاية السياسية للانتخابات وصلت إلى مبالغ طائلة بملايين الدولارات.
وبين رشيد في حديثه لـ”نون بوست” أن كتلة سياسية – لم يسمها – أنفقت حتى الآن على الدعاية السياسية ما يقرب من 150 مليون دولار أمريكي، مشيرًا إلى أن المال السياسي والسلاح المنفلت دخلا بقوة في هذه الانتخابات في ظل عدم وجود أي محددات قانونية لكم الأموال التي يُسمح للمرشح بإنفاقها على الدعاية الانتخابية.
أما المرشح عن الدائرة الثامنة في الموصل محمد رمو الحمداني فقد أكد من جانبه أن التسقيط والحرب الدعائية للانتخابات وصلت إلى مراحل وصفها بـ”المؤسفة” والمخالفة لضوابط الانتخابات الصادرة عن المفوضية.
وأكد الحمداني في حديثه لـ”نون بوست” أنه وغيره من المرشحين مستهدفون بتمزيق الدعاية الانتخابية في كثير من مناطق الموصل دون معرفة الجهة التي أقدمت على ذلك.
من جانبه، يقول المحلل السياسي محمد عزيز: “الانتخابات النيابية الحاليّة تعد الأصعب والأكثر تسقيطًا بين الكتل السياسية”، مستشهدًا بالصراع السياسي بين التيار الصدري وائتلاف دولة القانون.
وأضاف عزيز في حديثه لـ”نون بوست” أن المناكفات الإعلامية بين قيادات التيار الصدري من جهة ونظرائهم في دولة القانون من جهة أخرى وتسقيط كل طرف للآخر وادعاء كل منهم الفوز بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية جعل الانتخابات الحاليّة مليئة بالأحداث والتصريحات النارية التي تخرج كل يوم من ألسن مختلف القيادات السياسية في البلاد.
من جهته، أكد النائب عن تحالف سائرون سلام الشمري أن البلاد دخلت بما وصفه “الوضع الدقيق” مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات في العاشر من الشهر المقبل، فيما حذر من حملات التسقيط وبث الفوضى، وقال الشمري في بيان صحفي: “كلما اقترب موعد الانتخابات تزداد حملات التسقيط السياسي والتصفية الجسدية، من جهات هدفها تعكير الأجواء والتأثير على الناخبين وتقليل نسب المشاركة”.
جيوش إلكترونية
مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وازدياد أعداد مستخدميها في البلاد بعد أن وصل عدد مستخدمي شبكة فيسبوك إلى 20 مليون عراقي، كشف مركز الإعلام الرقمي العراقي عن رصد الكثير من الثغرات في قواعد الإعلانات السياسية المتعلقة بالانتخابات العراقية، بما يسمح بالإساءة للآخرين ضمن ممارسة التسقيط السياسي.
خطوة شركة فيسبوك بمنع الإعلانات السياسية مع اقتراب الانتخابات، تأتي للكشف عن حجم الأموال التي تصرفها الأحزاب السياسية في الحملات الدعائية بالمنصات الرقمية
وقال المركز في بيان صحفي: “تطبيق قواعد فيسبوك للإعلانات السياسية في العراق، التي وعدت الشركة بالعمل على تنفيذها، شابتها الكثير من الثغرات التي ما زالت تسمح بنشاط الإعلانات السياسية المسيئة للآخرين والمبنية على أخبار زائفة، التي يتم الترويج لها عبر المنصة”.
وأكد البيان أن فريق المركز رصد العديد من الإعلانات السياسية على منصة فيسبوك التي تمارس التسقيط والتشهير بحق بعض المرشحين بصورة أو بأخرى، وأن جميعها تندرج ضمن حرب سياسية غير قانونية متبادلة بين الكتل السياسية قبيل الانتخابات، بحسب نص البيان.
وكشف أن الجيوش الإلكترونية مستمرة في حملاتها ومنشوراتها المسيئة للآخرين ولم تستطع قواعد فيسبوك الجديدة إيقافها نهائيًا والحد من سلوكياتها، لا سيما في هذه الفترة التي تسبق الانتخابات.
يقول الأستاذ في الإعلام الرقمي أحمد محسن: “خطوة شركة فيسبوك بمنع الإعلانات السياسية مع اقتراب الانتخابات، تأتي للكشف عن حجم الأموال التي تصرفها الأحزاب السياسية في الحملات الدعائية بالمنصات الرقمية، وفي الوقت ذاته ستعمل أحزاب على استغلالها ضد خصومها عند زيادة حجم المبالغ وتطلق شعارات وعناوين أن هذه الأموال لو صرفت على فقراء البلاد أو لإقامة المشاريع الخدمية، لكان نفعها أكبر”.
وفي حال تطبيق هذا القرار، بحسب محسن، فإن الأحزاب والمرشحين البارزين سيضطرون للجوء لمبرمجين وشركات التحايل الإلكتروني التي تعمل على استغلال ثغرات الأمن الرقمي، بما سيسمح لهم بتحويل إدارة الصفحات الإلكترونية في حال وجودها خارج العراق إلى داخله، وبالتالي سيظهر هذا الإجراء أشخاصًا من خلف الكواليس يقدمون خدمات مقابل مبالغ مالية للعمل على هذا الجانب.
وكان مجلس القضاء الأعلى قد أعلن قبل نحو أسبوعين عن الإطاحة بمجموعة مبتزة للتلاعب بالانتخابات في العراق، وأوضح قاضي التحقيق المختص في بيان أن تحريات قضائية مبنيّة على الوسائل العلمية، قادت إلى كشف مجموعة أشخاص يحترفون الابتزاز الإلكتروني، كان هدفها الأول الإعداد للتلاعب بنتائج الانتخابات القادمة وتغيير نتائجها.
فيما أوضح المصدر ذاته أن الهدف الثاني لهذه المجموعة كان يتمثل بالإساءة لمختلف الشخصيات السياسية والاجتماعية في الدولة العراقية، لافتًا إلى أن أحد السياسيين – لم يسمه – اجتمع مع مجموعة من المبتزين في داره، وناقش موضوع الانتخابات والإعلام الخاص بهم.
وكشفت مصادر قضائية أن الاجتماع أفضى إلى إنشاء قناة على تطبيق تيليجرام تدعى “السيدة الخضراء” مؤمّنة برقم هاتف وهمي، وبدأت هذه القناة النشر والاستهداف بطريقة تهدف لزيادة الفوضى في الوضع السياسي وزيادة الخلافات بين الأحزاب السياسية.
تتصاعد وتيرة التسقيط السياسي في البلاد قبيل أيام من موعد إجراء الانتخابات العراقية التي يشوب نتائجها المرتقبة الكثير من الغموض، وسط تحذير كثير من المراقبين من أن المرحلة التي ستعقب إعلان النتائج الانتخابية قد تكون أشد وطأة من هذه المرحلة الصعبة أساسًا.