يعيش سكان إدلب قلقًا مستمرًّا رغم توقُّف حملة النظام العسكرية على المنطقة منذ نحو عام، بعد اتفاق روسي-تركي لوقف الأعمال العسكرية باتجاه مركز محافظة هو الأخير المتبقي تحت سيطرة المعارضة، وينبع هذا القلق من استمرار قوات النظام استهداف الأحياء السكنية بشكل شبه يومي وخاصة في منطقة جبل الزاوية، وسط أنباء استعدادات تركية لإطلاق حملة عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” شرق الفرات، فضلًا عن حشودات عسكرية روسية أسدية على تخوم إدلب.
إلى جانب ذلك، ستكون إدلب على رأس قائمة اجتماع روسي-تركي، وغالبًا ما يسبق هذه الاجتماعات تصعيد عسكري وقصف على الأرض لتحسين الوضع التفاوضي على الطاولة.
للوقوف على كل هذا، أجرى “نون بوست” حوارًا عبر تطبيق تيليغرام مع أبو مسلم الشامي، القائد العسكري البارز في هيئة تحرير الشام، والقيادي في غرفة عمليات الفتح المبين.
إلى الحوار..
بعد التصعيد العسكري الأخير لقوات النظام وروسيا بجبل الزاوية، هل هناك معركة مرتقبة في إدلب؟
المحتل الروسي وميليشياته يواصلون قصف مناطق مأهولة بالسكان في جبل الزاوية وغيره، سعيًا منه في تهجير المنطقة وإفراغها من سكانها المحليين، والمؤشرات الموجودة لا تدلُّ على قرب اندلاع معركة، ومع ذلك نحن وإخواننا في فصائل غرفة عمليات الفتح المبين على أتمِّ الاستعداد لمواجهة أي تحدٍّ أو عدوان قد تشهده المنطقة، فإعدادنا مستمر وجاهزيتنا مرتفعة ليس دفاعًا عن مناطقنا فحسب، بل سعيًا لتحرير ما سُلب واغتصب من أراضينا متى ما سمحت الفرصة بذلك.
برأيك، هل ستنسحب القوات التركية من قواعدها؟ وهل أنتم مستعدون لتغيُّر الموقف آنذاك؟
نحن في الثورة السورية نعمل على كل الاحتمالات ونتوقع كل السيناريوهات، ونؤمن أن رأسمالنا هو ثباتنا على المبادئ وإعدادانا على كل المستويات بفضل الله وتوفيقه، واعتمادنا على الله ثم على سلاحنا وأهلنا الذين ما خذلونا يومًا.
ثمّة معلومات تشي بوصول أسلحة نوعية إلى إدلب؟ هل فعلًا تملكون أسلحة لم تستخدَم بعد؟
قوات الاحتلال تتطور حربها يوميًّا، وبحسب اعترافها فإنها تجرّب أسلحة جديدة بشكل مستمر، حتى أن وزير دفاع دولة الاحتلال الروسي سبق وصرّح أن المحتلين الروس جرّبوا خلال العدوان على أهلنا أكثر من 320 نوعًا من مختلف الأسلحة، بالمقابل الفصائل الثورية تبتكر وتبدع طُرقًا وأساليب جديدة وأسلحة نوعية وستظهر بالمكان والزمان المناسبَين.
يجري حديث عن تطويرات بالتكتيك العسكري، منها على سبيل المثال إلغاء أسلوب العربات المفخَّخة، ما تعليقك على ذلك؟
نعم هناك تطوير بالتكتيك العسكري بناءً على رؤية الخبرات والقادة العسكريين وتجربتهم خلال حرب الاستقلال والتحرر التي يخوضها شعبنا منذ سنوات، وبالنسبة إلى إلغاء أسلوب العربات المفخَّخة وسلاح المفخخات أو السيارات المتحكَّم فيها عن بُعد فهذا غير صحيح، وما زالت تُستعمل في ضرب أهداف العدو العسكرية ومراكز تجمُّع الميليشيات الإيرانية والروسية المحتلة لأراضينا.
أسَّست هيئة تحرير الشام “إدارة التجنيد العسكري” كبديل عن “مراكز الانتساب”، ما وظيفة هذه الإدارة؟ وهل هناك نيّة لفرض التجنيد الإجباري بإدلب؟
برزت شُعب التجنيد بالتوازي مع التطورات العسكرية التي تشهدها المنطقة، وهي عدة شُعب موزَّعة في كل جغرافيا المناطق المحرَّرة، تتركز وظائفها في استقبال وتنظيم الراغبين في الانضمام إلى صف الثورة، من خلال منظومة عسكرية متكاملة في مختلف التخصصات، وقد حددنا سنّ الانخراط من 18 عامًا إلى 35 عامًا، وتشرف هذه الشُّعب بلجانها المختصة على تقييم المنتسبين وفق معايير عسكرية معيَّنة، ثم فرزهم حسب التخصصات والصنوف العسكرية.
وبالنسبة إلى فرض التجنيد الإجباري، فالأمر غير مطروح وحتى لم يتم النقاش فيه.
تُتَّهم الهيئة بالهيمنة على المجلس العسكري الذي أسَّسته فصائل عمليات الفتح المبين، هل يوجد فصائل بإدلب خارج هذا المجلس؟ ولماذا؟ وما هو مصيرها؟
كما هو معروف بالعمل العسكري، فإنه لا يصلح معه تشتُّت الجهود، وغرفة عمليات الفتح المبين تضمُّ كبرى فصائل المنطقة، والقرارات العسكرية داخل الغرفة تصدر بعد المشاورة والدراسة المعمَّقة مع كل الكيانات المنضوية تحت الغرفة، ولا صحّة لهيمنة فصيل واحد أو تفرُّده بالقرار داخلها.
هناك العديد من الاتفاقيات الدولية المرتبطة بملف إدلب كسوتشي واتفاق موسكو، هل أنتم ملتزمون بهذه الاتفاقيات؟
نحن كفصائل ثورية وشعب في المناطق المحررة أصحاب قضية عادلة، هدفنا تحرير أرضنا واستعادة كرامتنا من النظام الغاشم، فلا تعنينا هذه الاتفاقيات التي تُنقَض عند أول وهلة، حيث سبق وأن بانت هشاشتها، واعتمادنا الأول والأخير على الله ثم سلاحنا والحاضنة الشعبية.
أخيرًا، مع عودة الحديث عن معركتَي منبج وشرق الفرات ضد “قسد” بدعم تركي، هل ستشاركون بتلك المعارك؟
بخصوص المعارك في شرقي سوريا ضد عصابات “قسد”، ففي هذه المرحلة تركيزنا منصبّ على حماية جبهات إدلب والدفاع عن أهلنا في هذه المناطق، فحماية أهلنا وأرضنا هي أولوية لنا.
اعتذر أبو مسلم عن الإجابة على أسئلة أخرى طرحناها عليه، كونها خارج الاختصاص العسكري وتتعلق بجوانب سياسية وأخرى تُعنى بالشأن العام في إدلب، فتوجهنا بها إلى المكتب الإعلامي في هيئة تحرير الشام الذي أجاب عنها.
ما هي طبيعة علاقة الهيئة بالأتراك، خاصة أن العلاقة مرَّت بمراحل بعضها كان سلبيًّا والآخر إيجابيًّا؟
العلاقة بين الشعبَين السوري والتركي علاقة تاريخية ويشملها العديد من نقاط الالتقاء القيمية والدينية وكذلك الجغرافية، فأي حدث في البلدَين يتأثر الجار بذلك ويهتم له ويمدُّ يد العون والمساعدة.
ما تعرّض له الشعب السوري على يد النظام المجرم، دفع الجار التركي إلى اتخاذ مواقف أخلاقية وعملية حقيقية لتخفيف معاناة أهلنا ومحاولة المساهمة في رفع الظلم عنه.
وأما ما يتعلق بالهيئة، فلا ننوي الخير إلا لكل من يعاون ويتبنّى قضية شعبنا العادلة في معركته التحررية في وجه النظام الظالم المجرم.
هل تغيرت السياسة تجاه المهاجرين المقاتلين في شمالي سوريا؟ وكيف يتمُّ التعامل معهم؟
نحن اليوم نتكلم عن ثورة سورية صابرة، أصبح عمرها 10 أعوام، تعايشَ فيها المهاجرون مع المجتمع المحلي، واليوم قطع المهاجرون أشواطًا كبيرة في اندماجهم في المجتمع، وقد تبنّوا سقف الأهداف التي يطمح إليها شعبنا ويدركون جيدًا طبيعة المعركة وتحدّياتها في كافة النواحي، فلا تغيُّر في السياسة العامة تجاه المهاجرين، ولا تمييز لدينا إلا فيما يتعلق بالسلوك والممارسة.
فعلى سبيل المثال، تمَّ ضبط العديد من العمليات الإجرامية تارة والمتعلقة بـ”داعش” تارة أخرى وكان منفذوها سوريين، فجنسيتهم ليست عصمة لهم عن المحاسبة والعقوبة، ومن المبكّر الحديث عن مستقبلهم قبل تحقيق أهداف ثورتنا أولًا.
ماذا عن التنظيمات الجهادية الأجنبية في الشمال السوري، مثل حرّاس الدين وجماعة أبو مسلم الشيشاني وغيرهما؟
نحن اليوم في حرب تحرير واستقلال مستمرة منذ 10 سنوات، وكل من يعيننا في معركتنا لأجل تحقيق أهداف ثورتنا فنحن نرحّب به، وكل من يتحول إلى أداة معرقلة وإجرامية ويتبنّى أهدافًا بعيدة عن طموحات شعبنا فإننا نرفضها ولا نقبل بها، والمحرَّر لم يعد يحتمل المغامرة الفصائلية والتنوع في الأهداف بعد التحديات التي عايشناها خلال الأعوام العشرة الماضية.
ما هي طبيعة العلاقة بين الهيئة والجيش الوطني؟
بالتأكيد العلاقة ليست مثالية دائمًا بين الشركاء، إلا أننا نتفق في الخط العريض في معركتنا وقضيتنا نحو إسقاط النظام المجرم وتمكين شعبنا الكريم من حريته وكرامته، ولكل مرحلة تحدياتها وصعوباتها، قد تختلف فيها وجهات النظر وتظهر التباينات في المواقف والآراء على السطح، إلا أننا نؤكّد أن خطنا العام هو التعاون مع الجميع ضمن أهداف ثورتنا الكريمة.